مسؤولية التربية والتعليم إعداد جيل مؤمن مسؤول
تربية دينية (مناسبات)
كلمة سماحة الإمام الخامنئي في لقاء المعلّمين وكوادر التربية والتعليم بمناسبة أسبوع المعلّم
عدد الزوار: 92كلمة سماحة الإمام الخامنئي في لقاء المعلّمين وكوادر التربية والتعليم بمناسبة أسبوع المعلّم 1 ــ 7/5/2017
مسؤولية "التربية والتعليم" إعداد جيل مؤمن مسؤول
أهمية المعلم تكمن في إعداده للقوى الإنسانية وتفعيلها
بالنسبة إلى موضوع المعلّم، إن أهمّية المعلم تكمن في أنّ كلّ
المتعلّمين في البلاد مدينون لجماعة المعلّمين. هذا الأمر بالغ الأهمّيّة. فأنتم
حيث تجدون إنساناً حكيماً، واعياً، عالماً، محصّلاً ومتعلّماً، يكون مديوناً
للمعلّم. للمعلّمين هكذا مقام ومكانة. الجميع يؤمن ويعتقد بأنّ قدرة أيّ بلد وقوّته
واحترامه ومنزلته، مرتبطة قبل كلّ شيء بقواه الإنسانيّة؛ صحيح؟ الكلّ يوافق على هذا
الأمر. حسنًا، وما الذي يشكّل القوى الإنسانيّة؟ ومن الذي يعدّ القوى الإنسانيّة؟
ومن الذي يفعّلها؟ إنه المعلّم. التفتوا: هذه هي القيم والعلامات الحقيقية الدالّة
على أهمّيّة المعلّم.
التعليم ليس مجرّد وظيفة؛ هو مكانة ومقام
لِمَاذا نقول هذا؟ من أجل أن تعرف جماعة المعلّمين أولاً، قيمة وقدر
ومنزلة هذه المنصب وهذا العمل. وهذا أمر بالغ الأهميّة. إنّني أثني على الكلام
الرائع الذي تفضّل به السيّد الوزير، ولقد استمتعت واقعاً بهذا الكلام، وهو أنّ
التعليم ليس مجرّد وظيفة في إدارة رسميّة، بل هو شأن، ومكانة ومقام؛ على المعلّم
نفسه أن يعلم هذا بالدرجة الأولى.
إنّنا إذا ما عرفنا أهميّتنا في كلّ مجال من المجالات، فلن نُذلّ ولن نُهان. هذا في
الدرجة الأولى بعد ذلك، على المجتمع أن يعرف قدر المعلّم وأهمّيته، وأن يحترمه
ويجلّه؛ كما على المسؤولين أن يدركوا هذه الأهميّة. لقد قلت مراراً وتكراراً، إنّ
التربية والتعليم والإنفاق على المعلّم، هو استثمار! فلينفقوا على المعلّم. هذه
واحدة من مسؤوليّاتنا، أعني مهمّات المسؤولين والحكومة.
التعليم مسؤولية كبرى فليعدّ المعلمون أنفسهم لها
مسألة أخرى ينبغي طرحها بعد ذلك التمجيد والتكريم للمعلم، وهي أنّه على
المعلّمين أن يعدّوا أنفسهم لهذه المسؤوليّة الكبرى. بأيّ وسيلة يكون ذلك؟ بالوسائل
التي تضعها الأجهزة الرسميّة بين أيديهم. لذا، فإنّي أؤكّد هنا الآن، على المسؤولين
أن يحملوا جامعة إعداد المعلّمين "جامعة المثقفين"
والعلوم -التي تنتج المعلّمين، على محمل الجدّ. وليستثمروا ما أمكنهم في هذا
المجال؛ وذلك لأنّ هذه الجامعة أهم بكثير من الجامعات الأخرى.
