من جملة ما أوصى به الإمام الصادق عليه السلام صاحبه عبد الله بن جندب: "يا ابن جندب: الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة".
الصفا والمروة موضعان خطت بأقدام المتوكّلة على الله هاجر حليلة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وقد كان همّها إيجاد شيء من الماء ونقله لتبريد كبد نبي الله إسماعيل عليه السلام، إبّان كان فطيماً، فَخلّدَ الله لها ذلك في قرآن يُتلى آناء الليل وأطراف النهار حيث جعل السعي في مواضع أقدامها شعيرة من شعائره العظيمة، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾[1]، وقال عزّت آلاؤه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[2]. وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من بقعة أحبُّ إلى الله من المسعى..."[3].
وروى الإمام أبو جعفر مُحمد بن علي الباقر عليهما السلام، فقال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرجل من الأنصار: "إذا سعيت بين الصفا والمروة كان لك عند الله أجر من حجَّ ماشياً من بلاده، ومثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة"[4].
وروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "الساعي بين الصفا والمروة، تشفع له الملائكة، فتُشفّع فيه بالإيجاب"[5]، أي أنّها تُقبل شفاعتُهم بإيجاب الله على نفسه في حقّه.
هذا بعض ما وردنا عن الهداة المعصومين عليهم السلام في فضل السعي بين الصفا والمروة. وهذه القطرة من ذلك البحر، والشذرة من ذلك البذر كافية وافية في بيان كرم الله تعالى وتفضّله على عباده الساعين بينهما، وليس عزيز على الله تعالى أن يجعل كلّ هذا الثواب لمن سعى في حاجة أخيه المؤمن، وهذا ما بيّنَه الإمام الصادق عليه السلام باستخدامه "كاف التشبيه" في قوله: "الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة". هذا لمن سعى فقط، ولم يذكر الإمام عليه السلام في هذا الشطر من حديثه هل كان عاقبة هذا السعي قضاء حاجة المؤمن أو عدم ذلك، ولكنّه عليه السلام أوضح عاقبة هذا العمل في حديث آخر قال فيه: "من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها، فأجرى الله قضاءها على يديه كتب الله له حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما، فإنْ اجتهد فلم يجر الله قضاءها على يديه كتب الله له حجّة وعمرة"[6]. وروي عن الإمام أبو جعفر الباقر عليهما السلام قال: "أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أنّ من عبادي لمن يتقرّب بالحسنة، فأحكمه في الجنّة، فقال موسى يا رب ما تلك الحسنة قال يمشي في حاجة أخيه المؤمن قُضيت أو لم تُقض"[7].
وقد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ما هو صريح بمضاعفة ثواب من يمشي في قضاء حاجة أخيه المؤمن، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مؤمن يمشي لأخيه المؤمن في حاجة إلاّ كتب الله عزَّ وجلَّ له بكلّ خطوة حسنة، وحطّ عنه بها سيّئة، ورفع له بها درجة، وزيد بعد ذلك عشر حسنات، وشفّع في عشر حاجات"[8].
ونختم هذا الفصل بحديث معمّر بن خلّاد عن مولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: "إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة، ومن أدخل على مؤمن سروراً فرّحَ الله قلبه يوم القيامة"[9].
طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة البقرة، الآية 158.
[2] سورة الحج، الآية 32.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص434، باب السعي بين الصفا والمروة، طبعة:4، دار الكتب الإسلامية، طهران.
[4] أحمد بن محمد بن خالد البرقي، المحاسن، ج1، ص65، ثواب السعي، طبعة:2، دار الكتب الإسلامية، قم.
[5] الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص208، حديث 2168، طبعة: 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص198، باب السعي في حاجة المؤمن.
[7] م . ن، ج2، ص196، باب قضاء حاجة المؤمن.
[8] م . ن، ج2، ص192-193.
[9] م . ن، ج2، ص197، باب السعي في حاجة المؤمن.