الخامس والعشرون من ذي القعدة تاريخ دحو الأرض، وبعبارة أخرى؛ يوم ميلاد الأرض، تاريخ نتذكّر فيه نعمة الله علينا في تهيئة المسكن العام للبشرية، مع كلِّ لوازم الحياة فيها، وهذا ما يستوجب علينا حمد الله تعالى ثناءً وشكراً".
قال تعالى: ﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ (32) وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾1.
خلق الله الكون فأتقن صنعه ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء﴾2.
وحفظ صنعه بإتقان ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾3.
ودعانا أن نستفيد من نعمه ولا نفسدها ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾4
وهدّدنا ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾5.
وكتطبيق على هذا التهديد نقرأ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) يربطون فيها المعاصي بالكون:
1- قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾6
2- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "...في الزنا ست خصال ثلاث منها في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجل الفناء ويقطع الرزق"7.
3- عن الإمام الباقر (عليه السلام): "وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها"8.
4- عن الإمام الباقر (عليه السلام): "وجدنا في كتاب رسول الله... وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلّها"9.
وعلى قاعدة حفظ نعم الله تعالى وخلافة الإنسان في الأرض (إني جاعل في الأرض خليفة) أراد الإسلام أن نحافظ على البيئة ونطوِّرها كما نلاحظ ذلك في المجالات التالية:
أ- في مجال الثروة النباتية
1- عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):" ما من مسلم يغرس غرساً يأكل منه انسان أو دابة أو طير إلا أن يكتب له صدقة إلى يوم القيامة ."10
2-عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام):" كان أبي يقول : خير الأعمال الحرث، تزرعه فيأكل منه البر والفاجر"11.
3-عن الإمام الصادق (عليه السلام):" ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلَّ، ولا أطيب منه"12.
وللهدف السابق شرّع الإسلام امتلاك الأرض غير المملوكة من خلال زرعها، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):" من أحيا أرض ميتة، فهي له قضاء من الله ورسوله"13.
وفي المقابل هناك نصوص تنهى عن قطع الأشجار المثمرة، فعن أبي عبد الله(عليه السلام): " لا تقطعوا الثمار (أي الأشجار المثمرة) فيصبّ الله عليكم العذاب صبّاً"14
ب- في مجال الثروة الحيوانية
دعا الإسلام إلى الاستفادة من الثروة الحيوانية من دون جعلها للهو والترف، وقد سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أيقصّر في صلاته أم يتمّ؟ فقال (عليه السلام): "إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر ويقصِّر، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة".
ج- في مجال الثروة المائية
دعا الإسلام إلى عدم الإسراف في صرف المياه، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): "أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء"15.
كما دعا إلى عدم جعل النجاسة في المياه. بل ورد أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يمنع أن يُلقى السمّ في المياه وإن كانت في بلاد العدو.
د- في مجال الأماكن العامة
دعا الإسلام إلى إماطة الأذى عن الطرقات العامة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّ على كل مسلم في كل يوم صدقة.. قيل: من يطيق ذلك، قال (صلى الله عليه وآله): إماطتك الأذى عن الطريق صدقة"16.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن"17.
ولهذا خلفية قيّمة عبّر عنها الإمام علي (عليه السلام) بقوله: "اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبّ لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها"18.
سماحة الشيخ أكرم بركات
1- سورة ابراهيم، الآيات 32-34.
2- سورة النمل، الآية 88.
3- سورة الأنبياء، الآية 32.
4- سورة الأعراف، الآية 85.
5- سورة البقرة، الآية 211.
6- سورة النحل، الآية 112.
7- الكاشاني، التفسير الصافي، ج3، ص 190.
8- المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص 274.
9- الكليني، الكافي، ج2، ص 374.
10- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج18، ص 429.
11- المصدر السابق، ص 436.
12- الكليني، الكافي، ج5، ص 260.
13- المصدر السابق، ص 280.
14- الحر، العاملي، وسائل الشيعة،ج19،ص39.
15- المصدر السابق، ج6، ص 460.
16- الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص 1597.
17- روح الله، الخميني، الرسائل، ج1، ص 140.
18- نهج البلاغة، الإمام علي، ج3، ص 45.