المعلم مرب ومعلم أخلاق أيضا
إنّ كلّ معلّم هو مربٍّ، أي معلّم أخلاق أيضاً. فمعلّم الرياضيّات،
ومعلّم الفيزياء، ومعلّم علوم الحياة، هو في الوقت نفسه معلّم أخلاق. قد يتكلّم
المعلّم في الصفّ، في صفّ الهندسة أو الكيمياء على سبيل المثال، بكلمة في الأمور
المعنويّة، أو في مجال معرفة الله تعالى، فتترك هذه الكلمة أثرها في ذهن الطالب
أكثر من كتاب، وترسخ فيه: بأخلاقه، بسيرته. فالمعلّم الخلوق هو الذي ينمّي الأخلاق
في الطالب. والمعلّم صاحب الهمّة العالية، الصبور، المتديّن، القويّ، ينقل هذه
الخصائص والخصال الحسنة إلى التلميذ بسلوكه، حتّى لو لم ينطق بكلمة في هذا المجال.
هذا هو دور المعلّم. ولذا يتمتّع المعلّم بأهميّة فائقة. ولهذا السبب، كنت أعترض
دوماً في السنوات الماضية على أولئك الذين يريدون استخدام جماعة المعلّمين كأداة في
الأمور السياسيّة. هذا ظلم. والكلام ليس عن هذه السنوات الأخيرة، إنّما عن فترة
الستّينات (الثمانينات ميلادية)؛ حيث كان البعض يقوم بهذه الأعمال. هذا هو شأن
المعلّم؛ لا يصحّ أن نجعل هذه الجوهرة الثمينة ألعوبة ونلعب بها. فللمعلّم شأن،
مكانة، وهذه هي مكانة المعلّم.
أشير هنا إلى أنّه وردتني معلومات بأنّه في المستقبل غير البعيد سيُحال عدد كبير من
المعلّمين- لن أذكر الرقم الآن- إلى التقاعد، وسوف تكون هناك حاجة إلى المعلّمين.
هذه من جملة الاحتياجات القريبة والملحّة لمستقبل التربية والتعليم. حسنًا، ماذا
نفعل؟ افترضوا بأنّ سعة[طاقة] جامعة "إعداد المعلّم"
وجامعة "الشهيد رجائي" لا تلبّي المطلوب. ماذا
نفعل؟ هل نفتح الطريق للأفراد بأن يدخلوا إلى مجال التربية والتعليم هكذا من دون
حسيب ولا رقيب. كلا، ينبغي التفكير. ففي الدرجة الأولى، ينبغي زيادة سعة هذه
الجامعات المعدّة للمعلّمين قدر الإمكان. ولهذا الأمر الأولويّة على غيره. وإن لم
يلبِّ هذا؛ المطلوب، فينبغي وضع الضوابط. فلتجتمع المراكز الأساسيّة وتضع الضوابط
لإستقطاب المعلّمين. هذه كلمة فيما يخصّ المعلّم.
التربية والتعليم البنية التحتيّة للإنتاج العلمي
والمعرفي
أمّا فيما يتعلّق بالتربية والتعليم؛ فالتربية والتعليم هما البنية
التحتيّة الأساسيّة للعلم والتحقيقات في البلاد. وبنى البلاد التحتيّة مهمّة جدّاً.
فالبنى التحتيّة الهندسيّة للبلاد، والبنى التحتيّة العلميّة للبلاد، والبنى
التحتيّة الأدبيّة والثقافيّة للبلاد، هي أمور غاية في الأهميّة. عندما تكون البنى
التحتيّة موجودة ومتوفّرة في قطاع من قطاعات البلد، يصبح الإنتاج في ذلك القطاع
أسهل.
