يتم التحميل...

نبذة عن قضاء الإمام علي (عليه السلام)

ولادة أمير المؤمنين(ع)

نبذة عن قضاء الإمام علي (عليه السلام)

عدد الزوار: 239



لا مراء في أن شخصية الإمام علي بن ابى طالب (عليه السلام) شخصيه فذّة، بل انها معجزه من معجزات الاسلام، لما تملكه من عمق وثراء في مختلف جوانب الحياة البشرية والابداع الحضاري على مرّ العصور.

وصف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) حيث قال (صلى الله عليه وآله): (أقضاكم عليّ بعدي)[1]. وانه الوحيد الذي لم يختبره الرسول المعظم حين ولاه قضاء اليمن رغم انه كان وقتها شاباً يافعاً، الامر الذي يدلنا على تمتعه بالهام رباني وخصوصية قضائية استحق فيها ان يصفه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بانه اقضى الأمة.

قال الشيخ المفيد: مما جاءت به الرواية في قضاياه والنبي (صلى الله عليه وآله) حي موجود، أنه لما اراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقليده قضاء اليمن وانفاذه إليهم ليعلمهم الاحكام، ويبين لهم الحلال من الحرام، ويحكم فيهم بأحكام القرآن، قال له أمير المؤمنين(عليه السلام): (ندبتني يا رسول الله للقضاء وانا شاب ولا علم لي بكل القضاء، فقال له: ادن مني، فدنا منه، فضرب على صدره بيده، وقال (صلى الله عليه وآله): اللهم اهد قلبه وثبت لسانه. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك المقام)[2].

فما هو اذن منهجه في القضاء؟ وكيف كان يقضي بين الناس؟ وما هي طريقته وحلوله العمليه فى جزئيات المسائل والقضايا التي كانت تعرض عليه؟ ان استعراض اقواله ومعالجاته لأمور القضاء، علاوة على أحكامه فى جزئيات المسائل التي ورثناها عنه (عليه السلام)، يمثل أهم الوثائق التي تمدنا بالأسس الرئيسة لمنهجه في القضاء.

مقتطفات من نصوص الإمام علي (عليه السلام) في القضاء:
مما جاء في عهده الاغر إلى مالك الاشتر حين ولاه مصر عن ضوابط القاضي الكفء.

قال (عليه السلام): (....ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم[3]، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع[4]، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم[5] عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظراً بليغاً، فإن هذا الدَّين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا....)[6].

في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وهو ليس بأهل، حيث قال:
(إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشغوف بكلام بدعة[7]، ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته، ورجل قمش[8] جهلاً موضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة، عم بما في عقد الهدنة، قد سماه أشباه الناس عالماً وليس به، بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، واكتنز من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، فان نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً رثاً من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، جاهل خباط جهالات، عاش ركاب عشوات، لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذرى الروايات إذراء الريح الهشيم، لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه، لا يحسب العلم في شيء مما أنكره، ولا يرى أن من وراه ما بلغ منه مذهباً لغيره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به، لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً، ويموتون ضلالاً، ليس فيهم سلعة أبور من كتاب الله إذا تُلِيَ حق تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً منه إذا حرف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر )[9].

علي (عليه السلام) أجلى شاهد للعدل:
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) إلى اليمن، فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن، فنفح[10] رجلاً برجله فقتله، وأخذه أولياء المقتول، فرفعوه إلى علي (عليه السلام)، فأقام صاحب الفرس البينة أن الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله، فأبطل عليّ (عليه السلام) دم الرجل، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يشكون عليا (عليه السلام) فيما حكم عليهم، فقالوا: إن عليا ظلمنا، وأبطل دم صاحبنا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن عليا ليس بظلام، ولم يخلق عليّ للظلم، وإن الولاية من بعدي لعلي، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله وولايته إلا كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن. فلما سمع اليمانيون قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) قالوا: يا رسول الله، رضينا بقول عليّ وحكمه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هو توبتكم مما قلتم)[11].

حكم عليٍّ (ع) فيمن ولدت لستة أشهر:
روي عن يونس، عن الحسن: أن عمر أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إن الله عزّ اسمه يقول: (...وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً...)[12]، وقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ )[13]، فإذا تممت المرأة الرضاعة سنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً، كان الحمل منها ستة أشهر، فخلى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك ، يعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه إلى يومنا هذا)[14].

وكذا غيره من الوقائع الَّتى قضى فيها أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بكتاب الله مما يحير العقول، فهذا الحكم كان ثابتاً في الكتاب المجيد، ولكن لا تبلغه عقول الرجال إلا الكمّل منهم الذين هداهم الله إليه وعلَّمهم معالم دينه.
نكتفي بهذا القدر من قضاء واحكام الإمام علي (عليه السلام)، ومن اراد التفصيل أكثر فعليه ان يراجع الكتب التي أُلفت بهذا الجانب.


[1] الإحتجاج ـ الشيخ الطبرسي: ج2، ص103.
[2] الإرشاد ـ الشيخ المفيد: ج1، ص195.
[3] أمحكه جعله محكان؛ أي عسر الخلق، أو أغضبه؛ أي لا تحمله مخاصمة الخصوم على اللجاج والاصرار على رأيه. والزلة بالفتح: السقطة في الخطأ.
[4] الإشراف على الشئ: الاطلاع عليه من فوق. فالطمع من سافلات الأمور من نظر إليه وهو في أعلى منزلة النزاهة لحقته وصمة النقيصة فما ظنك بمن هبط إليه وتناوله.
[5] أصرمهم: أقطعهم للخصومة.
[6] نهج البلاغة ـ خطب الإمام علي (ع): ج3، ص95.
[7] مشغوف بكلام بدعة؛ أي خرق الحبّ شغاف قلبه، حتّى وصل إلى فؤاده، والشّغاف: الحجاب، ومنه قوله تعالى: (قَدْ شَغَفَها حُبًّا). سورة يوسف: آية 30.
[8] القَمْشُ : جَمْعُ القُمَاشِ مِن ها هنا وهَا هُنَا وهو : ما كانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنْ فُتَاتِ الأَشْيَاءِ. تاج العروس للزبيدي:ج9، ص176.
[9] نهج البلاغة ـ خطب الإمام علي ( ع ): ج1، ص53.
[10] نفحت الدابة الشئ : ضربته بحد حافرها .
[11] الأمالي ـ الشيخ الصدوق: ص429.
[12] سورة الأعراف: آية 15.
[13] سورة البقرة: آية 233.
[14] الإرشاد ـ الشيخ المفيد: ج1، ص206. 

2021-02-23