ظرافة الميل القلبي في المرأة
العفة والحياء
القرآن الكريم سعى لأن يتكلم مع الإنسان عن طريق الموعظة التي لها ارتباط مباشر بالقلب، وكذلك عن طريق الحكمة التي لها ارتباط غير مباشر بالقلب وإذا لم تصل قناة العقل والفكر إلى دهليز الدخول إلى القلب والذكر فلا فائدة لها، والنساء أكثر نجاحاً من الرجال في قسم القلب والميل والجذبة...
عدد الزوار: 229ليس الكلام فقط عن حجم مخ الرجل، بل الكلام أيضاً عن ظرافة قلب المرأة، إن المرأة تبكي أسرع بسبب أن جهاز قبولها أكثر عاطفية، وأهم طريق، هو طريق الذكر الذي مقدمته المرونة.
في القرآن الكريم عدة طوائف من الآيات بهذا الشأن، بعض الآيات تتعلق بالعقل والتفكر التي يرافقها ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾1 أو ﴿أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾2. وبعضها يتعلق بطريق العمل. حيث قال: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾3.
هذا هو العقل العملي، أحياناً يجمع هذين الاثنين معاً، كما أنه يجمع التفكر والتعقل إلى جانب بعضهما ولكن ليس لدينا في القرآن سورة يكرر فيها الفكر. ولكن بعض سور القرآن يكرر فيها الذكر، في سورة القمر كرر تعالى القول:﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾4.
هذا المذكر يطلب متذكراً. القرآن كتاب تفكر وفكر وفيه آيات كثيرة تدعونا إلى التفكر والفكر، ولكن لا يقول: هل هناك شخص ليصبح عالماً؟ بل يقول هل يوجد أهل ذكر؟ لم يقل هل يوجد أهل فكر، لأن الفكر هو مقدمة للذكر.
بناء على هذا لا يمكن أن يقول شخص إن طريق القبول في المرأة اقل من الرجل. إذا كنا علماء ونتصور أن سعينا إلى حوزة والجامعة كافٍ ونقول: نحن وطريق المدرسة، نحن وطريق الكتاب، نحن وطريق الدرس والبحث والفهم، من الممكن أن يأتي هذا السؤال إلى ذهن شخص، ويقول يجب أن نفكر أعلى من هذا ولنعلم أن الحوزة والجامعة كلتاهما وسيلة حتى يصل الإنسان من التفكر إلى التذكر. عندما يقول الله تعالى إن كتابه هو كتاب ذكر وانه انزله للتذكر والتذكرة وهل من شخص يتذكر، فهذا بمثابة هل من ناصر لله، يطلب الله تعالى في هذه التعابير هل من متذكر، هل من شخص يكون ذاكراً له؟ عند ذلك نفهم أن المرأة هنا إن لم تقل لبيك قبل الرجل فعلى الأقل يجيبان في وقت واحد.
نرى آل عمران ولدوا من امرأتين. في حال محراب، الله تعالى لم يعط المسيح لمريم في الحوزة أو الجامعة. أعطاها في المحراب، الملائكة لم يتكلموا مع مريم في الجامعة والحوزة، بل تكلموا معها في المحراب. الملائكة لم يتكلموا مع زكريا في المراكز العلمية، تكلموا معه في المحراب، حيث قال:﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾5.
هذا المحراب هو حالة حرب. الصلاة هي محل حرب بين العقل والجهل. أحياناً يريد الإنسان النجاة من شر العلم. هذه الحرب تظهر في الصلاة، وفي الصلاة ينجح الإنسان في التخلص من العلم، يتخلص من شر الفهم. هذا الفهم يكون أحياناً علة للشر الذي يقول: (أنا أعلم منه)، أما حين يتخلص الإنسان من شر الفهم، فانه يجعل هذا الفهم مقدمة ويقول هكذا: إلهي فهمت أنك خلقتني من تراب حتى تجعلني متواضعاً لا أن تصب التراب على رأسي، الفهم أساساً هو من أجل أن يمشي الإنسان، لا من أجل أن يوجد داعية في الإنسان. إذ أخذ الذكر بزمام الفكر، فهذا العلم هو:"نور يقدمه الله في قلب من يشاء"6.
