العلم في الإسلام من أجل رفاه الإنسان والدفاع عن حقوقه
ثقافة إسلامية
العلم في الإسلام من أجل رفاه الإنسان والدفاع عن حقوقه
عدد الزوار: 89
من كلمة
الإمام الخامنئي في لقائه الشباب النخبة في البلاد 06-10-2010
العلم في الإسلام من أجل رفاه الإنسان والدفاع عن حقوقه
العلم في الغرب أداة لسحق الشعوب ونهب خيراتها
منطق القوة والعسف كثير الانتشار في العالم. والعتاة والمتعسفون يعتمدون
على قدراتهم، وتلك القدرات والثروة والإمكانيات قائمة على ما يمتلكونه من علوم. ولا
يمكن المواجهة من دون حيازة العلم. ذات مرة قرأت الحديث القائل:
"العلم سلطان".1 العلم اقتدار.. العلم بحد ذاته اقتدار.
كل من يمتلك هذا الاقتدار يمكنه أن يتحرك ويسير، وكل شخص أو شعب أو مجتمع لا يتوفر
على العلم مضطر لاتباع اقتدار الآخرين. إذن، فهذه حسابات دقيقة.
حسناً، هذا العلم يمكن أن يكون له هدفان. أحد الهدفين هو الهدف الذي يحمله أصحاب
العلم الحاليون في العالم وهو هدف غير نزيه وغير مقدس. لا تنظروا إلى الادعاء ات،
فحقيقة القضية في التقدم العلمي الغربي حقيقة جد مريرة ومؤسفة.
حقيقة لا يمكن للإنسان السير نحوها مهما كان الثمن. التقدم العلمي في العالم الغربي
سواء حينما بدأ التحرك العلمي الغربي - ويجب القول التحرك الفكري الذي كان مقدمة
للتحرك العلمي - والذي بدأ في القرن السادس عشر للميلاد في إيطاليا وبريطانيا
وأماكن أخرى، أو عندما انطلقت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر في بريطانيا
أولاً، وأنشئت المعامل الكبيرة والآلات الضخمة طوال عشرات الأعوام، ومن ثم جرى
إنتاج الثروة عن هذا الطريق ــ ولا نتطرق الآن لما حصل في تلك البلدان من سحق
للحقوق والفقراء من أجل إنتاج الثروة، والطبقة التي انبثقت عن هذه الآلات الكبيرة،
والظلم الذي جرى على الناس - ومن ثم اتساع رقعة هذا العلم والتقنية بالتدريج
وانتشارهما في سائر البلاد الأوربية، كان ثمنه سحق حرية العديد من الشعوب وتهديد
هوية الكثير من الأمم وممارسة ظلم عظيم وعسف فظيع ضد الكثير من البلدان والشعوب.
شعر أولئك أنهم بحاجة إلى المواد الأولية وأسواق تصريف البضائع، وكان ذلك في بلدان
أخرى، لذلك استخدموا هذا العلم وأنتجوا المدافع في مقابل السيوف والرماح، ثم سار
البريطانيون والهولنديون والبرتغاليون والفرنسيون وغيرهم من الشعوب الأوربية إلى
أطراف العالم، وارتكبوا من الفجائع في العالم بأدوات العلم والتقنية ما لو جُمع
لكان موسوعة هائلة مبكية من عشرات المجلدات....2 ثم التحقت أمريكا بعد
ذلك بهذا الركب.
· شواهد من جرائمهم في أسيا وأفريقيا
لاحظوا ما الذي فعله هؤلاء في الهند وما الذي فعلوه في الصين. ارتكب
الإنجليز في القرن التاسع عشر من الفجائع في الهند ما أنا على يقين من أنكم أيها
الشباب لم تسمعوا بواحد من الألف منه في الإعلام والكلام هنا وهناك، وأنتم الشباب
قل ما تهتمون للتاريخ وما شابه.
يكتب نهرو في كتابه أنهم جاءوا إلى الهند في الفترة التي - حسب تعبيره - لم تكن
الثورة الصناعية قد انطلقت بعد، ولم يجر إنتاج الآلات الكبرى، وكانت شبه القارة
الهندية من البلدان المتقدمة صناعياً في العالم. ومن أجل أن يمرّر أولئك نواياهم
ومشاريعهم قضوا على الصناعة في الهند وسحقوا الطبقة المتوسطة هناك.
وأوقفوا انبثاق المسيرة نحو العلم والصناعة بمختلف الضغوط والتضييقات، وأوجدوا
وزرعوا مرضاً مزمناً في جسد شعب من الشعوب، ولا يزال هذا الداء بغير علاج إلى الآن
بعد مضي نحو مائة وخمسين عاماً على بدء تلك الأمور في الهند. وفعلوا مثل هذا في
الصين أيضاً.
فارتكبوا الفجائع والويلات هناك ومارسوا مختلف أنواع الضغوط ضد الشعب الصيني.
كان هذا في القرن التاسع عشر. وفعلوا ما فعلوا في أفريقيا بأدوات العلم، وفي القارة
الأمريكية نفسها ارتكبوا ما ارتكبوه من فجائع. وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية
استعبدوا الناس الأحرار وشردوا الكثير من العوائل. هكذا استخدموا العلم.
وعليه فإن هذا الاتجاه في العلم كان عبارة عن الاتجاه نحو الثروة من دون مراعاة ذرة
من الأخلاق والإيمان والمعنوية. وفي الوقت ذاته كان الأوربيون يدّعون التحضر، لكن
سلوكهم كان أكثر وحشية حتى من أشرس القبائل.
