لقد قتل في معركة «بدر» من المسلمين أربعة عشر رجلا، وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون. ثم دفن شهداء بدر في جانب من أرض المعركة، وقبورهم باقية إلى الآن.
ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن يلقى بقتلى المشركين في البئر.
وبينما كان يسحب عتبة بن ربيعة الى البئر نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وجه «أبي حذيفة» ابن عتبة فاذا هو كئيب، قد تغيّر لونه فقال (صلى الله عليه وآله): يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟!
فقال: لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الاسلام، فلمّا رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الّذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك!!.
فدعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخير([1]).
إن هذه القصة لتكشف عن مدى حبّ المسلمين لدينهم، ورغبتهم الصادقة في أن يهتدي إليه الناس كما تكشف أيضا عن أنهم كانوا يقدّمون المعيار الديني على المعيار العائلي إذا تعارضا.
ما أنتم باسمع منهم:
لقد انتهت معركة بدر بانتصار عظيم في جانب المسلمين وهزيمة نكراء في جانب المشركين.
فقد غادر المشركون ساحة القتال هاربين صوب مكة مخلّفين وراءهم سبعين قتيلا من صناديدهم وساداتهم وفتيانهم الشجعان وسبعين أسيراً.
ولما أمر النبيّ بإلقاء قتلى المشركين في القليب([2]) وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند القليب وأخذ يخاطب القتلى واحدا واحدا ويقول:
«يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أميّة بن خلف، ويا أبا جهل (وهكذا عدّد من كان منهم في القليب) هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقا، فإنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا».
فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله أتنادي قوما موتى؟
فقال (صلى الله عليه وآله): «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني».
وكتب ابن هشام يقول: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال يوم هذه المقالة:
«يا أهل القليب بئس عشيرة النبيّ كنتم لنبيّكم كذّبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، (ثم قال:) هل وجدتم ما وعدكم ربّي حقّا؟»([3]).
سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) - بتصرّف، آية الله الشيخ جعفر السبحاني
([1]) السيرة النبوية: ج 1 ص 640 و 641.
([2]) القليب: البئر.
([3]) السيرة النبوية: ج 1 ص 639، السيرة الحلبية: ج 2 ص 179 و 180 وغيرهما.