قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأمير المؤمنين (عليه السلام): «وللشقيّ
ثلاثُ خِصال، التّواني في أوقاتِ الصّلاةِ، وكثرةُ الكلامِ في غيرِ ذكرِ اللّهِ،
وقلَّما يرغبُ في طاعةِ اللّه».
مرّ في وصيّة الفقيه أنّ هناك أربع خصال تنشأ من الشقاوة، جمود العين، وقساوة القلب،
وبُعْد الأمل، وحبّ البقاء..
يبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) هنا أنّ ثلاث خصال يتّصف بها الشقيّ.. غير
السعيد:
أحدها، أنّه يتواني في إتيان الصلاة في أوقاتها.. والتواني هو التقصير في العمل
وعدم الإهتمام به.
ثانيها، أنّه يكون كثير الكلام.. وكلامه في غير ذكر الله تعالى.
ثالثها، أنّه قليل الرغبة في إطاعة الله سبحانه.
ويحسن أن نشير إلى جانب توضيحي في هذه المسألة، بياناً للشقاوة وآثارها السيّئة،
لما لها من الأهميّة.
فاعلم أنّه ليست الشقاوة ذاتية للإنسان وغير قابلة للتغيير حتّى يكون البشر مجبوراً
على التقصير كما توهمّته الفرقة الجبرية.. بل هي إختيارية من الإنسان وحاصلة له
باختيارها لنفسه..
فيمكن للشقيّ أن يعدل إلى طريق السعداء، ويختار لنفسه حُسن البقاء.. بعزم إرادته،
والتفكير في عاقبته، وإرادة الخير لنفسه.. وهذا أمر ثابت دليلا ووجداناً، نقلا
وعقلا بوجوه عديدة نختار منها ما يلي:
أوّلا: ما رواه الشيخ الصدوق بسنده إلى عمرو بن ثابت، عن أبي جعفر قال: «من
قرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) و(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) في فريضة من
الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولدا، وإن كان شقيّاً مُحي من ديوان الأشقياء،
وأُثبت في ديوان السعداء، وأحياه الله سعيداً، وأماته شهيداً، وبعثه شهيداً»[1].
وروى أيضاً بسنده إلى
زرارة بن أعين، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إنّ الله يمجّد نفسه في كلّ يوم
وليلة ثلاث مرّات، فمن مجّد الله بما مجّد به نفسه ثمّ كان في حال شقوة حُوِّل إلى
سعادة، فقلت له، كيف هذا التمجيد؟
قال: تقول: (أنت الله لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين، أنت الله لا إله إلاّ أنت
الرحمن الرحيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت العلي الكبير، أنت الله لا إله إلاّ أنت
مالك يوم الدين، أنت الله لا إله إلاّ أنت الغفور الرحيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت
العزيز الحكيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت منك بدء كلّ شيء وإليك يعود، أنت الله لا
إله إلاّ أنت لم تزل ولا تزال، أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ، أنت
الله لا إله إلاّ أنت خالق الجنّة والنار، أنت الله لا إله إلاّ أنت الأحد الصمد،
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أنت الله لا إله إلاّ أنت الملك القدّوس
السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون، أنت الله
الخالق البارىء المصوّر، لك الأسماء الحسنى، يسبّح لك ما في السماوات والأرض، وأنت
العزيز الحكيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت الكبير [المتعال] والكبرياء رداؤك»[2].
ثانياً: إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية لم يمكن تبديلها بالسعادة حتّى يؤمر
بالدعاء لتبديلها في مثل دعاء ليلة القدر المباركة: (وإنْ كنتُ من الأشقياء فامحُني
من الأشقياء واكتبني من السعداء)[3].
ثالثاً: إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية والمعاصي صادرة عن تلك الشقاوة اللا
إختيارية لم يكن وجهٌ لتوقيف العباد في موقف الحساب يوم المعاد والسؤال منهم، مع أنّ
ذلك الموقف قطعي بصريح الكتاب الكريم في قوله عزّ إسمه: (وَقِفُوهُمْ إنَّهُم
مَّسْؤُولُونَ)[4].
رابعاً: إنّ الشقاوة الذاتية لا يمكن أن تكون أبداً لا فيما يتعلّق باُصول
الدين ولا فيما يتعلّق بفروع الدين.
أمّا في الاُصول فلأنّ الإنسان مفطور على التوحيد (فِطْرَةَ
اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)[5].
وأمّا في الفروع فلأنّ
الشقاوة فيها تعرض بكثرة الذنوب، وإسوداد القلب، ولا تكون من ذات الإنسان كما
تلاحظه في الأحاديث الشريفة مثل حديث زرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنّه
قال: ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج من النكتة نكتة
سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي
البياض، فإذا تغطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزّوجلّ:
(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا
يَكْسِبُونَ)[6]»[7].
خامساً: إنّ الذاتية في الشقاء خلاف الدليل العقلي في تعريف الذاتي.. وذلك
لأنّ الذاتي إمّا أن يكون ذاتياً من باب الكليّات كالجنس والفصل والنوع مثل حيوانية
الحيوان وإنسانية الإنسان وناطقيّته..
وإمّا أن يكون ذاتياً في باب البرهان وهو ما ينتزع من نفس الذات من دون حاجة إلى ضمّ
ضميمة كزوجيّة الأربعة..
ومن المعلوم أنّ الشقاوه ليست منهما في شيء بالضرورة، بل هي من الصفات العارضة على
النفس كسائر الأوصاف النفسيّة..
فلا تكون من سنخ ماهيّة الإنسان حتّى تكون ذاتيةً له.
بل يتوغّل العبد بإختياره في المعاصي فيصير شقيّاً، كما يتواجد في الطاعات بإختياره
فيكون سعيداً.
وقد خلقه الله تعالى ليرحمه، وهداه السبيل ليُسعده، ومنحه القيوميّة والإختيار..
فكان هو الإنسان بنفسه يختار لنفسه الخير أو الشرّ، بعد أنْ هداه الله تعالى إلى
سبيل الخير والأخيار، ونهاه عن طريق الشرّ والأشرار (إنّا
هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)[8].
ومن المعلوم أنّه لا يرضى الله تعالى لعباده الكفر والعصيان، ولم يخلقهم للشقاوة
والطغيان حتّى يجبرهم عليها بل خلقهم للعبادة والسعادة.
(وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونَ)[9].
لكن العبد لسوء الإختيار، قد يمتهن المعصية ويستلذّ بفعل الأشرار، ويتّصف بالشقاوة،
من دون جبر أو إجبار فيصير شقيّاً.
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى:
(قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنَا)[10] قال (عليه
السلام)، بأعمالهم شقوا[11].
وبهذا تعرف أنّ مقولة الجبريّة باطلة، والشقاوة ليست ذاتية.
المصدر: وصايا الرسول (ص) لزوج البتول (عليهما السلام) - بتصرف
[1] ثواب الأعمال، ص 155.
[2] ثواب الأعمال، ص 28.
[3] مفاتيح الجنان، ص 235.
[4] سورة الصافات، الآية 24.
[5] سورة الروم، الآية 30.
[6] سورة المطفّفين، الآية 14.
[7] اُصول الكافي، ج 2، ص 2(عليه السلام)3، باب الذنوب، ح 20.
[8] سورة الإنسان، الآية 3.
[9] سورة الذاريات، الآية 56.
[10] سورة المؤمنون، الآية 106.
[11] التوحيد - الشيخ الصدوق - ص 356.