ألفاظ القرآن ونظمها من الله تعالى لا من النبي
مفاهيم قرآنية
لا إشكال ولا خلاف بين المسلمين في أن القرآن هو المعجزة الخالدة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد تحدى القرآن ولا يزال الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فاقرأ معنا:قوله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ...
عدد الزوار: 96
تـقديـم
لا إشكال ولا خلاف بين المسلمين في أن القرآن هو المعجزة الخالدة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد تحدى القرآن ولا يزال الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فاقرأ معنا:
1- قوله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾1.
فعجز الإنس والجن في ذلك العصر - عصر الفصاحة والبلاغة - وفي كل عصر عن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا دليل على أن القرآن ليس من إنشاء بشر وإنما هو من خالق الكون والبشر.
2- وقوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ﴾2.
3- وقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾3.
فهو تعالى يقول لنبيه: قل لهم: إن كنتم تزعمون أن القرآن من إنشائي فائتوا أنتم بعشر سور بل بسورة من مثله، إذ لو كنت قادرا على الإتيان بالقرآن الذي هو قمة في الفصاحة والبلاغة وسائر المعارف وله هذا النظم الخاص فأنتم أولى بأن تأتوا بمثله لأنني منكم ونشأت بينكم أميا لم أدرس ولم أتعلم عند أحد، فعجزكم عن ذلك وأنتم فصحاء العرب لهو أقوى دليل على أنه من الله جل ذكره.
وأما مسيلمة ومن هم على شاكلته فإنهم عندما حاولوا معارضة القرآن وأظهروا كلمات وجملا مسجعة افتضحوا وسخر الناس منهم للابتذال الظاهر المشاهد فيما أتوا به، ولرداءة نظمه وسخافة محتواه.
وخلاصة القول: إن إعجاز القرآن من الأمور التي لا يرقى إليها الشك، ولا يتطرق إليه الخلاف.
محل البحث وعلاقته بالإعجاز
نعم، قد وقع الخلاف في أن الألفاظ القرآنية التي هي قوالب للمعاني وترتيب كلماته ونظمها على هذا النحو الخاص هل ذلك أيضاً من الله كنفس المعاني القرآنية؟ أم أن المعاني فقط من الله واللفظ وترتيبه للنبي صلى الله عليه وآله؟ وهذا البحث لا يتفرع على القول بإعجاز القرآن اللفظي وعدمه، إذ لا مانع من أن تكون الألفاظ للنبي وتكون في نفس الوقت معجزة، على اعتبار أن الإعجاز لها كان بتأييد من الله لإثبات نبوته صلى الله عليه وآله كسائر المعجزات الأخرى التي ظهرت على يديه. وعليه، فما قاله البعض من أن الألفاظ إذا لم تكن من الله لم يكن القرآن معجزاً 4 لا يستقيم كما أوضحنا.
هل للقرآن معنى ولفظا وترتيبا منه تعالى؟
الجواب: نعم، ويدل على ذلك طوائف من الآيات
(أ) الطائفة الأولى
الآيات التي دلت على أن القرآن منزل من الله، وهي كثيرة جدا نذكر منها:
1- ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾5.
2- ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾6.
3- ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾7.
4- ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا﴾8.
5- ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾9.
فهذه الآيات تدل على ما ذكرنا، لأن المراد من القرآن هو هذا الذي بين أيدينا، وأنه هو الذي يقرأه النبي صلى الله عليه وآله على الناس، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ﴾ فالله تعالى عندما يقول: ﴿نَحْنُ نَزَّلْنَا الْقُرْآنَ﴾ ﴿وفَرَقْنَاهُ﴾...الخ إنما يريد أن هذا القرآن الذي بين أيدي المسلمين بلفظه ومعناه منزل من عنده، لا أنه أنزل معانيه ثم جعل له النبي صلى الله عليه وآله أو جبرئيل لفظا، فإن هذا يكون مجازاً لا يصار إليه إلا بقرينة، وهي مفقودة هنا.
