خلافة علي (عليه السلام) وحكومة النهضة الثورية
ولادة أمير المؤمنين(ع)
خلافة علي (عليه السلام) وحكومة النهضة الثورية
عدد الزوار: 105
استمر الإمام علي (عليه السلام) في حكومته الثورية، فرفعت أعلام المعارضة من قبل
المخالفين، كما هي طبيعة الحال لكل ثورة، إذ لابد من مناوئين، يرون مصالحهم في خطر،
فأحدثوا حربا داخلية دامية، بحجة الأخذ بثأر دم عثمان والتي استمرت طوال خلافة
الإمام علي (عليه السلام) تقريبا. ويعتقد الشيعة ان المسببين لهذه الحروب لم يريدوا
سوى منافعهم الخاصة، ولم يكن الثأر بدم عثمان إلا ذريعة يتمسكون بها، ليحرضوا عوام
الناس للمعارضة والنهوض أمام إمام الأمة وخليفتها، إذ ان هذه المعارضة لم تحدث عن
سوء تفاهم[1]. وما الأسباب والدوافع التي خلقت معركة الجمل إلا غائلة الاختلاف
الطبقي، وبعد خلافة علي (عليه السلام) كانت الأموال توزع بين الناس بالسوية[2]. كما
كان يفعله النبي (صلى الله عليه وآله) في حياته، والطريقة هذه أثارت غضب الزبير
وطلحة فمردا على النفاق، فخرجا من المدينة إلى مكة بحجة الحج، ولم يكن بينها وبين
علي صفاء ومودة، اتفقا ان يطالبوا بدم عثمان، فأضرموا نار الحرب[3]. علما بان طلحة
والزبير كانا في المدينة عندما حوصرت دار الخليفة الثالث، فلم يدافعا عنه، ولم
ينصراه[4]، وبعد مقتله، كانا من الأوائل الذين بايعوا عليا أصالة عن أنفسهم ونيابة
عن المهاجرين[5].
وأما السبب الذي أحدث حرب صفين، والتي استمرت سنة ونصف السنة، فهو طمع معاوية في
الخلافة، فأجج نارها متذرعا بدم عثمان، فأريقت الدماء، وقتل ما يقارب من مائة الف،
وكان موقف معاوية من هذه الحرب موقف المهاجم، وليس موقف المدافع، لأن الثأر يكون
دفاعا. وكان شعار هذه الحرب، المطالبة بدم عثمان، علما بأن الخليفة الثالث قد طلب
المساعدة والعون من معاوية لرد الهجوم، وتحرك جيش معاوية من الشام متجها إلى
المدينة، ولكنه تباطأ في سيره حتى قتل عثمان، وعندئذ رجع إلى الشام يطالب بدم
عثمان[6]. وبعد ان استشهد الإمام علي (عليه السلام)، تناسى معاوية قتلة الخليفة،
ولم يعاقبهم.
وبعد حرب صفين اندلعت نار حرب النهروان فثار جمع من الناس وفيهم بعض الصحابة
بإيعاز من معاوية ممن كان في حرب صفين، فثاروا على علي (عليه السلام)، فرحلوا إلى
البلدان الاسلامية، فقتلوا كل من كان يدافع عن علي (عليه السلام) ففتكوا بالنساء
الحوامل، مثلوا بهن وبأجنتهن[7]. والإمام علي (عليه السلام) قد أخمد هذه الغائلة،
ولكن بعد فترة استشهد في مسجد الكوفة أثناء الصلاة على يد الخوارج. فالإمام علي لم
يقدم أحدا من أصدقائه وأقربائه وعشيرته على الآخرين، ولم يرجح الغني على الفقير،
ولا القوي على الضعيف.
مع كثرة المشاكل المنهكة للقوى، فقد استطاع الإمام علي (عليه السلام) ان يضع في
متناول أيدي المسلمين الذخائر القيمة من المعارف الإلهية والعلوم الاسلامية الحقة.