إذا لم يستطع الذكر أن يأخذ زمام الفكر ـ معاذ الله ـ فهذا هو التفاخر في العلم والتكاثر في المعلومات الذي يؤدي لأن يقول شخص إنني أفهم أفضل منه، تأليفي أفضل، تلاميذي أكثر، درسي له راغبون أكثر، أشرطة كاسيتي تؤخذ أكثر، وهذه في الحقيقة أفاعٍ وعقارب تنفذ إلى النفس.
بناء على هذا لا يمكن القول أبداً: لأن حجم مخ المرأة أقل مثلاً: فانهن يختلفن عن الرجال في الرقي والحصول على السعادة. ليس هكذا، بل الذي يتألم أكثر، يصل إلى المقصد اسرع ولا يمكن القول أبداً: إن انين الرجل أكثر من المرأة، ولا يمكن القول أبداً إن ذكر وتذكر وتذكرة هذه المجموعة أكثر من تلك المجموعة، فالنتيجة انه عدا الناس الذين ذكرهم وفكرهم واحد، سواء الزهراء أو علي عليهم السلام فان الأوساط من الناس قسمان. بعضهم طريق نظرهم أقوى. وبعضهم طريق علمهم أقوى.
تناسب الطريق مع سالكه
بالنظر لأن طريق الوصول إلى المعارف الإلهية متعددة، فمن الممكن أن يصل سالكوا هذا الطريق كل واحد من طرق خاصة إلى المقصد "كلّ ميسر لما خلق له"7. إن الله تعالى سهل قطع الطريق لكل سالك.
﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾8.
إي أن الله يسر قطع الطريق، ولكن لا أن يكون قطع جميع الطرق سهلاً لجميع السالكين، بل أن قطع كل طريق يكون سهلاً لسالك ذلك الطريق. "كل ميسر لما خلق له"، وكما أن في صنف الرجال، يختار كل شخص طريقاً خاصاً، كذلك صنف المرأة أيضاً، كل مرأة تختار طريقها الخاص، ومن الممكن أن يكون الطريق الذي تختاره امرأة صعباً على امرأة أخرى، وكذلك من الممكن أن يكون قطع طريق النساء صعباً على الرجال، وقطع طريق الرجال غير سهل على النساء أيضاً.
إذا كان جهاز وحجم مخ الرجل أكثر من جهاز وحجم مخ المرأة، وافترضنا أن الرجل أقوى من المرأة في مسائل التفكير والفكر، فلا يكون الرجل أيضاً أقوى في مسائل أخرى، لأن طريق الفكر ليس هو كل الطرق فطريق الذكر، والمحبة والموعظة، أن لم يكن أقوى من طريق الفكر والتفكر، فهو ليس أضعف منه.
هذان الطريقان لاءم بينهما القرآن، ولو أراد شخص أن يصبح قوياً في طريق الجزم والنظر، يجب أن يصل إلى العزم والتصميم أيضاً، حتى يصبح حياً، كما أن الشخص إذا كان قوياً في طريق العزم والتصميم، يجب أن يصل إلى الجزم والفكر أيضاً، حتى يصل إلى حياة أفضل، القرآن يلائم دائماً بين جزم النظر وعزم العمل، إذ من مجموع العلم والعمل، والعمل والقوة تنشأ الحياة، فالشخص الذي يعلم فقط لا يعتبره القرآن حياً، والشخص الذي يعمل فقط ولكن ليس على أساس الفكر، لا يعتبره القرآن متمتعاً بحياة طيبة، حياة طوبى هي في ظل العلم الصادق والعلم الصحيح، وللتلاؤم بين هذين الجناحين يطرح القرآن طريق العمل عندما يعرض المسائل العلمية، وعندما ينصب طرق الذكر والموعظة للسالك، يقدم له أيضاً طريق التفكر والفكر، وإذا كان سالكوا هذا الطريق بعضهم أقوى في النظر، وبعضهم في العمل فالنتيجة أن من الممكن أن يصلا إلى مقصد واحد، وطريق القلب وهو طريق الموعظة والذكر والنصيحة، إذا لم يكن النساء أقوى فيه من الرجال فلسن أضعف، إذن لا يمكن القول إن المرأة في المعارف أقل من الرجل، لأن المعارف ليست محدودة وخاصة بالفكر.
