أمير المؤمنين علي "ع" جامع الحسنات
تربية دينية (مناسبات)
أمير المؤمنين علي "ع" جامع الحسنات
عدد الزوار: 118
من كلمة
الإمام الخامنئي لدى استقباله وفودًا شعبية بمناسبة عيد الغدير 20-9-2016 م
أمير المؤمنين علي "ع" جامع الحسنات
أما بالنسبة لأمير المؤمنين، فإنّ كل القيم والصفات التي يحترمها الإنسان ويكرّمها
–سواء كان إنسانًا مؤمنًا بالإسلام، أو كإنسان يؤمن بأي دين، أو كإنسان لا يعتقد
بأي دين، مهما كان ذلك الإنسان- قد جُمعت في علي بن أبي طالب. أي إنّ علي بن أبي
طالب هو شخصية تحترمونها إن كنتم شيعة وتحترمونها إن كنتم سنّة، وإن لم تكونوا
مسلمين أصلًا وتعرّفتم إلى هذه الشخصيّة واطّلعتم على أحوالها ستحترمونها أيضًا.
الكثير الكثير من أهل السنّة قد كتبوا وألفوا الكتب حول فضائل أمير المؤمنين على
مرّ السنوات المتمادية. الكاتب المسيحي "جورج جرداق"
ألّف ذلك الكتاب في خمسة أجزاء؛ هو مسيحي وقد كتب بكل عشق حول أمير المؤمنين قبل
سنوات عديدة. وقد زارني هنا، وتحدّثنا معًا حول كتابه ، وقال إني تعرّفت على نهج
البلاغة في مرحلة فتوّتي وقد هداني نهج البلاغة إلى شخصية علي بن أبي طالب. وقد
ألّف ذلك الكتاب "علي صوت العدالة الإنسانيّة".
حتى الشخص الذي لا يتّبع أي دين –أي إنه لا يؤمن بأي دين- عندما يتعرّف إلى شخصية
أمير المؤمنين، فإنّه سيحترمها ويخضع لها ويعظّمها.
صفات معنوية إلهية
يوجد لدى أمير المؤمنين ثلاثة أنواع من الصفات: النوع الأول هو تلك
الصفات المعنوية الإلهية التي لا يمكن قياسها بالنسبة لنا بأي ميزان: الإيمان؛ ذلك
الإيمان المتعالي العميق, السابقة في الإسلام، التضحية في سبيل الإسلام. الإخلاص،
حيث لا يوجد ولو مقدار رأس إبرة من العمل بغير النية الإلهية في عمله. هل نفهم نحن
هذا أصلًا؟ لمن هم مثلي أنا العبد، هل يمكن إدراك هذه الحالة أصلًا؟ أن تكون كل
الأعمال لله، لأجل رضا الله، لإجراء الأمر الإلهي، هذا هو الإخلاص. هذه أمور لا
يمكن قياسها ووزنها بالنسبة لنا، وليست قابلة للتوضيح بشكل صحيح. العلم والمعرفة
بالله، المعرفة بالله. نحن ماذا نفهم من هذه العظمة؟ وماذا يفهم أمير المؤمنين من
هذه العظمة؟ المعرفة بالله. إنّها سلسلة من صفات أمير المؤمنين وهي في الواقع ليست
قابلة للتوصيف بالنسبة لنا، ولا يمكن فهمها، حتى ولو جاءوا وشرحوها لنا ووضّحوها،
فلن نصل إلى عمقها بدقّة، لكونها عظيمة جدًّا وعميقة جدًّا؛ هذه مجموعة ونوع من
صفات أمير المؤمنين.
