آيات قرآنية:
1 ـ ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([1]).
الإمامة منصب إلهي وعهد من الله، وتكون بالتعيين منه تعالى.
وقد جعلها لإبراهيم «عليه السلام» بعد النبوة والحكمة، ولا نصيب منها للظالم، كالمشرك بالله، والمرتكب للمعاصي.
2 ـ ﴿إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾([2]).
رحمة الله بعباده قضت أن يجعل لهم هادياً نبياً، أو إماماً يهديهم صراط الحق في كل زمان.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» في تفسير الآية قال: كل إمام هاد لكل قوم في زمانهم([3]).
3 ـ ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين﴾([4]).
خصّ الله إبراهيم، وإسحق، ويعقوب بفضل منه سبحانه: بأن جعلهم أئمة لهداية الناس إلى الإيمان، والطاعة لله سبحانه، والعبادة لله سبحانه، وفعل الخيرات، وهو ما ينفع الناس في دنياهم وآخرتهم.
4 ـ ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾([5]).
إختار الله ونصّب من بني إسرائيل أئمة لهداية الناس، وذلك حين صبروا على الأذى والبلاء في طاعة الله ونصرة دينه، وكانوا بآيات الله يوقنون.
5 ـ ﴿وَلَقَدْ أَخَـذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْـرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبً﴾([6]).
إنّ اختيار النقباء كان من الله تعالى، وليس من الناس، وكان عددهم اثني عشر، وكذلك اختار الله في هذه الأمة اثني عشر إماماً، وبشّر بهم النبي «صلى الله عليه وآله».
روايات معتـبرة ســـنداً:
1 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ودُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْه([7]) قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَه «عليه السلام»: الأَنْبِيَاءُ والْمُرْسَلُونَ عَلَى أَرْبَعِ طَبَقَاتٍ:
فَنَبِيٌّ مُنَبَّأٌ فِي نَفْسِه، لَا يَعْدُو غَيْرَهَا..
ونَبِيٌّ يَرَى فِي النَّوْمِ، ويَسْمَعُ الصَّوْتَ ولَا يُعَايِنُه فِي الْيَقَظَةِ، ولَمْ يُبْعَثْ إِلَى أَحَدٍ، وعَلَيْه إِمَامٌ، مِثْلُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى لُوطٍ «عليه السلام».
ونَبِيٌّ يَرَى فِي مَنَامِه، ويَسْمَعُ الصَّوْتَ، ويُعَايِنُ الْمَلَكَ، وقَدْ أُرْسِلَ إِلَى طَائِفَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، كَيُونُسَ، قَالَ اللهُ لِيُونُسَ: ﴿وأَرْسَلْناه إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾.
قَالَ: يَزِيدُونَ ثَلَاثِينَ أَلْفاً، وعَلَيْه إِمَامٌ.
والَّذِي يَرَى فِي نَوْمِه، ويَسْمَعُ الصَّوْتَ، ويُعَايِنُ فِي الْيَقَظَةِ، وهُوَ إِمَامٌ، مِثْلُ أُولِي الْعَزْمِ، وقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ «عليه السلام» نَبِيّاً، ولَيْسَ بِإِمَامٍ حَتَّى قَالَ اللهُ: ﴿إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي﴾، فَقَالَ اللهُ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
مَنْ عَبَدَ صَنَماً أَوْ وَثَناً لَا يَكُونُ إِمَاماً([8]).
2 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» فِي قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ:
رَسُولُ الله «صلى الله عليه وآله» الْمُنْذِرُ، ولِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ، يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِه ـ نَبِيُّ الله «صلى الله عليه وآله» ـ ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِه عَلِيٌّ ثُمَّ الأَوْصِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ([9]).
3 ـ روى الشيخ الكليني عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ «عليه السلام» عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿وكانَ رَسُولاً نَبِيًّ﴾، مَا الرَّسُولُ؟ ومَا النَّبِيُّ؟
قَالَ: النَّبِيُّ الَّذِي يَرَى فِي مَنَامِه، ويَسْمَعُ الصَّوْتَ، ولَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ.