ارتباط القلب والعقل في منظار القرآن
من أجل أن يربط القرآن الكريم طريق القلب وطريق العقل معاً، ويعتبر العلم معبراً للعمل، يطرح السيرة العلمية للأنبياء، وكذلك سيرة الحكماء الصالحين بهذا الشكل، وهي أنهم يتعلمون ويعلمون العلم مقروناً بالعمل، فمثلاً إبراهيم الخليل عليه السلام حين يعتزم طرح المسائل التوحيدية يقول: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾9.
إن ملة إبراهيم الخليل حصلت على رسمية بحيث أن القرآن دعانا إلى تعلم ملته، فقال: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾10.
قال إبراهيم عليه السلام بعرض طريق البصر وطريق القلب بدلاً من استدلال النظر وذلك في مقام طرح التوحيد وطرد الشرك فهو لا يدخل عن طريق البرهان ولا يقول: انه نظراً لأن الكوكب يتحرك والمتحرك يريد محركاً، وإذن لا يمكن أن يكون المتحرك رباً، بناء على هذا فمحركه هو الرب، لأن برهان الحركة أو برهان الحدوث أو برهان الإمكان وأمثال ذلك هي مجموعة أفكار نظرية.
أسلوب إبراهيم عليه السلام
فسر الحكماء أصحاب الرأي والمتكلمون والمحققون وأهل التفسير كل منهم أسلوب خليل الرحمن هذا بنوع من التفسير، بعضهم قال: إن مقصود إبراهيم الخليل عليه السلام هو إقامة برهان الإمكان، أي بالنظر لأن الكواكب (القمر والشمس) هي ممكنة والممكن محتاج إلى الواجب فهي إذن ليست واجبة. بعض آخر قالوا: إن مراد إبراهيم عليه السلام، هو برهان الحدوث ولأن هذه الكواكب حادثة لذا تتطلب محدثاً. وبعض آخر قالوا:
الاستدلال عن طريق برهان الحركة، أي لأنها متحركة، تتطلب محركاً، وبعض طبقوا ذلك على برهان النظم، أي أن السير المنتظم للشمس والقمر والكواكب وأمثالها هو دليل على وجود الناظم.
هذه البراهين كل منها بمقدارها مقبولة وتحظى بالاهتمام في محلها، ولكن ظاهر الآية لا ينسجم مع أي منها، ليس مراد الآية أن إبراهيم عليه السلام عرف الله بالطرق المذكورة، بل إبراهيم الخليل يقول ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِين﴾ أي أن الله هو الذي يكون محبوباً، والشيء الآفل ليس محبوباً، فالشيء المحكوم بالأفول ليس رباً. أن الشمس والقمر ليسا رباً لأنهما ليسا محبوبين، وليس من ناحية أنهما ممكنا الوجود. هنا جعل المحبة الحد الوسط للبرهان، والمحبة ليست عمل العقل، بل هي عمل القلب، وإبراهيم عليه السلام أصبح خليل الرحمن من ناحية انه عرف الله عن طريق المحبة، وليس عن طريق الفكرة، فهو عرف الله بالذكر والرغبة وليس بالفكر.
في الكتب العقلية لا يطرح مثل هذا الكلام أبداً بأن يقول إنسان: إني لا أحب الآفل، ويقول آخر إني أحبه. القرآن الذي هو كتاب نور ربط طريق القلب مع طريق العقل وعمل على انسجامهما، لذا نرى انه في معرفة الله التي هي أبرز معرفة دينية، مزج وعلم طريق القلب وطريق الفكر معاً.
