يتم التحميل...

شبهات حول ولاية أهل البيت عليهم السلام

تهذيب النفس

تُقابل الروايات التي ذكرناها، أحاديث أخرى مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ومذكورة في الكتب المعتبرة أيضاً - كما تأتي بعد قليل - ولكن نستطيع أن نجمع بين معظم هذه الروايات وتلك الأحاديث بالجمع العرفيّ

عدد الزوار: 247

مقدّمة
تُقابل الروايات التي ذكرناها، أحاديث أخرى مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ومذكورة في الكتب المعتبرة أيضاً - كما تأتي بعد قليل - ولكن نستطيع أن نجمع بين معظم هذه الروايات وتلك الأحاديث بالجمع العرفيّ1.

وإذا لم يكن الجمع مقبولاً أيضاً ولم يقع التأويل، فلا تستطيع هذه الأحاديث المأثورة مقاومة تلك الروايات (المذكورة في الفصل السابق) الصحيحة، الصريحة، المتواترة المؤيّدة بظاهر القرآن ونصوص الفرقان، والعقل السليم والضرورة البديهية لدى المسلمين، على أنّ الأساس هو العمل الصالح والورع2. ومن تلك الأحاديث.

الشبهة الأولى:
أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: "الإيمان لا يضرّ معه عملٌ وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل"3، وهناك روايات أخرى بهذا المضمون.

يظنّ الكاتب أنّه يُمكن تفسير هذه الأخبار، بأنّ الإيمان ينوّر القلب قليلاً وفي درجة محدودة، فلو اقترف الإنسان خطيئة أو ذنباً عولج ببركة ذلك النور وملكة الإيمان هذا الإثم وتلك الجريرة، بالتوبة والرجوع إلى الله. فإنّ صاحب الإيمان بالله واليوم الآخر، لا يسمح لنفسه أن يترك أعماله إلى يوم القيامة.

فهذه الأخبار في الحقيقة تُحفّز الإنسان على التمسّك بالإيمان، والمحافظة عليه. كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال موسى للخضر عليه السلام قد تحرّمت بصحبتك فأوصني. فقال له: الزم ما لا يضرّك معه شيء، كما لا ينفعك مع غيره شيء"4.

وقد فسّر المحدّث الجليل المجلسي عليه الرحمة، الضرر المنفي في هذه الأخبار: بما يصير سبباً لدخول النار أو الخلود فيها5.

وإذا كان المقصود بالضرر المنفيّ، دخول النار، فلا منافاة بين عدم الدخول في النار حسب هذه الروايات، وتحقّق أنواع أخرى من العذاب في عالم البرزخ والمواقف المختلفة في يوم القيامة.

الشبهة الثانية:
ورواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيراً ما يقول في خطبته: يا أيّها الناس دينكم دينكم، فإنّ السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، والسيّئة فيه تُغفر والحسنة في غيره لا تُقبل"6.

ويدلّ هذا الحديث الشريف وأمثاله من الأخبار التي تُرغّب على ملازمة الديانة الحقّة، على أنّ خطايا المؤمنين وأصحاب الدِّين الحقّ، تؤول إلى المغفرة كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعً7.

ولهذا نستطيع أن نقول بأنّ سيّئات المؤمنين أفضل من حسنات الآخرين التي لا تُقبل أبداً، بل لعلّ الحسنات التي لا تحتوي على شرائط القبول مثل الإيمان والولاية، تنطوي على ظلمات أكثر من الظلمات الموجودة في سيّئات المؤمنين الذين يعيشون في حال الخوف والرجاء نتيجة نور الإيمان المشعّ في قلوبهم.

وعلى أيّ حال لا يدلّ هذا الحديث على أنّ أهل الإيمان لا يُحاسبون على سيّئاتهم كما هو ظاهر.

