آيات قرآنية:
1 ـ ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾([1]).
نفي لادِّعاء المشركين باتخاذهم الأوثان شفعاء عند الله، فلا شفاعة لأحد عنده إلا بإذنه.
2 ـ ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾([2]).
الشفيع بالحقيقة هو الله، والشفاعة لمن سواه تكون بإذنه.
3 ـ ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلً﴾([3]).
يوم القيامة لا تنفع شفاعة أحد في غيره، إلا شفاعة من أذن الله له ورضي له قولاً، ومنهم النبيون والصديقون والشهداء.
4 ـ ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾([4]).
عن الإمام موسى بن جعفر «عليه السلام»: فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه([5]).
5 ـ ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([6]).
توبيخ ولوم للمشركين، لاتخاذهم شفعاء من أصنام لا تعقل، ولا تملك لهم ضراً.. فلا شفاعة لأحد من دون الله، وهو المالك لها جميعاً، يأذن بها لمن يشاء.
6 ـ ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([7]).
نفي للشفاعة الباطلة التي جعلها المشركون لأصنامهم وأربابهم، واعتقدوا بتأثيرها في الخير والشر من دون الله.
7 ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ﴾([8]).
يحشر الناس يوم القيامة فقراء، لا يملكون مالاً ولا صداقة، ولا شفاعة تنجيهم، فالكل فقير إلى الله، وهو الغني الحميد، وله الشفاعة جميعاً.
8 ـ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾([9]).
الخطاب لبني إسرائيل، إذ زعموا أن آباءهم يشفعون لهم، فكل شفاعة ملك لله سبحانه، ولا يشفع أحد إلا بإذنه.
9- ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾([10])
ذمٌّ وتحذير للمشركين الذين يعبدون الأصنام من دون الله تقرباً بها إليه سبحانه، وتوسلاً للشفاعة منها، فإنّما الشفاعة له ولمن أذن له، هذا التوسّل إخترعه المشركون من عند أنفسهم وهو التوسّل المنهيّ عنه من الله تعالى.
روايات معتـبرة ســـنداً:
1 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ:
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ «عليه السلام»: إِنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبِيَ الْوَفَاةُ، قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ لَا يَنَالُ شَفَاعَتَنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بِالصَّلَاةِ([11]).
2 ـ روى الشيخ الصدوق عن مُحَمَّد بْن مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْعَطَّارُ، عن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عن النَّضْر بْن شُعَيْبٍ، عَنْ خَالِدٍ الْقَلَانِسِيِّ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ «عليهم السلام» قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ «صلى الله عليه وآله»: إِذَا قُمْتُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ تَشَفَّعْتُ فِي أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي، فَيُشَفِّعُنِي اللهُ فِيهِمْ، واللهِ لَا تَشَفَّعْتُ فِيمَنْ آذَى ذُرِّيَّتِي([12]).
3 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِي بن إبراهيم، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وغَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله «صلى الله عليه وآله»: إِنَّ لَكُمْ فِي حَيَاتِي خَيْراً وفِي مَمَاتِي خَيْراً.
قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَمَّا حَيَاتَكَ، فَقَدْ عَلِمْنَا، فَمَا لَنَا فِي وَفَاتِكَ؟
فَقَالَ: أَمَّا فِي حَيَاتِي، فَإِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قَالَ: ﴿وما كانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ﴾ وأَمَّا فِي مَمَاتِي فَتُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ فَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ([13]).
4 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن عَبْد اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ «عليه السلام» قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ «صلى الله عليه وآله»: ثَلَاثَةٌ يَشْفَعُونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فَيُشَفَّعُونَ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ([14]).