سيرة لقمان الحكيم في التعليم والتربية
قال تعالى بشأن لقمان: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾11.
وقال تعالى: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾12.
ومن جمع هاتين الآيتين يستنبط ان لقمان الحكيم كان يتمتع بخير كثير. والله تعالى يعدّ كل الدنيا متاعاً قليلاً ويقول:﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا﴾13.
ولكنه يعدّ الحكمة خيراً كثيراً وليس متاعاً كثيراً. وعندما يتكلم عن كلمات لقمان الحكيمة، فإن أول كلام ينقله عن لقمان هو: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾14.
ويقيم تعالى، البرهان أحياناً لنفي الشرك، ويقول: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾15.
هذا هو طريق الفكر والنظر لإقامة التوحيد، وأحياناً نقرأ ﴿لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ وهذا طريق الذكر وطريق العمل، طريق العقل العملي والحكمة العملية، يقول: إن الشرك سيّىء لأنه ظلم وعلى خلاف العقل العملي والقلب، وليس مذموماً لأنه على خلاف العقل النظري فقط. ورغم ان القرآن الكريم يذكر الشرك بوصفه مسألة بدون البرهان، أي أن الشرك لا يقبل الإثبات أبداً، والذي يدعيه لا يستطيع أبداً الاستدلال على ذلك.
﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ﴾16.
أي أن الشرك هو أمر باطل وغير مبرهن. أما لقمان الحكيم فيثبت في تعليمه وتربيته مسألة نفي الشرك عن طريق عقل العمل وحكمة العمل، أن قبح الظلم وحسن العدل لا يرتبط بعقل النظر والفكر بل يرتبط بطريق الذكر، لأن مسألة الميل إلى العدل والنفور من الظلم ليس لها ارتباط بطريق الفكر. من الممكن أن يدرك الفكر قبح الظلم أو حسن العدالة، أما تلك الجنبة من النفس التي لها ميل إلى العدل ونفور من الظلم فهي جنبة العمل والقلب وليس جنبة العقل والفكر.
فاتضح ان القرآن الكريم يربط هذه الطرق معاً حتى يستطيع الشخص جبران ضعف طريق العقل بقوة طريق القلب. وإذا أصبح شخص أقوى في طريق العقل والفكر يستطيع ترميم ضعف طريق القلب في ظل قوة العقل. لأن كل شخص مناسب للطريق الذي اختاره، من هنا لا يمكن القول: إن صنفاً من الناس مقدم على صنف آخر، أو أن ما يتمتعون به أكثر.
خلاصة البحث
الشيء المهم الذي شغل الأذهان هو أن المرأة ضعيفة في مسائل التفكير، حيث أن هذا الأمر قد بين بالتفضيل، وهو أنه إذا سلم أن الرجل يفهم أفضل من المرأة، فانه لم يثبت أن المرأة تقبل الموعظة أقل من الرجل، وللوصول إلى المعارف الإلهية، هناك طريقان، أحدهما طريق الفكر والآخر طريق الذكر، أحدهما طريق العقل والآخر طريق القلب، وإذا لم يكن ميل واتعاظ المرأة أكثر من الرجل، فهي ليست أقل من الرجل. أحياناً يكون لدى الإنسان فكر قوي حتى يتحرك القلب في ظل الفكر، وأحياناً يتحرك
القلب، وفي ظل حركة القلب يحصل الفكر. والقرآن الكريم نصب كلا الطريقين أمامنا. غاية الأمر أن القرآن لأنه كتاب جاء شاملاً للعالم ولكل الناس وكل الرجال والنساء ولكل جيل في كل عصر ومصر وفي كل الظروف، لذا يعطي قيمة لطريق القلب وطريق الفطرة أكثر من طريق الفكر.
