قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلی أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلی بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوی أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِير﴾([1]).
إشارات:
- ربّما کان معنی الآية «فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَی أَنْ تَعْدِلُوا» هو: لا تنقادوا وراء الأهواء فيؤدّي بکم ذلک إلی الانحراف عن الحقّ.
- کلمة "تلووا" مشتقة من المصدر "ليّ" بمعنی الطيّ والبرم، أمّا المراد بها في الآية الکريمة فهو ليّ اللسان نحو تحريف الحقّ والشهادة، أو ليّه باتجاه إعاقة مسير العدالة وتأخير تطبيقها.
- تؤکّد جميع کلمات وعبارات هذه الآية علی العدل وتطبيقه. إنّ معيار القيام بالعدالة والشهادة بالعدل هو اجتناب أيّة مظاهر فردانية أو ضعف، لا الفقر أو الغنی أو القرابة والنسب.
- شهادة الإنسان علی عدّة أوجه هي:
أحياناً تکون الشهادة ضدّ الأغنياء نابعة من روح التصدّي للاستکبار.
أو أحياناً يشهد المرء لصالح الأغنياء وذلک بدافع من طمع أو سعياً إلی منصب وجاه.
وربّما يشهد علی الفقير لعدم اهتمامه به.
أو يدافع عن الفقير حرصاً عليه وتعاطفاً معه.
- تفنّد الآية الکريمة کلّ هذه الدوافع والأسباب وتجعل القيام بالعدل هو محور الحقّ.
- نقل عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: للمؤمن سبعة حقوق علی المؤمن، أوجبها قول الحقّ، وإن کان في غير صالحه أو أقربائه([2]).
التعاليم:
١- إقامة العدل أمر واجب فضلاً عن کونه من ضرورات الإيمان، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ«.
٢- تطبيق أسس العدل يجب أن تصبح من صفات المؤمن وأخلاقه. فکلمة "قوّام" تحمل مفهوم القائم بالقسط والعدل بصورة دائمية.
٣- يجب تطبيق العدالة حتی مع غير المسلمين وذلک بمقتضی صيغة الإطلاق لعبارة «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ«.
٤- تطبيق العدالة يجب أن يشمل جميع مناحي الحياة، فالآية الکريمة لم تذکر حالة بعينها، « قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ«.
٥- شهادة الحقّ أمر واجب، «كُونُوا قَوَّامِينَ... شُهَدَاءَ للهِ«.
٦- ينبغي أن لا يکون الهدف من الإدلاء بالشهادة هو تحقيق مکاسب دنيوية، «شُهَدَاءَ للهِ«.
٧- إقرار الإنسان علی نفسه معتبر، «شُهَدَاءَ للهِ ولَو عَلَی أَنْفُسِكُمْ«.
٨- القوانين والقواعد قبل العلاقات والارتباطات، «ولَو عَلَی أَنْفُسِكُمْ أَو الْوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ«.
٩- مراعاة المصالح الشخصية للإنسان والأقارب والفقراء يجب أن تکون في ظلّ الحقّ تعالی ومرضاته، «شُهَدَاءَ للهِ ولَو عَلَی أَنْفُسِكُمْ«.
١٠- الشهادة الباطلة لن تحقّق المصالح الحقيقية للفقراء والأغنياء، «إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَو فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَی بِهِمَا«.
١١- الجميع سواسية أمام القانون، «غَنِيًّا أَو فَقِيرًا«.
١٢- اتّباع هوی النفس حاجز يحول دون تطبيق العدالة، ومن علائمه الأخذ بالاعتبار قضايا القرابة والفقر والغنی، «فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَی أَنْ تَعْدِلُوا«.
١٣- الإدلاء بالشهادة أمر واجب، ولا يجوز کتمانها أو تزييفها، «وإِنْ تَلْوُوا أَو تُعْرِضُوا«.
١٤- أيّة إعاقة أو تأخير أو إبطاء في تطبيق العدالة حرام، «وإِنْ تَلْوُوا«.
١٥- الإيمان بعلم الله هو الضمانة لتطبيق العدالة، «فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا«.
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي
([1]) سورة النساء: 135.
([2]) تفسير الميزان.