كل الانحرافات التي تحصل في المجتمع مردها وجذورها إلى أخلاقنا. أخلاق الإنسان والخصال الأخلاقية للأفراد هي التي توجّه سلوكهم وممارساتهم وترسم ملامحها. إذا كنا نلاحظ بعض السلوكيات المنحرفة في مجتمع ما أو على مستوى العالم فعلينا البحث عن جذورها في الأخلاق الذميمة. معظم هذه الخصال الباطلة الضارة في البشر تعود إلى طلب الدنيا وحبها. لذلك يقول أمير المؤمنين: "حب الدنيا رأس كل خطيئة".. طلب الدنيا أصل وأساس كل أخطائنا التي تؤثر في حياتنا الجماعية والفردية. طيب؛ ما معنى طلب الدنيا؟ وما معنى الدنيا؟
الدنيا هي هذه الطبيعة الهائلة التي خلقها الله تعالى ومنحها للبشر.. هذه هي الدنيا. وأولها أعمارنا. الأولاد دنيا، والمال دنيا، والعلم دنيا، والمصادر الطبيعية دنيا. هذه المياه والمناجم وكل ما يلاحظه الإنسان في عالم الطبيعة هو دنيا. أي الأشياء التي تكون حياتنا في هذا العالم. طيب ما هو السيئ في هذا؟ ثمة مأثورات ومعارف شرعية وإسلامية تقول لنا عمّروا الدنيا: "خلق لكم ما في الأرض جميعاً".. اذهبوا حققوا الدنيا وعمّروها واستثمروا النعم الطبيعية لكم وللناس. ثمة تعابير من هذا القبيل تدل كلها على رؤية إيجابية تجاه الدنيا.
وهناك مجموعة من المأثورات والمعارف الإسلامية تعتبر الدنيا رأس الخطايا وأصل المعاصي.. لكن خلاصة الفكرة هي أن الله تعالى مد مائدة الطبيعة هذه للبشر وأوصاهم وأمرهم بأن يجعلوها أكثر فاعلية واستعداداً وألواناً ويقدمونها للناس ولأنفسهم. غير أن هناك حدوداً وضوابط وقواعد تقيد هذه الممارسة. ثمة مساحات محظورة.
الدنيا المحمودة هي أن ينتفع الإنسان من هذه المائدة الطبيعية الإلهية والمواهب الإلهية كما أمرت الضوابط والقواعد الإلهية. الدنيا الذميمة هي أن يطلب الإنسان لنفسه هذا المتاع الذي وضعه الله تعالى للناس، وأن يريد لنفسه سهماً أكثر من الآخرين، ويتطاول على حصص الآخرين.
هذه الدنيا وسيلة للسمو والتكامل، وينبغي أن لا تعد هدفاً. إذا لم تؤخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار كانت الدنيا ذميمة.
* من خطبتي صلاة الجمعة بطهران 19/09/2008م.