قضية الغدير: الحكومة في الإسلام حاكمية الدين في حياة الناس
تربية دينية (مناسبات)
قضية الغدير: الحكومة في الإسلام حاكمية الدين في حياة الناس
عدد الزوار: 144
من كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله لمناسبة عيد الغدير الأغر.الزمان: 8/10/1386هـ. ش ـ
18/12/1428هـ.ق ـ 29/12/2007م.
قضية الغدير: الحكومة في الإسلام حاكمية الدين في حياة الناس
أبعاد
متعددة لقضية الغدير
أ ــ تحديد معام الحكومة في الإسلام
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، إن قضية الغدير تستحوذ على الاهتمام
وتثير الانتباه من عدة زوايا وأبعاد مختلفة، فلا ينبغي أن نتصور أن عيد الغدير
كغيره من سائر الأعياد، حتى لو اتصفت جميع الأعياد الإسلامية بما لها من أبعاد
ومعانٍ ومضامين، إلا أن عيد الغدير يبقى فريداً ومتميزاً من بينها دون سواه.
إنّ أحد أبعاد هذه القضية يتجلى في اتجاه الإسلام ومسيرة الحركة الإسلامية، وهو بعد
الولاية الذي يعتبر من عقائدنا الدينية، أي الإيمان بالإمامة وتنصيب النبي للإمام
الذي يُعدّ في الحقيقة تنصيباً من الله تعالى.
إنّ هذا هو أحد أبعاد القضية الذي لو نظر إليه المسلمون بعمق وإمعان لأدركوا أن هذه
الحركة العظيمة التي قام بها النبي(ص) أثناء الحج ولدى العودة من أداء المناسك وفي
عرض الصحراء وفي الأيام الأخيرة من عمره المبارك والمناداة بأمير المؤمنين وتقديمه
لجموع الحجيج بالقول: (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) بكل ما تقدمها من تمهيدات وما
تلاها من نتائج، ليست سوى حركة مهمة لا تنطوي إلا على معنى ومضمون واحد، ألا وهو
تحديد خط الحكومة والولاية في الإسلام بعد رحيل النبي الأكرم(ص).
فلا معنى لهذه الحركة سوى هذا المعنى لا غير. لقد شعر الباحثون في العالم الإسلامي
بهذا المعنى على امتداد التاريخ، وأدركوا ذلك من تلك الحادثة ومن كلمات الرسول (ص).
• الحكومة في الإسلام حاكمية الدين في حياة الناس
ونخلص من ذلك الى أن مسألة الحكومة في الإسلام لا تعني مجرد وجود سلطة
تأخذ بمقاليد المجتمع الإسلامي وتدير شؤونه بدقة وانتظام، بل إنها تعني الإمامة.
إنّ معنى الإمامة هو قيادة الأبدان والقلوب، وليست مجرد الحاكمية على الأبدان أو
إدارة شؤون الحياة اليومية للناس فحسب، بل إدارة القلوب، ومنح التكامل للأرواح
والنفوس، والرقي بمستوى الأفكار والقيم المعنوية.
فهذا هو معنى الإمامة، وهذا هو ما يهدف إليه الإسلام، وكذلك كانت الأديان الأخرى،
ومع أنه لم يبق بيد البشرية وثائق دقيقة على هذا الصعيد فيما يخص الأديان الأخرى،
إلاّ أن الإسلام ما زال يمتلك أبرز الأدلة والوثائق دقة ووضوحاً.
إنّ الإسلام منذ ظهوره ونشأته يهدف الى إدارة شؤون البشرية وحياتها، وهنا نلمس
فرقاً جوهرياً ومعنوياً بين الحركة الإسلامية وسواها من الحركات الأخرى.
فالإسلام يصبوا الى إدارة الحياة الدنيوية والأخروية لبني الإنسان، ويسعى الى منح
البشرية ما ينبغي لها من كمال وسمو حقيقي فضلاً عن تنسيق وتنظيم حياتها اليومية
المعهودة.
