مشكلات الفرد والمجتمع تضمحل وتتلاشى مع الصمود والثبات
ثقافة إسلامية
مشكلات الفرد والمجتمع تضمحل وتتلاشى مع الصمود والثبات
عدد الزوار: 83
من كلمة
الإمام الخامنئي في مسؤولي الدولة 09/09/2008
مشكلات الفرد والمجتمع تضمحل وتتلاشى مع الصمود والثبات
الصلاة تنمّي القدرة على الصبر والثبات
هذه الآية الشريفة وبعبارة أفضل الجملة المباركة في القرآن "استعينوا
بالصبر والصلاة" من سورة البقرة تكررت مرتين: مرة في مخاطبة أهل الكتاب حيث يقول:
"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين" ومرة أخرى في مخاطبة
المؤمنين حيث يقول: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع
الصابرين". أولاً، تلوح هنا أهمية هذان العنصران: الصبر والصلاة وتأثيرهما في الشيء
الذي يمثل الهدف من تشكيل المجتمع الإسلامي، أي الأهداف السامية للمجتمع الإسلامي.
وثانياً، يمكن ملاحظة العلاقة والرابطة بينهما - بين الصبر والصلاة - أي بين الثبات
والاستقامة من ناحية وبين الاتصال القلبي والروحي بمبدأ الخلقة من ناحية ثانية.
هاتان نتيجتان تستخلصان من هذه الآية وخصوصاً قوله "يا أيها الذين آمنوا". قبل هذه
الآية هناك الآية الشريفة القائلة: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" والتي
تتناول مفهوم الذكر والشكر. وبعد هذه الآية الكريمة تطرح قضية الجهاد "ولا تقولوا
لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون". وتأتي بعد هذه الآية الآيات
المعروفة "ولنبلولنكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين”، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" ثم يقول
"أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" حيث يفهم منها بكل وضوح الترابط القوي بين هذين
العنصرين. هذان العنصران بحد ذاتهما مهمان، والعلاقة بينهما مهمة أيضاً. وسأعود إلى
الصبر لأناقشه وأوضحه أكثر.
أما الصلة بين الصبر والصلاة.. طبعاً، لنأخذ الصلاة بالمعنى العام للصلاة أي التوجه
والذكر والخشوع، وإلا ليس المراد شكل الصلاة وهي خالية من الذكر. لذلك يذكر تعالى
الصلاة في آية شريفة ثم يقول "ولذكر الله أكبر"، "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر". هذه من سمات الصلاة، لكن الأكبر من النهي عن الفحشاء والمنكر هو ذكر الله
المودع في الصلاة. فالصلاة تعني الذكر والتوجه والخشوع والاتصال القلبي بالله ولها
تأثيرها في تعزيز الصبر وتقويته.
العون الإلهي هو الذي يقوي على الصبر والصمود
والآن وقد اتضحت أهمية الصبر - وهي معلومة بالنسبة لكم أيها الأصدقاء
طبعاً - حسب الآيات والروايات والمفاهيم الإسلامية، ستتضح أهمية الصلاة وأهمية ذكر
الله وإلى أي مدى يمكنه أن يكرّس عامل الاستقرار والثبات - أي الصبر - في قلوبنا،
وأرواحنا، وحياتنا، وآفاق أفكارنا. لذا نلاحظ في القرآن "واصبر وما صبرك إلا
بالله". طبعاً وردت كلمة "واصبر" في القرآن كثيراً، ولو أراد الإنسان قراءة الآيات
لوجد أن كل واحدة منها بحر من المعارف. يقول في الآية الكريمة "واصبر وما صبرك إلا
بالله". إن العون الإلهي هو الذي يجعلك تصبر، بمعنى أن الاستقامة ستكون لامتناهية
حينما تتصل بمعين الذكر الإلهي اللامتناهي. إذا ربطنا الصبر - وهو بمعنى الصمود
والثبات والاستقامة وعدم التراجع - بموقع الذكر الإلهي ومعينه الذي لا ينضب فلن
تكون لهذا الصبر نهاية، وإذا لم ينفد الصبر وكان لانهائياً فمعنى ذلك أن مسيرة
الإنسان نحو كل القمم لن تتوقف أبداً. والقمم التي نتحدث عنها هي قمم الدنيا
والآخرة كلاهما: قمة العلم، وقمة الثروة، وقمة الاقتدار السياسي، وقمة المعنوية،
وقمة تهذيب الأخلاق، وقمة العروج نحو عرش الإنسانية الشامخ. عندها لن يتوقف أي من
هذه المسارات، ذلك أن التوقف في مسيرتنا ناجم عن الجزع وانعدام الصبر. حينما يصطف
جيشان ماديان بوجه بعضهما فسوف يهزم الجيش الذي ينفد صبره قبل الآخر، وسينتصر الذي
يستمر صبره ومقاومته لمدة أطول لأنه سيمر بلحظة يفقد فيها الطرف المقابل صبره
وثباته. هذا مثال ملموس وظاهر جداً.. والحال كذلك في كل السوح والميادين.
