كلمة السيد حسن نصر الله في إحياء ليلة القدر الثالثة
2018
كلمة السيد حسن نصر الله في إحياء ليلة القدر الثالثة
عدد الزوار: 284
كلمة السيد حسن نصر الله في إحياء
ليلة القدر الثالثة 07-06-2018
ليالي القدر قمة الضيافة الإلهية فاسألوا الله من جوده وكرمه
محاور رئيسية
• فلنسمع أونعقل كي لا نكون من أصحاب السعير
• لنسلك طريقنا إلى الله بين مقامي الخوف والرجاء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم
محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبيين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع
الأنبياء والمرسلين.
السادة العلماء الإخوة والأخوات الحضور الكريم في هذا المجمع المبارك وفي كل
المساجد والمجمعات التي تنقل إليها الكلمة الآن، وإلى جميع المشاهدين تحية والسلام
عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
نشكر الله سبحانه وتعالى أن منّ علينا في هذا العام أيضاً وأطال في أعمارنا لنعيش
من جديد في بركات شهره العظيم والكريم وأن نكون ضيوفاً في دار ضيافته العظيمة ومنّ
علينا بالبقاء حتى هذه الليلة التي يُعتقد على الأرجح وعلى الأقوى أنها ليلة القدر؛
وفي الحد الأدنى هي من ليالي القدر المحتملة. الشكر والحمد لله تعالى وله الفضل
والمنّة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أداء شكر نعمه وعبادته وطاعته
والتوجه إليه في هذه الليلة المباركة.
أيضاً يجب أن نتوجه إليكم جميعاً وإلى مولانا وسيدنا صاحب الزمان عجل الله تعالى
فرجه الشريف في ذكرى إستشهاد أمير المؤمنيين وإمام المتّقين علي بن أبي طالب عليه
السلام في هذه الليالي والأيام العظيمة والعزيزة. لأن الوقت في مثل هذه الليلة ثمين
جداً لذلك يجب أن نفتّش عن موضوع يستحق أن يأخذ من وقت هذه الليلة؛ موضوع جوهري
ومفتاحي يدخلنا إلى كل مسار حياتنا وما بقي من حياتنا.
عالم الآخرة وزادنا ليوم الحساب
أنا في الحقيقة كنت أفكر بما سأتحدّث الليلة أمام ما نعيشه في حياتنا جميعاً ـ
رجالا نساء، صغارا كبارا، وخصوصاً جيل الشباب ـ في هذا الزمن من وساوس الشيطان؛
شياطين الجن والإنس: من مغريات الدنيا، من فتن الدنيا، ومن مصاعب الدنيا، وأيضاً
النفس الأمّارة بالسوء والهوى الذي يغلبنا،؛فكيف يمكن لأحد أن يصمد ولا يقع في
المعصية أو الذنب أو الخطيئة في الهاوية وفي الكارثة. لأن مسار إرتكاب الذنوب
والمعاصي إلى جانب نتائجه وآثاره الدنيوية السيئة على الإنسان وروحه ونفسه وجسده
وعلى عائلته ومجتمعه وعلى الناس من حوله. الأهم والأخطر والأسوء هو النتيجة
الأخروية. وهذا ما أريد التحدّث عنه وهو النتيجة الأخروية.
أولا، الخوف من العواقب والزجر عن الذنوب
إذا أنا أكملت هكذا في هذا المسار من الذنوب والمعصية والغفلة والآثام وإرتكاب
للحرام والبعد عن الله سبحانه وتعالى وجرأة على الله وتجاوز لحدود الله بعد هذا كله
ماذا؟ في النهاية مهما عشت فإن كل نفس ذائقة الموت. يوم، إثنين، سنة سنتين، مئة سنة،
خمسمئة سنة؛ أخيراً أنا ميت وسأنتقل إلى ذلك العالم. لذا ماذا حضّرت لذلك العالم
وماذا جهّزت؟ فالسؤال الأساسي: ما الذي يساعدنا؟ الذي يساعدنا هو أن نمتنع عن الذنب
والمعصية وأن نندفع إلى الطاعة؟ فما الذي يردعنا وما الذي يحول بيننا وبين الإصغاء
إلى شياطين الإنس والجنّ؟ وما الذي يمنعنا أن نخضع لمغريات الدنيا؟ وما الذي يمنعنا
أن ننهار أمام مصائب الدنيا وفتن الدنيا؟ وما الذي يجعلنا نقوى أمام نفسنا الأمّارة
بالسوء وأهوائنا؟ هذا هو السؤال الكبير.
طبعاً نحن لن نأتي بشئ جديد لكن الموعظة هي للذكرى والتذكّر. العامل الأهم على
مايبدو ـ كي ندخل مباشرة إلى الموضوع ونستفيد من كل دقيقة من الوقت ـ العامل الأهم
هو الخوف من النتائج والخوف من العواقب. فالإنسان إذا أراد أن يقوم بعمل ولديه قلق
أو خوف من النتيجة فهو لا يقدم على هذا العمل أو غالباً لا يقدم كي لا أجزم مئة
بالمئة، لكن إذا كان صاحب عقل وفهم ويقيس الأمور جيداً وحتى يُفكّر بمصلحته الشخصية،
فلا يُقدم. أي أنه إذا سار شخص بطريق وحصل عنده علم، أو احتمال يعتدّ به أنه، هناك
سيارة مفخخة أو ألغام مزروعة، فهل يمشي فيه؟ إذا كان لديه عقل وحكمة ويخاف على نفسه
من أن يقتل فلا يمشي فيه. إذن الخوف من النتائج والعواقب هو أهم رادع. حتى إنه أقوى
من الترغيب والتطميع.
هناك كثير من الناس وحتى في بعض مجالسنا ربما أن الواحد يحكي مع نفسه ويقول أحياناً:
يا أخي أنا لا أريد أن أدخل الجنة ولا أريد قصور ولا حور عين ولا أنهر من عسل ولبن
وماء غير أسن ووو... أنا فقط أريد أن لا أدخل جهنّم وخائف من الدخول إلى جهنم وأقبل
أن يضعني الله أينما كان لكن دون أن أدخل إلى جهنم. إذن عامل الخوف هو الأقوى.
أيضاً الخوف ممن تتجرأ عليه وممن تخالف أوامره وتخالف حدوده. إذا لم تكن خائفا من
الذي أعطاك أوامر ونواهي، ولا تخاف من عقابه ولا من غضبه ـ إمّا لأنك تعتقد أنه
ضعيف أو أنه لن يحاسب أو غير سائل أو أو ... لأي سبب. لذا إذا لم يكن لديك خوف
ستتجاهله وترتكب الذنوب والمعاصي وتخالف الأوامر والنهواهي وتعمل ما تريد. لكن إذا
أنت تخاف منه وتخاف من عقابه ومن عذابه وغضبه وشدّته وتعتقد فيه وتخاف من إنتقامه؛
من المؤكد أنك ستقف وتعمل ألف حساب. يعني تماماً مثل الأمثلة الدنيوية. فإذا قالو
لك الآن أن في البلدة الفلانية هناك شخص قوي جدًا، جبار مقتدر وأي أحد يدخل هذه
القرية يقوم بإعتقاله وصلبه وجلده وتقطيعه ألف قطعة .. فهل ستدعس في تلك البلدة أو
تدخل، إذا علمت فعلاً، بوجود هكذا شخص؟ طبعاً سوف تمر من بعيد لأنك خائف من هذا
الذي يمكنه أن يغضب وأن يعاقب وأن ينتقم وأن وان وأن ...إذاً عامل الخوف هو الأساسي.
