خديجة (عليها السلام) في كلمات بعض المؤرخين
في رحاب الشهر المبارك
خديجة (عليها السلام) في كلمات بعض المؤرخين
عدد الزوار: 428
فيما يأتي بعض ما قاله المؤرخين عن السيدة خديجة (عليها السلام) ممّا يكشف عن عظيم مكانتها عند المسلمين أيضاً.
قال محمَّد بن اسحاق: كانت خديجة أولَ من آمن باللّه ورسوله وصدّقت بما جاء من اللّه، ووازرته على أمره فخفف اللّه بذلك عن رسول اللّه، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج اللّه ذلك عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بها إذا رجع إليها تثبِّتُه، وتخفّف عنه، وتهوّن عليه امر الناس حتّى ماتت رحمها اللّه([1]).
وعنه أيضاً: أن «خديجة بنت خويلد» و«ابا طالب» ماتا في عام واحد، فتتابع على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) هلاك خديجة وابي طالب وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام، وكان رسول اللّه يسكن إليها([2]).
وقال أبو امامة ابن النقاش: إن سبق خديجة وتأثيرها في اول الإسلام ومؤازرتها ونصرتها وقيامها للّه بمالها ونفسها لم يشركها فيهُ احدٌ لا عائشة ولا غيرها من اُمهات المؤمنين([3]).
وقد جاء في المنتقى: إن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عندما اُمِرَ بأن يصدع بالرسالة صعد على الصفا، وأخبر الناس بما أمره اللّه به فرماه أبو جهل قبحه اللّه بحجر فشجّ بين عينيه، وتبعه المشركون بالحجارة فهرب حتّى أتى الجبل، فسمع عليّ وخديجةٌ بذلك فراحا يلتمسانه (صلى الله عليه وآله) وهو جائع عطشان مرهق، ومضت خديجة تبحث عنه في كل مكان في الوادي وهي تناديه بحرقة وألم، وتبكي وتنحب، فنظر جبرئيل إلى خديجة تجول في الوادي فقال: يا رسول اللّه ألا ترى إلى خديجة فقد أبكت لبكائها ملائكة السماء؟ اُدعُها اليك فاقرأها مني السلام وقل لها: إن اللّه يقرئك السلامَ، ويبشّرها أن لها في الجنةِ بيتاً من قصب لا نصَبَ فيه ولا صخَب فدعاها النبي (صلى الله عليه وآله) والدماء تسيلُ من وجههِ على الارض وهو يمسحها ويردّها، وبقي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وعلي وخديجة هناك حتّى جَنَّ الليلُ فانْصرفوا جميعاً ودخلت به خديجةُ منزلها، فأقعدَتْه على الموضع الّذي فيه الصخرة واظلّته بصخرة من فوق رأسه، وقامت في وجهِه تستره ببُردها وأقبلَ المشركون يرمونه بالحجارة، فاذا جاءتْ من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة، وإذا رمَوْهُ مِن تحته وقتْهُ الجدرانُ الحُيّط، وإذا رُميَ من بين يديه وقتْهُ خديجة رضي اللّه عنها بنفسها، وجعَلتْ تنادي يا معشر قريش ترمى الحُرّةُ في منزلها؟ فلَمّا سمِعوا ذلك انصرفُوا عنه، وأصبَحَ رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله)، وغدا إلى المسجد يُصلّي([4]).
ولقد بَلَغ من خضوعها لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وحبّها له أنها بعد أن تمَ عقدُ زواجها برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قالت له (صلى الله عليه وآله): «إلى بيتك، فبيتي بيتك، وأنا جاريتك»([5]).
وجاء في السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية: ولسبقها إلى الإسلام وحسن المعروف جزاها اللّه سبحانه فبعث جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو بغار حراء وقال له: اقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب؛ فقالت: هو السلام ومنه السلام وعلى جبرئيل السلام، وعليك يا رسول اللّه السلام ورحمة اللّه وبركاته، وهذا من وفور فقهها رضي اللّه عنها حيث جعلت مكان ردّ السلام على اللّه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق به وما يليق بغيره، قال ابن هشام والقصب هنا الؤلؤ المجوف، وابدى السهيلي لنفي النصب لطيفة هي انه (صلى الله عليه وآله) لما دعاها إلى الايمان أجابت طوعاً ولم تحوجه لرفع صوت ولا منازعة ولا نصب بل أزالت عنه كل تعب، وآنسته من كل وحشة، وهوّنت عليه كل عسير فناسب أن تكون منزلتها الّتي بشرها بها ربُها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها رضي اللّه عنها واقراء السلام من ربها خصوصية لم تكن لسواها، وتميزت أيضاً بأنها لم تسؤه (صلى الله عليه وآله) ولم تغاضبه قط، وقد جازاها فلم يتزوج عليها مدة حياتها وبلغت منه ما لم تبلغه امرأة قط من زوجاته([6]).
سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) - بتصرّف، آية الله الشيخ جعفر السبحاني (حفظه المولى)
([1]) بحار الانوار: ج 16، ص 10 ـ 12.
([2]) نفس المصدر.
([3]) تاريخ الخمس في أحوال أنفس نفيس: ج 1، ص 266.
([4]) بحار الانوار: ج 18، ص 243.
([5]) بحار الأنوار: ج 16، ص 4 نقلا عن الخرائج والجرايح: ص 186 و 187.
([6]) السيرة الحلبية: ج 1، ص 169 الهامش.