مشكلات الفرد والمجتمع تضمحل وتتلاشى مع الصمود والثبات
في مواجهة المشكلات والعقبات الطبيعية وكافة الموانع التي تقف بوجه
الإنسان في كل تحركاته نحو الكمال، إذا لم ينفد الصبر فسوف تنفد تلك العقبات
وتتفتت. هذا هو معنى "الإسلام منتصر"، وهذا هو معنى "وإن جندنا لهم الغالبون" جند
الله.. حزب الله.. عباد الله.. يقفون بارتباطهم بذلك المعين الأبدي أمام كل
المشكلات التي قد تقهر الإنسان. حين يكون ثمة صمود وثبات في هذه الجهة سيكون هنالك
زوال واضمحلال في الجهة الأخرى طبعاً. وإذا كان اسمنا حزب الله وجند الله من دون أن
نتحلى بذلك الارتباط والاتصال فلن تتحقق مثل تلك الضمانة. إذن، ينبغي أن نتصل
ونرتبط بالله.
وهنا تبرز أهمية الصلاة وذكر الله والفرصة المتاحة في شهر رمضان.. فرصة بناء الذات،
والتقوى، ومضاعفة رصيد اليقين في القلوب وهو ما نلاحظه في أدعية شهر رمضان في
نهاراته ولياليه. على ذلك، لابد من اغتنام هذه الفرصة لهذه المقاصد. وإذا كان ذلك
فسيرتفع صبر المجتمع الإسلامي في الأمة الإسلامية والعبد المسلم إلى المستوى الذي
يتغلب فيه على كافة المشكلات. وعندئذ سيتقدم ذلك المجتمع في مجال السياسة، ومجال
الاقتصاد، ومجال الأخلاق، ومجال المعنوية. هذه حقيقة يجب أن نقرب أنفسنا إليها.
الصبر ثلاث
سمعتم حول الصبر الروايات المعروفة العديدة التي توزعه إلى ثلاث مساحات
هي: صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على المصيبة. ثمة في هذا المعنى روايات
عديدة سمعتموها.
أ ــ الصبر على الطاعة
الصبر على الطاعة معناه أن لا تتعبوا ولا تملوا من طول المهمة التي تعد
ضرورية وواجبة وأمراً عبادياً تتوخون من خلاله عبادة الله؛ أن لا تتركوها وسط
الطريق. في الممارسات العبادية الظاهرية الشخصية على سبيل المثال هناك صلاة مستحبة
طويلة أو دعاء طويل يجب أن لا يتعب منه الإنسان.. هذا هو معنى الصبر على الطاعة. أن
لا يتعب الإنسان من مواصلة الصيام في شهر رمضان، ومواصلة الانقطاع إلى الله في
الصلوات الواجبة والفرائض، ومن قراءة القرآن.. هذا هو الصبر على الطاعة.
ب ــ الصبر على المعصية
والصبر على المعصية معناه أن يكف الإنسان نفسه إزاء المعصية.. هنا أيضاً
لابد من الاستقامة والرصانة. الصبر على الطاعة كان بذلك الشكل المذكور والصبر على
المعصية هو أن لا ينجذب الإنسان نحوها ولا يقع في فخ الإغراء ولا يتأثر بالشهوات..
الشهوة أحياناً جنسية، وأحياناً شهوة المال، أو المنصب، أو الشعبية والشهرة.. هذه
كلها شهوات إنسانية. لكل إنسان شهوات معينة يجب أن لا تجذب الإنسان إليها إذا
استدعت ممارسة الحرام. كالطفل الذي يروم الوصول إلى طبق من الحلوى مثلاً وفي طريقه
إليه هناك وعاء ماء وأقداح وأواني خزفية وهو غير منتبه إليها فيضربها ويحطمها..
هكذا يفعل الإنسان المنجذب نحو المعصية. لا ينظر ماذا في طريقه.. وهذه حالة خطيرة
جداً، فالإنسان غافل أيضاً.. إنه في تلك الحالة غير متنبه وغير ملتفت إنه غافل عن
عدم انتباهه هذا. الطفل غير متفطن إلى إنه غير متفطن. إنه غير منتبه إلى عدم
انتباهه لوعاء الماء أو الأواني الخزفية أو المزهرية القيمة. هو غير متنبه إلى عدم
التنبه هذا. لذلك ينبغي أن نتبصّر جيداً ونفتح أعيننا ونحتاط لكي لا نقع في غفلة
مضاعفة.. هذا هو الصبر على المعصية.
الصبر في المصيبة
والصبر في المصيبة معناه أن لا يتحطم الإنسان ولا يجزع حينما تقع له
أحداث مريرة كفقدان الأحبة، وموتهم، وضيق ذات اليد، والأمراض، والأوجاع، والمحن
و...الخ. يجب أن لا يشعر عند مثل هذه الأحداث أن الدنيا بلغت نهايتها. هذه ثلاثة
مجالات للصبر كلها مهمة. لذلك يقول تعالى: »أولئك عليهم صلوات من ربهم«. أي إن الله
تعالى يمطر صلواته ورحمته على كل الصابرين.