يتم التحميل...

كيف تكون عاملاً ناجحاً في عملك؟

إضاءات إسلامية

كيف تكون عاملاً ناجحاً في عملك؟

عدد الزوار: 99



   إنّ الله يحبّ الشابّ الذي يعمل، ويكره من كان فارغاً لا شغل له، فإنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لما رأى شابّاً وقد أعجبه، فسأل عن عمله فقالوا: لا شغل له.  فقال: «سقط من عيني»، وهذا يعني أنّ رسول الاسلام يحثّ المسلمين على العمل، ولا بدّ من شغل شاغل، فلا كسل ولا ضجر، فإنّهما يضيّعان الحقّ، فمن الإنسان الحركة ومن الله البركة، وهذا أصل أصيل يقرّ به العقل، النبي الباطني، كما يحثّ عليه الدليل النقلي أي الرسول الظاهري، فالحُجّتان الظاهرية والباطنية متعاضدتان ومتّفقتان على أنّ الإنسان لا بدّ له من شغل وعمل متواصل، وأنّ الكاسب حبيب الله، والساقط من لا عمل له، ويقضي نهاره وساعاته عاطلا باطلا، يذرع ويهندس الشوارع والطرق، أو بين النوم والخلسة، أو لقاء المقاهي والكازينوهات.

ثمّ الاعمال مختلفة ومتفاوتة، ولما كان المقصود بقاء النوع الإنساني، وحكومة النظام والقانون البشري، وإنّ الانسان مدني الطبع، وكلّ واحد يحتاج إلى الآخر، وأنّ المقاصد مختلفة، والاحتياجات متعدّدة، لتعدّد جوانب الحياة وتركّب الانسان من روح وجسد، واختلاف مقتضياتهما، وإنّ المجتمع يحتاج إلى طبيب كما يحتاج إلى عالم ديني، ليكون الأوّل معالج الجسد في أمراضه وأسقامه، والثاني معالج الروح في صفاتها الذميمة ورذائل الأخلاق وكلاهما يسعيان في سعادة الإنسان، كما يحتاجان إلى البنّاء والقصّاب والبقّال وغيرهم، وكذلك هم يحتاجون إليهما، فكلّ واحد يفتقر إلى شغل الآخر، وهذه سنّة الحياة وضرورة العيش التي لا يمكن إنكارها، فإنّها من القضايا التي قياساتها معها، كما هو واضح.

ثمّ الناس في حِرَفهم وأشغالهم وفنونهم بين مدير وعامل، وتاجر وصانع، وربّ عمل ومربوب، واُستاذ وتلميذ، وعالم ومتعلّم، وطبيب ومريض، فليس الكلّ سواسية، بل اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الاختلاف في العقول والنفوس والاستعدادات والنشاطات والتقدّم والازدهار، إلاّ أنّ الطريق مفتوح أمام الجميع على حدّ سواء.

«وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى»([1])، وهو الذي يقرّر مصيره بلا جبر ولا قسر، بل بيده الاختيار، وبيده مفتاح التوفيق في الحياة، وإنّه هو الذي يسعد نفسه، أو يجعلها من الأشقياء والتعساء.

»إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً»([2])، والتوفيق إنّما هو خير رفيق في حياة الانسان بشرط أن يكون هو من أهل التوفيق، ويجلب لنفسه التوفيق، ويفكّر ويدبّر ويعمل بكياسة وسياسة وحنكة وحزم وعزم وصبر حتّى يطوي مدارج التوفيق، وحتّى يفوق أقرانه ويصعد القمّة بعد جُهد جهيد، وعمل دؤوب، ويكون سعيداً في حياته، كما يُسعد به الآخرون.

هذا وهناك عوامل أساسيّة للتوفيق والتقدّم والسعادة، وكأنّها قوانين رياضيّة وحسابات جبريّة غير قابلة لتتخلّف، فإنّ الواحد بإضافته إلى واحد سيساوي إثنين، وهذا لا يمكن تغيّره وتبدّله، لأنّه قانون رياضي حاكم على الكون كلّه، وكذلك هناك عوامل في نجاح الانسان في حياته العلمية والعملية، يفوز وينجح من طبّقها وعمل بها وجعلها نصب عينيه في حياته الفرديّة والاجتماعيّة.

ومقصودنا من هذه المقالة القصيرة أن نذكر أهمّ العوامل التي توجب تقدّم العامل الصانع في عمل ما أو معمل أو دكان في حرفة أو مهنة، بل في أيّ مجال من مجالات الحياة العمّـاليّة، كالتاجر أو النجّار أو بائع الأحذية أو الذي يشتغل في طبع الكتب أو الصحافة أو ما شابه ذلك، فإنّ من لم يوفّق في إكمال دراسته أو أراد أن يتّجه إلى عمل من الأعمال لضرورة الحياة وصعوبتها ومشاكلها التي ربما تمنع طالب المدرسة أن يكمل دراسته، فتسوقه المشاكل وصعوبة العيش إلى أن يدخل في حرفة أو يختار مهنة، ليزاول صنعة وفنّ وعمل، فعليه أوّلا أن لا يضجر ولا يكسل ولا ييأس، بل بإمكانه أن يعوّض دراسته بمهنته الجديدة بعد أن يتفوّق بها، ويتقدّم وتزدهر حياته العمليّة والصناعية أو التجارية أو ما شابه ذلك، ولا بدّ لمن أراد النجاح في مهنة وصنعة أن يكون صانعاً أوّلا حتّى يكسب الخبرة والتجربة في تلك الصنعة وفي ذلك العمل، وهذا أمر طبيعي يعترف به الوجدان، وكفى به دليلا وشاهداً، ثمّ إذا أراد أن يسعد في عمله ويتقدّم ويتفوّق ويتوفّق، فعليه أن يراعي هذه الأصول الأولية والعوامل الأساسية، وهي عبارة عن النقاط التالية:

