ومضات في أخلاق علي (عليه السلام)
ولادة أمير المؤمنين(ع)
ومضات في أخلاق علي (عليه السلام)
عدد الزوار: 86
لا خلاف بين العقلاء في أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - أشرف
الناس خُلقا. حتى أنه - عليه السلام - نسب إلى الدعابة لطيب أخلاقه ولطف سيرته مع
أصحابه.
روي أنه - عليه السلام - اجتاز ليلة على امرأة مسكينة لها أطفال صغار يبكون من
الجوع وهي تشاغلهم وتلهيهم حتى يناموا وكانت قد أشعلت نارا تحت قدر فيها ماء لا غير
وأوهمتهم أن فيها طعاما تطبخه لهم.
فعرف أمير المؤمنين - عليه السلام – حالها، فمشى ومعه قنبر إلى منزله فأخرج قوصرة
تمر وجراب دقيق وشيئا من الشحم والأرز والخبز وحمله على كتفه الشريف. فطلب قنبر
حمله فلم يفعل. فلما وصل إلى باب المرأة استأذن عليها فأذنت له في الدخول. فرمى
شيئا من الأرز [في القدر]، ومعه شئ من الشحم، فلما فرغ من نضجه غرف للصغار وأمرهم
بأكله. فلما شبعوا أخذ يطوف في البيت ويبعبع لهم فأخذوا في الضحك.
فلما خرج - عليه السلام - قال له قنبر: يا مولاي رأيت الليلة شيئا عجيبا قد علمت
سبب بعضه وهو حملك الزاد طلبا للثواب أما طوافك في البيت على يديك ورجليك والبعبعة
فما أدري سبب ذلك.
فقال - عليه السلام -: يا قنبر إني دخلت على هؤلاء الأطفال وهم يبكون من شدة الجوع
فأحببت أن أخرج عنهم وهم يضحكون مع الشبع فلم أجد سببا سوى ما فعلت[1].
وقال ضرار بن ضمرة[2]: دخلت على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين- عليه السلام -.
فقال: صف لي علياً.
فقلت: اعفني.
فقال: لا بد أن تصفه.
فقلت: أما إذ لا بد من ذلك فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم
عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة مننواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس
بالليل ووحشته، غزير العبرة طويل الفكرة [ يقلب كفه ويخاطب نفسه ويناجي ربه ] يعجبه
من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويأتينا
إذا دعوناه ونحن والله مع تقربه لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل
الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد لقد
رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه [وهو قائم في محرابه] قابضا
على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري، أبي
تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك
كثير وعيشك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك. فماحزنك عليه يا ضرار؟
قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ[3] عبرتها ولا يسكن حزنها.
في حلمه عليه السلام:
لا خلاف في أن عليا - عليه السلام -كان أحلم الناس. فإنه أخذ حقه وقهر عليه ومنع من
مرتبته وصبر على ذلك وكظم الغيظ وحلم.
وروى صاحب المناقب عن أبي أيوب الأنصاري: أن النبي- (ص) - مرض مرضه فأتته فاطمة -
عليها السلام -تعوده. فلما رأت ما برسول الله - (ص) - من الجهد والضعف استعبرت فبكت
حتى سالت الدموع على خديها.
فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله -: يا فاطمة إن لكرامة الله إياك زوجتك من
أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما. إن الله - تعالى - اطلع إلى أهل الأرض
اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا. ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك فأوحى
إلي أن أزوجه إياك واتخذه وصيا [وأخا].
* كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) - بتصرف
[1] قال المصنف في كشف
المراد / 413: وحينئذ فيكون أفضل من غيره حيث جمع بين المتضادات من حسن الخلق
وطلاقة الوجه وعظم شجاعته وشدة بأسه وكثرة حروبه.
[2] إرشاد الديلمي 2 / 218. وفي م: ضرار ابن حمرة. وأخرجه في إحقاق الحق 8 / 598
عن مصادر كثيرة وفي البحار 41 / 14 - 15 نقلا عن أمالي الصدوق / 371.
[3] ترقأ: تجف