والتربية والتعليم هما البنية التحتيّة للعلم والتحقيقات والأبحاث. وإذا ما اتّبعت
التربية والتعليم بسياساتها، بمسلكيّتها، بتخطيطاتها الصحيحة، مساراً صحيحاً، ستصبح
هذه البنية التحتيّة يوماً بعد يوم أفضل وأقوى. وسيصبح البلد غنيّاً في مجال العلم
والتحقيق اللذين هما حاجة أصليّة وأساسيّة لنا على المدى القصير والمتوسّط والطويل.
هذه هي أهميّة التربية والتعليم. إذا ما تركنا التربية والتعليم لحالهما، ولم نعمل
فيهما الدقّة اللازمة، وحدثت مشكلة فيهما، ستتعرّض هذه البنية التحتيّة لضربة؛ ولن
يكون بالإمكان بعد ذلك تقدير الخسائر.
ذات مرّة، حين كنّا طلاب علم في حوزة قمّ، كان هناك خيّاط فهيم وحكيم؛ يخيط الملابس
لرجال الدين، والقباء. وقد خاط لأحد علماء الدين المعروفين في قم، قباء. وعلى ما
يبدو أنّه كان لذلك العالم بعض الإشكالات على ذلك القباء فأجابه الخيّاط:
"إذا فسد الخيّاط فسد القباء، لكنّ الحقيقة هي: إذا فسُد
العالِم فَسَد العالَم"؛3 إن أنا لم أؤدِّ عملي بالنحو
الصحيح، فإنّ قباءك ستكون فيه بعض العيوب الصغيرة، لكن إذا لا سمح الله وُجدت فيك
بعض المشاكل والعيوب؛ فإن العالَم سيفسد. التفتوا، ماذا سيحدث في البلاد إذا
"فسدت التربية والتعليم" لا سمح الله؟
مسؤولية "التربية والتعليم" إعداد جيل مؤمن مسؤول وفي
لبلده وشعبه
إنّ مسؤوليّة التربية والتعليم هي تربية جيل. إذا ما نظرنا نظرة قصيرة
الأمد، لوجدنا أنّها تريد أن تربّي جيلاً لمرحلة من المراحل الآتية. كيف ستربّيه؟
أيّ تربية ستتّبع؟ ينبغي للتربية والتعليم أن تكون قادرة على تربية جيل مؤمن. الأصل
هو الإيمان. فالشباب اللامبالون والعبثيّون الذين لا يلتزمون بشيء، لن يكونوا في
المستقبل مفيدين لأنفسهم، ولا لبلدهم، ولا لمجتمعهم. الإيمان في الدرجة الأولى. على
"التربية والتعليم" أن تربّي جيلاً مؤمناً، وفيّاً، متحمّلاً للمسؤوليّة، واثقاً
بنفسه، مبدعاً، صادقاً، شجاعاً، ذا حياء، مفكّراً، ومن أهل التفكير، وإعمال الفكر،
عاشقاً لبلده، عاشقاً للنظام، عاشقاً للناس، جيلاً يحبّ وطنه، يرى أن مصالح بلده هي
مصالحه، يدافع عنها؛ جيلاً منيعاً، قويّاً، عازماً، حاسماً، مبتكراً، رائداً،
فعّالاً؛ المطلوب هو جيل كهذا. وهذا هو عمل التربية والتعليم. انظروا، كم هو عمل
مهمّ! أقول عمل التربية، لا عمل المعلّم. مع أنّ الوسيلة هي المعلّم. إلّا أنّ
المعلّم ليس هو العامل الوحيد لإيجاد مثل جيل كهذا. التربية والتعليم هي التي توفّر
الأجواء للمعلّم، للتلميذ، للأهل، للمخطّطين، لمؤلّفي الكتب الدراسيّة؛ هذه كلّها
مؤثّرة؛ والتربية والتعليم هي التي تقوم بهذه المهمّات.