الشبهة الثالثة:
ومن الأحاديث المشهورة الحديث القائل: "حبُّ عليّ حسنة لا يضرُّ معها سيّئة، وبغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة"8. وهذا الحديث الشريف من قبيل الأحاديث المذكورة التي وردت في الإيمان ومعناه:
1- إمّا ما ذكره المرحوم المجلسي، من أنّ المقصود من الضرر المنفيّ هو الخلود في النار أو الدخول فيها، فيكون المعنى أنّ حبّ عليّ عليه السلام الذي هو أساس الإيمان وكماله وتمامه يوجب بواسطة شفاعة الشافعين، التخلّص من النار. وعليه كما قُلنا لا يتنافى هذا الاحتمال مع ألوان العذاب في عالم البرزخ.

وقد ورد في ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "والله ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم"9.

2- أو ما ذكرناه من أنّ حبّ الإمام عليّ عليه السلام يبعث في القلب النور والإيمان، وهما يُجنّبان صاحبهما الوقوع في الآثام، ويدفعانه إلى التوبة والإنابة، إذا ما ابتُلي بالمعصية. دون أن يفسح المجال أمامه للتمادي في الغيّ والعصيان.

ومن تلك الأحاديث الأخبار الواردة في تفسير الآيات الشريفة المذكورة في سورة الفرقان حيث قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمً10.

ونحن نقتصر على ذكر واحدة من تلك الأخبار، لأنّها جميعاً متقاربة في المضمون والمعنى: عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمً.

فقال عليه السلام: "يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتّى يُقام بموقف الحساب، فيكون الله تعالى هو الذي يتولّى حسابه لا يطلّع على حسابه أحد من الناس، فيُعرّفه ذنوبه حتى إذا أقرّ بسيّئاته قال الله عزّ وجلّ للكتبة: بدّلوها حسنات وأظهروها للناس. فيقول الناس حينئذٍ: ما كان لهذا العبد سيئة واحدة! ثم يأمر به إلى الجنّة، فهذا تأويل الآية، وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة"11.

والباعث على ذكر الآيات الكريمة بأسرها، هو أنّ البحث مهم، وأنّ كثيراً من الخطباء قد شوّهوا معنى هذه الأخبار للناس، وأنّ ربط الخبر بالآية لا يكون مفهوماً إلاّ إذا ذكرنا الآية نفسها.

من يقرأ الآيات الثلاث المذكورة من أوّلها إلى آخرها، يفهم أنّ الناس جميعاً مطوّقون بأعمالهم ويُحاسبون على قبائحها، إلا الذين آمنوا، وتابوا من جرائرهم، وعملوا عملاً صالحاً، فكلّ من توفّرت فيه هذه الأمور الثلاثة، فاز وشملته ألطاف الله سبحانه وأصبح مكرّماً أمام ساحة قدسه، فتتحوّل سيّئاته وآثامه إلى حسنات.

وقد فسّر الإمام الباقر عليه السلام الآية المباركة بهذا التفسير أيضاً، وجعل كيفية حساب هؤلاء الأشخاص وموقفهم يوم القيامة على الشكل الذي ذكرناه.

ومن المعلوم أنّ هذا الأمر يختصّ بشيعة أهل البيت عليهم السلام ويحرم منه الناس الآخرون. لأنّ الإيمان لا يحصل إلّا بواسطة ولاية عليّ وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام، بل لا يُقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية.

إذن لا بدّ من اعتبار هذه الآية المباركة، والأخبار التي وردت في تفسيرها. من الطائفة الأولى من الروايات، لأنّها تدلّ على أنّ الشخص إذا كان مؤمناً ولكن لم يحاول القضاء على سيّئاته بالتوبة والعمل الصالح لما شملته الآية الكريمة.