(ب) الطائفة الثانية
الآيات التي دلت على أن الكتاب من عند الله، وأن الله هو الذي أنزله على النبي صلى الله عليه وآله، وهي كثيرة تزيد على الأربعين آية، ونحن نذكر منها:
1- ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾10.
2- ﴿أَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾11.
3- ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾12.
4- ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾13.
5- ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾14.
فإنه لا إشكال ولا خلاف في أن المراد بالكتاب هو هذا الكتاب، وأنه هو الذي انزل على النبي صلى الله عليه وآله وفصل من لدن حكيم خبير.
ومن الواضح: أن الكتاب يطلق على مجموع الألفاظ والمعاني، فإذا قال الله تعالى: إن هذا الكتاب من عندي فالظاهر منه أنه من عنده بلفظه ومعناه، إذ لا يقال للمعاني أنها كتاب وأن هذا الكتاب مني أو من عندي إلا بضرب من التجوز والتأويل، الذي لا مبرر له ولا قرينة عليه.
(ج) الطائفة الثالثة
الآيات التي تدل على أن القرآن الكريم مجموع قبل أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وآله، وهي أيضا كثيرة، نذكر منها:
1- ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾15.
2- ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾16.
3- ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾17.
4- ﴿قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ﴾18.
5- ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾19.
6- ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾20.
فهذه الآيات ونظائرها تدل على أن القرآن هو مما يقرأ ويتلى.
ففي المرتبة الأولى: كان القارئ له هو الله، ولو بواسطة رسول الوحي، وقد قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ و﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾.
وفي الثانية: كانت القراءة من النبي صلى الله عليه وآله حسبما أمر به في قوله تعالى: " لتقرأه على الناس على مكث ".
وفي الثالثة: يجب أو يستحب للمسلمين قاطبة أن يقرأوه حسب ما أمروا به في قوله تعالى: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾21.
فظهر أن القرآن الكريم ليس من كلام جبرئيل ولا النبي، وإنما هو كلام الله عز اسمه، نزل على النبي ليقرأه على الناس.
معنى القراءة والتلاوة
ثم إن معنى القراءة والتلاوة في تلك الآيات الكريمة بحسب المفهوم العرفي معلوم.
وأما بحسب اللغة فهما على ما في بعض المعاجم هكذا: "قرأت القرآن: لفظت به، وفي معناه التلاوة" 22 وفي البعض الآخر قال: "القراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة تارة بالقراءة وآخرى بالارتسام" 23.
وحيث إن القراءة معناها لغة وعرفا التلفظ بالألفاظ فيكون المستفاد من هذه الآيات أنه ليس لجبرئيل والنبي إلا التلفظ. وبعبارة أخرى: يجوز لهما الإنشاد لا الإنشاء، فالألفاظ لله، وقراءتها وتلاوتها للنبي وجبرائيل عليهما السلام.
هذا ما أردنا إيراده هنا من الآيات الشريفة المرتبطة بالمقام، ولعلها تكفي في إثبات المطلب، ويبقى أن نشير إلى الأخبار الدالة على ذلك فنقول:
وأما الأخبار فمنها
1- ما عن العياشي عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن القرآن، فقال لي: "لا خالق ولا مخلوق، لكنه كلام الخالق"24.
فقد نص هذا الحديث على أن القرآن كلام الله، وحيث إن الكلام هو الألفاظ المنظومة الحاملة للمعاني فإن النتيجة تكون - حسب نص الحديث -: أن ألفاظ القرآن من الله.
2- ما رواه في الإتقان عن الحاكم بسند صححه السيوطي، قال: فصل القرآن من الذكر، فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبرئيل ينزل به على النبي صلى الله عليه وآله25.
فهذه الرواية تقول: إن القرآن قد فصل من الذكر، وواضح أن المفصول لا يختلف عن المفصول منه لفظا ومعنى، ولا يقال للمعاني المجردة عن الألفاظ أنها فصلت من الشئ الفلاني إلا بضرب من المجاز الذي لا يصار إليه بلا جهة ولا قرينة.