الخوف ممن أصدر الأوامر والنواهي والخوف مما عنده ومما أعدّه من عذاب ومن عقاب ومن
شدّة.
1ــ ألله يحذرنا نفسه وعقابه
من هنا فإن الله سبحانه وتعالى الذي خلقنا وهو أعرف بتركيبتنا تماما ـ وكما يقال
بالللغة المعاصرة ( الكاتلوغ تبعنا عنده) ـ أي كل التفاصيل لتركيبنتا الروحية
والنفسية والجسدية كلها عند الله سبحانه وتعالى. لذلك الله الذي يربّينا هو ربّنا
وهو الذي يهدينا وهو الذي يتفضّل علينا أيضا، إعتمد من جملة الأساليب هذا الأسلوب.
أي جاء يحذّرنا ويخوّفنا. أولا: الله سبحانه وتعالى يحذّرنا نفسه لنبدأ من هنا.
يقول الله عز وجل ﴿ويحذّركم الله نفسه وإليه المصير﴾ أي أنه لا يحذّرنا فقط بل يقول
في النهاية أنت كلكم آتون إليّ كلكم. ولا أحد يمكنه أن يهرب فهذه السماوات والأرض
كلها لي وهذا الوجود كله لي وأنتم عبادي وأرقّائي ومخلوقاتي وكلكم آتون إليّ لا
يوجد إستثناء في هذا الموضوع. ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ
الْمَصِيرُ * قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ
اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا
وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا
بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ﴾ إذاً
أول شيء؛ الله يحذّرنا من نفسه. لذلك عندما نخاف يجب أن نعلم ممن نخاف؟ لأنه إذا
هناك شخص تعتقد أنه ضعيف لا تخاف منه أو شخص غير واضح لك إذا كان ضعيفا أو قويا فلا
تخاف منه. لكن إذا علمت أنه قادر ومقتدر فسوف تعمل له حساب وستخاف منه. الله
يُعرّفنا نفسه. فهو لم يقل فقط: احذروني.
• الله يحذرنا نفسه في دعاء "الجوشن الكبير"
نحن في ليالي القدر أيها الإخوة والأخوات، انشالله كلنا نقرأ دعاء الجوشن الكبير
المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقال أنه عندما نقرأه نكون قد قرأنا
100 إسم وصفة لله سبحانه وتعالى أي نخاطبه بألف إسم وصفة. وأنا أتمنى على الإخوة
والأخوات عموماً أنه ليس مهماً في ليلة القدر كم عملنا من أعمال ـ أي الكم ـ أو أن
نستعجل في انهاء الأعمال، طبعاً من المهم أن نملأ الوقت بالعبادة، لكن الأهم هو
التوجه وحضور القلب والإستفادة الروحية والنفسية. والمهم هو التزود. لذا عندما نقرأ
دعاء الجوشن الكبير أتمنى أن لا يكون الهدف هو أن نصل إلى الفصل 100، بل أن نتأمّل
هذه الكلمات ونتعرّف على الله سبحانه وتعالى الذي نتكلّم عنه الآن لنعرف من هو
ربّنا؟ ومن هو إلهنا؟ ونحن بالموقف أمام من؟ نحن الآن مطالبون، وفيما بعد سنكون
مطالبين أيضاً.
الله سبحانه وتعالى، الآن سوف أتكلّم بجانب من الصفات التي توصل إلى الخوف مع العلم
أن دعاء الجوشن فيه كل شيء. الله سبحانه وتعالى قال لنا: "أنا ملك السماوات
والأرض". أنت إذا كنت تخاف من زعيم أو أمير أو ملك أو رئيس أو نظام بهذه الدولة أو
بذاك البلد أو المكان المعينن أمّا أنا فملك السماوات والأرض ومالك السماوات والأرض
ـ طبعاً هناك فرق بين ملك ومالك ، وكل شيء بيدي: الخلق، الوجود، الإحياء، الإماتة،
الرزق،العز، الذل، القلّة، الكثرة، الضعف، القوّة... كل شيء بيدي أنا. وملكوت كل
شيء في يدي، وأنا أيضاً جبّار السماوات والأرض. الله سبحانه وتعالى يقول من جهة
ترونني رحيم لكن لا تنسوا أني أنا جبّار السماوات والأرض. أنا عزيز ذو إنتقام، أنا
المنتقم، أنا المتجبّر،أنا المتكبّر، أنا القويّ، أنا المتين، أنا على كل شيء قديرز
أنا أكبر شيء وأصغر شيء عندي هو كلمة واحدة "كن" فيكون. إنتبهوا هذا أنا ـ إسمحوا
لي بهذه الطريقة بالتعبير كي أوصل الفكرة ، أنا ذو البطش الشديد، أنا غضبي هائل إذا
غضبت، أنا شديد العقاب، أنا عذابي هو العذاب أما عذاب الدنيا فهو مزاح ولعب. فكل
العذاب الذي ترونه ويخطر ببالكم في الدنيا هو جزء من: "الدنيا لهو ولعب"، أما
العذاب الجقيقي فهو عذابي أنا يوم القيامة. أنا لا يُعجزني شيء ولا يخفى عني شيء
كما قرأت في الآية قبل قليل.أنا بكل شيء عليم، أنا بكل شيء خبير، أنا بكل شيء محيط،
هذا الوجود كله لي فأين ستهربون؟ "إلى أين المفرّ * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذٍ
المستقرّ". في الدنيا تهرب من الدولة الفلانية إلى الدولة الفلانية. أو يوجد ناس
تهرب وتعيش في الجبل أو الجرد. لكن يوم القيامة إلى أين ستهرب وإلى أين تفرّ؟. لا
يفوته شيء. صاحب الوعيد، فعال لما يشاء... هذا الصفات لله سبحانه وتعالى سترونها في
دعاء الجوشن الكبير. وعندما نقرأ القرآن في شهر رمضان فهناك في كل الآيات الكريمة
يظهر لنا كل هذه الصفات والأسماء. إذاً نحن أمام هذا الإله العزيز المقتدر الجبار
والملك المالك العليم الخبير المحيط المنتقم شديد العقاب ... ألا يجب أن نخاف
منه؟!.
ثانياً، إذا هذه المعرفة لله سبحانه وتعالى والتأمّل والإنتباه إننا نعيش في هذه
الدنيا بين يدي من؟ من الذي يرانا فاذا نفعل وماذا نقول وماذا نأكل وماذا نشرب؟؟
وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ولا شيء يخفى عليه وهو الله سبحانه وتعالى وهذه هي
صفاته التي سنقرأها بعد قليل في دعاء الجوشن. إذاً أولا الله يحذّرنا نفسه!؟ أنتم
مع من عالقون والطرف الآخر من هو؟
2 ــ الله يخوفنا مما أعده لنا في الآخرة
ثانياً الله سبحانه وتعالى يخوّفنا مما أعدّه لنا في الآخرة غير الترغيب، فنحن
سنتكلم الليلة في هذا الجانب؛ جانب التخويف. يخوّفنا بما أعدّه لنا في الآخرة.
