يوم الغدير:الإمامة قاعدة نظام الحكم في الإسلام
تربية دينية (مناسبات)
يوم الغدير:الإمامة قاعدة نظام الحكم في الإسلام
عدد الزوار: 165
من كلمة
الإمام الخامنئي لدى استقباله وفودًا شعبية بمناسبة عيد الغدير 20-9-2016م
يوم الغدير:الإمامة قاعدة نظام الحكم في الإسلام
هناك مسألة تتعلّق بالغدير نفسه؛ أن يُقال في بعض العبارات إنّ عيد
الغدير هو عيد الله الأكبر وهو أفضل من كلّ الأعياد، ما هو سبب هذا الأمر وتوجيهه؟
حسنًا، يوجد في القرآن الكريم آيات لا يمكن تطبيقها مع أي مسألة غير مسألة الغدير.
هذه الآية المعروفة (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِينًا)، والتي نزلت في أوائل سورة المائدة؛ آيةٌ لا يمكن تطبيقها مع أي
مسألة أخرى من المسائل التي لا يمكن أن تعادل مسألة الغدير في وزنها وأهميتها
وحجمها. مسألة الغدير هي الوحيدة التي يمكن أن يعبّر عنها هكذا:
"اليوم يئس الذين كفروا من دينكم". أولئك الذين
أشكلوا على مضمون هذه الآيات قالوا كلامًا وأوردوا آراءً. أولئك المخالفون الذين لا
يقبلون بقضية الغدير قد أوّلوا هذه الآية بنحو آخر ولكن هذا الجزء من الآية لا يقبل
التأويل: اليوم يئس الذين كفروا من دينكم. فما الذي أُضيف على الدين حتى جعلَ
العدوَّ ييأس؟ تلك الأحكام التي جاءت في هذه الآية في أول سورة المائدة، قبل وبعد
هذه الفقرة، ما مدى أهميتها حقًّا؟ لم يأتِ هذا التعبير بشأن الصلاة ولا الزكاة ولا
الجهاد؛ لم يستخدم هذا التعبير حول أيٍّ من الأحكام الإلهية الفرعية، بأنه
"اليوم يئس الذين كفروا من دينكم". إذا، فهذه
قضية مختلفة، وهي ليست كتلك الأحكام الفرعية. ما هي تلك القضية؟ إنها قضية قيادة
المجتمع الإسلامي؛ قضية نظام الحكم والإمامة في المجتمع الإسلامي. نعم، من الممكن
أن يحصل خطأ (من قبل بعض المسلمين) وأن يتخلّفوا – كما فعلوا؛ عدة قرون من حكم بني
أمية وبني العباس وأمثالهم، فقد حكموا وتسلّطوا كالملوك باسم الإمامة والخلافة وما
شابه ــ ولكن هذا لا يضرّ بفلسفة الغدير.
حادثة التعيين في الغدير هي تعيين الضابطة؛ تعيين القاعدة. حيث تمّ بناء قاعدة في
الإسلام. وقد وضع الرسول الأكرم في الأشهر الأخيرة من عمره هذه القاعدة. ما هي تلك
القاعدة؟ هي قاعدة الإمامة؛ قاعدة الولاية. لقد كانت لدى المجتمعات البشرية ومنذ
القدم، حكومات وأنظمة، وقد جرّب البشر أشكالًا من الحكومات. الإسلام لا يقبل بهذه
الحكومات وهذا النوع من السلطة وزمام الحكم والقدرة؛ الإسلام مؤمن بالإمامة. هذه
قاعدة الإسلام. والغدير يبيّن هذه القاعدة، ومصداقها محدّد أيضًا: إنّه أمير
المؤمنين الذي لم يستطع أحد في ذلك الزمان ولا في الأزمنة اللاحقة أن يورد أي إشكال
أو خدشة على شخصيته السامية وعلى تمثيله وتجسيده للمفاهيم والمعارف القرآنية.
