قم مركز المعرفة للعالم الإسلامي قديما وحديثا
ثقافة إسلامية
قم مركز المعرفة للعالم الإسلامي قديما وحديثا
عدد الزوار: 92
من كلمة
الإمام الخامنئي في التعبويين من محافظة قم بمناسبة الزيارة الخاصة لمدينة
قم24-10-2010
قم مركز المعرفة للعالم الإسلامي قديما وحديثا
إن اقتران ملتقانا هذا ــــ بكل عظمته التي أضفاها الحضور المميّز
للأساتذة والكبراء والفضلاء والطلاب الأعزّاء لحوزة قم العلمية ــ مع الذكرى
السعيدة لمولد الإمام الرضا عليه السلام، وكذلك مولد أخته الجليلة السيّدة فاطمة
المعصومة عليها السلام، يذكّرنا بالحركة العظيمة والمباركة لهذين الأخوين والهجرة
الفائضة بالمعاني لهذين المعظّمين. وهي بلا شك حركة بنّاءة ومؤثّرة في تاريخ شعب
إيران وتاريخ التشيّع.
ولا شك أن دور السيّدة المعصومة عليها السلام، في جعل قم ما هي عليه وإضفاء العظمة
على هذه المدينة الدينية التاريخية العريقة، هو دورٌ لا كلام فيه. فهذه السيّدة
الجليلة، وهذه الفتاة التي ترعرعت في حضن أهل بيت النبيّ؛ بحركتها بين الأتباع
والأصحاب والمحبّين للأئمة عليهم السلام ومسيرها بين المدُن المختلفة، ونثر بذور
المعرفة والولاية بين الناس على امتداد هذا المسير وبعد وصولها إلى هذه المنطقة
ونزولها في قم، تمكّنت من جعل هذه المدينة تسطع كمركزٍ أساس لمعارف أهل البيت عليهم
السلام في ذلك العصر المظلم والحالك لحكومة المتجبّرين، وتتحوّل إلى قاعدة تشعّ
منها أنوار العلم وأنوار معارف أهل البيت على أطراف العالم الإسلامي بشرقه وغربه.
واليوم أيضاً فإنّ مركز المعرفة للعالم الإسلامي هو مدينة قم. في عصرنا أضحت قم كما
كانت في ذلك العصر قلباً فعّالاً ونشطاً يمكنها، وينبغي أن تضخّ المعرفة والبصيرة
واليقظة والوعي في كل أرجاء جسد الأمّة الإسلامية. في ذلك الزمان، أصدرت قم أوّل
الكتب الفقهية، وكتب معارف الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام، وفي حوزة قم
أُلّفت الكتب الأساس التي يعتمد عليها الفقهاء والعلماء والمحدّثون، ككتاب (نوادر
الحكمة) لمحمد بن أحمد بن يحيى، وكتاب (بصائر الدرجات) للصفّار، وكتاب (الشرائع)
لعلي بن بابويه القمّي، وكتاب (المحاسن) للبرقي، وكتب أحمد بن محمد بن عيسى، وعشرات
بل مئات الكتب الأخرى. كل هذه الكتب قد أعدّت وأُنتجت في هذا المركز المعرفيّ. هنا،
تربّت وترعرعت شخصيات كانت عندما تسافر إلى أقطار العالم الإسلامي تحوّل محافلها
إلى محافل الفيض.
كان الشيخ الصدّوق رضي الله عنه ـ الذي يعدّ من الجيل الثالث والرابع لهذه الحركة
العظيمة ـ عندما سافر إلى بغداد التي كانت مركز الشيعة ومركز الحديث جلس تحت منبره
العلماء والفضلاء والكبار ونهل منه. لهذا كما تلاحظون إن الشيخ الصدّوق هو أستاذ
المفيد وشيخه. لهذا أضحت قم مركزاً، وهي كذلك اليوم. وعلى مرّ الأزمنة المتطاولة
هاجر إلى قم عشرات الآلاف من فراشات العشق وطلّاب معارف أهل البيت: تعلّموا وتلقّوا
المعرفة وواجهوا الكثير من المشاكل بإرادة صلبة وهم يتطلّعون إلى الأهداف العليا
والمعنويّة، وتقدّموا على الطريق غير عابئين بالصعاب. ولعلّه لا نجد إلا القليل من
المدُن في العالم بل ربّما لا نجد مدينة فيها هذا العدد الكبير من الذين يسعون
لتحصيل المعارف الدينية والعرفان والمعنويات من النساء والرجال المشغولين في السعي
والعمل والمجاهدة المعنوية والعلمية والثقافية في آناء الليل وأطراف النهار. هذه هي
حوزة قم اليوم، مع ما تتمتّع به من موقع عالمي ممتاز. وتلك هي سوابق هذه المدينة
التي تأسّست فيها أول حوزة أساس ومهمّة للتشيّع، نهَل من نبع فيضها أعاظم كالشيخ
الكليني، والشيخ الصدّوق وآخرون حيث كانت آثارهم حافظة لمعارف أهل البيت عليهم
السلام على امتداد القرون.