قبسات من هدي أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
ولادة أمير المؤمنين(ع)
قبسات من هدي أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
عدد الزوار: 105
إننا اليوم بحاجة أكثر من أي يوم مضى أن نتعلم ونفهم الإسلام وإحدى الطرق التي نفهم
من خلالها الإسلام ونستطيع أن ندرك ما يريده منا هي معرفة سيرة ومنهج الإلهيين ومن
جملتهم أمير المؤمنين (عليه السلام). إنّ الجانب الّذي يعنيني ويعنيكم هو هذا البعد
من القضيّة، وهو أنّ اتّباع هذا الرجل لا يتحقّق بمجرّد الكلام.
لا نقول ينبغي أن نكون كأمير المؤمنين عليه السلام. فالإمام السجاد (عليه السلام)
قد قال: إنّه غير قادر على العمل كأمير المؤمنين (عليه السلام) (1). وأمير المؤمنين
(عليه السلام) نفسه قال: "أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ" (2) ولمن
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الكلام؟ قاله لعثمان بن حنيف مع كلّ ما له من
عظمة. نعم بإمكاننا أن نسير في إتجاه علي (عليه السلام) بمقدار ما تَسعُه همتنا.
لقد وقع اختياري على رواية وردت في كتاب (الإرشاد) (3) للشيخ المفيد.
فوجدت أنّ كلّ فقرة في هذه الرواية
تشير إلى بُعد من أبعاد شخصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كزهده، وعبادته،
وغيرها.
يقول الراوي (4) : كنّا عند الإمام الصادق (عليه السلام) ، فجرى ذكر أمير المؤمنين
فمدحه الإمام الصادق (ع ) بما هو أهله. قال:
"والله ما أكل عليّ بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراماً قطّ حتّى مضى لسبيله"
(5)أي إنّه كان يتجنّب أكل الحرام، ويتّجنب المال الحرام. والمراد طبعاً هو الحرام
الحقيقيّ وليس الحرام المنجز حكمه بالنسبة له. أي إنّه كان يبتعد حتّى عمّا كان فيه
شبهة.
"وما عرض له أمران كلاهما لله رضاً إلّا أخذ بأشدّهما عليه في بدنه". فإذا عرض له
نوعان من الطعام كان يختار أدناهما. وإذا عرض له نوعان من الثياب كان يختار أردأهما.
وإذا عرض له عملان كلاهما حلال كان يختار أصعبهما عليه.
"وما نزلت برسول الله (ص) نازلة قط إلّا دعاه ثقة به". أي أنّ الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم متى ما ألمّت به مُلمّة كان يستدعيه وينتدبه لها ويقدّمه فيها.
وذلك أوّلاً: لعلمه بأنّه قادر على أدائها على أحسن وجه.
وثانياً:إنّه لم يكن يتمرّد على الأعمال العسيرة والمهام الشاقة.
وثالثاً: كان على استعداد للجهاد والبذل في سبيل الله.
ثمّ قال: "وما أطاق أحد عمل رسول الله (ص) من هذه الأمّة غيره، وإن كان ليعمل عمل
رجل كان وجهه بين الجنّة والنار". أي على الرغم من كلّ هذه الأعمال الإيمانيّة
الكبرى كان سلوكه سلوك إنسان يعيش بين الخوف والرجاء. فهو كان يخشى الله وكأنّه
متأرجح بين الجنّة والنار؛ "يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه". وخلاصة هذا الكلام هي:
أنّه على الرغم من كثرة جهاده وبذله وعبادته إلّا أنّه لم يغترّ بشيء من ذلك.
في حين إذا صلّى أحدنا ركعتي نافلة وقرأ بضعة جمل من الأدعية، وأراق دمعتين، يغتر
بعمله الضئيل هذا ويتفاخر ويتصوّر نفسه وكأنّه أصبح (طاووس العلّيين). أمّا أمير
المؤمنين (عليه السلام) فلم يغترّ بكثرة عمله الصالح.
أمّا لماذا يخاف أشخاص كالرسول (ص) وكأمير المؤمنين والسجّاد (عليه السلام) ــ وهم
الذين خلق الله الجنّة من أجلهم ــ نار جهنم ويستعيذون بالله منها؛ فذلك أنهم وصلوا
إلى مرحلة الفناء في الله بحيث تتجلّى عظمة الله أمام أبصارهم بشكل تتضاءل أمامه
قيمة كلّ عمل صالح يعملونه. ويشعرون على الدوام وكأنّهم لم يعملوا عملاً صالحاً،
وأنّهم مدينون لله.
"ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من
النار ممّا كدّ بيديه ورشح منه جبينه". أي إنّ الأموال الّتي أنفقها على عتق أولئك
المماليك لم يحصل عليها بالمجّان. وإنّما حصل عليها بتعب يديه وعرق جبينه وبالعمل
الشاق. إذ يستدلّ من بعض الآثار والدلائل أنّه كان يعمل بيديه حتى في زمن خلافته.
فكان يحفر القنوات ويحيي الأراضي ويزرعها ويحصل على المال من هذا الطريق ثمّ ينفقه
في سبيل الله. فكان يشتري العبيد ويعتقهم. وأعتق على هذا المنوال ألف عبد.
"وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة" (6)
أي إنّ طعامه العادي الّذي كان في داره هو الزيت والخل والتمر من الدرجة المتوسطة
أو الرديئة. وكان طعامه يشبه الخبز واللبن أو الخبز والجبن في عرف مجتمعنا في الوقت
الحاضر.
"وما كان لباسه إلّا الكرابيس (7)، إذا فضل شيء عن يده دعا بالجلم فقطعه".
أي إنّه لم يكن يرتضي لنفسه حتّى الزيادة في الأكمام. وإذا زاد القماش عن ذلك دعا
بمقصٍ فقصّه، لكي يستخدم ذلك القماش في صناعة شيء آخر. لأنّ القماش كان قليلاً في
ذلك العصر وكان الناس يواجهون مشكلة في الحصول عليه.
ثمّ تحدّث بعد ذلك عن عبادته. وجاء في هذه الرواية: "وما من ولده ولا أهل بيته أحد
أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من عليّ بن الحسين عليه السلام ".
الإمام السجّاد (عليه السلام) كان يكثر من عبادة الله إلى الحدّ الّذي جعل الإمام
الباقر (عليه السلام) يرقّ لحاله. فالإمام الباقر (عليه السلام) هو نفسه إمام وله
مقامات رفيعة، إلّا أنّه يتألّم لكثرة عبـادة عليّ بن الحسـين (عليه السلام) ولا
يُطيق الصـبر على البكاء فيبكي لا إراديّاً. ومـع كلّ هذا نجد عليّ بن الحسين (عليه
السلام) مع كلّ عبادته يقول: "من يقوى على عبادة عليّ بن أبـي طالـب؟". أي إنّه
كـان يرى بوناً شاسعـاً بيـنه وبين عليّ (عليه السلام) "
*من كتاب " الإمام علي" للإمام الخامنئي
1- وسائل الشيعة، ج1، باب 20: «من
يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام ».
2- نهج البلاغة، كتاب: 45 من كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو
عامله على البصرة.
3- كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، للشيخ المفيد (338 ـ 413ﻫ)
4 ــ الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 141. باب 7 الحديث: 4.
5- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص 91.
6- العجوة: ضرب من التمر، يقال هو ما غرسه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بيده.
لسان العرب، ابن منظور، ج15، ص 31.
7 ــ لكرابيس: جمع كرباس وهو القطن . م.ن، ج6، ص 195.