حسنًا، كان هناك من سبّه وشتمه، هناك من يسبّ الله ورسوله أيضًا –والعياذ بالله-
ولكن السبّ والشتم ليس دليلًا منطقيًّا. لا يمكن لأي إنسان عندما يفكّر، عندما
يتخلّص من حساسيّاته وتعصّباته، أن يطرح أصغر إشكال وخدشة أبدًا على هذا الشخص
النوراني والهيكل القدسي. لقد عيّن الرسول هذا الإنسان مصداقا للإمامة. وقد أصبحت
هذه قاعدة حتى أبد الدهر وآخر الدنيا. كلما أراد المسلمون أن يشدّوا الهمّة ويهتدوا
من قِبَل الله كي يحقّقوا الإسلام ويبنوا المجتمع الإسلامي، فإنّ الضابطة والقاعدة
هي هذه: يجب إحياء الإمامة. بالطبع فإنهم لا يصلون أبدًا إلى مستوى أي مصداق من تلك
المصاديق التي عيّنها الرسول، ولا يصلون إلى الأقل منها أيضًا. إنّ أعظم الشخصيات
العلمية والمعنوية والعرفانية وعظماء السلوك والمعرفة عندنا، إنما نسبتهم إلى أمير
المؤمنين هي كنسبة ذلك الشعاع الضعيف الذي يرى الإنسان من خلاله بقعةً من قعر البئر
حين تقارنوه بالشمس. نعم، هذا شعاع، ولكن كم يختلف ويفرق عن الشمس نفسها؟ أعلى
شخصياتنا، شخصٌ كإمامنا العظيم الذي كان، للحق والإنصاف، إنسانًا كاملًا عظيمًا
كبيرًا وجامع الأطراف وبارزًا وممتازًا من جميع الجهات، إذا أردنا أن نقارنه مع
أمير المؤمنين، فالنسبة هي ما ذكرته: قارنوا نور الشمس مع ذلك الشعاع الذي ينير قاع
البئر أو زاوية تلمع أو تضيء فتعكس نور الشمس؛ الفروقات شاسعة إلى ذلك الحدّ.
الإمامة: لا لحكم القوّة والمال
نعم، المسافات الفاصلة كبيرة ولكن الضابطة هي هذه؛ ضابطة الإمامة. لقد
تعيّنت قاعدة الحكومة والاقتدار والسلطة في المجتمع الإسلامي من خلال الغدير وتمّ
وضعها وبناؤها؛ هذه هي أهميّة الغدير. ليست أهمية الغدير فقط أنّه قد تمّ تعيين
(تنصيب) أمير المؤمنين؛ هذا أمر مهم أيضًا ولكن الأهم منه هو تعيين الضابطة
والقاعدة. حيث أضحى واضحًا ومعلومًا أنّه في المجتمع الإسلامي، لا معنى للحكم
الملكي، ولا معنى للحكم الشخصي ولا لحكم الذهب والقوة، ولا معنى لحكم الأرستقراطية،
ولا معنى لحكم التكبّر على الناس وحكم الطمع والهيمنة وجمع المال والسلطة للنفس، لا
معنى لحكم الشهوات. صار واضحًا أنّ الإسلام لا يرضى بذلك.
لقد تمّ وضع هذه القاعدة في الغدير. وعندما وُضعت هذه القاعدة، حينها "يئس الذين
كفروا من دينكم"؛ فبعد هذه القاعدة، يئس الأعداء من قدرتهم على تغيير مسيرة هذا
الدين، لأنّ مسيرة الدين تتغيّر عندما تتغيّر تلك النقطة الأساسية والنواة الأصلية؛
أي نواة القدرة والإدارة والرئاسة؛ فإنها إذا تغيرت فسيتغيّر معها كل شيء.
نعم، في الوقائع العملية، يحدث تغييرات ويصل أفراد كخلفاء بني أميّة وبني العباس
إلى الزعامة والرئاسة باسم الإسلام، حتى الحجّاج بن يوسف يصل للرئاسة أيضًا، ولكن
كل هؤلاء لا يمكنهم ضرب وتخريب هذه الضابطة. واليوم، إن أراد أحد في العالم
الإسلامي، من الذين لديهم اطّلاع على المعارف الإسلامية، أن يرجعوا للقرآن ويراجعوا
القواعد المحدّدة في القرآن لعبادة الحقّ والحياة وسبيل عباد الحقّ –أي الشعوب- فلا
يمكن أبدًا أن يصل إلى نتيجة غير إمامة أمير المؤمنين والذين يوالونه من بعده. هذا
هو ادّعاؤنا ويمكننا إثباته بشكل كامل. كل إنسان في العالم الإسلامي، كل المثقّفين
والمفكّرين وأصحاب العقيدة، حتى أولئك الذين نشأوا في بداياتهم على أساس عقائد
أخرى، إذا وضعوا القرآن والقيم القرآنية والضوابط القرآنية معيارًا وملاكًا لحياة
المجتمعات البشرية، فلن يصلوا إلى أي نتيجة سوى أنّه يجب أن يحكم المجتمعات
الإسلامية شخص مثل علي بن أبي طالب، أي إنّ الطريق هو هذا، الطريق هو الإمامة. هذا
ما يتعلّق بالغدير.