هناك كثير من الأشخاص لم يدخلوا المدرسة والحوزة والجامعة. ولكن طريق القلب مفتوح لهم، طريق الموعظة والعمل مفتوح لهم. قد تقتضي قراءة كتاب والمشاركة في الدرس والبحث سناً خاصاً، والإنسان عندما يصل إلى سن أكثر، لا يكون لديه سعة صدر للتدريس والدراسة، وقد ينسى مع كبر السن أبسط المسائل، فلا يكون في مقدوره قراءة صفحة من العبارات بالقوانين الأدبية والقواعد العربية، مع أنه درس سنوات هذا الفرع أو قام بتأليف وتصنيف، فطريق المدرسة طريق يبدأ في أواسط العمر أو أوائل العمر وفي أواخر العمر ينغلق، أما طريق القلب فهو مع الإنسان، أي أن طريق القلب من المهد إلى اللحد، أن حديث (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) قسمه المهم هو طريق القلب وليس طريق الفكر، إن ما قيل من أن الطفل عندما يولد يقرأ الآذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، فهذا هو طريق القلب، وليس طريق الفكر وان ما ورد من توصية لنا بأن نتلفظ بالذكر مرتباً، فهذا أيضاً يمثل طريق القلب. إن عدم سعة صدر الإنسان للدراسة والبحث في سن الشيخوخة، وقبوله جيداً للصلاة والدعاء والمناجاة، فهذا هو طريق القلب، وإلا فطريق الحوزة ليس من المهد إلى اللحد، وطريق الجامعة ليس من المهد إلى اللحد، الطريق الذي يستمر من المهد إلى اللحد هو طريق الموعظة والذكر والمناجاة والعمل الصالح. الإنسان يفهم كثيراً من الأشياء بالعمل، وفي هذا الطريق إذا لم تكن النساء أنجح من الرجال، فهن لسن أقل من الرجال نجاحاً، وأنتم ترون في مسألة الأذان أنه ليس هناك طريق بين صنف البنت والولد. في مسألة المناجاة والموعظة أيضاً، والصيام ثلاثة أيام كل شهر لم يذكر فيه أن الرجل يصوم والمرأة لا تصوم، فأهم طريق وهو طريق العمل والعبادة مشترك بينهما وكما طرح في البحوث السابقة فان الإنسان يدرس لا من أجل أن يصبح عالماً، بل يدرس من أجل ان يصبح عاملاً. ولهذا العمل طريقان، أحدهما عن طريق الدرس الذي يشجع الإنسان على العمل، والآخر يشجع على العمل عن طريق العاطفة والموعظة. أن قوله تعالى:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾17.
يدل على أن هذا أساس، وهذه العبادة مهيئة دائماً، لكل الإنسان، في كل سن وفي كل ظرف وفي كل صنف بدون فرق بين المرأة والرجل.
السلامة أم الصلابة
الشبهة الأخرى الموجودة في هذا الصدد هي انه إذا كان بدن المرأة والرجل غير متساويين من حيث القوة والضعف، والبدن مركب والروح راكب، فالمركب إذا كان أقوى فالراكب يقطع الطريق أسرع وأفضل.
لحل هذه الشبهة يجب ألالتفات إلى أن المقصود من القوة ليس المعنى الذي يتصوره البعض، لأنه يشاهد أن كثيراً من الأشخاص هم أقوياء من الناحية البدنية ولكن الأعمال الصعبة في المجتمع ليست بعهدتهم، لأنهم ضعفاء من حيث الإدراك. لهذا ليس كل من له بدن وساعد أقوى يفكر أفضل. الكلام هو عن السلامة وليس الصلابة، أي إذا كان بدن المرأة والرجل سالماً فإنهما يستطيعان إدراك المسائل جيداً. أما الصلابة فهي شيء آخر، أن المعيار في الوصول إلى الكمالات هو سلامة البدن وليس صلابة البدن. والأعمال الشاقة تسلم إلى الأشخاص الذين يتمتعون بهم أكبر من صلابة البدن، أما الأعمال في المجتمع فتسلم إلى الأشخاص الذين لديهم حصة أفضل من ظرافة البدن.
