يتم التحميل...

معالم طريق الفلاح في وصية الإمام علي (عليه السلام) لولديه

ولادة أمير المؤمنين(ع)

معالم طريق الفلاح في وصية الإمام علي (عليه السلام) لولديه

عدد الزوار: 82

عندما ضُرب أمير المؤمنين (عليه السلام) في المسجد كان يعلم أنّ حياته مشرفة على الانتهاء فأراد أن يُوصي أولاده وأهل الكوفة وجميع المسلمين الحيارى في ذلك العصر، ويصدر بياناً مقتضباً يبقى خالداً على مدى التاريخ.

فقد دعا الحسن والحسين (عليه السلام) وأوصاهما بتلك الوصايا على الرغم مما كان يعانيه من ألم وحمّى على أثر نفوذ السم الى بدنه الطاهر. قال:

«اُوصيكما بتقوى اللّه» فبدأ وصيته بدون أي مقدّمة بالدعوة الى تقوى اللّه سبحانه وتعالى.

والتقوى تعني مراقبة الإنسان المستمرة لأعماله كي تكون منطبقة مع المصالح الإلهية التي يقدِّرها المولى سبحانه وتعالى له.

فالإنسان المتّقي عندما يشعر بمسّ الشيطان له يتذكر اللّه ويعود الى نفسه حالاً بالمراقبة والمحاسبة. وعلي (عليه السلام) يعلم انّ الشيطان لن يتركنا أبداً فلابدّ أن تكون الفقرة الأولى من الوصية هي تقوى اللّه سبحانه وتعالى.

وأخذ بعد ذلك يوصي بالأمور المهمة الأخري. فقال:

«وأن لا تبغيا الدنيا وإنْ بغتكما». كلّ الأعمال الصالحة هي من مستلزمات التقوى. ومن جملة هذه الأعمال هو الأمر الذي ذكره (عليه السلام). فلم يقل اتركوا الدنيا بل أوصى بعدم اتّباع الدنيا. وبالتعبير الشائع عدم الركض وراء الدنيا. فماذا تعني هذه الدنيا التي لا ينبغي السعي وراءها؟ تعني طلب اللّذات والسعي وراء الشهوات. أمّا إذا إعمار الأرض من أجل خير البشرية وصلاحها، فهو الآخرة بعينها. وهو أمر يجب السعي إليه.

فحتّى التجارة «مثلاً» يمكن أن تُجعل في سبيل اللّه عندما يكون الهدف منها تحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع وليس ادخار الأموال الطائلة فقط.

«ولا تأسفا على شيءٍ منها زُوِي عنكما». أي لا تأسفا على ثروةٍ أو لذّة أو منصب لم تحصلوا عليه. لا تتأسّفوا لأنّكم لا تملكون وسائل الراحة والرخاء ولا تأسفوا على أي شيء فاتكم من هذه الدنيا الدنية أبداً.

«وقولا الحق» ومعناه، لا تكتموا شيئاً عندما تعتقدون انّه حقّ. فيجب عليكم إظهاره حينما تدعو الضرورة لذلك. انّ جميع المصائب حلّت بالمجتمعات عندما قام الذين يعرفون الحق بكتمانه، وعدم السعي لإظهاره. بل سعوا لإظهار الباطل أحياناً أو جعلوا الباطل حقّاً أحياناً أخرى.

«واعملا للأجر» يعني الأجر الحقيقي والإلهي. فلا تعمل عبثاً أيّها الإنسان. انّ عمرك وعملك وحتى أنفاسك هي رأس مالك الوحيد والحقيقي فلا تفرّط به.

أتذكّر أنّ رواية عن الإمام السجاد (عليه السلام) يقول فيها: «فليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنة، ألا فلا تبيعوها بغيرها». فعندما يكون الأجر أقل من ذلك فانّ الغبن سيكون من نصيبنا. فلتكن أعمالنا من أجل الأجر الحقيقي وهو الأجر الأخروي.

«و كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً». الخصومة غير العداوة. فبغض الظالم ومعاداته غير كافية، لأنّ الخصومة تعني الأخذ بتلابيب الظالم وعدم تركه.

ولو أنّ الأيدي المؤمنة كانت تضيّق الخناق على الظالمين لما سنحت الفرصة للظلم كي ينتشر بهذا الحجم الواسع في العالم، بل كان ذلك سيؤدّي الى انحصاره وإسقاطه والقضاء عليه.

وما يريده أمير المؤمنين (عليه السلام) هو «كن للظالم خصماً»، فأينما يوجد ظالم يجب على الإنسان أن يضع نفسه موضع الخصومة له.

وعندما تحين الفرصة فلابدّ من إبراز تلك الخصومة والأخذ بتلابيب الظالم ولو من بعيد إذا تعذّر ذلك عن قرب.

ويؤكّد (عليه السلام) على الأمر المهم الآخر فيقول: «وللمظلوم عوناً» يعني إذا وجدت مظلوماً فكن عوناً له. لم يقل كن مؤيّداً له بل يقول أعنه بكل ما تستطيع وكلّ ما يبلغه وسعك.


* من كتاب "الإمام علي" للإمام الخامنئي

2018-03-29