الإمامة إمتداد للرسالة: لا رسالة من دون إمامة
حسنًا، عندما يتمتّع الغدير بكل هذه الأهمية، سيتّضح جيّدًا معنى تلك
الآية الشريفة الأخرى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ
مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ). فالقرآن هنا يقول للرسول: إن لم تبلّغ هذا
الحكم، فكأنك لم تؤدِّ الرسالة أصلًا! لقد جاهد الرسول ثلاثة وعشرين عامًا كل ذلك
الجهاد في مكّة ثم في المدينة، تلك الحروب والتضحيات والتسامح والمشقّات التي
تحمّلها، كل تلك الهداية العظيمة التي قدّمها ذلك الإنسان العظيم للبشرية. لقد قام
بهذا في تلك المدة؛ فما هي هذه الحادثة والواقعة التي إن لم تؤدّ فكأنّ تلك
المجاهدات لم تكن شيئًا مذكورًا: "وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته". لا يمكن لهذه
القضية أن تتعلّق ببعض الأحكام الفرعية؛ هي أعمق وأشمل من كل هذا، ما هي؟ إنّها
الإمامة. من هو أوّل إمام؟ إنّه الرسول نفسه. قال الإمام الصادق (عليه السلام) في
منى: إنّ رسول الله كان هو الإمام. ثم من بعده عليّ بن أبي طالب ومن ثم بقية
الأئمة. الله تعالى بعد أن ابتلى إبراهيم بكل تلك الامتحانات، في كل تلك المراحل
الصعبة التي مرّت على إبراهيم – حيث رُمي في مرحلة صباه في النار ثم هاجر إلى بابل
وبذل كل هذه الجهود في تلك المناطق ــ وحتى وصل إلى ما بعد الكهولة وأضحى عجوزًا،
قال له حينها: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا).
هذه هي الإمامة. هذه عقيدة؛ هذا اعتقاد إسلامي قائم على مبانٍ متينة واستدلالات لا
يمكن الخدش بها. إننا ندعو كل العالم الإسلامي وكل المفكّرين، إن كانوا من أهل
الفكر وأهل المباني أن يتابعوا هذه المسائل وسيصلون إلى هذه الوحدة التي يحتاجها
العالم الإسلامي اليوم بسهولة، من خلال التدبّر في آيات القرآن والتأمّل في هذه
الحقائق.
التشيّع البريطاني والتشيع العلوي
بالطبع، من هذه الجهة يجب أن لا يتم استفزاز مشاعرهم. يتخيّل بعضٌ أنّ
إثبات التشيّع إنما يتمّ بقيام الإنسان بشتم وإهانة كبار الشخصيات التي يؤمن بها
أهل السنّة والآخرون. كلا، إنّ هذا خلاف سيرة الأئمة. حينما تشاهدون أنّ هناك
إذاعات وتلفزيونات تنطلق في العالم الإسلامي، ويكون عملها باسم الشيعة وتحت عنوان
التشيّع، أن تشتم وتهين كبار الشخصيات التي يعتقد بها بقية المذاهب الإسلاميّة، فمن
الواضح والمعلوم أنّ تمويل وسائل الإعلام هذه هو من ميزانية الخزانة البريطانية.
إنّ ميزانيتها هي ميزانية بريطانيّة. هذا تشيّع بريطاني. لا يظنّن أحد أنّ نشر
التشيّع والعقائد الشيعيّة وتقوية الإيمان الشيعي يكون بهذه الإهانات والشتائم وهذا
النوع من الكلام. كلا، إنهم يقومون بعمل معاكس. إذا شتمتم وأهنتم، فإنّ هناك سورًا
من العصبيّة والحساسيّة يتشكّل حوله؛ وحينها لن يتمكّن من تحمّل الكلام وحتى لو كان
كلامًا محقًّا. إنّ لدينا الكثير من الكلام والأفكار المنطقيّة القويّة، لدينا
الكثير من هذا الكلام، دعوا هذه الكلمات والأفكار تُسمع، دعوها تأخذ مجالها للجذب
والتأثير في قلوب الطرف المقابل. حين تشتمون وتسبّون سيوجد سدٌّ منيع وحينها لن
يتمّ الاستماع أصلًا لتلك الأفكار والكلمات، وعندها فإنّ تلك الفرق الخبيثة
والعميلة والتابعة والمتموّلة من أمريكا والـCIA ووكالة المخابرات البريطانيّة-
كداعش والنصرة وأمثالها –ومن خلال استغلالهم لبعض العوام الجهلة الغافلين، تتمكّن
من نشر تلك الأوضاع والحالات التي تشاهدونها في العراق وسوريا وفي أماكن أخرى؛ هذا
عمل العدو، العدو يتحيّن الفرص؛ العدو يستغلّ أي فرصة.
نحن نمتلك كلام حقّ وأفكارًا منطقية، لدينا أفكارٌ قوية. من الأمثلة الصغيرة على
تلك الأفكار ما طرحته عليكم اليوم. هذا في ما يتعلّق بالغدير.