وضع الدين الإسلاميّ العديد من الخطوات الاحترازيّة لتحصين المجتمع الإنسانيّ ونظامه من الفساد والضياع، وإنّ أبرز تلك الخطوات، هو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما من أهمّ الواجبات الشرعيّة التي يطالبُ بها المسلم من قِبَل الباري، بل إنّهما "من أسمى الفرائض وأشرفها، وبهما تقام الفرائض، ووجوبهما من ضروريّات الدين، ومنكره مع الالتفات بلازمه والالتزام به من الكافرين"[1].
ويجب الأمر والنهي على كل من تتوفَّر فيه الشرائط من العلماء وغيرهم من الرجال والنساء، قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[2].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا تزال أمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعت منهم البركات، وسُلِّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"[3].
ونتعرّض هنا إلى اثنتين من أخطر المنكرات التي يجب مواجهتها والنهي عنها، وهما شرب الخمر وتناول المخدِّرات؛ ذلك أنّهما سببان رئيسيّان من أسباب الإخلال بالنظام في المجتمع الذي ينبغي أن يقوم على أساس الأمن والسلام والاستقرار بين الناس.
حرمة شرب الخمر
إنّ مشكلة شرب الخمور والاتجار بها من أخطر المشاكل الصحّيّة والاجتماعيّة والنفسيّة، الّتي كانت وما زالت تواجه المجتمعات على امتداد العالم، وقد غزت مجتمعاتنا الإسلاميّة تحت عناوين ومبرّرات مختلفة.
إنّ ضرر الخمر على الفرد في دينه وجسمه وعقله ونفسه وماله ممّا لا ريب فيه، وكذلك ضررها على الأسرة في تماسكها وترابطها، ومن وراء ذلك كلّه ضرر المجتمع كلّه بانتشار العربدة، وفساد الأخلاق، وخراب البيوت، وضياع الأموال، وانتشار الأمراض، وهذا ما ورد التحذير منه في الروايات فقد عقد الشيخ الكلينيّ في "الكافي" باباً خاصّاً تحت عنوان: "باب أنّ الخمر رأس كلّ إثم وشرّ".
وقد ورد أنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: إنّك تزعم أنّ شرب الخمر أشدّ من الزنا والسرقة؟! فقال عليه السلام: "نعم، إنّ صاحب الزنا لعلّه لا يعدوه إلى غيره، وإنّ شارب الخمر إذا شرب الخمر زنى وسرق وقتل النفس التي حرّم الله عزّ وجلّ وترك الصلاة"[4].
فتحريم الخمر من في الإسلام من الأمور القطعيّة، وقد أجمع المسلمون على ذلك، استناداً إلى القرآن والسنّة.
أ- ما جاء في القرآن الكريم
قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَ﴾[5]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾[6]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[7].
ففي هذه الآيات تأكيد على تحريم الخمر بأكثر من وجه، وذلك لأنّه قُرن بالأنصاب - وهي الأصنام - والأزلام، وقد قال تعالى عن الأزلام: ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾[8].
ثمّ أخبر عن هذه الأشياء بأنّها رجس، وهذا لفظ لم يُطلق في القرآن إلّا على الأوثان ولحم الخنزير.
ثمّ جعلها من "عمل الشيطان" وعمل الشيطان إنّما هو الشرّ والفحشاء والمنكر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[9].
وعقّب على ذلك بقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[10]، والأمر بالاجتناب هو العبارة التي استخدمها القرآن في الزجر عن الأوثان وعبادتها، حيث قال تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾[11]، وقوله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾[12]، كما استخدمها في ترك كبائر الذنوب والآثام في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾[13].
ثم علّل الأمر بالاجتناب ببيان بعض مضارّ الخمر والميسر الاجتماعيّة والدينيّة من تقطيع الأواصر والصدّ عن ذكر الله...
ب- ما جاء في السنّة
تواترت الروايات في السنّة على تحريم الخمر، نذكر منها:
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا فَقَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَرَامٌ كَمَا حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم الشَّرَابَ مِنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمَا حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ"[14].
وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ"[15].
ج- الإجماع
وهو أحد مصادر التشريع التي يعتمد عليها الفقهاء في استنباطهم للأحكام الشرعيّة، ويعني إجماع عدد منهم على حكم ما، ولا يؤخذ بهذا الإجماع إلّا إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم. وحرمة الخمر ممّا أجمع عليها الفقهاء.
الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مصدر سابق، ج1، ص462.
[2] سورة آل عمران، الآية 104.
[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج16، ص123.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص403.
[5] سورة البقرة، الآية 219.
[6] سورة المائدة، الآية 91.
[7] سورة المائدة، الآية 90.
[8] سورة المائدة، الآية 3.
[9] سورة النور، الآية 21.
[10] سورة المائدة، الآية 90.
[11] سورة الحج، الآية 30.
[12] سورة النحل، الآية 36 .
[13] سورة الشورى، الآية 37.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص408.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص408.