يتم التحميل...

لتعميق شاعر الثورة معرفته الدينية وعدم تغليب آلامه على هويته الثورية

ثقافة إسلامية

لتعميق شاعر الثورة معرفته الدينية وعدم تغليب آلامه على هويته الثورية

عدد الزوار: 76

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله عند لقائه حشدا من الشعراء ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام_15 /08 /2011 م.
لتعميق شاعر الثورة معرفته الدينية وعدم تغليب آلامه على هويته الثورية

الشِّعر اليوم في بلدنا شعر متقدم
سوف أعرض اليوم موضوعين أو ثلاثة. الموضوع الأوّل الشعر اليوم في بلدنا. بالطبع، يمكننا من خلال نظرة أوسع إبداء الرأي في الشعر الفارسي اليوم في مختلف البلدان والحديث حوله، ولكن هذا ما سنوكله إلى فرصة أخرى. الشعر اليوم في بلدنا هو شعرٌ طلائعي. عندما أنظر اليوم إلى شعر الشباب على وجه الخصوص وقد أنشد الليلة الشعر مجموعة من شبابنا الأعزّاء، وغيرهم من الأحبّة، أصحاب السّبق في شعر الثورة وقد قلتها السنة الماضية، إنّني أشعر بتطوّر ملحوظ, أي إنّنا حقّاً تقدّمنا في مجال الشعر.

بالرغم من التقدم؛ الطريق ما يزال طويلا
حسناً، سوف أغتنم الفرصة هنا لأذكر لشعرائنا الشباب الأعزّاء نقطة أخرى فالحمد لله الجميع شعراء ومجدّدون ومبدعون للمضامين ولديهم الشجاعة في التعبير. لقد كانت الأشعار التي استمعتُ إليها الليلة في الأغلب جيّدة جداً, ولكن اعلموا أنّ "الجيّد جداً" لا يعني "ممتاز". فقد تكون ال"جيّد جداً" عُشر ال "ممتاز"، أمّا الأعشار التسعة تلك ما زالت أمامكم, فيجب أن لا تتوقّفوا.

لقد كانت المشكلة لدى كل الذين أبدعوا في مسيرة معيّنة، أنّهم تصوّروا أنّهم قد وصلوا إلى نهاية الطريق. فلنفترض أنّ شخصاً غناؤه جميل، فنقول له أحسنت، كان هذا ممتازاً, نمدحه. فإذا تصوّر أنّه لا يوجد شيءٌ فوق هذا، فإنّه سيتوقّف قطعاً، وبعد التوقّف مباشرة سيتدنّى مستواه ويسقط.

يجب أن يعلم أنّه يمكن أن يغنّي بشكل أفضل, وهذا الأمر بذاته يَصدُق في جميع المجالات. لقد كان الأمر كذلك في كلّ الأعمال التي رأيناها. إنّ الشعور بالوصول إلى المنزل نتيجته التعب والركود, أنتم إلى الآن لم تصلوا إلى المنزل. لقد تقدّمتم تقدّماً جيّداً جداً، وأنتم جيّدون جداً, ولكن كما ذكرت لكم، أحيانا الـ "جيد جداً" تكون عُشر الـ"ممتاز", فيجب أن تعثروا على الأعشار التسعة التالية, ابذلوا الجهد، اعملوا، تحمّلوا المصاعب وتقدّموا.

حاجة الشعراء إلى المعرفة الدينية العميقة
النقطة التالية التي أودّ أن أشير إليها أمام الشعراء الأعزّاء الحاضرين هنا، والشعراء الآخرين المعتبرين ضمن مجموعة شعر الثورة وتيّاره، هي أنّ الشاعر في زماننا، في هذا الزمان المتميّز بهذه الخصائص، يحتاج إلى معرفة دينيّة عميقة. اليوم، لقد أصبحت الكثير من الشعوب تعتبركم نموذجاً وأسوة لها، سواءٌ أردتم ذلك أم لم تريدوه، وسواءٌ علمتم ذلك أم لم تعلموه، وسواءٌ صدّقتم ذلك أم لم تصدِّقوه.

إنّ هذه الصحوة الإسلامية التي تشاهدونها، سواءٌ قلنا ذلك أم لم نقله، وسواءٌ أظهرنا ذلك أم لم نظهره، وسواءٌ أظهره الآخرون أم لم يظهروه، هي متأثرة بالحركة العظيمة التي قام بها الشعب الإيراني. إنّ هذه الثورة العظمى، هذه الثورة الكبرى، هذا التحوّل الهادم لأبنية السُنن الطاغوتية والنظام الطاغوتي ونظام الاستبداد، قد حوّل الشعب الإيراني إلى أسوة.