أنجح طريق لرقي الإنسان
إن الإنسان يستطيع الرقي من عدة طرق، أحدها طريق الفكر والآخر طريق الذكر، والنساء إذا لم تكن انجح من الرجال في طريق الذكر والمناجاة وهو طريق القلب والعاطفة والرغبة والمحبة. فبالتأكيد هن بمستوى الرجال، وذلك الطريق هو طريق أساسي. أما طريق الفكر فهو طريق فرعي، لأنه ثبت حتى الآن أن طريق الفكر ليس طريقاً واسعاً كثير من أفراد المجتمع وان كانوا من سكان المدن ولكنهم لم يوفقوا للتعلم والدرس والبحث، أما طريق الموعظة وطريق القلب والمناجاة فهو مفتوح للجميع. طريق المدرسة ليس مفتوحاً للجميع، (علم الدراسة) ليس ممكناً للجميع، ولكن (علم الوراثة) ممكن للجميع (وعلم الفراسة) ممكن للجميع.
علم الدارسة هو أن يشترك الإنسان في المجامع العلمية، يدرس ويصبح فاضلاً وعالماً، يتعلم اصطلاحات وبعد مدة يدخل في مرحلة الشيخوخة وينسى بالتدريج كل ما قرأه في المدرسة. في مرحلة الفتوة يتعلم شيئاً فشيئاً، وفي مرحلة الشباب يحفظ هذه المعلومات في عدة أيام وبعد أن يدخل مرحلة الشيخوخة ينسى بالتدريج. هذه المراحل الثلاث هي المقاطع الثلاثة التي نظمت للجميع في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾18.
﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾19.
الإنسان يكون أحياناً في أسفل الجبل وأحياناً يصعد إلى قمة الجبل وأحياناً يعود من قمة الجبل إلى مكان آخر في أسفل الجبل، هذه المقاطع الثلاثة نظمت في القرآن لكل امرأة ورجل، الأول هو ضعف ثم قوة ثم ضعف آخر، الأول مرحلة التعلم، ثم مرحلة الحفظ ثم مرحلة فقدان جميع المعلومات. (كل ما قرأته ذهب عن ذاكرتي) هذه العبارة هي حقيقة علم الدراسة ولكن هل أن علم الوراثة وعلم الفراسة هكذا أيضاً؟
"اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ـ عزّ وجلّ"20.
هل تذهب عن ذاكرة الإنسان في مرحلة الشيخوخة كذلك؟ أم أنها تصبح أكثر تفتحاً في طريق الشيخوخة؟ إن قولهم:
"العلماء ورثة الأنبياء"21.
هل هو بمعنى أن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام في علم الدراسة الذي ينسونه في مرحلة الشيخوخة؟ أم أن لديهم علم الوراثة الذي يصبح في مرحلة الشيخوخة أكثر تفتحاً؟ إن علم الوراثة هو الذي يظل.
عدم الفرق بين الرجل والمرأة في علم الوراثة
هل هناك فرق بين المرأة والرجل في علم الفراسة وعلم الوراثة؟ وهل الكلام هناك هو عن البدن القوي والمتصلب أم عن القلب السليم؟ يلزم ان نقطع ثلاث مراحل الواحدة تلو الأخرى حتى نصل إلى نتيجة مطلوبة. بيان هذه المراحل الثلاث أنه يجب أن نصل من الصلابة إلى سلامة البدن ونصل من سلامة البدن إلى سلامة القلب لنحصل على نتيجة. جاء في القرآن الكريم: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾22.
لم يقل في الآية (ببدن سليم) فضلاً عن أن يقول: (ببدن صلب)، يجب أن نبعد عن الأذهان الكلام عن الصلابة. بعض العمال البسطاء الذين يعملون في قطع الخشب وقلع الحجر وأمثال ذلك يتولون أمور المجتمع القوية، ولكنهم عاجزون عن إدراك أبسط المسائل.