والقرآن يشير إلى هذا المعنى، أن: الله يخوّفنا: تخويفا جديا وليس تهويلا. كما نقول
بيننا عادةً، بل يخوّف لأنه هناك شيء حقيقةً يخوّف. يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ
الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.
هؤلاء هم الخاسرون، في الدنيا فمهما خسرت فإن الدنيا كلها زائلة ومهما ربحت فالدنيا
أيضا ذاهبة لكن الخسران الحقيقي هو يوم القيامة ﴿ ألَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ ﴾ ﴿ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ ﴾ يعني الذين يدخلون
النار يكون من فوقهم نار ومن حولهم نار ومن تحتهم نار أيضاً، ﴿ وَمِن تَحْتِهِمْ
ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾. يعني هو يخوّفنا جديا، وبأمر
واقعي وحقيقي وخارجي، إسمه: جهنّم، والذين سنتكلم عنه في الآيات بعد قليل. ﴿ يَا
عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ أنا أخوّفكم وبناءً على هذا الخوف اجتنبوا أن ترتكبوا
المعاصي وأت تتجاوزوا حدودي وأن تخالفوا أوامري وتتجرّأوا عليّ لأن هذا هو معنى
التقوى. لذلك في هذا العنوان فإن ما أعدّه الله تعالى والخوف مما أعدّه الله فهو
عامل أساسي في أن نردع أنفسنا فعندما نتأمّل ونعيد التّفكير.
ثانيا، العذاب الذي أعده الله للعاصين في جهنم
كثير من الآيات والروايات وحتى عندما نقرأ الأدعية فعندما نتكلّم عن حتمية الموت
وما بعد الموت وماذا يوجد في القبر وفي البرزخ ووقت النّشر وصحراء المحشر وأهوال
القيامة وشدائد يوم القيامة والحساب والصراط والنتيجة، أنا سأتكلّم عن جهنّم/
ومشاهد جهنّم القرآنية. وهذا كلّه عندما يستحضره الإنسان: فعلاً؛ هذا هو الذي يمنع
ويردع ويجعل الإنسان يتوقّف، فالإنسان عندما يتأمّل حينما يعرض عليه أي شيء من حطام
هذه الدنيا ويريد أن يعصي الله بسببه مثل المال أو عمل حرام أو طعام حرام أو كلام
حرام أو ما شاكل ويتذكّر أنه سيموت وينتقل إلى تلك الحفرة الضيقة سيضعون عليه رصائف
مثلما نقرأ في دعاء أب حمزة، ويرمون عليه التراب ثم يتركوه ويفرّوا ويبقي هو في هذه
الحفرة لوحده لا أنيس ولا حسيس ولا شريك ولا صديق ولا أب ولا أم ولا أقراباء بل
يبكون عليه بعضة أيام وخلاص، لكن هو إلى أين؟ ما هو جوابه؟ ماذا حضّر وجهّز لتلك
الضجعة وذلك البيت الجديد؟
وبعد ذلك عندما يفتح له الله البرزخ وبعدها عندما ينشره ويخرجه من القبر ويخرج إلى
ساحة القيامة ويخرج عراناً ذليلاً حاملاً ثقله على ظهره ويقف بين يديّ الله عزوجل
ويعطيه كتابه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، فعندما يفكّر الإنسان هكذا وأن أخيراً
هناك جهنّم. فهناك بعض الناس يقولون: ندخل ليومين أو تلاتة أيام إلى جهنّم وبعد ذلك
الله سبحانه وتعالى يغفرلنا ويدخلنا الجنّة!! هل أنت تعلم ما هي جهنّم لتقول: يومان
أو ثلاثة؟؟
لذلك الله يحدّثنا كثيراً عن جهنّم في القرآن والنار في القرآن. أنا عندما جلست
صباحاً لأحضّر فتحت المعجم المفهرس على كلمة نار. نار أو النار فتجد ما شاء الله
عشرات الآيات عن النار، جهنم، الجحيم،السعير، العذاب. مئات الآيات تتناول هذا
الموضوع. لأن هذا الموضوع أساسي وجوهري وليس تفصيل حكم شرعي هنا أو موعظة أخلاقية
هناك بل هذا هو ما يحكم مسارك ومصيرك. لذلك يجب أن تنتبه له جيداً. وهذا ما يشكّل
رادعاً عند الإنسان. أنا الليلة ومن خلال بعض الوقت المتاح وقبل أن أنقل إلى الجزء
الثاني من الحديث سأقرأ بعض الآيات. وسأعتمد فقط على الآيات حتى لا يقول أحد فيما
بعد أن هذه الرواية التي تتحدث عن النار وعذاب النار وما يجري على أهل النار أن
سندها غير صحيح أو غير معتمدة. لذلك سنأتي إلى القرآن الذي لا نقاش فيه وكل
المسلمين يجمعون على أنه كتاب الله سبحانه وتعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه.
عندما نستعرض الفهرس مثلاً سترى الكثير عن العذاب الذي أعدّه الله للخاطئين
والعاصين وللذين أداروا ضهرهم لهذا الخالق العظيم. فكيف يصّف العذاب؟ أنا لخّصت تلك
الصفات: عذابٌ أليم، عذابٌ نكر، عذابٌ شديد، فيعذّبه الله العذاب الأكبر، عذاب
الله، نار الله ـ ينسب النار لنفسه فهذا فيه تعظيم للعذاب ـ ولعذاب الآخرة أشقّ،
ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى، ولعذاب الآخرة أكبر، ولعذاب الآخرة أخزى، ولهم عذاب
الحريق، عذاب يومٍ عظيم، عذاب الهون، عذاب الخلد، عذاب يوم أليم، عذاب يومٍ محيط ـ
ففي ذلك اليوم الكل محاصر ومحاط ـ عذاب الجحيم، عذاب السموم ـ أي الريح الحارة
القاسية التي تدخل إلى القلب والجسد والروح أيضاً ـ عذاب السعير، عذاب النار،
العذاب المهين، العذاب الحميم ـ أي عذاب مع ذل وإذلال ومهانة مع تحقير ـ عذاب مقيم
ـ يعني مستمر ودائم ـ عذابٌ غليظ، عذابٌ عظيم، عذابٌ شديد، عذابٌ كبير... هذا كله
يرونه في الآيات بالتوصيف القرآني لذاك العذاب. أريد أن ألفت أن الذي يصف العذاب
مبهذه الأوصافك عذابٌ كبير وعذابٌ شديد وعذابٌ عظيم وعذاب الخزي، هو الله سبحانه
وتعالى. يعني الله العظيم هو الذي يصف العذاب بالعظمة وبالألم وبالشّدة وبالقوّة
وبالقسوة. وبالتالي نحن في الدنيا مهما فكّرنا، فإن أوهامنا لن تبلغ حقيقة العذاب
الذي أعدّه الله يوم القيامة. كذلك النّعيم فإن عقولنا وأوهامنا وخيالاتنا لا تبلغ
حجم النعيم. لذلك هناك تحدّث الله كثيراً عن النعيم لكن اختصر الموقف بأن: ( ما لا
عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر).