صفات إنسانية عامة مشتركة
هناك مجموعة أخرى من الصفات، هي صفاته الإنسانيّة البارزة. وهي تلك
الأشياء التي تجذب إليها الجميع: تجذب الإنسان المسلم وغير المسلم والمسيحي وغير
المسيحي والمتديّن والذي لا دين له: الشجاعة، الرحمة؛ ذلك الإنسان الذي يقاتل في
ميدان الحرب بتلك الطريقة، عندما يتعامل مع عائلة فيها أيتام، يتصرّف معهم بكلّ تلك
المحبة، ينحني ويلاعب الأطفال الأيتام ويركبهم فوق ظهره. وهذه بالأصل أشياء لا
تتعلّق بكوننا متديّنين أو بأي دين ندين كي نحترمها ونقدّرها، كل من يواجه هذه
العظمة فإنه سيشعر بالخضوع والتعظيم والإجلال. والإيثار؛ أي أن تؤثر الآخر على
نفسك؛ أي التسامح، أي أن تصرف النظر عن حقّك، حين يكون الحقّ معك، لأجل الله، لأجل
مصلحة –وإن كان حقًّا شخصيًّا- سواء كان حقًّا ماليًّا أو حقّ حفظ ماء الوجه أو أي
حق آخر من حقوقك؛ هذا هو معنى الإيثار. وهذه أيضًا مجموعة ونوع من صفات أمير
المؤمنين، التي إن أراد الإنسان أن يعدّد هذه الخصوصيات فستؤلّف كتابًا وتكوّن
وثيقة عريضة طويلة جداً.
خصوصيات الحكومية في حدّها الأعلى
المجموعة الثالثة من خصوصيات أمير المؤمنين: هي خصوصيات حكومية وهي
نتيجة مسألة الإمامة تلك. الإمامة هي ذلك النوع من الحكم. وبالطبع فإنّ لها شدّة
وضعفًا والحدّ الأعلى منها كان في شخصية مثل أمير المؤمنين. هذه الخصوصيات في الحكم
مثل ماذا؟ مثل العدالة، الإنصاف، المساواة بين جميع الناس؛ وحتى التساوي مع الناس
الذين يعيشون في مجتمعكم وهم ليسوا من دينكم. حين سمع أمير المؤمنين بأنّ
"بسر بن أرطأة" قد دخل إلى منطقة واقتحم حريم
العائلات هناك، ألقى خطبةً مفجعة: "بلغني أنّ الرجل منهم
ليدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها". فيقول إنّ
تلك القوات الظالمة والوقحة قد اقتحمت بيوت المسلمات وغير المسلمات –من المعاهدين
أي اليهود والنصارى الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي- فيقومون بنهب وسلب ثيابهنّ
وأساورهنّ وخلاخيلهنّ وسرقتها. ثم يقول عليه السلام: "لو
أن امرأً مات من بعد هذا أسفًا ما كان به ملومًا بل كان به عندي جديرًا".
تأمّلوا شخصيّة هذا الإنسان، رحمته وحنانه على الناس، شفقته ومحبته للناس، لجميع
الناس؛ ففي المجتمع الإسلامي يعيش اليهودي والمسيحي وغيرهم وهم معاهدون.
الإقبال على الدنيا وزينتها مصيبة الحكومات الديمقراطية
حسنًا، هذه من خصوصياته في الحكم: "العدل"
و"الإنصاف"،"
المساواة" و"اجتناب زخارف الدنيا وزينتها لنفسه". وهذه من مصائب حكومات
الدنيا؛ فحين نصبح رؤساء بلدٍ ما، وتصبح مصادر البلد المالية تحت تصرّفنا، تبدأ
الوساوس، فنقول: يوجد هنا أراضٍ جيدة وإمكانات وفيرة، هنا أموال طائلة، فلنأخذ منها
حصة. أولئك الأشقياء جدًّا وسود الوجوه يأخذون كل شيء لأنفسهم، مثل رضا خان. أما
أولئك الذين يتمتعون بقليل من الإنصاف، يعطون بعضها للآخرين، وغالبًا لجماعتهم
وأتباعهم؛ ويأخذون منها ما يشاءون.