قوة سلامة القلب في المرأة
إن صلابة البدن ليس لها تأثير في الوصول إلى كمال الروح، بل ان القول السديد مؤثر وليس القول الشديد (عليكم بالسديد لا بالشديد).
قال تعالى في القرآن: ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾23.
اتضح لنا انه يجب عدم توقع فكر متين من صلابة البدن بل أن سلامة البدن تثمر الفكر، وعليه فان الفكر ليس وحده، يستطيع حل مشكلة، بل إن القلب يحل المشكلة أيضاً. وسلامة القلب مهمة، والله تعالى عرف بعض الرجال بعبارة مريض القلب. ولكنه لم يذكر مرض قلب المرأة.
في البحوث السابقة وضمن بيان آيات من سورة الأحزاب أشير إلى أن الله تعالى يخاطب نساء النبي: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾24.
أمر النساء أن يتكلمن بأسلوب جيد وبمضمون جيد، لكي لا يطمع الرجال الذين قلوبهم مريضة. هذا المرض هو في قلب الرجل حيث أن المرأة لا تطمع عندما تسمع صوت الرجل، المرأة تتمتع بسلامة القلب، إلا أن يظهر فيها مرض التبرج.
صغرى القياس هي أن النساء يتمتعن من حيث النوع بسلامة القلب. كبرى القياس هي أن أصحاب القلوب السليمة سالمين ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾25 النتيجة هي أن النساء انجح. إن قوله:
هذا الكتاب ﴿وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾26، ثم قوله إن الطمع في غير المحرم هو مرض ثم قوله: إن هذا المرض هو في الرجل ولم يأت في هذا السياق كلام عن مرض المرأة يتضح منه أن النساء سليمات القلوب من هذا المرض الخاص.
إذا عرفنا واقعنا وأننا في أي حد، لم نطرح أساساً كثيراً من هذه الإشكالات والأسئلة حول أنفسنا، لأن جميع المشكلة هي تكمن في أن ما هو أساس خافٍ علينا، ولم ندرك من هو الأساس حقيقة وما هي الوظائف ولماذا خلقنا، وما هو معيار القيمة، عند ذلك أصبح من الممكن أن نتوهم أن من هو أكثر صلابة هو أكثر نجاحاً؟ في حين أن حقيقة الأمر ليست هكذا.
ملائكة الرحمة والغضب
إن الله تعالى عرف نفسه بالأوصاف القوية وبالأوصاف اللينة والرأفة والرحمة أيضاً، والملائكة التي خلقها مجموعتان: مجموعة هم مظهر الصفات الشديد لله، كم يفهم من هذه الآية الشريفة: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾27.
كما قال تعالى في مقام تعريف هذه المجموعة من الملائكة: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾28.
هذه المجموعة من الملائكة هم مشعل غضب الله ومظهر غضب الله ومجموعة أخرى من الملائكة هم مظهر رأفة الله، هؤلاء رؤوفون، رحماء، ومتواضعون بحيث أنهم ليسوا فقط مثلاً أعلى لرحمة الله، بل في الدنيا يضعون أجنحتهم حتى يجلس طلاب العلم عليها لا على الأرض29، وعندما تضع الملائكة اجتحتها حتى يجلس طلاب العلم، هنا لا يكون الكلام على المرأة أو الرجل.
"وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم"30.
هذه الأجنحة هي التي ذكرت في القرآن الكريم في أول سورة فاطر: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾31.
عندما يمدح الإمام علي عليه السلام أجنحة الملائكة يقول: "أولي أجنحة تسبح جلال عزّته"32.
طبعاً ليس ذلك التسبيح العام الذي لدى جناح كل طائر. فحتى الطير الذي يحرم لحمه يسبح جناحاه بحمد الله.
﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾33.
وحتى الحيوان نجس العين يسبح لله.
﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾34.