المعيار الحقيقيّ لمحبّة أهل البيت عليهم السلام
يا أيّها العزيز لا يغرّنك الشيطان، ولا تخدعنّك الأهواء النفسية، فمن المعلوم أنّ الإنسان الخامل المبتلى بالشهوات وحبّ الدنيا والجاه والمال، يبحث عن مبرّر لخموله، ويُقبل على كلّ ما يوافق شهواته، ويدعم رغباته النفسية وأوهامه الشيطانية، وينفتح بكلّ وجوده على مثل هذه الأخبار - التي دلّت على أنّ حبّ عليّ يوجب غفران الذنوب، وتبديل السيّئات بالحسنات وغيرها.. - من دون أن يفحص عن مغزاها، أو يتأمّل في الأخبار الأخر التي تُعارضها وتُقابلها.

هذا المسكين يظنّ أن مجرّد ادعاء التشيّع وحبّ التشيّع وحبّ أهل بيت الطهارة والعصمة، يسوّغ له اقتراف كلّ محرّم من المحظورات الشرعية، ويرفع عنه قلم التكليف.

إنّ هذا السيّئ الحظ لم ينتبه إلى أنّ الشيطان قد ألبس الأمر عليه، ويُخشى عليه في نهاية عمره أن تُسلب منه هذه المحبّة الجوفاء التي لا تُجدي ولا تنفع، ويُحشر يوم القيامة صفر اليدين وفي صفوف نواصب أهل البيت عليهم السلام.

إنّ ادّعاء المحبّة من دون دليل وبيّنة لا يكون مقبولاً. إنّه لا يُمكن أن أكون صديقك وأُضمر لك الحبّ والإخلاص، ثم أقوم بكلّ ما هو مناقض لرغباتك وأهدافك.

إنّ شجرة المحبّة تُنتج وتُثمر، في الإنسان المحبّ، العمل حسب درجة المحبّة ومستواها، وإن لم تحمل تلك الشجرة هذه الثمرة فلا بدّ من معرفة أنّها لم تكن محبّة حقيقية وإنّما هي محبّة وهمية.

إنّ النبيّ الأكرم وأهل بيته العظام عليهم السلام، قد بذلوا حياتهم في نشر الأحكام الشرعية والعقائد والأخلاق، وأرادوا في ذلك البلوغ إلى منشودهم الوحيد؛ وهو إبلاغ أحكام الله وإصلاح الإنسان وتهذيبه. واستساغوا في هذا السبيل الشريف أنواع السلب والقتل والإذلال والإهانة، التي لحقت بهم ولم يتوانوا في ذلك.

فمحبّ أهل البيت وشيعتهم، هو الذي يُشاركهم في أهدافهم، ويعمل على ضوء أخبارهم وآثارهم.

إنّ ما ذُكر في الأخبار الشريفة من أنّ الإقرار باللسان والعمل بالأركان من دعائم الإيمان، هو بيان لسرّ طبيعيّ، ولسنّة الله الجارية، لأنّ حقيقة الإيمان تلازم العمل والتنفيذ.

إنّ العاشق في جوهر طبيعته، يُظهر العشق تجاه المعشوق ويتغزّل به، وإنّ المؤمن إذا لم يعمل بمتطلّبات الإيمان، وما تستدعيه محبّة الله وأوليائه، لما كان مؤمناً ومحبّاً.

وإنّ هذا الإيمان الشكليّ والمحبّة الجوفاء من دون جوهر ومضمون، سينتفي ويزول أمام حوادث بسيطة وضغوط يسيرة، فينتقل هذا المحبّ إلى دار جزاء الأعمال، صفر اليدين.
 

* كتاب جهاد النفس في ضوء فكر الإمام الخميني، نشر دار المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الجمع العرفي: هو الجمع بين الروايات المتعارضة بشرط أن لا يكون التعارض مستقراً في نظر العرف.
2- الورع: شدّة التقوى.
3- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 464.
4- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 464.
5- العلّامة المجلسي، مرآة العقول، ج11، ص396.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 464.
7- سورة الزمر، الآية 53.
8- مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 197.
9- الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 242.
10- سورة الفرقان، الآيات 68-70.
11- الشيخ الطوسي، الأمالي، ج1، ص70.

2017-06-30