• مشاهد العذاب في الآيات والروايات
هنا وفي بعض الآيات هناك شاهد على هذا الموضوع.
نأتي إلى بعض الآيات كي نستفيد منها. وطبعاً، أنا لن أجزّء الآيات بحسب العنوان كي
لا نفقد السياق والجمال وقوة المتن التي تعرض فيها الآيات هذا المشهد. لذلك سأقرأ
الآيات قراءة وأتمنى أن يصغي الجميع جيداً عندما نحتاج لشرح بعض الكلمات سأشرحها
بشكل مختصر.
سورة إبراهيم ﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ
عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾؛ لأن الرسل عندما كانو يحدّثون الناس عن الآخرة والجنة
والنار وعن الحساب والثواب والعقاب كان الناس يهزأون بهم ولا يردّون عليهم. وهنا
يعرّفنا الله عن نفسه، ﴿... يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾. برزوا يعني جاؤوا
بحقائقهم بصورهم الحقيقية، بنفوسهم الحقيقية وليس بالظّاهر لأنّ الله لا يخفى عليه
شيء، ﴿.. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ﴾. أي
مجموعين ومربوطين ببعضهم هذا غير الأغلال أي مزيد من الإذلال ومزيد من العذاب.﴿..
مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى
وُجُوهَهُمْ النَّارُ ﴾ القطران هو نبات موجود في الصحراء وطبعاً يوم القيامة هو
مختلف لكن هذا تشبيه له؛ مادة سوداء لزجة نتنة كريهة الرائحة. فالله سبحانه وتعالى
من هذا القطران يصنع لهم ثيابهم أو قمصانهم وهي شديدة الحساسية تجاه الإحتراق يعني
مجرد أن يلبسو هذا القميص يكتوون به ومن شدة الحريق تلفح وجوههم النار ويغشى وجوههم
النار. هذا مشهد. وأخيراً إجمعوهم في ذهنكم!!
في سورة الأحزاب ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيرًا ﴾ خالدين فيها: يعني يوم وإثنان وثلاثة؟! وهناك بعضهم فيما بعد ـ والله
أعلم متى سيخرجهم لكن هذا غير معلوم ـ ولكن هناك أشخاص خالدين فيها لا يجدون فيها
وليّاً ولا نصيرا وهذه من مميزات يوم القيامة عموماً وفي جهنم نفس الشي. يعني، ولي
صديق/ حميم، صاحب، حبيب، نصير، معين يا فلان يا علتان، يا أخي، يا أبي يا عمي يا
عشيرتي يا حزبي يا ناسي يا بلدي .. لا أحد يسأل عن أحد وهذا من البداية كذ لك. لكن
في جهنّم يزيد أكثر لأن كل واحد مشغول في نفسه وفي النار التى تصل إليه، والعذاب
الذي يواجهه ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾ طبعاً فسّروها أكثر من
تفسير ومن جملة التفاسير أن الملائكة تقلبهم. مع العلم أن النار من فوقهم ومن تحتهم
وعن شمالهم وعن يمينهم، لكن أيضاً يقلبون مثل الشيء الذي يشوى ، وهناك تفسير آخر
بمعنى أن وجوههم تتغيّر ألوانهم صفراء، سوداء، خضراء، من شدة العذاب.
سورة ص ﴿ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾ أسوء عودة إلى الله سبحانه
وتعالى هو للطاغين لماذا؟ إلى أين؟ ﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ
﴾ . المهاد هو الفراش الذي أعدّ للإستراحة بينما راحتهم ومكثهم الآخير هو في
جهنّم.عندما يدخلون جهنم ويصلون النار ﴿ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ
﴾. هناك الكثير من الآيات تتحدث عن شرابهم وأكلهم ولباسهم .. وحميم يعني الماء الذي
يغلي بشدة وعندما يدخل إلى الفم يقطّع كل الأمعاء ويزيدهم عذاباً. والغساق البعض
فسّره أنه القيح أو الصديد أي العمل والدم واللحم الذائب وما شاكل يضعونه في أواني
ويسقونه لأهل جهنّم. ﴿ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴾. تفسير هذه الآية أنه ليس
فقط هذا، بل هناك أشكال وألوان، وهو إختصرها ولم يفسّر كل العذاب. وهذه مثل الآية
(ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) ﴿هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ
مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ﴾.
سورة الحج ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ﴾ يعني ثيابهم تصنع من النار لأن النار في
جهنّم غير هذه النار التي نراها نحن، نار أشد وأقوى، نار حقيقية نار جوهرها مختلف
ولذلك يصنع منها ثياب، ﴿.. يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ يعني إذا
شحص يشعر بالحر تصب له ماء بارد على رأسه في الدنيا. بينما هناك ماذا يصبون له؟ ماء
مغلي ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾ عندما يدخل إلى معدتهم
وأمعائهم يذوّبها ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم
مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ أي يضربوا في مطارق من حديد عندما يحاول أن يتفلّت من
الأغلال أو يقوم من مكانه، ﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ
أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ يعني لا يوجد مهرب، فجهنّم مقفلة
وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. وهناك في بعض الآيات كلمة مؤصدة أي لا يوجد مهرب ولا
فتحة يأتي منها ضوء أو نسمة هواء باردة. وأنتم، تذكّروا ذلك في الصيف والأيام
الحارة إضافة إلى انقطاع الهواء البارد أو الماء الباردة. وكلما أراد الشخص أن يهرب
فيجد الملائكة الغلاظ الشداد يمسكونه ويثبّتونه. ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ
نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ في يوم القيامة من شدة
العذاب يطلبون من الله سبحانه وتعالى وأحياناً يقولون لمالك خازن النار "فليقضي
علينا ربك". لم يعد بإستطاعتنا التحمّل فإقضي علينا واجعلنا عدم لكن مشيئة الله شيء
آخر: ﴿ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ
عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ
فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾:
يصرخون ويستغيثون أن يا رب ردنا على الدنيا وأعطنا فرصة جديدة ونعمل غير الذي كنا
نعمله. طبعاً، وفي آيات أخرى يقول الله سبحانه وتعالى أن: هؤلاء كذابون وكلامهم مش
صحيح وإذا رددتهم إلى الدنيا سوف يفعلون كما فعلوا من قبل: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم
مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ ﴾ يعني ألم أحيكم ثلاثون سنة وأربعون سنة ومئة سنة وعشرون
سنة وأعطيتكم فرصة كي تتذكروا وتعملوا عملاً صالحاً ﴿ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ
فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴾.
