إنّ السلوك علىٰ الصراط المستقيم لايتسنّىٰ لأحد دون امتلاكه النعم المعنويّة والباطنيّة، لأنّ النعم الظاهريّة وسائل شيطانيّة يُزينّها الشيطان ليخدع بها الناس ويغويهم: ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين﴾[1]، ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُم﴾.[2] فهو بتزيين وتجميل نعم الدنيا وزخارفها يوقع الإنسان في فخّ الآمال والاُمنيات البعيدة والطويلة.
والقرآن الكريم يعدّ الزينة الظاهريّة كزينة الدار والبستان زينةً للأرض ووسيلة لامتحان الإنسان وليست عامل زينة للإنسان، ويصفها بأنّها زائلة: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ٭ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزا﴾[3] لأنّ كلّ نعمة من نعم الدنيا، وكذا الجاه والمنصب الدنيويّ فله فصل ربيع وبهجة وسرور ثمّ يتبعه فصل ذبول وخريف، إذن فالجمال والمُتَع الظاهريّة زينة الأرض وعاقبتها هي أن تُصبح (جُرُزاً) وحطاماً، وتتحلّل وتتبدّل إلىٰ أجزاء الأرض (الصعيد).
وأمّا زينة الإنسان من وجهة نظر القرآن فهي (الإيمان): ﴿وَلٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان﴾.[4] وعليه فإنّ المخدوعين بزينة الأرض هم تحت ولاية الشيطان، والتابعين للقيم المعنويّة هم تحت ولاية الرحمٰن.
والتمييز بين (زينة الأرض) و(زينة القلب) ليس أمراً صعباً للغاية، لكنّ الإنسان بسبب إغواء الشيطان، تارة يَرىٰ النقمة نعمة فيفرح ويأنس بها كالمنافقين ومرضىٰ القلوب الّذين يرون الإفتراق عن اُمّة الإسلام وترك الجهاد نعمة.
والله سبحانه بعد الأمر بالإستعداد واتّخاذ الحيطة والحذر من هجوم الأعداء، واعلان النفير العام والفردي يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعاً ٭ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَعَهُمْ شَهِيداً ٭ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَم تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيما﴾.[5]
فالحفظ من الضرر والإصابة في جبهات القتال وعدم الحضور في ميادين الجهاد نعمة كاذبة، ولم يعترف بها الخطاب القرآنيّ كنعمة، واُولئك الّذين إذا رأوا شهداء جبهات القتال قالوا (قد منّ الله علينا إذ لم نذهب إلىٰ القتال) وإذا قرأوا زيارة شهداء كربلاء قالوا: «ياليتنا كنّا معكم»[6] فهم كاذبون، لأنّهم لو كانوا حقّاً من أهل الجبهة والحرب، لكانوا إلىٰ جانب المقاتلين أو مع الشهداء: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ٭ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِين﴾[7]، أي أنّ الله يكره أن تكون نصرة دينه علىٰ يد أمثال هؤلاء لذلك قال لهم أقعدوا، وقول الله سبحانه نفس فعله: «وإنّما كلامه سبحانه فعل منه انشأه ومثّله»[8]، فهذا الأمر إذن فعل من أفعال الله ونحو عقوبة لهؤلاء أقعدتهم في جنب القاعدين (المرضىٰ والأطفال والشيوخ و...).
وعلىٰ هذا فإنّ مايذكر في القرآن بعنوان كونه نعمة فهو علىٰ ثلاثة اقسام:
أ. النِعم المعنويّة والباطنيّة: وهي المواهب الإلٰهيّة الممهّدة لسعادة الإنسان.
ب. النِعم الظاهريّة: وهي الّتي تستخدم تارة في خدمة الدين وتارة تكون سبباً لنزول الغضب والضلال عن الدين.
ج. النعم الكاذبة والمتوهّمة: كالحفظ من الضرر والإصابة في جبهات حرب الحقّ ضد الباطل.
آية الله الشيخ جوادي آملي
[1] . سورة الحجر، الآية 39.
[2] . سورة النساء، الآية 119.
[3] . سورة الكهف، الآيتان 7 ـ 8.
[4] . سورة الحجرات، الآية 7.
[5] . سورة النساء، الآيات 71 ـ 73.
[6] . مفاتيح الجنان، الزيارة المطلقة للإمام الحسين (عليه السلام).
[7] . سورة التوبة، الآيتان 45 ـ 46.
[8] . نهج البلاغة، الخطبة 186، المقطع 17.