3- ما رواه البخاري عن مسروق عن عائشة عن فاطمة عليها السلام: أسر إلي النبي صلى الله عليه وآله أن جبرئيل يعارضني بالقرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي 26.
قال في مجمع البحرين في - مادة "عرض" -: عارضت الكتاب بالكتاب أي قابلته، وفي الخبر: إن جبرئيل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة، وأنه عارضه العام مرتين، أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن، من المعارضة المقابلة، انتهى.
فيستفاد منه: أن للقرآن قبل النزول وجود كتبي، قابله جبرئيل بما نزل على النبي صلى الله عليه وآله.
4- ما رواه مسلم عن زهير بن حرب عن أبي سلمة، وفيه: أتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني فصبوا علي ماء، فأنزل الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾27.
فهذا يدل على أن سورة المدثر قد نزلت بهذه الصورة الموجودة في القرآن، أي بلفظها ومعناها، فلاحظ.
بعض المؤيدات
وبعد كل ما قدمناه فإن من المناسب ذكر جملة من المؤيدات في المقام، فنقول
1- ما ذكره بعض المحققين من أن كلام النبي الأكرم محفوظ، وخطبه موجودة ولها أسلوب خاص غير الأسلوب القرآني، فلو كان القرآن من إنشاء الرسول صلى الله عليه وآله لوجدنا في خطبه صلى الله عليه وآله ما يشبه القرآن أسلوبا، ولم يكن، ولم ينقل من أحد حتى المعاندين أن أسلوب ما صدر من النبي صلى الله عليه وآله من كلمات هو نفس أسلوب القرآن لتكون النتيجة أن القرآن من كلامه صلى الله عليه وآله لا منزلا من الله تعالى 28.
2- ما ذكره البعض أيضا من أن كلمة "قل" قد تكررت أكثر من ثلاثمائة وثلاثين مرة في القرآن ليكون القارئ على ذكر من أن محمداً لا دخل له في الوحي، فلا يصوغه بلفظه ولا بكلامه، بل هو حاك لما يسمعه، لا معبر عن شئ 29.
3- الآيات التي اطلق فيها لفظ "كتاب" على ما أنزلت إلى النبي صلى الله عليه وآله فإن إطلاق لفظ " كتاب " إنما يصح لو كان شيئا مكتوبا قبل النزول وقبل كتابة النبي صلى الله عليه وآله، يشير إلى ذلك أيضا قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾30 ولا يطلق على المعاني المجردة أنها كتاب.
4- ما سنشير إليه من أن ترتيب الآيات لم يوكل إلى النبي، وإنما كان بتوقيف من جبرئيل له صلى الله عليه وآله عليها، فكان يعلمه عند نزول كل آية أين يجب أن توضع، عقيب آية كذا في سورة كذا، فإذا كان الله لا يرضى بترتيب أحد غيره فكيف يرضى أن يجعل ذلك الغير ألفاظ كتابه؟! بماذا استدل للقول الآخر؟ وبعد كل ما قدمناه يتضح القول الحق في المقام، وأنه من الأمور الواضحة الجلية.
والذي دعاني إلى هذا البحث - بالإضافة إلى أن البعض31 ينقل القول المخالف الذي يفيد أن الألفاظ من النبي أو من جبرئيل، وهو قول في غاية الندرة، ولم يعتن به أحد - هو أن بعض الأساتذة المعروفين قد ذكر هذا الخلاف في درسه، واختار هذا القول النادر، وحاول أن يستدل عليه بما رآه مقنعا في نظره.
وخلاصة دليله ودليل غيره ممن شذ وذهب إلى هذا القول هو قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾32، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾33.
زعم المستدل أن نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وآله معناه الإلقاء في القلب، وما يورد على القلب ويلقى فيه وينزل عليه لابد وأن يكون معنى من المعاني، فتكون النتيجة أن الذي انزل على قلب النبي هو معاني القرآن دون ألفاظه، ولكن:
أولاً: أن هذا المستدل غفل عن أن الألفاظ أيضاً يمكن أن تلقى في القلب.