5 ـ روى الشيخ الصدوق عن أَحْمَد بْن زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِيّ، عَنْ عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ «عليه السلام» يَقُولُ: لَا يُخَلِّدُ اللهُ فِي النَّارِ إِلَّا أَهْلَ الْكُفْرِ والْجُحُودِ، وأَهْلَ الضَّلَالِ والشِّرْكِ، ومَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُسْأَلْ عَنِ الصَّغَائِرِ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ونُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيم﴾ قَالَ:
فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، فَالشَّفَاعَةُ لِمَنْ تَجِبُ مِنَ الْمُذْنِبِينَ؟
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ «عليه السلام» قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ «صلى الله عليه وآله» يَقُولُ: إِنَّمَا شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي([15]).
6 ـ روى الشيخ الصدوق عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال:
سمعت موسى بن جعفر «عليهما السلام» يقول: ...لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه ([16]).
7 ـ روى الشيخ الكليني عن أحْمَد بْن إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ومُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
...فقَالَ رَسُولُ الله «صلى الله عليه وآله»: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِي ولَا لَكُمْ ولَكِنِّي قَدْ وُعِدْتُ الشَّفَاعَة([17]).
هذه عقيدتنا في الشــفاعة:
الشفاعة إفاضة الرحمة الإلهية والمغفرة للعباد يوم القيامة بوساطة مَن أذن لهم واختارهم الله تعالى، فهي ملكٌ له يرتضيها ويأذن بها لمن يشاء. ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعً﴾([18]).
فالله تعالى فتح باب الشفاعة لمن أذن له، ليغفر للمذنبين من أهل التوحيد ويدخلهم في رحمته باستنقاذهم من دخول النّار، أو بإخراج بعض من كان فيها، ولا شفاعة للكفّار والمشركين وناصبي العداء لأهل بيت النّبي «صلّى الله عليه وآله».
وقد خصّ تعالى مقام الشفاعة للنّبي «صلّى الله عليه وآله» وعترته، والقرآن الكريم والأنبياء والأولياء والشهداء وغيرهم.
وإنّ رسول الله محمّد «صلّى الله عليه وآله» هو أول شفيع يوم القيامة، يشفع للمذنبين من أمته ليدخلوا الجنة.
وفي تفسير قوله تعالى ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودً﴾([19]) أن المقام المحمود هو الشفاعة .
وكذلك في تفسير قوله تعالى ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾([20]) أنها الشفاعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأمّا الشفاعة الباطلة، فهي التي يختار فيها العباد شفعاءهم معتقدين بهم سبباً وتأثيراً من دون الله . فكلّ اعتقاد بشفيع من دون الله فهو باطل، إذ لا تأثير ولا قدرة لذي مخلوق من دون إذن الله.
سماحة الشيخ نبيل قاووق، عقــائد شـيعة أهل البيت (عليهم السلام) في الأدلة المعتبرة
([1]) الآية 255 من سورة البقر.
([2]) الآية 3 من سورة يونس.
([3]) الآية 109 من سورة طه.
([4]) الآية 28 من سورة الأنبياء.
([5]) التوحيد، الصدوق، ص408.
([6]) الآيتان 43 و44 من سورة الزمر.
([7]) الآية 18 من سورة الأنبياء.
([8]) الآية 254 من سورة البقرة.
([9]) الآية 48 من سورة البقرة.
([10]) الآية 3 من سورة الزمر.
([11]) الكافي، ج3 ص271. وتهذيب الأحكام، ج9 ص107.
([12]) أمالي الصدوق، ص370. وبحار الأنوار، ج8 ص37.
([13]) الكافي، ج8 ص254. والبرهان في تفسير القرآن، ج2 ص681.
([14]) الخصال للصدوق، ص156.
([15]) التوحيد للصدوق، ص407، وبحار الأنوار، ج8 ص351، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج3 ص812.
([16]) التوحيد للصدوق، ص406، وبحار الأنوار، ج8 ص351 ـ 352.
([17]) الكافي، ج4 ص58، وتهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، ج4 ص58، ومرآة العقول، ج16 ص190.
([18]) الآية 44 من سورة الزمر
([19]) سورة الإسراء الآية 79.
([20]) سورة الضحى الآية 5.