نُصرَة الحَق
عندما تُلقَى الحجّةُ على الإنسانِ
ويرى الحقَّ أمامَه عياناً فلا عذرَ له في خذلانِه وعدمِ الانتصارِ له، ومِنْ هنا
تكرَّرَ من الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) حثُّ الناسِ على نصرتِه، وبيانُ الواجبِ
الملقى على عاتِقِهم في القيامِ معه، وبيانُ العقوبةِ الإلهيّةِ المترتّبةِ على
خذلانِه، ومن ذلك خطابُه بأنَّ النارَ جزاءُ من تخلَّفَ عن نصرتِه.
وعندما نقرأُ مسارَ الأحداثِ في كربلاءَ نجدُ أنَّ مِنْ أسبابِ الخذلانِ التالي:
1- التعلُّل بحاجاتِ الدنيا والارتباطِ بالعيالِ أو ديونِ النّاسِ، وهذا
لا يُبرّرُ للإنسانِ إطلاقاً التخلّفَ عن التكليفِ الإلهيِّ، ففي الروايةِ عن عمرو
بنِ قيسٍ المشرقيِّ، قالَ : «دخلتُ على الحسينِ (عليه السلام) أنا وابنُ عمٍّ لي
، وهو في قصرِ بني مقاتل فسلَّمنَا عليه ، فقالَ له ابنُ عمِّي : يا أبا عبدِ اللهِ!
هذا الذي أرى خضابٌ، أو شعرُك؟ فقال : خِضابٌ وَالشَّيْبُ إِلَيْنا بَني هاشِم
يُعَجِّلُ! ثمّ أقبلَ علينا فقالَ: جِئْتُما لِنُصْرَتي؟ فقلتُ: إنّي رجلٌ كبيرُ
السِنِّ كثيرُ الدَّيْنِ، كثيرُ العيالِ، وفي يدي بضائعُ للناسِ ولا أدري ما يكونُ
وأكرَهُ أنْ أُضَيِّعَ أمانتي. وقالَ له ابنُ عمّي مثلَ ذلك. قالَ لنا: فَانْطَلِقا
فَلا تَسْمَعا لي واعِيَةً، وَلا تَرَيا لي سَواداً، فَإِنَّهُ مَنْ سَمِعَ
واعِيَتَنا، أوْ رَأى سَوادَنا فَلَمْ يُجِبْنا وَلَمْ يُغِثْنا كانَ حَقّاً عَلَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكِبَّهُ عَلى مِنْخَرَيْهِ فِي النّارِ».
2- حساباتُ الربحِ والخسارةِ، فبعضُهم يتوهّمُ أنَّ نصرةَ الحقِّ لا
تكونُ إلاّ عندما تكونُ موازينُ القوى لصالحِ الحقِّ، ولذا يتخلّفُ عن نصرةِ الحقِّ
إذا لم يجدْ في صبحِه نصراً قريباً، فهذا عبيدُ الله بنُ الحرِّ قالَ له الإمامُ
عليه السلام: «تنصرُ ابنَ بنتِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وتقاتلُ في
ركابِه». فقالَ ابنُ الحرِّ: «واللهِ يا ابنَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه
وآله) لو كان لك بالكوفةِ أعوانٌ يقاتلونَ معكَ لكنتُ أنا أشدُّهم على عدوِّك،
ولكنّي رأيتُ شيعتَك بالكوفةِ قد لزموا منازلَهم خوفاً من بني أميّةَ ومن سيوفِهم،
وهذه فرسي المحلِّقةُ، واللهِ ما طلبتُ عليها شيئاً إلّا أذقتهُ حياضَ الموتِ، ولا
طُلِبَتْ وأنا عليها فلُحِقَتْ، وخذْ سيفي هذا فواللهِ ما ضربتُ به إلّا قطعتُ...».
فردّ الإمام عليه السلام على كلامِ ابن الحرِّ غيرِ المرضيِّ والّلامعقولِ بقولِه:
«يا ابنَ الحرِّ ما جئناكَ لفرسِكَ ولا لسيفِكَ إنّما أتيناكَ لنسألكَ النصرةَ،
فإنْ كنتَ قد بَخِلْتَ علينا بنفسِكَ فلا حاجةَ لنا في شيءٍ من مالِكَ، ولم أكنْ
بالذي أتّخذُ المضلّينَ عضداً، وإنّي أنصحُكَ كما نصَحْتَني، إن استطعتَ أن لا تسمعَ
صراخَنا ولا تشهدَ وقعتَنا فافعلْ، فواللهِ لا يسمعُ واعيتَنا أحدٌ ولا ينصرُنا
إلّا أكبَّهُ الله في نارِ جهنّمَ».
3- الطمعُ في الدنيا، فعندما لا تقترنُ نصرةُ الحقِّ بالوصولِ إلى شيءٍ
من الدنيا يكونُ الخذلانُ هو الموقفُ لدى هؤلاءِ، فعندما كان الإمامُ الحسينُ (عليه
السلام) في مكّةَ وقبلَ تحرُّكِه إلى العراق بعثَ برسائلِه إلى كبارِ أهلِ البصرةِ
وممّنْ بعثَ إليه كان الأحنَف بنَ قيسٍ حين طلبَ منه البيعةَ، فقامَ الأحنفُ بإخفاءِ
رسالةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) وقالَ لمنْ حولَه: «قد جرَّبْنَا آلَ أبي
الحسنِ- أي أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) - فلم نجدْ عندَهم أيالةً [سياسةً]
للمُلكِ ولا جمعاً للمالِ ولا مكيدةً في الحربِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
2018-09-11