هذه من المصائب التي تبتلي بها الحكومات؛ حكومات العالم الديمقراطية هذه، هي هكذا
أيضًا. أنتم تسمعون؛ زوجة رئيس الجمهورية الفلاني قد سافرت في العطلة الصيفيّة أو
الشتويّة مثلًا إلى الجزيرة الفلانيّة حيث الماء والهواء العليل، وقد صرفت هذا
المقدار من ملايين الدولارات! من أين؟ الأسرة الأرستقراطية الفلانية سافرت إلى
المدينة الفلانية وحجزت عددًا من الفنادق والمرافق لخدمتها، وقد صرفت خلال عشرة
أيام، أو عشرين يومًا، مليارات الدولارات!! إن حكومة الإمامة تخالف هذه الأمور.
فالاستفادة الشخصية من الإمكانات العامة ممنوعة؛ أي اجتناب الدنيا لنفسه".
"التدبير"، التفكير لتدبير شؤون المجتمع
الإسلامي؛ تحديد العدو وتحديد الصديق؛ تصنيف العدو إلى فئات متعددة. لقد خاض أمير
المؤمنين ثلاثة حروب (أثناء حكومته)؛ لقد كانت تلك الحروب ضد ثلاثة أنواع من
الأعداء ولكنه لم يقاتلهم بالطريقة نفسها. كانت الحرب ضد معاوية والشام بشكل معين،
الحرب ضد البصرة بشكل آخر. حين واجه الإمام طلحة والزبير في الحرب كان له تعامل آخر
معهم. حيث استدعى الزبير وسط ميدان الحرب وتحدّث معه ونصحه بأنه: يا أخي تذكر
سوابقنا وكيف قاتلنا سوياً وقمنا معاً بإنجاز كل تلك الأعمال. وقد أثرت تلك الكلمات
والنصائح بالزبير، مع أنه لم يقم بما كان يجب عليه، فلم يلتحق بجيش أمير المؤمنين،
ولكنه ترك الميدان وانسحب من الحرب، كان سلوك أمير المؤمنين مع طلحة والزبير بهذا
الشكل. لكن تعامله مع الشام لم يكن هكذا؛ ماذا يقول الإمام مثلاً لمعاوية؟ هل يقول
له نحن كنا سوياً؟ ومتى كانا سوياً؟ ففي معركة "بدر" كانا وجهاً لوجه؛ وقد قاتل
أمير المؤمنين جد معاوية وخاله وأقاربه بسيفه؛ ؛ فلم يكن لديهما سابقة مشتركة. وقد
كان معاوية يستغل تلك العداوات ويحارب أمير المؤمنين. لقد كان أمير المؤمنين يقسّم
الأعداء؛ في واقعة النهروان كان الأعداء عشرة آلاف شخصاً، قال عليه السلام كل من
يأتي من هؤلاء العشرة آلاف إلى تلك الجهة من هذه الراية التي نصبتها هنا فلن أقاتله
ولا حرب بيني وبينه؛ أكثرهم جاؤوا فحررهم الأمير وأطلق سراحهم. نعم، أولئك الذين
بقوا وعاندوا وتعصبوا، حاربهم وانتصر عليهم. أي يجب التدبير في إدارة البلاد؛ معرفة
العدو، معرفة الصديق؛ فليس كل الأعداء سواء؛ غض الطرف عن بعضهم. بعض الأشخاص لم
يبايعوا أمير المؤمنين منذ البداية، كان مالك الأشتر واقفاً عند الإمام والسيف
بيده، قال له: اسمح يا أمير المؤمنين أن أضرب عنق ذلك الذي لا يبايعك. فضحك أمير
المؤمنين وقال له: كلا، هذا حين كان شاباً كان سيّئ الخلق وحاد الطباع والآن وقد
هرم وكبر، فقد ساءت أخلاقه أكثر و.. دعه وشأنه؛ فتركه وذهب.
هذا تدبير. إن أعلى مستويات التدبير أن يكون الإنسان على رأس السلطة، فيعرف مع من
يتعامل وكيف يجب أن يتصرف مع أنواع الشخصيات المتعددة؛ وهذه من خصوصيات الحكم لدى
أمير المؤمنين.