والرَّسُولُ الَّذِي يَسْمَعُ الصَّوْتَ، ويَرَى فِي الْمَنَامِ، ويُعَايِنُ الْمَلَكَ.
قُلْتُ: الإِمَامُ مَا مَنْزِلَتُه؟
قَالَ: يَسْمَعُ الصَّوْتَ، ولَا يَرَى ولَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ، ثُمَّ تَلَا هَذِه الآيَةَ: ﴿وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ﴾، ولَا مُحَدَّثٍ([10]).
4 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، ومُحَمَّد بْن الْحَسَنِ عَنْ سَعْد بْن عَبْدِ، عن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، ويَعْقُوب بْن يَزِيدَ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام»: فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَ: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ: كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِكُلِّ قَوْمٍ فِي زَمَانِهِمْ([11]).
5 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن عَبْد اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيّ، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ([12]).
6 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِي بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» فِي قَوْلِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: ﴿فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيم﴾.
قَالَ: جَعَلَ مِنْهُمُ الرُّسُلَ والأَنْبِيَاءَ والأَئِمَّةَ، فَكَيْفَ يُقِرُّونَ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ «عليه السلام»، ويُنْكِرُونَه فِي آلِ مُحَمَّدٍ «صلى الله عليه وآله»؟
قَالَ: قُلْتُ: ﴿وآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيم﴾.
قَالَ: الْمُلْكُ الْعَظِيمُ: أَنْ جَعَلَ فِيهِمْ أَئِمَّةً مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللَه ومَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللَه، فَهُوَ الْمُلْكُ الْعَظِيم([13]).
هذه عقيدتنا في الإمامة العامة:
الإمامة مقام إلهي يختصّ به الله من يشاء من عباده المنتجبين ولا تكون لظالم ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([14]). وإنما تكون بوحي من الله إلى النبي الذي يقوم بإبلاغ النّاس بالإمام من بعده.
وهي لطف منه تعالى لهداية عباده، وإدارة شؤونهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.
يرث الإمام النّبي في الوظائف والمسؤوليات، وحق الطاعة، ما عدا الوحي، فلا شريعة جديدة للإمام، وإنّما يبلّغ ما جاء به النّبي، ويدافع عن حياض الدين، ويصون الأحكام، ويحكم بين النّاس بالحقّ الخ..
وهو أفضل النّاس وأعلمهم في زمان إمامته، وحجّة الله عليهم والقدوة لهم.
وقد تجتمع النّبوة مع الإمامة، فقد خصّ الله تعالى بها إبراهيم بعد النبوة، ثمّ أكرمه بأن جعلها في ذريته الأخيار المنتجبين ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَ﴾([15]).
سماحة الشيخ نبيل قاووق
([1]) الآية 124 من سورة البقرة.
([2]) الآية 7 من سورة الرعد.
([3]) كمال الدين، الشيخ الصدوق، ص668
([4]) الآية 73 من سورة الأنبياء.
([5]) الآية 24 من سورة السجدة.
([6]) الآية 12 من سورة المائدة.
([7]) الظاهر: أن الضمير «عنه» يرجع إلى هشام بن سالم.
([8]) الكافي، ج1 ص174، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج4 ص632.
([9]) الكافي، ج1 ص191، وبحار الأنوار، ج16 ص358.
([10]) الكافي، ج1 ص176، ومرآة العقول، ج2 ص289.
([11]) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، ص667، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج3 ص229.
([12]) علل الشرائع للشيخ الصدوق، ج1 ص197، وبحار الأنوار، ج23 ص23.
([13]) الكافي، ج1 ص206، ومرآة العقول للمجلسي، ج2 ص412، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج2 ص93.
([14]) سورة البقرة الآية 124.
([15]) سورة الأنبياء الآية 73.