تحتوي سورة الحمد المباركة علىٰ خلاصة معارف القرآن الكريم ولذلك تسمّىٰ (اُمّ الكتاب)
و(اُمّ القرآن). وطبقاً لآراء متنوّعة فانّ معارف هذه السورة قابلة للتقسيم الىٰ
عدد من الأقسام نُشير فيما يلي الىٰ بعضها:
1. انّ لمعارف القرآن الكريم ثلاثة أقسام أساسيّة ومحوريّة، فقسم يرتبط بالمبدأ
وتوحيده الذاتيّ والصفاتيّ والأفعاليّ والعباديّ، والقسم الآخر يتعلّق بالمعاد،
والقسم الثالث هو الّذي يتكفّل بحاجة البشريّة بين المبدأ والمعاد فهو يتعلّق
بالهداية والضلالة أي انّه يبيّن الوحي والرسالة والدين. وسورة الحمد أيضاً وكما
ذُكر تحتوي علىٰ خلاصة هذه الأقسام المذكورة.
2. المحاور الأساسيّة لمعارف هذه السورة وكما وصفت في بعض الروايات هي: «التحميد»
و«الاخلاص» و«الدعاء»، حيث تذكرها الرواية بالترتيب: «السورة الّتي أوّلها تحميد
وأوسطها اخلاص وآخرها دعاء: سورة الحمد».[1]
3. ذكر الشيخ البهائي(المراتب الاربع للحمد) والّتي استفادها من السورة بهذا
التفصيل:
أ. حمد المحبّة والعشق وهو حمد الذات وهو ناظر
الىٰ أهليّة ذات الحقّ سبحانه للتحميد، ولأجل التعبير عن هذا الحمد فإنّ عبارة (الحمد
لله) كافية.
ب. حمد الشكر: وفي هذه المرتبة فانّ الحامد
يحمد الله ويشكره علىٰ ربوبيّته المطلقة واحسانه، وعبارة (ربّ العالمين) ناظرة الىٰ
ذلك.
ج. حمد التجارة وهو الحمد الّذي يصدر بدافع
الرجاء والطمع والشوق الىٰ الثواب وعبارة (الرحمٰن الرحيم) تُشير إليه.
د. حمد العبوديّة: وهو الحمد لله الصادر بسبب
الخوف من العذاب الإلٰهيّ ويعبّر عنه بالآية الكريمة: {مالِكِ يَوْمِ الدِّين}.[2]
وهذه اللطيفة مستوحاة من بعض الأحاديث الّتي تبيّن مراتب الحمد مثل: «العبادة ثلاثة:
قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالىٰ
طلباً للثواب، فتلك عبادة الأُجراء وقوم عبدوا الله حبّاً له، فتلك عبادة الأحرار
وهي أفضل العبادة».[3]
«إنّ قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجّار وانّ قوماً عبدوا الله رهبة، فتلك
عبادة العبيد، وانّ قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار».[4]
4. وطبقاً للحديث القدسي فإنّ سورة الحمد المباركة الّتي هي في مقام تعليم أدب
التحميد واُسلوب اظهار العبوديّة قد قُسِّمت بين الله سبحانه والعبد السالك، فالقسم
الأوّل الّذي هو خمس آيات يتضمّن الحمد والثناء لله والخشوع والخضوع أمامه فهو لله،
والقسم الأخير للسورة الّذي فيه آيتان ويتضمّن الدعاء والطلب فهو نصيب العبد السالك:
«قسّمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي...».[5]
5. انّ خلاصة سورة الحمد هي الشكر علىٰ النعم النازلة في الماضي والاستعانة
والاستمداد لنزول الرحمات في الحاضر والمستقبل، كما ذكر أمير المؤمنين في بعض خطبه
حيث قرن (الحمد) و(الاستعانة) فقال: «(نحمده) علىٰ ما كان (ونستعينه) من أمرنا علىٰ
ما يكون ونسأله المعافاة في الأديان كما نسأله المعافاة في الأبدان»[6] وكذلك يقول:
«(أحمده) استتماماً لنعمته... (واستعينه) فاقة الىٰ كفايته»[7]، «(نحمده) علىٰ
آلائه كما نحمده علىٰ بلائه و(نستعينه) علىٰ هذه النفوس البِطاء عمّا اُمرت به
السِراع الىٰ ما نهيت عنه».[8]
6. يقول المرحوم الفيلسوف صدر المتألّهين:
إنّ سورة الحمد المباركة مع المقدّمة الّتي تضاف اليها في الصلاة تشكّل سويّة
ثمانية أقسام تتناسب مع الأبواب الثمانية للجنّة، فالمصلّي الّذي يتلوا سورة الحمد
في الصلاة مراعياً كامل آدابها الخاصّة فإنّه يدخل الىٰ الجنّة من جميع أبوابها
الثمانية، والأبواب المذكورة هي:
الأوّل: في «المعرفة» ويدخله المصلّي عندما يقول {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي
فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْض}.[9]
الثاني: في «الذكر» وبتلاوة الآية {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم}.
الثالث: في «الشكر» وبواسطة الآية {اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِين}.
الرابع: في «الرجاء» وبواسطة قراءة الآية {الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم}.
الخامس: في «الخوف» بواسطة ذكر الآية {مالِكِ يَوْمِ الدِّين}.
السادس: في «الاخلاص» وبواسطة قول {إِيِّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين}.
السابع: في «الدعاء والتضرّع» وبواسطة تلاوة الآية {اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيم}.
الثامن: في «الاقتداء بالارواح الطاهرة» بقراءة الآية {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِم...}.[10]
تنويه: اتّضح بواسطة تحليل الخطوط العامّة لمعارف سورة الحمد وبحوثها الأساسيّة انّ
هدف هذه السورة هو تعليم أدب التحميد واُسلوب اظهار العبوديّة أمام الله سبحانه،
كما أنّ تعليم اُسلوب الاستعانة وطلب الهداية من الله والتعرّف علىٰ كيفيّة سلوك
الطريق إلىٰ الله هو هدف آخر لهذه السورة.
آية الله الشيخ جوادي آملي – بتصرّف يسير
[1] . تفسير العياشي، ج1، ص19.
[2] . مفتاح الفلاح، ص762، بتصرّف.
[3] . البحار، ج67، ص236.
[4] . نهج البلاغة، الحكمة 237.
[5] . نور الثقلين، ج1، ص4.
[6] . نهج البلاغة، الخطبة 99، المقطع 1.
[7] . نهج البلاغة، الخطبة 2، المقطع 1.
[8] . نفس المصدر، الخطبة 114، المقطع 1.
[9] . سورة الأنعام، الآية 79.
[10] . تفسير القرآن الكريم، ج1، ص178، بتصرّف.