في سورة الهمزة ﴿ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ هذا الذي يريد الله أن
يعذّبه فيرميه بإذلال واحتقار. لا أنه: أهلا وسهلاً بل يرمى بإحتقار وإذلال في
الحطمة وهي جهنّم. لماذا أسماها الله الحطمة لأنها تهشّم عظام الإنسان وتحطم عظام
الإنسان، ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾ يعني
هذه ليست نار أي أحد ولا نار أنتم أوقدتموها كما يقول الأمير عليه السلام "أتشكو أو
تخاف.. من نار أشعلها إنسان أو سجّرها إنسان للعبه". هل هذه هي النار؟ كلا بل نار
الله الموقدة والمستمرة بالإشتعال ﴿ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ هذه لا
تحرق الجسم فقط والجلد واللحم والعظم بل حرارتها وقسوتها وعظمتها تصل إلى الروح إلى
القلوب إلى الأنفس بالمباشر وليس بواسطة الجسد: ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ *
فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾ أي هناك عواميد ضخمة تقفلها وفوقها هناك ملائكة غلاظ
شداد.
الحاقة ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ ﴾ يعني الله سبحانه وتعالى
أعطاه كتابه بشماله يعني تفضّل إلى جهنّم: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا
حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ *
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ﴾ هذا الموقف النفسي له فيقول يا ليتني لم أوتى كتابي
ويا ليتني ما عرفت ما هو حسابي وما نتيجتي ويا ليتها كانت القاضية أي كانت الموتة
الأخيرة ولا حياة بعد الموت. فمالي الذي كنت أجمعه في الدنيا من الحلال والحرام،
هنا لن ينفعني بشيء حتى لوحاولت أن أفتدي نفسي من النار بمالي. ولا سلطاني أي
عشيرتي مثلا أو عائلتي أو حزبي أو جيشي أو قوانا المسلحة، مثلا. وهو يتحدث بحديث
النفس والحسرة والندم، يأتي الخطاب من الله سبحانه وتعالى إلى ملائكته الغلاظ
الشداد: "خذوه" ـ فتصور كيف سيخرج هذا الصوت ويأتي هذا الأمر ـ ﴿ خُذُوهُ
فَغُلُّوهُ ﴾. أي اربطو يديه ورجليه. وهناك البعض فسّرها بربط اليدين بالرجلين.
الله أعلم: ﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾ أي احرقوه في النار وألقوه في النار، ﴿
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ
لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾
لا يحث ولا يشجّع على اطعام المساكين ﴿ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ﴾
أي لا يوجد اليوم لا حميم ولا صديق، حبيب ولي، نصير لا يوجد شيء. أنت لوحدك، ﴿
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ﴾
أي صديد أهل النار من القيح والدم المذاب فهذا هو طعامك ﴿ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا
الْخَاطِؤُونَ ﴾.
الواقعة ﴿ ُثمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِن
شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ ﴾ والزقوم هو شجر من نبات لزج خبيث حتى الحيوانات تقرف من شدة
رائحته الكريهة أن تقترب منه. هذا أيضاً طعام أهل النار؛ ﴿ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ
مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾. وهذا غريب فرغم طعمها الكريه
ورائحتها الكريهة فإن أهل النار يأكلونها ويملؤن منها بطونهم لشدة جوعهم لأن ليس
لديهم خيار. مثل الجوعان في الصحراء الذي يضطر أن يأكل الميتة أو الجيفة. وهذا شيء
مقرف إلا أنه إذا لم يكن لديه خيار ويريد أن يحافظ على حياته سيأكل الجيفة وهؤلاء
أيضاً من شدة جوعهم سيأكلون هذا الطعام النتن الخبيث الكريه المرّ اللّزج ويملؤن
منه بطونهم، ﴿ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴾ يريد أيضاً أن يشرب بعد
الأكل فماذا يشرب؟ كل هذا ـ تذكروا ـ في مقابله في الجنة يوجد أنهار من لبن ومن عسل
ومن خمر ة، من ماء غير أسن. فهؤلاء الله ـ أوصاف نعيم الجنة ـ يأتي بهم في القرآن
إلى جانب عذاب جهنم. لكن أنا اليوم جئت لكم فقط بجهنم كي نخاف قليلاً. ﴿
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴾ أي الماء المغلي جداً شديد الحرارة ﴿
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ﴾ الهيم هي الإبل العطشى كثيراً والتي تشرب الماء
كثيرا ولا ترتوي من الشرب بل وتموت من كثرة شرب الماء لذلك فهم من شدة عطشهم يشربون
شرب الهيم، ﴿ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴾. يعني هذه آخرتهم يوم القيامة.
فهذا طعامهم وهذا شرابهم وهذا مكانهم وهذه حالتهم.
المزّمل ﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا
﴾. يعني هؤلاء الذين يتكبّرون الآن ويعصون الله ويتجرّأون على الله وينكرون وجود
الله ويعتدوا على الله ويرتكبون المعاصي ويُديرون ظهرهم إليه؛ هؤلاء أعطهم مهلة.
إنظروا الله كيف يهدد هنا: ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا ﴾ أي هم مع من
"عالقون" ياترى! وقد فسروا الأنكال بالقيود الثقيلة التي لا يمكن لأحد أن يفكّها ﴿
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ ﴾ يعني طعام إذا أكلته تغصّ فيه ﴿ وَعَذَابًا أَلِيمًا *
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا
﴾. مع أن لبنان ليس مبتلى مثل بعض الدول الأخرى، لكن تمر أحياناً عندنا هزّة خفيفة
تهزّ فينا البنايات كم ثانية وانظروا حالة الرعب التي تحدث فما بالكم بذاك المشهد
ترجف الأرض والجبال، يعني هذه الجبال الشاهقة والصلبة والشامخة تصبح كثيبا من
الرمال التي تنهار بسهولة وبسرعة. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ تصوّروا
هذا النوع من جهنّم أي نفس الناس هم وقود النار حتى الحجارة التي هي مفترض في
الدنيا مثلاً تأتي بفحم حجري أو أحجار معينة عندما تستهلكها فإنها ستتلف في النهاية
لكن في جهنّم الحجارة لا تتلف بل تزداد إتقاداً وإشتعالاً ونفس الناس أيضاً لن
يفنوا سيبقوا موجودين ويتجدد العذاب وهم يكونوا مادة للإشتعال وحطب ووقود، ﴿
عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾.
في سورة الدخان التي قرأتموها الليلة: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ
أَجْمَعِينَ ﴾ أي يوم الفصل كلنا سنلتقي هناك. وهذا موعدنا الذي لا مفرّ منه ﴿
يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا ﴾ يعني لا أحد ينفع أحد لا سيد
ولا عبد ولا أب ولا إبن ولا شيء ﴿ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ
اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ *
طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾
الإنسان عادة إذا شرب شيء ساخن عندما يصل إلى المعدي يبرد ويهدء لكن هذا الطعام من
نوع عندما يدخل إلى البطون فإنه يغلي أكثر كغلي الحميم، ﴿ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ ﴾
وخذوه؛ هنا ليست بشكل لطيف وأهلا وسهلا يا حبيبنا، بل يجرّونه بعنف وقسوة وقهر
وإذلال ﴿ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ
رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴾ وذلّوه واسخروا منه: أنتَ الذي كنت تتكبر في
الدنيا؛ مثلاً: واحد مثل نمرود يقول أنا ربكم الأعلى وآخر مثل فرعون يقول أنا ربكم
الأعلى ولا أعرف لكم إلهً غيري وآخر متكبر بعضلاته أو بأمواله أو بصحته أو بأولاده
أو بعشيرته أو بأنصاره لكن كل هذا سينقلب يوم القيامة ولن يبقي. ما يبقى فقط
العذاب. بل ﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾.
