يتم التحميل...

العاقل لا يغترّ بطول الأمل

إضاءات إسلامية

العاقل لا يغترّ بطول الأمل

عدد الزوار: 98

يظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى الأعمال الصالحة واغتنام أوقات العمر، فإنّ الأنفاس معدودة والأيام مقدّرة، وما فات لن يعود، وعلى الطريق عوائق كثيرة، ومن قصر أمله قلّ همّه، وتنوّر قلبه لأنّه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "أكثروا من ذكر هادم اللذّات، فقيل: يا رسول اللّه، وما هادم اللذّات؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الموت، فإنّ أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأحسنهم للموت استعداداً"[1].
 
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "اتّقوا باطل الأمل، فربّ مستقبل يوم ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليلة قامت بواكيه في آخره"[2].
 
والواقع أنّ أصحاب العقول لا يُمكن أن يغترّوا بطول الآمال، وهم يرون في كلّ يوم وفي كلّ صباح وفي كلّ مساء أجناس الناس الذين ينتقلون إلى الدار الآخرة، ممّن هم أقوى منهم أبداناً وأكثر أموالاً كلّ هؤلاء يدفنون جميعاً في المقابر، وكلّنا صائرون إلى ذلك المصير:
ومن لم يمت بالسيف مات        بغيره تعدّدت الأسباب والموت واحد
 
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: "من أيقن أنّه يُفارق الأحباب، ويسكن التراب ويواجه الحساب، ويستغني عمّا خلف، ويفتقر إلى ما قَدم، كان حريّاً بقصر الأمل وطول العمل"[3].
 
 الزهد وقصر الأمل
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: "رحم الله أمرأً قصّر الأمل، وبادر الأجل، واغتنم المهل، وتزوّد من العمل"[4].
وقال سلمان المحمدي رضي الله عنه: "ثلاث أعجبتني حتّى أضحكتني: مؤمّل الدّنيا والموت يطلبه، وغافل لا يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أمسخط ربّه أو مرضيه"[5].
ودخل رجل على أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، فجعل يُقلّب بصره في بيته، فقال: "يا أبا ذر! أين متاعكم؟ فقال أبو ذر: إنّ لنا بيتاً نوجّه إليه صالح متاعنا، فقال الرجل: إنّه لا بدّ لك من متاع ما دمت هاهنا، فقال أبو ذر: إنّ صاحب المنزل لا يدعنا فيه"[6]، فأبو ذر غريب في الدنيا يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، وهو من الجنّة، وإلى الجنّة:
كم منزل للمرء يألفه الفتى       وحنينه أبداً لأول منزل.
 
وكان أُويس بن عامر القرني رضوان الله عليه إذا قيل له: كيف الزمان عليك؟ قال: "كيف الزمان على رجل إن أصبح ظنّ أنّه لا يُمسي، وإن أمسى ظنّ أنّه لا يُصبح، فمُبَشَّر بالجنّة أو النار يا أخا مراد إنّ الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً.."[7].
 
يا ذا المؤمِّل آمالاً وإن بَعُدتْ        منه ويزعُم أن يحظى بأقصاها
أنَّى تفوز بما ترجوه ويكَ وما          أصبحت في ثقة من نَيْل أدناها
[8]
 
أعاذنا الله وإيّاكم من طول الأمل، فإنّه يمنع خير العمل، ويُنسي المرء التفكّر في الأجل، وجعلنا الله وإيّاكم ممّن يُقصّرون الأمل ويستجلبون به حلاوة الزهادة، وصلى الله على سيدنا مُحمد وآله الطاهرين.
 
المهتدون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] ابن الأشعث محمد بن محمد، الجعفريات، ص 199، باب ذكر الموت، ط 1، مكتبة لنينوى الحديثة، طهران.
[2] الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، الفصل السابع "الأماني" ( ذم الأمل )، رقم: 7231.
[3] محمد بن علي الكراجكي، كنز الفوائد، ج 1، ص 351، طبعة 1: دار الذخائر، قم.
[4] الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، الفصل الثالث، آثار الاعتقاد بالمعاد، رقم: 2734 .
[5] أحمد بن حنبل، الزهد، ج 1، ص 153، طبعة دار الريان للتراث، القاهرة.
[6] أحمد بن الحسين البيهقي، شعب الإيمان، ج 7، ص 378، رقم ( 10651)، طبعة 1: دار الكتب العلمية.
[7] أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، ج 2، ص 83، طبعة 4: دار الكتاب العربي.
[8] محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج 10، ص 3، الطبعة 2: دار أحياء التراث.

2022-02-28