ولكن علة أنه ذكر في نهج البلاغة خصوصية لتسبيح أجنحة الملائكة وقال: إنها أولي أجنحة تسبح جلال عزته هي كونه تسبيحاً خاصاً، هذا النوع من الملائكة هم مثل رحمة الله. الناس على نوعين أيضاً، بعضهم مظهر الصلابة، وبعضهم مظهر الرحمة. هل الملائكة الذين هم مظهر الصلابة أرقى أم الملائكة الذين هم مظهر الرأفة والرحمة؟ واضح أن للملائكة درجات أيضاً، لأنه قال في القرآن ﴿أَصْحَابُ النَّارِ﴾35 أي الملائكة الذين يتولون مسؤولية جهنم، وفي محل آخر: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾36.
هؤلاء في نفس الوقت الذي هم في جهنم ويتولون مسؤولية جهنم وأهل جهنم ولكنهم ( في روضة من رياض الجنة ) ومجموعة أخرى الملائكة الذين هم مثل رحمة ورأفة الله. وهؤلاء في الجنة.
المرأة مظهر رأفة الله
الناس كذلك بعضهم مظهر صلابة الله. مشغولون بالحرب مع الكفار في ميدان الحرب، والبعض الآخر هم مظهر الرأفة يعملون خلف الجبهة. أي أن كل صنف يقوم بعمله الخاص به. لأن الذي يشحذ السلاح له وظيفة، والذي يتولى معالجة مجروح الحرب له مسؤولية أخرى.
هناك فريق يدخلون صحراء المحشر يوم القيامة راكبين ـ منهم فاطمة الزهراء عليها السلام. ولا يأتي الجميع راكبين، فما هو هذا المركب؟ ما هو هذا الركوب، ما هي ميزة ذلك الذي يأتي راكباً؟ مجموعة من الناس يأتون راكبين، ولكن هل هو مثل ركوب البعير الظاهري أو مثل ركوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على البراق ليلة المعراج (خطوها مدّ البصر)37. على آية حال كثير من مسائل المعراج وكثير من مسائل القيامة يجب أن يعترف الإنسان أنه لا يعرفها، ليس كل هذه تكون شبيهة بالمسائل الدنيوية، كثير من الأشياء قابلة للفهم والإدراك، وكثير من الأشياء غير واضحة.
بناء على هذا مع إدراك هذه الحقائق فانه لا تطرح هذه الأسئلة وهي انه لماذا لم يعط المقام التنفيذي الفلاني للمرأة، والمقام التنفيذي الفلاني للرجال؟ وغير ذلك. إن ما هو معيار الفضيلة ليس المقام التنفيذي، فأي مقام دنيوي يكون أرقى من الخلافة الظاهرية؟
*جمال المرأة وجلالها،الشيخ جوادي آملي،دار الهادي،بيروت ـ لبنان،ط1 1415هـ ـ1994م،ص189ـ206.
1- آل عمران:65.
2- الأنعام:50.
3- البقرة:44.
4- القمر:17.
5- آله عمران:39.
6- حديث نبويّ.
7- سفينة البحار، مادة يس ص 732.
8- عبس:20.
9- ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾. الأنعام:76.
10- الحج:78.
11- لقمان:12.
12- البقرة:269.
13- النساء:77.
14- لقمان:13.
15- الأنبياء:22.
16- المؤمنون:117.
17- الذاريات:56.
18- الروم:54.
19- الروم، الآية: 54.
20- أصول الكافي، ج 1 ص 218.
21- أصول الكافي، ج 1 ص 32.
22- الشعراء: 88 ـ 89.
23- الأحزاب:70 ـ 71.
24- الأحزاب:32.
25- الشعراء:89.
26- يونس:57
27- الحاقة:30-32
28- التحريم:6.
29- نهج البلاغة، فيض الإسلام، الخطبة 183.
30- أصول الكافي، ج 1 ص 34.
31- فاطر: 1.
32- نهج البلاغة، الفيض، الخطبة 90.
33- الإسراء:44.
34- النور:41.
35- المدثر:31.
36- المدثر:31
37- بحار الأنوار، ج 18، ص 333 .