يتم التحميل...

لماذا علينا الاستعداد لشهر رمضان المبارك؟

في رحاب الشهر المبارك

لماذا علينا الاستعداد لشهر رمضان المبارك؟

عدد الزوار: 205



فرقٌ بين من يتهيّأ لأمرٍ ما قبل حلوله ووقوعه، فيعدّ له عدّته، ويتهيّأ التهيّؤ اللازم لاستقباله ومواجهته، وبين مَنْ يجد نفسه فجأةً في غمار ذلك الأمر وإرباك مباغتته.

فالأوّل سيواجه الأمور مواجهةً مدروسة فاعلة إيجابيّة، تستفيد من مفرداتها كلّها، وتوظّف معطياتها كلّها بما يثري وجوده ووجود الآخرين من حوله. أمّا الثاني، فسيهجم عليه الحدث، وستقتحمه الأمور، وتتقاذفه تقلّباتها، وسيغدو محكومًا لها بعد أنْ كان متحكّمًا فيها.

وينطبق ما تقدّم على كيفيّة استقبالنا لشهر رمضان الكريم، فمَن تهيّأ لشهر الله العظيم التهيّؤ المناسب، واستقبله الاستقبال الملائم، كانت استفادته من الشهر أكبر، ومكاسبه منه أوفر، ومَن دخل عليه الشهر الكريم وهو في غيابٍ عن انتهاز عظيم الفرصة، أو كسلٍ عن الاستفادة منها، فلن يضيف إلى رصيده غير القليل، أو الحسرة على تضييع فرصة الفرص والتزوّد من المائدة الإلهيّة.

فأولياء الله تعالى يستقبلون شهر رمضان أحسن استقبال، بل يشتاقون إلى قدومه قبل مجيئه، ويودّعونه أحسن توديع، ويحزنون على فراقه قبل انقضائه.

فالعلاقة التي يعيشها أولياء الله بهذا الشهر، هي علاقة الحبيب بمحبوبه، والعاشق بمعشوقه، فهو ينتظره بلهفة وشوق لا يمكن وصفهما، ويتركه ويودّعه بوَجْدٍ ولوعة لا مثيل لهما، وإنّ سبب هذه العلاقة هي معرفة هؤلاء العظماء بحقيقة هذا الشهر وعظمته ومكانته وفوائده الجمّة، التي مهما بذل الإنسان من سعي حثيث لاستثمارها، سيشعر بالتقصير، لأنّ الحجم المعنويّ العظيم الذي ادّخره الله تعالى لعباده، قد لا يسعه هذا الوعاء الزمنيّ القصير.

ومن هذه الرؤية، تنبع أهمّيّة الحديث عن التهيئة لشهر رمضان الكريم. فالحديث عن التهيئة لشهر رمضان هو حديثٌ عن كيفيّة الاستفادة من المُنح الإلهيّة والعطايا الربّانيّة والنفحات الرحمانيّة، التي بسطها الله تعالى لعباده الفقراء، فنحن، باختصار، ضيوفٌ على مائدة الرحمن. وإذا أردنا أن نصوغ هذا الكلام بمعادلة ما، فنحن العباد الفقراء (محض الفقر)، ضيوفٌ على مائدة الغنيّ المطلق (محض الغنى)، فلو أضفنا محض الغنى على محض الفقر، فالنتيجة رحمةٌ لا متناهيةٌ.

وما نريد أن نصل إليه من خلال هذه المقدّمة، أنّ شهر رمضان هو محطّة روحيّة، ولقاء ربّانّي، على مائدة الرحمة الإلهيّة، فمن تهيّأ في ما مضى من رجب وشعبان، وقام بأداء ما ورد فيهما من طاعات بالصوم والقيام والذكر وتلاوة القرآن، فيكون قد استكمل مسيرة المائدة، وهيّأ وأعدّ واستعدّ للمائدة الكبرى، أي شهر رمضان، وإذا استقبله بالتوبة الحقيقيّة، فسيكون ذلك بمثابة بطاقة دخول للضيافة الرحمانيّة، وغاسلة للذنوب، وتهيئة لطهارة النفس، لتستعدّ لتلقّي عطاءات الله وفيوضاته النوارنيّة.


زاد القلوب في شهر الله - بتصرّف، دار المعارف الإسلامية الثقافية

2022-04-01