إذا أردتم أن تعملوا بلوازم كونكم أسوة ونموذجاً، فيجب أن تُعمّقوا معرفتكم الدينيّة والإسلاميّة, وهذا ما كان موجوداً في ماضينا الشعري. أُنظروا إلى شعرائنا البارزين، لا أقول إنّهم جميعاً كذلك ولكن أغلبهم, من فردوسي إلى مولوي وسعدي، إلى حافظ وجامي. ففردوسي هو الحكيم أبو القاسم فردوسي, إنّه شخص قصّاص، ولو كان مجرّد قصّاص ومنشد للملاحم، لما قالوا "الحكيم". ولم نكن نحن من قال "الحكيم", بل المفكّرون هم من أطلق عليه هذه التسمية على مدى التاريخ.

إنّ كتاب سيَر الملوك للفردوسي1 مليءٌ بالحِكم. لقد كان إنساناً صاحب معارف دينية أصيلة. لقد كانوا جميعاً حكماء, دواوينهم من أوّلها إلى آخرها مليئة بالحكمة. لولا أنّ حافظ كان يفتخر بكونه حافظاً للقرآن، لما كان اختار لقب "حافظ". لقد كان من حفظة القرآن و هو القائل:

"إنّي لأقرأ القرآن عن حفظ، برواياته الأربع عشرة"2.

الآن قُرّاؤنا الذين يقرأون بقراءات مختلفة، يمكن عادة أن يقرأوا بروايتين أو ثلاث، لا أكثر, أمّا هو، فقد كان يقرأ القرآن بأربعة عشر رواية، وهذا أمر عظيم للغاية.

هذه المعرفة بالقرآن هي أمرٌ مشهودٌ في قصائد حافظ الغنائية، لمن يفهمها. أمّا بالنسبة لسعدي، فالأمر واضح, ومولوي معروف, وكذلك جامي وصائب. عندما تقرأون ديوان صائب فستشاهدون فيه معرفة دينية عميقة, وعندما يصل الإنسان إلى "بيدل"، سيشاهد المعارف الدينيّة العميقة المعقّدة في شعره بشكل مثير للدهشة. هؤلاء هم عظماؤنا، وهؤلاء هم أئمة الشعر، في الواقع يجب أن نقول إنّ هؤلاء هم أنبياء الشعر الفارسي. لقد كان هؤلاء من أصحاب المعارف. عليكم أنتم أيضاً أن تكونوا من أصحاب المعارف.

طبعاً الطريق إلى ذلك تكون بالتعرّف إلى القرآن، والأُنس بالقرآن، الأُنس بنهج البلاغة، الأُنس بالصحيفة السجادية. الكثير من الشكوك والقلق والصدأ الذي يعتري قلب الإنسان في بعض الحالات، يتبدّل إلى شفافية وإشراق, يصبح الإنسان صاحب فهم، يتعرّف إلى الطريق، يحدد العمل، يشخّص الهدف, فمطالعة كتاب "الأحاديث المعنوية" للشهيد مطهري مثلاً، تتناسب مع أيام شهر رمضان هذه، أو حتى مجرّد الاهتمام بالأحكام الإلهية. في أحد الأيام تحدّثتُ ونقلتُ قولاً عن المرحوم الحاج ميرزا جواد ملكي تبريزي، أنّه كم هي ثمينة هذه الروحانية التي تحصل بسبب الصوم، وذلك التفتّح والعلو الذي يُحقّقه في روح الإنسان. حسناً، للصدفة، الشاعر أيضاً هو شخص يتفاعل مع الانفعالات الروحية والتلقّيات والإدراكات المعنويّة, وهذا ما يميّز الشاعر، وهذا ما تقتضيه لطافة الشاعر، فهو يستطيع أن يُدرك هذه المعارف بمنتهى السهولة. الاعتناء بشهر رمضان، بالصيام، عاملٌ مساعدٌ للغاية.

