يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلی ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾([1]).
إشارات:
- يری بعض المفسّرين أنّ المقصود بـ"الفاحشة" هو الزنا، أمّا "الظلم" فهو إشارة لسائر المعاصي والذنوب، فيما يری فريق آخر أنّ "الفاحشة" هي الکبائر، و"الظلم" هي صغائر الذنوب.
- ولقد ورد في الروايات أنّ عدم الاکتراث واللامبالاة في ارتکاب المعاصي وترک التوبة والاستغفار، إنّما هو بمنزلة الإقامة علی المعاصي، "هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه ولا يحدّث نفسه بتوبة فذلك الإصرار"([2]).
- وقد ورد في الکتب الروائية أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: «لمّا نزلت هذه الآية «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ» صعد إبليس جبلاً بمکة يقال له: ثور، فصرخ بأعلی صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيدنا لِمَ دعوتنا؟
قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بکذا وکذا.
قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلک.
قال: لست لها؟
فقال الوسواس الخناس أنا لها.
قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنّيهم حتی يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار.
فقال: أنت لها، فوکله بها إلی يوم القيامة»([3]).
التعاليم:
١ـ حتی المتّقين تصدر منهم أحياناً بعض الأخطاء والمعاصي، «لِلْمُتَّقِينَ... والَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً«.
٢ـ الأخطر من ارتکاب المعاصي، الغفلة عنها وعن قبحها. المتّقون حتی لو ارتکبوا معصية، فإنّهم يبادرون للاستغفار فوراً، «إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً... ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا«.
٣ـ التوبة من الذنب علامة التقوی، «إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً... ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا«.
٤ـ سرّ التوبة ذِکر الله، «ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا«.
٥ـ ما دام وهج ذکر الله يحيي قلب العاصي، فهو في زمرة المتّقين، «إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً... ذَكَرُوا اللهَ«.
٦ـ المعصية ظلم للنفس، «ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ«.
٧ـ الله وحده غافر الذنوب، «ومَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ«.
٨ـ الوَرِع هو الذي لا يصرّ علی ارتکاب المعاصي، ذلک أنّ الإصرار علی المعصية دليل علی الاستهانة بها أو استسهالها والغفلة عن ذکر الله، «ولَمْ يُصِرُّوا عَلَی مَا فَعَلُوا«.
٩ـ الإصرار العامد علی المعصية، سبب الحرمان من المغفرة الإلهية، «ومَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ولَمْ يُصِرُّوا«.
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي
([1]) سورة آل عمران: 135
([2]) الكافي، ج٢، ص٢٨٧.
([3]) وسائل الشيعة، ج ١١، ص ٦٦.