وفي سورة المعارج ﴿ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴾ في دعاء أبي حمزة سترون
الإمام زين العابدين عندما يحكي عن هذه الجوانب في الدعاء بطريقة جميلة جداً: لا
أحد يسأل أحد ولا أحد فاض لأحد ولا أحد ينتبه لأحد؛ "يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ
الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴾. المجرم الذي
سيذهب إلى جهنم والمجرم هنا ليس القاتل، بل المجرم المتجاوز لحدود الله المرتكب
للذنوب والمرتكب للمعاصي وهذه من أعظم الجرائم أن يتجرأ أحد منا على الله سبحانه
وتعالى، لوكان يقدر يومها ﴿ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ *
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا ﴾. يعني كل الأرض أي هؤلاء الذين تعزّهم وتحترمهم اليوم وتقدسهم فتقول: يا
رب أدخلهم كلهم إلى جهنم لكن لا تأخذني أنا إلى جهنم. لو كان يستطيع على ذلك كان
فعلها. إلى هذا الحد الموقف صعب، ﴿ ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى *
نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ﴾ يعني كل من يهرب منها
تقول له تعال فلا مهرب ﴿ وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾.
هذا الفهم بالقصّة التي سمعتوها أكيد، إنو نحن في زمن محاربة الفساد، عندما جاء
عقيل عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وطلب منه أن يعطيه من المال
الشرعي الذي هو عادة مال عام ويوزع بحسب الحكم الشرعي فأعطى لأخيه وأولاد أخيه كما
يعطي لكل الناس أي الحصة المساوية والمماثلة. فعقيل جاء عند الأمير عليه السلام
وكان عقيل في ذاك الوقت لا يرى جيداً وهو ألأخ الأكبر للإمام علي فأتى إليه بوضع
محزن مع أولاده بشعورهم المفوشة ووجوههم الصفراء من الجوع وأدخلهم أمامه عند الأمير
عليه السلام وقال له أنه: عليك أن تعطيني أكثر من باقي الناس من مال المسلمين ـ
وهذا المال لا يجوز من الناحية الشرعية لخليفة المسلمين أن يعطي لا لأخيه ولا لغير
أخيه غير الحصة المساوية، وكل هذا من أجل القليل من القمح وليس مبلغ كبير من المال
مثلا مليون دولار أو مئة ألف دولار وعشرة ألاف دولار .. لا بل القليل من القمح
ليطعم أولاده فقط ـ فالأمير عليه السلام ماذا قال عندما رأى عقيل يلجّ عليه :"
فأحميت له حديدة وأدنيتها من جسده ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنفٍ من ألمها وكاد أن
يحترق من ميسمها فقلت له ـ وهنا الاهم فهذا أمير المؤمنين وإمام المتقين) ـ فيقول
له: "يا عقيل أتئنّ من حديدةٍ أحماها إنسان للعِبه وتجرّني إلى نارٍ سجّرها جبّارها
لغضبه، أتئنّ من أذى ولا أئنّ من لظى". هذه اللظى عندما تكون حاضرة عند الأمير عليه
السلام فلا تسمح له ـ لأنها حاضرة في وجدانه وقلبه وروحه وعقله ـ فلا تسمح له أن
يتصرّف حتّى بهذا المقدار الذي يمكن أن يجد له بعض الأعذار أو بعض المسوغات في
المال العام الذي لا يجوز له من الناحية الشرعية ان يتصرف فيه.
الآية الأخيرة ﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ * فإذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ﴾. يعني هي ليست نار
مشتعلة فقط، بل أحيانا نرى نار مشتعلة تصدر أصوات أو مثل البركان عندما يشتعل ويهدر
فالصوت يكون قوي إلى حد أن الصوت وحده يكون مرعب. ليس فقط النار تشتعل والدخان يعمي
العيون، بل سمعوا لها شهيقاً والنار لها شهيق وزفير أي أصوات مرعبة قوية مزمجرة وهي
تفور وتغلي ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾ ـ مثل شخص غضبان ويريد أن "ينتّف"
نفسه ـ يعني من كثرة غضب جهنّم لأن جهنم لها روح وتغضب، لذا على قدر ما تكون غضبانة
تكاد تمزّق نفسها، يعني ليست فقط نار مشتعلة وننزل فيها لا بل هذه النار تصخ وتزمجر
وتغضب وتكاد تمزق نفسها لذلك لا يشبعها شيء وعندما يسألها الله سبحانه وتعالى "هل
إمتلأتِ؟" فقتول له "هل من مزيد" هذه هي جهنّم.
فلنسمع ونعقل كي لا نكون من أصحاب السعير
هذه الآية تركتها للآخر للعظة والعبرة ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ
سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ الملائكة يسألونهم خزّان النار ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ
نَذِيرٌ ﴾ أي، لم يأتي إليكم أحد كلمكم أو نبّهكم أو أنذركم ــ ياجماعة خافوا الله
واتقوا الله فلا تعصوا ولا تذنبوا ولا تفعلوا الحرام لا تقتلوا لا تزنوا ما تتعاطوا
المخدرات ولا تأكلوا المال العام ولا تعتدوا على الناس ولا تؤذوا الناس ــ ألم
يكلّمكم أحد وقال لكم: هناك نار وجهنّم وهناك حساب وعقاب ونار؟! ﴿ قَالُوا بَلَى
قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ
أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ
نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾. لذلك لنتكلم الآن في الدنيا: ألا
نسمع، ألا نعقل؟ هناك نار أمامنا وكذلك جهنّم وجحيم، ونحن ذاهبون إليه مهما عشنا.
والعمر يمرّ بسرعة. ودائما أقول لكم في هكذا مناسبات: الآن، كل شخص ينظر إلى نفسه،
مثلا عمره ستين سنة يعني يوم أو بعض يوم، عمره خمسون سنة يعني يوم أو بعض يوم، عمره
تسعون، يعني يوم أو بعض يوم. والآن جميعنا إذا تحّدثنا سنشعر أننا عشنا ذات الوقت
يوم أو بعض يوم، في الوقت الذي عشنا فيه ستين وخمسين وتسعين وعشرين سنة... ﴿ مَا
كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا
لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.
لنضع نصب أعيننا النجاة من النار والفوز بالجنة
الله الذي خلق جهنّم والنار يحدّثنا ويقول لنا هذه هي النار وهذه حالها تطّلع على
الأفئدة، موصدة، مستمرة فيها خلود، هذا لباسها هذه سرابيلها،هذا قطرانها هذا ضريعها
وهذا زقّومها هذا غسلينها، هذا ذلّها هذه أغلالها، هذه سلاسلها هذه ظلالها ...