فهذا هو ما يأخذه الإسلام على عاتقه، وهذا هو معنى الإمامة على وجه الدقة.
لقد كان الرسول (ص) إماماً بهذا المعنى كما ورد في رواية عن الإمام الباقر(عليه
الصلاة والسلام) عندما نادى بصوته بين الحجيج في (منى) قائلاً: (إنّ رسول الله صلى
الله عليه وآله كان هو الإمام).
إنّ معنى الإمام هو حاكمية الدين والدنيا في حياة الناس.
إنّ هذا هو أحد أبعاد القضية، وهو البعد العقائدي الذي يؤمن به الشيعة، حيث
استطاعوا بهذا المشعل الزاهر وهذا المنطق القويم إثبات حقانيتهم لدى كافة الباحثين
عن الحقيقة وجميع المنصفين على طول امتداد مراحل التاريخ الإسلامي.
إنّ بقاء الشيعة وتناميهم رغم كل ما واجهوا من عقبات ومشاكل وضغوطات على مر التاريخ
كان بفضل استنادهم وتمسكهم بهذا المنطق القويم الواضح الذي لولاه لكان مصيرهم الى
الاضمحلال والزوال. إنه لمنطق قوي وقويم للغاية.
ب ــ فرادة خصائص الحاكم الإسلامي
وأما البعد الآخر فهو تلك القيمة المعنوية التي تتميز بها تلك الشخصية
وذلك الرجل الذي نصبه الرسول(ص) خليفة له ووليّاً في تلك الواقعة، أي أمير
المؤمنين(عليه الصلاة والسلام).
إنّ الشخص العادي مهما بلغ، لا يمكنه أن يتوفر حقيقةً على كل تلك الكمالات
الإنسانية التي تخوله للحصول على مثل هذا المنصب، حيث أن محاسبة من هذا النوع لابد
لها من دقة إلهية تفوق قدرة البشر.
وبمثل هذه المحاسبة الدقيقة وجد نبي الإسلام العظيم أن مثل هذا المنصب وهذا المقام
لا يليق إلا بأمير المؤمنين ولا يناسب أحداً سواه.
حسناً، لقد كان مقدراً أن الإسلام ستكون له الحكومة والسلطة الى أبد الدهر، وكان
معلوماً أن بعض من يمتلكون صلاحيات على مختلف الأصعدة سيجلسون على سُدة الحكم.
لقد كان هذا واضحاً منذ صدر الإسلام، ولذلك فقد تعيّن أن الذي يتقلد مثل هذا المنصب
لا يمكن ان يكون شخصاً عادياً، بل لابد له وأن يكون من نفس طراز أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب(عليه السلام) وأن ينهل من منهله على مرّ حقب تاريخ الإسلام. ولهذا فقد
كان جميع أئمتنا (عليهم السلام) ينظرون الى أمير المؤمنين بعين العظمة والإكبار،
حيث كانوا جميعاً ممن تقلدوا هذا المنصب الرفيع حتى ولو لم تُتح لهم فرصة الحكومة
وتولي السلطة.
لقد كان الأئمة جميعاً(عليهم السلام) يرون عليّ بن أبي طالب وكأنه شمس في سماء
الإمامة، وهم فيها كالنجوم.
إنّ أمير المؤمنين كان أفضل منهم كما جاء في حديث عن الرسول (ص) بشأن الإمام الحسن
والإمام الحسين (عليهما السلام) حيث قال: ((وأبوهما أفضل منهما)) مع كل مالهما من
مقام ومنزلة. فهذه هي مكانة أمير المؤمنين.
وعلى هذا فقد كان لابد وأن تتوفر في أمير المؤمنين(عليه السلام) كافة المناقب
الكمالية التي ينبغي أن يتصف بها أولياء الله تعالى حتى ينصّبه الرسول(ص) إماماً
للأمة بمرسوم إلهي.
وهذا هو البعد الثاني الذي ينظر إلى فضيلة أمير المؤمنين(عليه الصلاة والسلام).