• تيار مدعوم من الخارج يسعي للتقليل من قيم التربية
والتعليم
التفتوا إلى هذا الأمر: تفيد التقارير التي تصلني بأنّ تيّاراً ــ أشعر
بأنّ هذا "تيّار" ــ في البلد يسعى إلى التقليل من شأن التربية والتعليم، وإلى محو
قيمة التربية والتعليم والثقة بهما من النفوس. هؤلاء لديهم مقاصد وأهداف. وهذا
التيّار يُقاد أيضاً من الخارج. قد يعترض البعض الآن من دون دليل أو حجّة. وما إن
نذكر الأيادي الخارجيّة، حتّى يقولوا إنّكم دائماً تصوّبون سهامكم على الخارج. كلا،
إنّنا نرى ضعفنا. إن كنّا أقوياء، لن يستطيع ذلك الأجنبيّ أن يرتكب أيّ حماقة.
لكنّه هو الذي يستفيد من ضعفنا: يضع البرامج، يخطّط، ويخترق؛ يحرّف الطرق
المستقيمة، ويعمل على اعوجاجها.
مرض"النزعة الجامعيّة" إحدى إشكالات التربية والتعليم
لدينا
إنّ إحدى إشكالات التربية والتعليم عندنا هي مرض "النزعة الجامعية".
هناك ميل ونزعة نحو الجامعة على المستوى الطلّابي. بمعنى أنّه لو أراد شاب ما
الدراسة ولم يلتحق بالجامعة، فكأنّه لم يدرس أبداً! وهذا خطأ ولا داعي له. لدينا في
البلد الكثير من الحاجات الآنيّة والملحّة، اللازمة والمهمّة التي لا تحتاج أبداً
إلى التعليم الجامعي؛ ولا إلى شهادة دكتوراه أو شهادات عالية وغيرها. ولهذا السبب
أصرّ منذ سنوات عدّة -وقد أكّدت عدّة مرّات إلى الآن- على هذه المدارس الفنّيّة
والتقنيّة المهنيّة. علينا تقوية هذا القطاع المرتبط بالتقنيّة المهنيّة، وزيادته.
هناك الكثير من الأشخاص اشتغلوا في العلوم المختصّة بالمدارس الفنّيّة، مضوا في
التقنيّة المهنيّة، تعلّموا، خبروا المهنة، استعدّوا، وبدأوا بالشغل؛ فأمّنوا
حياتهم المادّية، وكانوا فرحين من الناحية النفسيّة والروحيّة، وكذلك خدموا
المجتمع. هل هذا أفضل أم أن يجهد المرء ليحصل على شهادة الدكتوراه ومن ثمّ يجلس
عاطلاً من العمل، ولا يجده، أو إن وجد عملاً، فيكون عملاً سطحيّاً ليس بذي قيمة في
المؤسّسة الفلانيّة أو في الدائرة الفلانيّة؛ أن يذهب ويجلس هناك كمستشار أو ما
شابه. ما قيمة كلّ هذا الدرس وكلّ هذا الجهد؟ "النزعة
الجامعية" خطأ.
نعم، نحن بحاجة إلى العلم. وإلى البحث والتحقيق؛ مهما تقدّمنا في مجال العلم فليس
بالكثير؛ هذا ما أوصي به منذ سنوات، ولقد تقدّمنا فيه بحمد الله أيضاً. لكن هذا لا
يعني أن يكون هدف كلّ من وطئت قدماه المدرسة أو الثانويّة هو الجامعة. لا، هناك
الآلاف من الأعمال التي لا تحتاج إلى الجامعة، ولا تحتاج إلى تلك المصاريف الكبيرة،
ولا تتطلّب تلك الحماسة والتحضير المطلوب للجامعة. علينا أن لا ننسى هذه الأمور؛
فهذه الأمور ثرواتنا. هذا الشابّ الذي يمكنه العمل في المجال المهني والحرفي، ويصل
إلى مستوىً ما - في أيّ مجال: في مجال الفنّ، والصناعة، وفي المجالات التقنيّة
وغيرها- هو ثروة وطنيّة للبلاد، وينبغي الاستفادة منه.