"سرعة العمل"، فلم يكن يؤخر ويُؤجل، بل يتحرك
بمجرد أن يحدّد أنه يجب القيام بهذا العمل والإجراء المطلوب.
التبيين وهداية المجتمع للتقوى؛ سلسلة أعمال
"التبيين". كان يبين الحقائق للناس؛
انظروا إلى خطب نهج البلاغة؛ فإن الكثير منها هو تبيين للوقائع الجارية في المجتمع
في تلك الأيام- سواء الخطب أو الرسائل- فإن نهج البلاغة يحوي خطبًا ورسائل. تلك
الرسائل كانت موجهة غالباً للذين يعارضون الإمام؛ أو يعاندونه مثل معاوية وغيره، أو
ولاة أمير المؤمنين والذين كان يوجه لهم الإمام اللوم والاعتراض. غالباً كان الأمر
هكذا. بعض الرسائل كذلك كانت توصيات وقوانين وأوامر، مثل عهد مالك الأشتر؛ كان
الإمام يبين في كل هذه الخطب والرسائل الحقائق للناس. وكانت هذه سلسلة أعمال أمير
المؤمنين.
مسألة "هداية المجتمع للتقوى"؛ في خطب أمير
المؤمنين هذه، قلما توجد خطبة ليس فيها أمر بالتقوى: اتقوا الله؛ لأن التقوى هي كل
شيء؛ عندما توجد التقوى في مجتمع ما، فإن جميع مشاكل المجتمع المادية والمعنوية سوف
تحل؛ هكذا هي التقوى. وبالطبع التقوى بمعناها الحقيقي والصحيح؛ ليست التقوى فقط بأن
يغض الإنسان بصره عن غير المحارم أو لا يقوم مثلاً بالعمل الفلاني المحرم؛ هذا
مطلوب وهو جزء من التقوى، ولكن التقوى أوسع وأشمل من هذا بكثير. إن ذلك المعنى
الحقيقي للتقوى هو عبارة عن مراقبة النفس وحركاتها والعمل لحفظ النفس على الجادة
المستقيمة والصراط المستقيم؛ هذا هو معنى التقوى؛ فإذا ما وجدت [التقوى] في
المجتمع، فإن كل المشاكل سوف تُحل وتعالج. كان أمير المؤمنين يدعو الناس دائماً إلى
التقوى.
وكان في العمل لا يخشى لومة لائم، لم يكن ليجامل أحداً؛ لا مسايرة لأحد عنده في
العمل بالعدل، لم يكن للمجاملات وجود في حياة أمير المؤمنين. ذلك الإنسان نفسه الذي
يقول لمالك الأشتر دعْ هذا الممتنع عن البيعة يذهب، كان يدقق ويصرّ ويتعامل بشدة في
موارد أخرى.
لاحظوا وتأملوا، هذا القسم الثالث من صفات أمير المؤمنين والتي هي صفات الحكم
والحكومة؛ هي غير الصفات الشخصية وهي كذلك مختلفة عن تلك الجوانب المعنوية
والإلهية، التي ليست قابلة للفهم بالنسبة لنا ولا يمكن لألسنتنا القاصرة والناقصة
أن تتمكن من وصفها. هذه هي شخصية أمير المؤمنين، فهي الشخصية الجامعة والشاملة
والتي يمكن القول عنها حقاً "أنت كبير ولا يمكن أن تظهر
في مرآة صغيرة ". نحن لا يمكننا بهذه العيون الضعيفة والعاجزة، بهذا
النظر القاصر وهذه القلوب المشوشة بالأوهام أن نرى تلك الشخصية العظيمة؛ ولكن،
حسناً، هناك شيء نعرفه، هناك توصيف لهذا العظيم نعلمه ونقوله. لقد تمّ تعيين هذا
الإنسان في يوم الغدير.