يتم التحميل...

وآت ذا القربى حقّه...

إضاءات إسلامية

وآت ذا القربى حقّه...

عدد الزوار: 124


 
من الجدير بالذكر أن الأراضي التي يسيطر عليها المسلمون بالحرب والقتال تعود ملكيتها الى عامة المسلمين ويكون إدارتها بيد القائد الأعلى للأمة.

أما الاراضي التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولم يسيطر عليها المسلمون بالقتال فتكون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والامام من بعده خالصة، فهو يتصرف فيها كما يشاء ويرى، فله أن يهبها، وله أن يؤجّرها، ومن جملة ماله أن يفعل فيها هو أن يهبها لأقربائه فيسدوا بها حاجتهم، ويديروا بها معيشتهم([1]).

وعلى هذا الاساس وهب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدكا لابنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقد أريد من إيهاب هذه الارض لها ـ كما تشهد بذلك القرائن ـ أمران:

1 ـ أنّ قيادة الأمة كانت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما صرّح النبي بذلك مرارا، لـ: «علي بن أبي طالب»، ومثل هذه المسئولية الثقيلة تحتاج ولا شك الى ميزانية كبيرة، فكان لعليّ (عليه السلام) أن يصرف من أموال فدك وعائداتها اذا صارت تحت تصرفه أكبر قدر ممكن ليحفظ به ذلك المنصب، ويستطيع القيام بمتطلباته.

وكأنّ جهاز الخلافة ـ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدرك هذه الحقيقة، ولهذا عمد منذ الايام الاولى لوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى انتزاع فدك من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

2 ـ لقد كان من الواجب أن تعيش ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) التي كان يتمثل مصداقها الكامل في وحيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وابنيها الحسن والحسين (عليهما السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصورة تليق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشرفه، ومكانته السامية.

ولهذا الهدف وهب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدكا لابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام).

يقول المفسرون والمحدّثون الشيعة وبعض علماء السنة انه لما نزل قوله تعالى:  «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ»([2]).

دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة وفوّض إليها فدكا([3])، وقد روى هذا الأمر أبو سعيد الخدري وهو من كبار صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

  ويعترف جميع المفسرين، سنة وشيعة، بأن هذه الآية نزلت في حق أقرباء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وابنته الزهراء أظهر وأقوى مصاديق «ذي القربى»، حتى انه كان علي بن الحسين السجاد في الشام بعد واقعة كربلاء، وسأله بعض الشاميين عن نسبه، فتلا (عليه السلام) الآية المذكورة للتعريف بنفسه، وحيث إن مفاد الآية والمراد بها كان معلوما عند المسلمين كافة قال الشامي متعجبا: وانكم للقرابة الذي أمر الله أن يؤتى حقه([4]).

وخلاصة القول ان ثمة اتفاقا بين علماء السنة والشيعة في أن هذه الآية قد نزلت في شأن الزهراء وابنيها، نعم هناك خلاف في ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهب ساعة نزول هذه الآية فدكا لابنته فاطمة، أم لا، ولقد اتفق علماء الشيعة على الشق الأول، وذهبوا إلى ان النبي (صلى الله عليه وآله) وهب فدكا عند نزول الآية لفاطمة ووافقهم على ذلك جمع من علماء السنة.

وقد أراد المأمون العباسى (لسبب ما) اعادة فدك إلى بني الزهراء فكتب الى المحدث المعروف «عبد الله بن موسى» وطلب منه أن يرشده في هذا الامر، فكتب إليه عبد الله بن موسى الحديث المذكور الذي يوضح شأن نزول هذه الآية، فأعاد المأمون فدكا الى أبناء الزهراء، وذريتها([5]) فكتب الخليفة العباسي إلى واليه على المدينة يومذاك بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهب فدكا لابنته فاطمة الزهراء، وهذا أمر مسلم، ولا خلاف فيه بين ابناء الزهراء.

وقد جلس المأمون ذات يوم على كرسي خاص للاستماع إلى مظالم الناس وشكاياتهم، فكانت أول ما أعطي له، رسالة وصف صاحبها نفسه فيها بأنه يدافع عن الزهراء، فقرأ المأمون الرسالة وبكى مدة، ثم قال: من هو المحامي عن الزهراء؟ فقام شيخ كبير، وقال: أنا هو ذا، فانقلب مجلس المأمون من مجلس القضاء الى مجلس حوار ومناظرة بين المأمون وبين ذلك الشيخ، وأخيرا وجد المأمون نفسه مغلوبا محجوجا فأمر رئيس ديوانه بأن يكتب كتاب ردّ فدك إلى ابناء الزهراء، فكتب ذلك الكتاب، ووشحه المأمون بتوقيعه، وفي هذه المناسبة قام دعبل الذي حضر ذلك المجلس وأنشأ شعرا هذا مطلعه:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا
بردّ مأمون هاشم فدكا([6])  
 
وليس الشيعة بحاجة ـ في اثبات ان فدكا كان ملكا طلقا وخالصا للزهراء فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الدلائل المذكورة، لأن الصدّيق الاكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد صرّح بمالكيته بفدك في إحدى رسائله الى واليه على البصرة عثمان بن حنيف اذ قال: «بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله»([7]).
  
سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، آية الله الشيخ جعفر سبحاني


([1]) وقد طرحت هذه المسألة في الآية 6 و7 من سورة الحشر وعولجت في الكتب الفقهية في باب الجهاد تحت عنوان «الفيء» «والأنفال».
([2]) الاسراء: 26.
([3]) مجمع البيان: ج 3 ص 411، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص 268، الدر المنثور: ج 4 ص 177.
([4]) الدّر المنثور: ج 4 ص 176.
([5]) مجمع البيان: ج 3 ص 411 عند تفسير قوله تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» الاسراء: 27 فتوح البلدان ص 46
([6]) شرح ابن أبي الحديد: ج 16 ص 217.
([7]) نهج البلاغة: الكتاب 45.

2021-01-20