وهذا الذي أقوله ليس شعارات إنما لكل منه وثائقه وأسناده الدقيقة الدالة على ما
قاموا به، وليس هنا مجال للشرح والإيضاح.
لو ذكرت جانباً من ذلك لعلمتم ما الذي فعله هؤلاء الأوربيون والغربيون بأدوات العلم
في آسيا الشرقية وفي أفريقيا وفي مناطق أخرى من العالم. فالهدف كان الثروة، لذلك لم
يكن هناك أخلاق ولا دين ولا إله.
العلم في الإسلام وسيلة لخدمة الإنسان
إننا لا نروم مثل هذا العلم. حينما ينمو مثل هذا العلم ويصل إلى درجاته
القصوى يصبح كالشيء الذي تمتلكه البلدان الغربية اليوم، يصبح قنبلة ذرية، ويصبح كل
هذا الظلم والجور وسحق الديمقراطية في أكثر البلدان تبجحاً بالديمقراطية - أي
أمريكا - ويصبح تباينات طبقية متفاقمة، ويصبح ملايين المتسولين ومن هم تحت خط الفقر
في بلد ثري متقدم.
لا فائدة من هذا العلم ولسنا نسعى وراء هذا العلم، فلا تعاليم الأنبياء ولا تعاليم
الإسلام ولا الضمير الإنساني يدعونا إلى مثل هذا الطريق الذي لا يخلق أي شوق ورغبة
في الإنسان.
العلم الذي نطالب به مصحوب بالتزكية. هذه الآيات التي تليت في بداية الجلسة تشير
إلى هذه النقطة: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم
يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)3. التزكية
في البداية، وكذلك التربية الدينية والقرآنية والإسلامية.
لماذا كانت التزكية في البداية؟ لأنه ما لم تكن هناك التزكية انحرف العلم. العلم
أداة وسلاح.
إذا وقع هذا السلاح بيد إنسان شرير أسود القلب خبيث قاتل لما كانت نتيجته سوى
الفاجعة. ولكن يمكن أن يكون هذا السلاح بيد إنسان صالح كوسيلة للدفاع عن الناس
وحقوقهم والدفاع عن العائلة. يجب الأخذ بهذا العلم حينما يترافق مع التزكية. هذه
وصيتي لكم.
أنتم والحمد لله شباب وفقكم الله تعالى للتربية في بيئة دينية وإسلامية. هذه فرصة
جيدة جداً. وهي تشبه ما قاله الإمام الحسين في دعاء عرفة حيث شكر الله تعالى على أن
خلقه في زمن دولة الإسلام والرسول.
طبعاً الفرق بيننا وبينه كبير جداً، وهو كالفرق بين السماء والأرض، لكننا في نفس
الاتجاه، وهذا توفيق بالنسبة لنا وبالنسبة لكم أيها الشباب.
علينا أن نكسب العلم من أجل الخدمة وكسب المعنويات والتقدم في الفضائل الإنسانية
والدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان. الثروة الوطنية والاقتدار الوطني يجب أن يكون من
أجل أن يستطيع هذا الشعب - وخلافاً للعرف الدارج في العالم - رفع راية العدالة. لا
نتعسف مع أحد، ونعين المظلوم، ونواجه الظالم ونصدّه عن الظلم.
تصوروا في هذا العالم الذي يسوده الظلم والعسف والاستكبار والاستعمار واستغلال
الشعوب، وكل من يضع قدميه في سبيل العلم والتقدم ينتهج هذا الطريق - بعض يتعسف
ويجور وبعضهم يتقبل الظلم والجور ويخضع له، وهناك مهيمن وخاضع للهيمنة، مما يشكل
على العموم نظام الهيمنة.
إذا نهض شعب وكان شعباً عالماً مقتدراً له رسالته وأفكاره، واستطاع إيصال صوته
للعالم، وامتلك التقنيات المتطورة وأدوات الاتصال المتنوعة، وكانت له قدراته
الإعلامية وطاقاته البشرية المتحلية بثقة عالية بالنفس، وجابه نظام الهيمنة هذا،
وحينما يتعاضد الجميع لممارسة الظلم ضد شعب وسحقه تحت الأقدام.
يهبّ للدفاع عن ذلك الشعب المظلوم، لاحظوا أي حدث عجيب سيقع عندها في العالم، سوف
يتغير وضع العالم.
اعملوا من أجل هذا الهدف، واكسبوا العلم لأجل هذا الهدف، واسعوا من أجل هذا الشيء
فهو ضروري، وإلا لن تكون ميزة لنا إن وقفنا في آخر الطابور لنسير على نفس الطريق
الذي سار فيه أصحاب العلم في العالم طوال الأعوام المائتين أو الثلاثمائة الماضية.
هذا ليس هدفاً ينفق الإنسان لأجله من روحه. علينا فتح طريق جديد، والطريق الجديد هو
أن يرفع الشعب المتمكن من أدوات العلم والاقتدار العلمي - وهو اقتدار يستدعي كل شيء
من بعده - راية الدوافع والقيم والأخلاق الإلهية. هذا هو ما نتوقعه منكم.
1-شرح نهج البلاغة، ج 20، ص
319.
2-شعار أحد الحضور: "الموت لأمريكا".
3-سورة الجمعة، الآية 2.