إذاً؛ نحن ماذا سنفعل كيف سنتصرّف مع هذا الموضوع؟ ونصل إلى الفوز العظيم ﴿ فَمَن
زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾. هذا هو الفوز لكن
كيف سنتزحزح عن النار. إذا بقينا على ما نحن عليه إلى أين سنصل؟ إلى الجنة أو
النار؟ هذا السؤال يجب في كل لحظة أن نسأله لأنفسنا ويجب أن نضع هدف أن لا ندخل
النار بل نعمل لندخل الجنة. لذلك إذا كنا نحبّ أنفسنا علينا أن نبدأ من هنا. إذا
نحب أهلنا وناسنا وإخواننا وإذا نحن فعلا نحب من نحب، علينا أن نساعدهم أن لا
يذهبوا إلى النارونعينهم على دينهم حتى لا يدخلوا النار. هذه هي مسؤوليتنا.
طريق النجاة: التوبة وهجر الذنوب
الشقّ الثاني بدقائق سريعة. حتى لا يكون المشهد كله هكذا ـ مخيف ومرعب وشديد ـ هناك
مشهد آخر، أن الله سبحانه وتعالى المنتقم الجبار المقتدر شديد العقاب... ، هو نفسه
الجواد الكريم الحليم الرحيم وسيع الرحمة عظيم الحلم العفو الغفور المتجاوز عن
الإساءة .هذا هو الله سبحانه وتعالى، ذو الصفح المسامح.. هنا ماذا يصبح المطلوب
منا؟ عندما نأتي إلى الآيات والروايات والأدعية الذين يأخذوننا إلى الجهة الآخرى ـ
ففي الوقت الذي نحن في الموقع الأول، موقع المذنبين والعاصين فيأتي ويأخذ بيدنا ـ
إذا أردنا طريق النجاة علينا أن نوقف المعاصي والذنوب ولا نضحك على أنفسنا أو على
الله، لاننا لا نستطيع أن نخدع الله بل نخدع أنفسنا. تعالوا لنتوب وهذا ما سنفعله
بعد دعاء الجوشن ودعاء الإمام زين العابدين المعروف بدعاء أبي حمزة. سوف نتكلّم مع
الله سبحانه وتعالى ونقول له يا ربنا - وأنا بتنمى أيضاً عندما تقرأون دعاء أبي
حمزة أن تتأمّلوا بكل كلمة وبكل جملة، لتروا معانيها الجميلة واللطيفة- سنقول له:
يا رب نحن عصيناك لكن عندما عصيناك لم نكن ناكرين لربوبيتك وألوهيتك ـ أنا أتكلم
بلغتي أنا وهي أيضا كلمات الإمام عليه السلام ـ ولا عظمتك ولا شيء أبداً ولا لأننا
مستهينين بك ونعلم أنك ترانا وأنت مطّلع على كل شيء نفعله نحن، لكن أنت أعطيتنا
حريتنا وهذه معصية عرضت وذنب و شهوة، وغلبتني شقوتي وغلبتني نفسي الأمارة بالسوء
فعصيتك وبالمقابل رغم أنني عصيتك فأنت سترت علي. وكم من العيوب والذنوب يسترها
علينا ربنا. بينما الصيت الجميل ينشره الله بين الناس، لكن عيوبنا الله يخفيها، إلا
إذا نحن فضحنا أنفسنا وارتكبنا المعاصي جهاراً نهاراً. لكن الذي يستتر بالمعصية
الله لايفضحه بل يستر عليه لأنه ستّار العيوب. يا رب: نحن لدينا أشياء حسنة فعلناها
فنحن صلينا وجاهدنا وقاتلنا وتصدقنا وقلنا كلمة طيبة،لكن هذه الأشياء لا تقدّم ولا
تأخّر. بل طمعُنا يارب بجودك، بكرمك، بسعة رحمتك، بعفوك، بحلمك، بغفرانك.. هذا ما
نعلّق عليه آمالنا، فنحن أملنا كبير فإن لنا فيك أملاً كبيراً طويلاً ورجاءً
كبيراً.
نذهب إلى الله الجواد الكريم الرحيم العطوف اللطيف الصفوح العفو الغفور المسامح ...
نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة، نلجأ إلى الله ودائماً يجب أن نلجأ إلى
الله. نحن مثلاً نتحمّس لدعاء أبي حمزة في ليالي القدر أو بالليالي العشر الأواخر
ويستغرب الإنسان أن الإمام زين العابدين عليه السلام بعظمته، والإمام مسلّم عند كل
المسلمين أن مقامه في العبادة والزهد هو من أعظم المقامات. وكل المسلمين يسلّمون له
ذلك، ومع ذلك في كل ليلة في السّحر يقعد الإمام ويقرأ هذا الدعاء وبهذه المضامين
ويتوسّل إلى الله ويتخضّع ويتذلّل بين يدي الله سبحانه وتعالى، فكيف نحن الذين
ثقلنا على ظهرنا وكتاب أعمالنا الله؛ أعلم ما هو المكتوب فيه؟ والذين سوّفنا
وماطلنا وأضعنا أعمارنا وغرقنا بالذنوب والمعاصي... ومع ذلك الله سبحانه وتعالى
وأنبيائنا وأئمتنا يقولون لنا لا تيأسوا، بل تعالوا إلى الله واطلبوا رحمته وعفوه
وكرمه .. توسّلوا له بهذه الأسماء. ولذلك نحن عندما نقرأ دعاء الجوشن فإننا نتوسّل
إلى الله بألف إسم وصفة كي نقول له: سبحانك يا لا إله إلاّ أنت الغوث الغوث خلّصنا
من النار يا رب. نتوسّل له كي يخلّصنا لأن هو من يخلّصنا. ونحن لا نتّكل على
أعمالنا كما يقول الإمام بالدعاء، لكن حُسن ظنّنا بالله أنه لا يتركنا ولا يعيفنا
وأنه يسامحنا ويعفو عنّا.
لنسلك طريقنا إلى الله بين مقامي الخوف والرجاء
لذلك الإنسان يجب أن يحفظ هاذين الحالين الخوف والرجاء وإذا استطاع أن يبقيهم على
مستوى بعض فهذا ممتاز. لأن أحدنا إن لم يكن لديه خوف فإنه سيذهب إلى جهنّم وإن لم
يكن لديه رجاء فخوفه سيسقطه ويذهب إلى جهنّم. لأنه سينهار وييأس. فالخوف والرجاء
هما الذين يفعلان توازن روحي عند الإنسان ليكمل ويمشي إلى الله سبحانه وتعالى
والعاقبة الحسنة. الآية تقول ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا
وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾، الرسول يُنقل عنه
صلى الله عليه وآله وسلم:" لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنّة
أحد". يعني لو أن المؤمن يعلم ما يحضّره الله من عقوبات فلن يطمع بالجنّة. " ولو
يعلم الكافر ما عند الله من الرّحمة ما قنط من الجنة أحد" وعن الإمام الصادق عليه
السلام؛ من وصايا لقمان لإنبه:" خف الله عز وجل خيفةً لو جئته ببر الثقلين (يعني
الأعمال الصالحة للإنس والجنّ) لعذّبك" يعني هو غير متّكل على الأعمال الصالحة التي
يفعلها الإنس والجنّ بل يتّكل على رحمته " وارجو الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين
لرحمك". فهذا هو التوازن بين الخوف والرّحمة. إذا علينا أن نعتمد في نفس الوقت الذي
نكون خائفين خاشعين ـ لدينا خشية من الله ـ أيضا أن يكون عندنا حسن ظنّ بالله وأمل
بالله رجاء ثقة توكّل ...