عليكم أن ترفعوا من مستوى معرفتكم الدينية. طبعاً لقد ذكرنا أنّ المعرفة الدينية المطلوبة هي بنمطها الفنّي والعلمي، لا الذوقي والارتجالي الشخصي. يتحدّث بعض الأشخاص أحياناً حول الدين، ولكنّهم في الواقع يختلِقون ؛ فلا يكون كلامهم مُتّكئاً إلى مُستندٍ، أو سندٍ، أو نظرة عالمة، أو بحثٍ علميّ, هذه لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

لعدم تغليب آلام الشاعر على هويته الثورية
النقطة الأخرى التي أودّ الإشارة إليها، هي أن شاعر الثورة صاحب هوية, وهو في الواقع المتصدّي والمباشر وصاحب الميدان في قول كلمة الثورة الإسلامية, وهذا ما يجب حفظه. يجب أن لا نقع تحت تأثير بعض الاضطرابات الناتجة عن تألّم الشاعر بسبب مشكلة ما، قضية ما، بسبب شيءٍ ما. في النهاية، الخروج عن الموازين موجود أينما كان، وروح الشاعر اللطيفة تصاب ببعض الآلام، وهذه الآلام بالطبع تترك أثراً في الشعر, ولكن يجب أن لا تتغلّب هذه الآلام على القضية الأساس للثورة، على تلك الهوية الأساس للثورة. يجب أن تتحدّثوا من أجل الثورة، يجب أن يكون جهدكم وسعيكم في سبيل قضية الثورة. لقد قام شعبكم بعملٍ عظيم. لقد قلتُ هذا السنة الماضية وعلى ما يبدو في هذا الاجتماع أيضاً إنّ القضية ليست فقط قضية الشهادة. بالطبع إنّ الشهادة في سبيل الله وحمل الأرواح على الأكفّ والتضحية في سبيل الله، هي قِمم الشرف الإنساني. إنّ المعارف الدينية والمعارف الثوريّة واسعة جداً، وهي غزيرة جداً وغنيّة بالمواضيع التي يمكن الاستفادة منها وبثّها.

هذه الوظيفة تقع اليوم على عاتق الشعراء. قد يرى المرء أحياناً أنّ هذه الآلام تؤثّر في بعض الأشعار والأناشيد، وتؤثّر على تلك القضيّة الأساس, عندها، يُصبح الإنسان هنا مغرّداً ومتناغماً مع سرب أولئك المعترضين على أصل تلك القضية. إنّ الشعراء الذين كانوا تابعين لنوادي السلطة والبلاط وملحقات البلاط البهلوي الفاسد، أو كانوا ضمن تيارات يساريّة، قد حنقوا منذ بداية الثورة، ولم يُقبِلوا عليها بوجه جميل, وإعراضهم هذا عن الثورة هو ما أدّى إلى تفجّر هذه الإفاضات الجميلة الغزيرة من هذه الفئة المناصرة للثورة.

لعدم طغيان الانتقادات على أصل قضية الثورة
لعلّ بعض مَن ترونه من شعراء جيدين وبارزين نبعوا من قلب الثورة، قد ظهروا نتيجة حنق أولئك. حسناً، هناك الآن تيارٌ معادٍ لأصل الثورة، أصل قضية الثورة، أصل الحركة التحرّريّة للشعب الإيراني، لحركة الثورة الإسلامية الدينية المحور، فإذا لم يتنبّه المرء للحفاظ على هوية الثورة وقضيتها الأساس، فسيقترب خطابه من خطابهم شيئاً فشيئاً.

لا مشكلة لديّ مع الشعر المُعارض. قد يرى المرء خللاً ما، فينعكس ذلك في شعره. لا مشكلة في هذا البتة, إلا أنّه لا بدّ لكم من الانتباه إلى أنّ اعتراضكم هو على الخلل، في حين تكونون مؤمنين بأصل قضيّة الثورة الإسلاميّة، لكن قد يكون هناك من يعترض على أصل القضية, عليكم أن تحذروا من أن يتوحّد خطابكم مع خطابه.

فيجب أن يحذر شعراؤنا الشباب الأعزاء هذا الأمر. هناك أشخاص بعيدون عن أصل أُسس الثورة والنظام والتحرّر والاستقلال ومقارعة الاستكبار, فلا تغترّوا بمديح أولئك ومحافلهم. وعليكم أن تجعلوا التواصل بينكم أشدّ وأقرب ما استطعتم.

لا تقطعوا يا أحبائي عروة الجماعة

تفرّقكم يولّد الاضطراب فلا تتفرّقوا3
 


1- شاهنامه فردوسي.
2- قرآن ز بر بخوانم با چهارده روايت.
3- رشته ى جمعيت اى ياران همدم مگسليد در پريشانى پريشانى است از هم مگسليد

2017-03-16