الإصلاح عنوان النهضة الحسينية: حال الفساد في الأمة عشية خروجه(ع)
تربية دينية (مناسبات)
الإصلاح عنوان النهضة الحسينية: حال الفساد في الأمة عشية خروجه(ع)
عدد الزوار: 126
الإصلاح
عنوان النهضة الحسينية: حال الفساد في الأمة عشية خروجه(ع)
الإمام الخامنئي ــ " في مدرسة عاشوراء"
عاشوراء
ساحة للعبر
أما الجهة الثانية هي استسقاء العبر من عاشوراء. أي غير الدروس. عاشوراء
هي ساحة العبر. يجب على الإنسان أن ينظر إلى هذه الساحة كي يستلهم العبر. ما معنى
أن يأخذ العبر؟ يأخذ العبر أي أن يضع نفسه في تلك الحالة ويفهم في أي جبهة هو وأي
موضع. وما الذي يهدده، وما الذي يلزمه، فهذا ما نسميه بالعبرة. أي إذا مررتم بجادة
ما، وشاهدتم سيارة مقلوبة أو مصطدمة ومتضررة أو مدمرة، وركابها قد تحطموا، فإنكم
تقفون وتنظرون لتأخذوا العبر؛ وليتبين عندكم أنه أي سرعة وأية قيادة أدت إلى حدوث
حالة كهذه؟
العبرة الأولى في قضية عاشوراء، والتي تجعلنا ننتبه لأنفسنا هي أن نرى ما الذي حدث
بعد خمسين عاماً من وفاة الرسول (ص)، ليصل الأمر إلى ذلك الحد، الذي يُضطر فيه شخص
كالإمام الحسين أن يقوم بتضحية كهذه؟
حسناً، قد نجد من التضحيات الإسلامية ــ أحياناً بعد مضي ألف عام على صدر الإسلام،
وأحياناً تكون في قلب البلدان والشعوب المخالفة والمعاندة للإسلام؛ فهذا كلام آخر.
ولكن أن يلاقي الحسين بن علي (ع) في مركز الإسلام وفي مكة والمدينة ومركز الوحي
النبوي وضعاً بحيث لا يجد سبيلاً للإصلاح إلا التضحية وتضحية دموية وعظيمة كهذه..
ما هو الوضع الذي جعل الإمام الحسين يشعر بأن الإسلام لا يحيا إلاّ بتضحية كهذه
وإلا سيزول؟ فالعبرة هنا أن ننظر ما الذي حدث في المجتمع الإسلامي في مكة والمدينة
التي كان الرسول يعقد الرايات فيها ويعطيها للمسلمين؛ وكانوا يذهبون انطلاقاً منها
إلى أقصى نقاط جزيرة العرب وإلى حدود الشام، وكانوا يتحدون امبراطورية الروم،
ويخيفون جيشها ويعودون منتصرين مثلما حدث في عزوة تبوك. ما الذي حدث حتى يصبح
المجتمع هذا نفسه والذي كان صوت تلاوة القرآن مرتفعاً في مساجده وأحيائه، وشخص
كالرسول يتلو آيات الله على الناس بذلك الصوت واللحن والنفس.. ويعظ الناس ويمضي بهم
بتلك السرعة في صراط الهداية ؛ ما الذي حدث حتى يصبح هذا المجتمع نفسه، وهذا البلد
وهذه المدن نفسها مبعث الخطر على الإسلام، بحيث يحكم الناس فيها شخص مثل يزيد؟
ويأتي وضع يرى به شخص كالحسين بن علي (ع) أن لا سبيل أمامه سوى القيام بهذه التضحية
العظيمة والتي لا نظير لها في التاريخ. ما الذي حدث حتى وصلوا إلى هذه الحالة؟ هذه
هي العبرة.
ما الذي حدث بعد عشرين عاماً من استشهاد أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، حتى
ترفع رؤوس أبناء أمير المؤمنين على رؤوس الرماح ويُطاف بها في تلك المدينة؟
فالكوفة لم تكن مدينة غريبة عن الدين، إنما الكوفة هي نفس ذلك المكان الذي كان يمشي
أمير المؤمنين في أسواقها يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وكان نداء تلاوة
القرآن في آناء الليل وأطراف النهار متصاعداً من ذلك المسجد وتلك المحافل. هذه
المدينة نفسها، هي التي طوّفوا فيها وفي أسواقها بنات أمير المؤمنين وحرمه وهم
أسرى. خلال عشرين عاماً فقط تكوّن هذا الوضع، ما الذي حدث حتى وصل الأمر إلى هذا
الحد؟
إذا كان هناك داء يمكنه خلال عدة عقود من الزمن أن يوصل مجتمعاً كان على رأسه أشخاص
كرسول الله وأمير المؤمنين إلى ذلك الوضع؛ إذاً هذا الداء داء خطير.
