يتم التحميل...

قرابة الإيمان مقدمة على قرابة الدم

ثقافة إسلامية

قرابة الإيمان مقدمة على قرابة الدم

عدد الزوار: 55



ففي قصّة النبيّ نوح: حينما أراد نوحٌ النبيّ أن يستقلّ السفينة وأن يركب معه أهله وعياله وكذلك أتباعه والمؤمنين والذين وقفوا إلى جانبه ــــ وما بقي من الخلائق أضحوا عرضةً لقهر الطوفان الإلهيّ ــــ وكان الماء يفور وكانت الأمواج تتلاطم من كلّ جانب وتغرق الناس؛ فإنّ أحد أبناء نوح، الذي لم يكن من المؤمنين به لم يأتِ ليركب. فهذه قصّة. إنّه يبيّن لنا قصّةً نموذجيّةً ولكنّها مليئة بالنقاط والإشارات.


فنوح النبيّ العجوز الذي ابيضّت لحيته ــ وبعمره المديد جدًّا ــ ها هو فتاه وابنه ومحبوبه الذي يقول له: تعال اركب معنا فإنّك سوف تغرق. أمّا ابنه فيقول له: كلّا، فإنّني لن أركب ولن أغرق، فإنّني سآوي إلى جبلٍ يعصمني ولا أحتاج إليك. وأثناء هذا الحوار يحول بينهما الموج، ويفقد الوالد مجال الرؤية وعندها يغرق الابن. وهنا تنتهي القصّة. ونجد أنّ قلب نوح من الناحية البشريّة ينزعج بمقدارٍ ما. فابنه قد قُضي عليه في هذه الحادثة. وهنا يتوجّه إلى ربّ العالم فيبثّه شكواه ويقول: يا ربّي لقد وعدت أن تنجي أهلي وأسرتي وإنّ ابني من أهلي وأسرتي، فليته نجا. وبعدها يأتي الخطاب من ربّ العالمين، ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ﴾. فنحن ليس لدينا ارتباطٌ بالعمل غير الصالح. وهنا العبرة من هذه القصّة.


بالطبع، إنّني هنا أستند إلى إحدى مفردات القصّة، بينما يوجد الكثير من الشواهد في هذه القصص وفي قصّة نوح. وهي قوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ ليبيّن لنا ويعلّمنا أصلًا إسلاميًّا كلّيًّا. يقول إنّ أخوين غير منسجمين من الناحية الفكريّة هما أجنبيّان بينما إذا كان هناك أجنبيّان منسجمان فكريًّا فهما أخوان. فالأب والابن إذا لم يكونا منسجمين فكريًّا وكان أحدهما مؤمنًا بالله والآخر كافرًا، والأوّل كان في الجبهة الإلهيّة والثاني كان في جبهة الشيطان فلا تربطهما رابطة القرابة وليسا من أسرةٍ واحدة. فالقرابة النسبيّة والسببيّة، والقرابة التي تنشأ من علقة الدمّ، هي بنظر الإسلام في الدرجة الثانية. أمّا القرابة الفكريّة، فهي في الدرجة الأولى. انظروا جيّدًا، فهذا أحد أصول الإسلام.


وأيضًا نجد في الروايات التي نتأمّل فيها قرائن كثيرة وشواهد على هذا الأصل. وقد شاهدت روايةً عن الإمام عليه السلام. أي أنّه من الممكن أن يكون بينكم وبين أخيكم من أمّكم وأبيكم مسافةٌ بعيدةٌ بقدر المشرق والمغرب، ولكن من الممكن أن يكون لكم أخوّة مع ذاك المؤمن الذي يعيش في الطرف الآخر من العالم، ذاك الذي ينسجم معكم فكريًّا ويكون في جبهتكم مع ذاك الذي يكون إيمانه مساويًا لإيمانكم. فهذا أحد أصول الإسلام. والتفتوا في هذه التقريرات القرآنيّة إلى هذه النقاط، وانظروا ماذا تريد أن تقول لكم، وأيّ أصلٍ أو عبرةٍ وأيّة واقعيّةٍ تاريخيّةٍ يبيّنها والتي تتكرّر أحيانًا مئات المرّات في أماكن مختلفة.
 


* "الآثار النفسية للتوحيد"، كتاب "الرؤية العامة للفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم" ــ دار المعارف الحكمية.

 

2019-09-30