يتم التحميل...

تحويل الفضاء الافتراضي إلى فرصة

إضاءات إسلامية

تحويل الفضاء الافتراضي إلى فرصة

عدد الزوار: 70

إن الفضاء الافتراضي (الإنترنت) هو موطن امتحاناتنا وتكاليفنا الجديدة، وهي امتحانات لا تختلف ماهويّا عن سائر امتحانات الناس على مدى القرون والأعصار، ولكنّها قد اتصفت ببعض الخصائص بما تقتضيه ظروف الإنسان المعاصر. وشأنها كشأن باقي امتحانات العالم، لا يمكن إهمالها تماما ووضعها على جانب، ولا يمكن اتقاء أضرارها بسهولة. وهذه طبيعة العالَم بأسره.

إن الهدف من جميع الامتحانات الإلهية هو وزن مدى عزم الناس وإيمانهم في مواجهة «هوى النفس والرغبات السخيفة» عبر أسلوب عقلاني ومطابق لأحكام الدين، ممّا يؤدي إلى رشدهم وارتقاء روحهم. وكذلك الفضاء الافتراضي بخصائصه الجديدة وتغييراته الواسعة، فهو ليس إلّا أرضية جديدة لقياس مدى قوّة الإنسان الروحية، وساحة جديدة للتكاليف الإنسانية والدينية. فلابدّ أن نرى كيف نقدر على النجاح في هذه الساحة.

من الطبيعي لهذا الإنسان الذي يحظى بمزيد من العقل والتجربة بالقياس إلى الأجيال الماضية، والذي يتمتّع بإمكانات أفضل للحياة، أن يواجه امتحانات جديدة ومعقّدة أكثر. والمهمّ هو أن نقدر على مواجهة هذا الميدان بفطنة ومسؤولية، ونكون سببا لتجلّي حكمة الله في خلق الإنسان عبر تجسيد قوّتنا المعنوية في هذا الميدان.

وبالإضافة إلى ذلك، إن كنّا قد دخلنا في أيّام آخر الزمان، فلعلّ هذا جزء من مناخ امتحاناتنا النهائية. وبطبيعة الحال لا تخلو هذه الامتحانات النهائية في زمن الغيبة من الصعوبة الخاصّة بها. قلّ ما تُعطى فرصة التدارك في الامتحانات النهائية، وغربلتُها تشبه يوم القيامة؛ فيسقط فيها كثير وينمو كثير.

إن ماهية الثقافة والحضارة التي صدّرت لنا تقنية الفضاء الافتراضي وأجهزته، وأهم من ذلك، كيفية استغلال نظام السلطة لهذا الفضاء، لا تقلّل مسؤوليتنا في التعامل معه، بل تزيدها. فها نحن الآن أمام هذه الإمكانات التي قد تؤدي إلى هزيمتنا، وقد تؤول إلى هزيمة الأعداء. فلابدّ أن نرى كيف سنخرج من هذا الامتحان الإلهي في مواجهة هذا الفضاء الجديد؛ أفهل سنجسّد قدرة الله، أم سنجسّد ضعفنا؟!

مما لا شكّ فيه ولا ريب يعتريه، لو لم ير الله فينا قوّة مواجهة امتحانٍ كهذا، لما جعلنا في مثل هذا الامتحان. وممّا لا شكّ فيه لو لم نكن نحظى بالقوّة اللازمة لمواجهة هذا الامتحان بالشكل الصحيح، لما واجهنا مثل هذه الظروف، ولما فرض اللّه علينا هذا الامتحان. لقد ثقّل الفضاء الافتراضي المسؤوليّة على أكتافنا فبإمكاننا أن نكتسب الأجر ونجاهد أضعاف ما جاهد أسلافنا، كما يمكن أن نصاب بالضعف وننساب نحو المعاصي أضعافا مضاعفة.

الفضاء الافتراضي فرصة لتقييم مدى إدراكنا عن الحقائق الدينية الأصيلة، ومدى نجاحنا في نقل جزء من هذه المعرفة والإدراك للآخرين. فقد نستطيع أحيانا أن نقدّر مدى معرفتنا بالدين عبر نقل معرفتنا الدينية إلى الآخرين. كما هو فرصة لأن نعرف كم نحن عشّاق لدين الله وأوليائه، وكم نحن أنانيّون وغير مكترثين بخدمة الدين.

من الواضح أن هذا الفضاء سيعرّضنا إلى مخاطر جديدة، وفي نفس الوقت سيمنحنا إمكانات جديدة للرشد الفردي والاجتماعي. ولكن لا ينبغي أن نتعامل معه بانفعال وحسب. فلابدّ أن نستغل فرص هذا الفضاء مع صيانة ما يودّون سلبَه منّا. فعندما ننظر إلى فرص الفضاء الافتراضي، نشعر بكلّ وضوح أن كم كانت عملية التسريع في هداية الناس وإنقاذ البشرية بحاجة إلى هذه التقنية، ولعلّ هذه الفرص هي من ممهّدات الظهور.

في سبيل مواجهة الفضاء الافتراضي لابدّ لنا من أمرين؛ الأول هو مراعاة التقوى، لكي لا يتأثر نَفَسنا بهذا الجوّ الموبوء. فإن من خصائص هذا الفضاء وسعة الفسق والفجور. والأمر الآخر هو أنه يجب أن لا ننسى النظم والتوقيت في استخدام هذه الأجهزة والتواجد في الفضاء الافتراضي. إذ من خصائص هذا الفضاء تضييع الوقت والإخلال في نظمه، وبما أنّه في متناولنا دائما وفي كلّ لحظة، فبإمكانه أن يقضي على نظم حياتنا بدافع حبّ الاستطلاع أو بدوافع أخرى.

إن إمكان «الحصول السهل والمنظّم على المعلومات» و«معالجة الاحتياجات واختيارها الدقيق» و«سرعة انتقال المعلومات بشكل واسع» و«تبليغ القيم المتكرّر والمؤثر» وغيرها من فوائد الفضاء الافتراضي، قد زادت وظائف المؤمنين في الدعوة إلى الحق ونشره. فإن النداءات المظلومة لثورتنا المقتدرة تنتظر انتشارها في مختلف أرجاء العالم لتصبح عالميّة، فلابدّ من إدراك هذا العالَم المتعطّش لنداء الثورة والإسلام الأصيل.

ممّا يدعو إلى الأسف في هذا الخضمّ، هو عدم توفير البنى التحتيّة وعدم إنجاز شبكة الفضاء الافتراضي الوطنية، فهو كارثة مؤسفة. حريّ بنا أن نبكي أسفا على حال المجتمع الذي لم يوفّر البنى التحتية الآمنة للفضاء الافتراضي ولم يسرع إلى إنجازها. إن فقداننا للشبكة الوطنية للمعلومات والاتصالات هي من قبيل أن نستعير الإذاعة والتلفزيون والاتصالات من غيرنا أو من أعدائنا ونكون متّكلين عليهم. ومن قبيل أن نخاطب العدوّ في أثناء الحرب معه، ليعيرنا جزء من أجهزة اتصالاته وإعلامه.

لقد انتصرت ثورتنا الإسلامية من أوّل يومها وبقيت إلى يومنا هذا بقوّتها الناعمة، وبكلّ سهولة يمكن استخدام الإنترنت لخدمة أفكار الثورة الإسلامية. حتى أن من شأن هذه الإمكانات بطبيعتها وذاتها أن تنفعنا أكثر من أن تنفع أعداء الثورة.


سماحة الشيخ علي رضا بناهيان

2018-12-31