ليالي القدر قمة الضيافة الإلهية فاسألوا الله من جوده وكرمه
هذه الليلة هي ذروة الضيافة الإلهيّة. يعني إذا قلنا هذا الشهر كله شهر الضيافة لكن
أعظم المراسم وذروة المراسم الإلهية هي هذه الليلة. لذلك الجود والكرم والرحمة
الواسعة كلها الآن مفتوحة وعلينا أن نمدّ إليها أيدينا وتشرأبّ إليها أعناقنا وتنظر
إليها أعيننا ونُقبل إليها بقلوبنا وأرواحنا. وهذه فرصة. فليس من المعلوم إذا كانت
هذه الفرصة متاحة لنا السنة المقبلة؛ فالأعمار بيد الله سبحانه وتعالى. لذلك
حاجاتنا وحاجات أرحامنا وحاجات من نحبّ وحاجات الناس جميعاً، حاجات الآخرة أولاً ـ
يا إخوان ـ وحاجات الدنيا فلنطلبها اليوم من الله سبحانه وتعالى حتى مطلع الفجر.
فهذا الوقت متاح.
اطلبوا غفران الذنوب أي ذنوبنا وذنوب أهالينا وأرحامنا وكل من نحب والناس، العون
على الطاعة واجتناب المعاصي، أن يختم لنا بخير، أن ينجّينا من أهوال وشدائد
القيامة، أن نفوز بالجنّة، أن نزحزح عن النار، وننجو من النار... كل حاجات الآخرة
نطلبها من الله سبحانه وتعالى. كذلك في بقيةّ الحاجات.
فلا تنسوا موتاكم ففي ذاك العالم الكل ينتظر أي هبة أي هدية أي نسمة تأتيهم من
الحياة الدنيا. وهذا موجود في الروايات. الدعاء الفاتحة الإستغفار: اللهم اغفر
لفلان الميّت، اللهم ارحم فلان الشهيد، اللهم وسّع على فلان،حتى لو بيننا وبينه
مئات السنين والآف السنين فكله يصل . الشهداء الموتى كلّهم محاجين إلينا، الجرحى
أيضاً خصوصاً أولئك اللذين ما زالوا يعانون من الجراح. المرضى،فهناك الكثير في
المستشفيات والبيوت مرضى يعانون ويتألّمون يحتاجون أيضاً إلى دعائكم. الأسرى
والسجناء في كل سجون الظالمين، وكل سجون الطواغيت في الكرة الأرضية هؤلاء معذّبون
وأهاليهم معذبون وأسرهم معذّبة. وبالتحديد سماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه.
أجساد الشهداء،فهناك الكثير من العوائل يرغبون ويحبّون وينتظرون أن تعود إليهم
أجساد شهدائهم المفقودة أو المسجونة. المفقودون مفقودي الأثر الذين لم ينحسم وضعهم
إذا هم شهداء أو ليسوا شهداء في كل الساحات، المحاصرون؛ دعاء خاص لهم. أنا أتمنى
الليلة من كل من يسمعني من أهلنا وأخواننا وحبايبنا في الفوعة وكفريا. الآن في كل
سوريا لم يعد هناك مكان محاصر، والمكان الوحيد المحاصر وفيه مدنيين ومغلق عليهم هم
الفوعة وكفريا ويحتاجون إلى دعائكم. طبعاً كل الناس تبذل أقصى الجهود الممكنة.
أيضاً أهلنا في غزّة والآن سننتقل من الحجم الصغير إلى الحجم الكبير. وأهلنا في
اليمن فهناك شعب بالملايين محاصر براً وبحراً وجواً. الملايين منهم في جوع ومرض
وخوف وملايين يُعتدى عليهم، والمحاصرين في كل مكان، لكن بالتحديد هؤلاء الثلاثة.
أيضاً الفقراء والمحتاجين والمعوزين والمديونين المهمومين بسبب الدين في الليل
والنهار، المهمومين، المغمومين، أصحاب الحوائج. والذي يدعي لأخيه بظهر الغيب فالله
يقول له: "ولك مثل ذلك" وملائكة الله تقول له: "ولك مثل ذلك".
الدعاء بتعجيل الفرج لمولانا صاحب الزمان "ع"
لذلك الدعاء لإخوانكم واخواتكم وأهاليكم بالغيب هو من وسائل إستجابة الدعاء لأنفسكم
أيضاً. الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحفظ والصون
وتعجيل الفرج. واقعاً هذه الدنيا عندما تنظر فيها إلى المظالم، المفاسد، القهر،
القمع، القتل،الجرائم ـ وكله أمام مشهد العالم كله وكل العالم ساكت ـ أناس تساق
للسجون وناس تُذبح كالغنم، ناس تُدمّر وتُقصف وتُقتل في كثير من الساحات، قلّة تعيش
مع المليارات والأغلبية الساحقة من الناس تموت من الجوع ومن الفقر والعوز. وهذا
يحتاج إلى الفرج تعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان. ولذلك مستحب في هذه الليلة
الإكثار من دعاء الفرج "اللهم كن لوليك الحجّة ابن الحسن".
دعاء لسماحة مولانا الإمام القائد السيد علي الخامنئي دام ظلّه الشريف. أنا أتمنى ـ
نحن وكل الناس الذين يسمعونني ـ أن نعرف قيمة الوجود المبارك لهذا الرجل الذي يحمل
اليوم راية الإسلام وراية الشعوب المستضعفة والمظلومة وراية المقاومة ويتحدّى بها
جميع طواغيت الأرض. كم هذه الشخصية عظيمة ومهمة.
أن ندعوا الله سبحانه وتعالى بالبركة والصحة والعافية وطول العمر والقوة والمتانة
والسؤدد، لمراجعنا الكبار والعظام الذين أيضاً وجودهم مبارك. لكل المجاهدين لكل
الذين يحملون هموم الناس وهموم المظلومين والمعذبين والمستضعفين.
لا ننسى أحد والله واسع الرحمة. ولا يكنن أحد منكم أناني ويقول سأدعي لنفسي في ليلة
القدر هذه. لا؛ فالله يقول لك: إدعوا لهم وأنا أستجيب حاجتك. هذه أيضاً من وسائل
الترغيب. طبعاً، أنا شخصياً واخوتي، لكن أنا طامع شخصياً أن لا تنسوني من الدعاء؛
كما أوصي دائماً في هذه الليلة. فأنا أحتاج جداً إلى دعائكم. أحتاج جداً إلى
دعائكم. أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لإحياء هذه الليلة وأن نتوجه إلى الله
بقلوبنا وألسنتنا ونقدّم إليه طلباتنا وحاجاتنا التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن
يقضيها لنا.
اللهم إفعل بنا ما أنتَ أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله وصلى الله على سيدنا وآله
الطاهرين.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.