1 ـ الاخلاص في العمل: »أخلص تنل»، قالها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهذا من أهمّ الاُصول في نجاح الإنسان، فإنّه إنّما ينال ويصل ويحلّق في آفاق الفلاح والصلاح والنجاح بالإخلاص، من دون أن يسرق من العمل أو ربّ العمل، ويستعمل الحيلة والمكر والخديعة والغشّ ويتصوّر ذلك أنّه من الشطارة والكياسة، فإنّه بهذا يحفر قبره بنفسه ليسقط فيه، وإنّ الموت أولى له من الحياة، وبطن الأرض خير له من ظهرها.

2 ـ غنى الطبع: فالعامل الناجح لا بدّ أن يكون غنيّاً في طبعه، فلا ينظر إلى يد اُستاذه، ويركض وراء لقمته، ويطمع في ماله، فإنّ الطمّـاع لا قيمة له في الحياة، وهو مهان في المجتمع، حتّى عند من يشتغل عنده، والمدير أو صاحب المعمل أو التاجر يمتحن ويختبر العامل، فإن وجده غنيّ الطبع عزيز النفس، أمينا، صائنا لنفس عن الهوى، فإنّه يكبر بعينه، ويرتاح إليه، ويصل الأمر به إلى أن يقلّده مقادير الاُمور ومفاتيح العمل.

3 ـ الإبداع في العمل: فالعامل الموفّق من يفكّر بإخلاص وغنىً أن يبدع في عمله ويطوّره، ويفكّر في خدمة اُستاذه ومديره وتقدّمه ونجاحه، ويرى أنّ نجاحه في نجاح اُستاذه ومن يشتغل عنده.

4 ـ الأخلاق الطيّبة في العمل، وهذا أيضاً من أهمّ العوامل التي توجب الرضا والنجاح في الحياة العلميّة والعمليّة، فإنّ العامل ذا الأخلاق الطيّبة يجلب الزبائن إلى حانوت اُستاذه وربّ عمله.

5 ـ شعور الاُستاذ بوجود الصانع: أي لا يكون وجود الصانع وعدمه بالنسبة إلى اُستاذه واحداً، فإنّ من كان كذلك فلا خير فيه، بل لا بدّ للصانع والعامل أن يثبت وجوده وضرورة العمل إليه، كأن يكون مفتاح العمل بيده، ولولاه لاختلّت الأعمال، وتوقّفت ولو برهة من الزمن، ومن كان يومه أفضل من أمسه فهو الناجح، ومن تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أفضل من يومه، فهو ملعون بعيد عن رحمة ربّه، والموت خير له من الحياة.

6 ـ بناء الشخصيّة قبل المال، يعني على من يريد أن يوفّق في حياته أن يبني شخصيّته أوّلا قبل أن يفكّر بالثروة وجلب المال، فمن كانت له شخصيّة اجتماعية بحسب شأنه ومقامه وظروفه، فإنّه سيخلص في عمله، ولا يطمع في مال مديره وربّ عمله، كما أنّه يبدع في العمل، ويحسّس الاُستاذ بوجوده، ويفوح منه نسيم الأخلاق الطيّبة، والسجايا الحميدة، فيأنس به من يجاوره، ويشمّ عطره وطيبه.

7 ـ التخطيط في العمل ليلا ليطبّق ذلك في نهار عمله، فلا تكون تصرّفاته وحركاته وسكناته عشوائية من دون تخطيط، بل لابدّ له من الحذاقة واللباقة والتأمّل والتدبّر والتخطيط في الليل على أنّه كيف يبدع؟ وكيف يعمل؟ وكيف يتحدّث؟ وكيف يتعامل مع فلان وفلان؟ وهكذا، وكلّما كبر العمل زاد التخطيط، وزادت ساعاته كما هو واضح.

8 ـ الصبر الجميل مع الاُستاذ الناجح: فإنّ الصانع بعد اختياره ربّ العمل والاُستاذ الناجح، لا بدّ أن يصبر معه صبراً جميلا، ويتحمّل ذلّ التعلّم ومسكنة العمّـاليّة، فلا يتبطّر ولا يغترّ، فإنّ التبطّر والعجب والغرور من العوامل المهدّمة في تقدّم الإنسان، بل عليه أن يصبر ولو لسنين، حتّى يتعلّم كلّ أطراف العمل وجوانبه وخفاياه وأسراره، ويتسلّط على الصنعة والمهنة والحرفة كاملاً، ولا يفوته شيء ولو كان صغيراً، فربّ مسمار صغير يوقف ماكنة جبّارة وكبيرة عن العمل.

9 ـ لا ينسى فضل اُستاذه بل يبجّله ويعظّمه ويرجع إليه دائماً، ويقدّره ويحترمه، فإنّ بركة العلم في تعظيم الاستاذ، »ولئن شكرتم لأزيدنّكم»([3])، «ومن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق»([4]).
 
سماحة السيد عادل العلوي - بتصرّف


([1]) النجم: 39
([2]) الإنسان: 3.
([3]) إبراهيم: 7.
([4]) حديث نبويّ شريف.

2021-01-13