وإذا كان ذلك فما هو المبرر للقول بأن خصوص المعاني هي الملقاة؟! ولم لا يكون القرآن بمعانيه وألفاظه قد نزل على قلب النبي صلى الله عليه وآله حسب ما دلت عليه تلك الآيات والروايات والمؤيدات التي قدمنا شطرا منها.
وثانياً: أن إلقاء المعاني في قلبه صلى الله عليه وآله ينافي ما دلت عليه الآيات والروايات الكثيرة من قعود جبرئيل عند النبي وقراءته القرآن عليه وتلاوته له، وأن النبي صلى الله عليه وآله بعد تمام الوحي كان يقرأ الآيات النازلة ويقول: هكذا قال جبرئيل.
نعم، قد ورد أنه صلى الله عليه وآله قال في حجة الوداع: ألا إن الروح الأمين نفث في روعي: إنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب34.
ولعل المقصود هنا بالنفث الإلهام كما في بعض كتب اللغة، نفث في روعي كذا: أي ألهمته35.
ولكن من الواضح أن ما عبر عنه في حجة الوداع بأنه القي في روعه أو ألهمه ليس قرآنا، وعليه فلا مانع من أن يكون القرآن يلقى إليه بلفظه ومعناه، وغيره لا يعتبر فيه ذلك.
خلاصة وخاتمة
فقد ظهر من كل ما تقدم أن الألفاظ القرآنية وترتيبها كان من الله عز وجل، لا من النبي صلى الله عليه وآله ولا من جبرئيل، وهذا مما دلت عليه الآيات الكثيرة والروايات المعتبرة، وأنه ليس في خطب الرسول ما يشبه أسلوبه أسلوب القرآن، وأن قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ..﴾ لا يدل على إلهام المعاني دون الألفاظ.
والحمد لله أولا وآخراً، وصلاته وسلامه على نبيه وآله.
*بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، آية الله السيد أبو الفضل مير محمدي الزرندي، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، ص83-91.
1- هود: 13 و 14.
2- البقرة: 23.
3- قال الزرقاني: القول بأن اللفظ لجبرئيل أو للرسول مصادم لصريح الكتاب والسنة والإجماع. وعقيدتي أنه مدسوس على المسلمين، وإلا فكيف يكون القرآن حينئذ معجزا واللفظ لمحمد أو لجبرئيل؟ (مناهل العرفان: ج 1 ص 42 باب الذي نزل به جبرئيل).
4- الأنعام: 19.
5- طه: 2.
6- النمل: 6.
7- الإنسان: 23.
8- الإسراء: 106.
9- البقرة: 89.
10- النساء: 113.
11- المائدة: 15.
12- هود: 1.
13- النحل: 89.
14- القيامة: 17 و 18.
15- الإسراء: 106.
16- العلق: 1.
17- يونس: 16.
18- المائدة: 27.
19- آل عمران: 108.
20- المزمل: 20.
21- لسان العرب: مادة " قرأ وتلا ".
22- مفردات الراغب: مادة " قرأ وتلا ".
23- تفسير العياشي: ج 1 ص 6.
24- الإتقان: ج 1 ص 41.
25- صحيح البخاري: ج 6 ص 229 باب كان جبرئيل يعرض القرآن على النبي.
26- صحيح مسلم: ج 2 ص 207، والآيات 1 - 4 من سورة المدثر.
27- راجع البيان في تفسير القرآن: ص 28.
28- مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح: ص 30.
29- الواقعة: 77 و 78.
30- راجع الإتقان: ج 1 ص 45، ومناهل العرفان: ج 1 ص 42، وتاريخ القرآن (فارسي) للدكتور أحمد راميار: ص 43، ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ص 35.
31- البقرة: 97.
32- الشعراء: 192 - 194.
33- وسائل الشيعة: ج 12 ص 27 ب 12 من أبواب مقدمات التجارة.
34- أقرب الموارد: مادة " نفث ".
35- وسائل الشيعة: ج 4 ص 849 ب 15 من أبواب قراءة القرآن.