واما ما يقوله المخالفون لعلي (عليه السلام): انه كان رجلا شجاعا، ليس له علم
بالسياسة، إذ كان يستطيع في بداية خلافته ان يرضى مخالفيه مؤقتا عن طريق المداهنة،
وبعد ان يستتب له الامر كان باستطاعته ان يحاربهم ويقضي عليهم. ولكن هؤلاء قد غفلوا
عن ملاحظ هامة وهي أن خلافة علي كانت نهضة ثورية، وجدير بالنهضات، الثورية، ان تكون
بعيدة كل البعد عن المداهنة والرياء، وقد حدث مثيله في زمن النبي (صلى الله عليه
وآله) في أوائل بعثته، فطلب الكفار والمشركون منه الصلح عدة مرات وطلبوا منه ألا
يتعرض لآلهتهم، وهم ملزمون بعدم التعرض لدعوته أيضا، ولكن النبي (صلى الله عليه
وآله) رفض هذا الاقتراح، في حين انه كان يستطيع ان يقيم معهم الصلح، ويحكم موقفه،
ثم ينهض بوجه أعدائه، وفي الحقيقة ان الدعوة الاسلامية لن تسمح بإضاعة حق لإقامة حق
آخر. أو ان تزيل باطلا بباطل آخر. وفي القرآن آيات كثيرة في هذا الخصوص[8]. علما
بان أعداء علي (عليه السلام) ومخالفيه، لم يرتدعوا عن القيام بأي جرم وجناية ونقض
للقوانين الاسلامية الصريحة (دون استثناء) بغية الوصول إلى أهدافهم، فكانوا يبررون
مواقفهم وأعمالهم بأنهم من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) ومن مجتهدي الأمة،
ولكن الامام عليا (عليه السلام) كان ملتزما بالأحكام الاسلامية. ويروى عن علي (عليه
السلام) ما يقارب من إحدى عشر الف كلمة قصيرة في المسائل العقلية والاجتماعية
والدينية[9] وخطبه وكلماته البليغة[10] مليئة بالمعارف الاسلامية[11]، وهو الذي أسس
قواعد اللغة العربية، ووضع الأسس والمقومات للأدب العربي، وهو أول من تبحر في
الفلسفة الإلهية[12]، وتكلم وفقا لطريقة الاستدلال الحر والبرهان المنطقي، وتعرض
لمسائل فلسفية لم يتعرض لها فلاسفة العالم حتى ذلك الوقت، فاهتم بهذا الشأن اهتماما
بالغاً، وحتى في أحرج ساعات الحرب[13].
هذب وربى أمير المؤمنين (عليه السلام) العديد من رجال الدين وعلماء الاسلام[14]
وكان من بينهم جمع من الزهاد وأهل المعرفة مثل: أويس القرني وكميل بن زياد وميثم
التمار ورشيد الهجري، ويعتبر هؤلاء من المنابع الأصيلة للعرفان من بين العرفاء
الاسلاميين، ويعتبر البعض الآخر منهم المصادر الرئيسية والأولية لعلم الفقه والكلام
والتفسير وقراءة القرآن وغيرها.
* السيد محمد حسين الطبطبائي - بتصرّف
[1]- بعد وفاة الرسول
الأكرم (ص) امتنع جمع قليل من شيعة علي من البيعة وكان في مقدمتهم من الصحابة سلمان
وأبو ذر والمقداد وعمار، وفي أوائل خلافة علي (ع) امتنع من البيعة جماعة، مثل سعيد
بن العاص والوليد بن عقبة ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص وبسر بن أرطاة وسمرة بن
جندب والمغيرة بن شعبة وغيرهم. وعند دراسة حياة هذين الفريقين، والتأمل في أعمالهم
طوال حياتهم، وما احتفظ به التاريخ من قصص، يتضح جليا كنه شخصيتهم وأهدافهم،
فالفريق الأول كان من أصحاب النبي الأكرم (ص) المقربين، واشتهروا بزهدهم وعبادتهم
وتضحيتهم للاسلام، قال رسول الله (ص): ان الله امرني بحب أربعة وأخبرني انه يحبهم،
قيل يا رسول الله من هم، قال: علي منهم (قال ذلك ثلاثة) أبو ذر وسلمان والمقداد.