أنا أعتقد أن رسالة عاشوراء هذه، هي اليوم أولى وأهم من سائر دروس عاشوراء
ورسالاتها الغابرة. فلنفهم ما هو البلاء الذي نزل على رأس ذلك المجتمع كي يؤتى برأس
الحسين بن علي (ع)؛ ابن أعظم رجل في تاريخ الإسلام وابن خليفة المسلمين ـ ابن علي
ابن أبي طالب ـ يؤتى برأسه مذبوحاً ويدار في نفس تلك المدينة التي كان أبوه يجلس في
مقام خلافتها وكأنه لم يحدث شيء؟
ويأتي أناس من نفس هذه المدينة، إلى كربلاء ويقتلوه ويقتلون أصحابه شهداء عطاشى
ويأخذون حرم أمير المؤمنين أسيرات.
التنكر للموازين الإلهية والتعلق بمباهج الدنيا وزينتها
هو الداء
الكلام في هذا المجال كثير. أنا سأطرح هنا آية من آيات القرآن التي تجيب
على هذا السؤال. فالقرآن قد أجابنا. والقرآن يكشف عن هذا الألم للمسلمين. تلك الآية
هي: {وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
فسوف يلقون غيّاً}. هناك سببان أساسيان لهذا الضلال والانحراف العام:
الأول، هو الابتعاد عن ذكر الله ونسيان ما هو من عند الله. أما الثاني،
"اتبعوا الشهوات"؛ السعي وراء الشهوات واتباع
الهوى. وفي عبارة أخرى: حب الدنيا والتفكير بجمع الثروات والمال والتلذذ بشهوات
الدنيا والوقوع فيها، واعتبار هؤلاء أن الدنيا والوقوع فيها هو الأساس. إن نسيان
العقيدة، هو الألم الأساسي والكبير.
يوماً ما كانت مسألة تطور الإسلام مطروحة عند المسلمين. ومسألة رضا الله وتعليم
الدين والمعارف الإسلامية مطروحة. ومسألة التعرف على القرآن ومفاهيمه ومعارفه كانت
مطروحة أيضاً. و كان جهاز الحاكم وجهاز إدارة البلد جهاز الزهد والتقوى وعدم
الاعتناء بزخارف الدنيا والشهوات الشخصية. وكانت النتيجة في تلك الخطوة العظيمة
التي خطاها الناس نحو الله وفي وضع كهذا: أن شخصاً كعلي بن أبي طالب يصبح خليفة،
وكالحسين بن علي يصبح شخصية بارزة. الموازين تكمن هنا أكثر من أي زمن آخر. فعندما
يكون الله هو المعيار والتقوى والمجاهدة في سبيل الله، وعدم الاعتناء بالدنيا ــ
الناس الذين يحملون هذه الموازين يأتون إلى ساحة العمل وهؤلاء يأخذون زمام الأعمال
ــ فالمجتمع يصبح بالضرورة مجتمعاً إسلامياً. ولكن عندما تتغير الموازين الإلهية:
كل من لديه حب أكثر للدنيا، والأكثر اتباعاً للشهوات، والأكثر حنكة في كسب مصالحه
الشخصية، والأكثر تلفيقاً في لغة الصدق والحقيقة يأتي لتولي الأعمال؛ فإن أمثال عمر
بن سعد وشمر وعبيد الله بن زياد يصبحون الرؤساء، وأمثال الحسين بن علي يُذهب بهم
إلى المذبح ويقتلون شهداء في كربلاء. وتصبح هذه المعادلة هي الصواب. ينبغي على
المخلصين أن لا يسمحوا بتغيير القيم والموازين الإلهية في المجتمع. فإذا تغير معيار
التقوى في المجتمع، يصبح إنسان تقي كالحسين بن علي مهدور الدم.
عالم اليوم هو عالم الكذب، عالم القوة، عالم الشهوات؛ عالم ترجيح القيم المادية على
القيم المعنوية. هذا عالم اليوم. وهذا ليس في عالم اليوم فقط، بل منذ قرون والقيم
في العالم تتجه نحو الزوال ونحو الضعف. فقد سُعي لإزالتها من الوجود ليُحل محلها
أصحاب القدرات وعباد المال والرأسماليين.
فقد أوجدوا نظاماً ورتّبوا بساطاً مادياً في العالم وعلى رأسه قوة كأمريكا، والتي
هي أكثر كذباً من الجميع وأكثر خداعاً وأكثر من لا يُعنى بالفضائل الإنسانية،
والأكثر قسوة تجاه البشرية.
إذا كانت المسافة الزمنية بين وفاة النبي الأكرم واستشهاد سبطه الإمام الحسين (ع)
في صدر الإسلام قد بلغت خمسين عاماً، فهذه الفترة قد تكون أقصر بكثير في عصرنا.
وربما ذهبت فضائلنا وأصحاب الفضائل إلى المذبح أو المقتل أسرع من ذلك بكثير. يجب أن
نحول دون ذلك، وأن نصمد بوجه الانحرافات التي ربما يفرضها علينا العدو.