سنن ابن ماجة ج 1: 53. عن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): ما عرض على عمار أمران
الا اختار الأرشد منهما، سنن ابن ماجة ج 1: 52.
[2]- مروج الذهب ج 2: 362 / نهج البلاغة. خطبة رقم 122 / اليعقوبي 2: 160. ابن أبي
الحديد ج 1: 180.
[3]- اليعقوبي ج 2 / أبي الفداء ج 1: 172 / مروج الذهب ج 2: 366.
[4]- اليعقوبي ج 2: 152.
[5]- تاريخ اليعقوبي ج 2: 154 / تاريخ أبي الفداء ج 1: 171.
[6]- فكتب إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجه إليه في اثني عشر ألفا، ثم قال:
كونوا بمكانكم في أوائل الشام، حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحة امره، فأتى عثمان،
فسأله عن المدة فقال: قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك بهم. قال: لا والله.
ولكنك أردت ان اقتل فتقول: انا ولي الثأر، ارجع، فجئني بالناس ! فرجع، فلم يعد إليه
حتى قتل. تاريخ اليعقوبي ج 2: 152 / مروج الذهب ج 3: 25 / الطبري ص 402.
[7]- مروج الذهب ج 2: 415. 6. ما حصلت عليه الشيعة طوال خلافة الإمام علي (ع) في
خمس سنوات الإمام علي (ع) طوال خلافته الأربع سنوات وتسعة أشهر، وان لم يوفق من
إعادة الأوضاع المضطربة إلى حالتها الطبيعية، الا انه قد وفق من ثلاث جهات أساسية:
1) استطاع ان يظهر شخصية النبي الكريم (ص) المضيئة بسيرته العادلة للناس، وخاصة
الشباب، فقد كان يواسي أفقر الناس في عيشه، امام تلك العظمة التي كان يتصف بها
معاوية، إذ كان لا يقل عن كسرى وقيصر.
[8]- شأن نزول الآية وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم سورة ص الآية
5. والآية ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا سورة الإسراء الآية 73.
والآية ودوا لو تدهن فيدهنون سورة القلم الآية التاسعة، ويراجع المباحث الروائية في
التفاسير.
[9]- كتاب الغرر والدرر للآمدي، وكتب الحديث.
[10]- مروج الذهب ج 2: 431 ابن أبي الحديد ج 1: 181.
[11]- الأشباه والنظائر للسيوطي في النحو 2: / ابن أبي الحديد ج 1: 6.
[12]- يراجع نهج البلاغة.
[13]- يروى ان أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: يا أمير المؤمنين
! أتقول ان الله واحد، فحمل الناس عليه وقالوا يا اعرابي اما ترى ما في أمير
المؤمنين من تقسم القلب، فقال أمير المؤمنين (ع): دعوه فان الذي يريده الاعرابي هو
الذي نريده من القوم، ثم قال يا اعرابي ان القول في أن الله واحد على أربعة أقسام،
فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل، ووجهان يثبتان فيه، فاما اللذان لا يجوزان
عليه، فقول القائل واحد يقصد به باب الاعداد، فهذا لا يجوز لان مالا ثاني له لا
يدخل في باب الاعداد، اما ترى انه كفر من قال إنه ثالث ثلاثة، وقول القائل هو واحد
من الناس يريد به النوع والجنس فهذا مالا يجوز، لأنه تشبيه وجل ربنا وتعالى عن ذلك،
واما الوجهان اللذان يثبتان فيه، فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك
ربنا، وقول القائل انه عزو جل أحدي المعنى يعني به انه لا ينقسم في وجود ولا عقل
ولا وهم كذلك ربنا عزو جل. بحار الأنوار 2: 65 (كمباني).
[14]- ابن أبي الحديد ج 1: 6 - 9.