يتم التحميل...

نموذجنا للتقدم: يوفر أسباب الحياة الطيبة للإنسان دون أن يفقده هويته الإنسانية

ثقافة إسلامية

نموذجنا للتقدم: يوفر أسباب الحياة الطيبة للإنسان دون أن يفقده هويته الإنسانية

عدد الزوار: 84

كلمة الإمام الخامنئي في طلبة جامعة فردوسي بمناسبة زيارته مدينة مشهد المقدسة.الزمان: 25/2/1386هـ. ش ـ 27/4/1428هـ.ق ـ 15/5/2007م.
نموذجنا للتقدم: يوفر أسباب الحياة الطيبة للإنسان دون أن يفقده هويته الإنسانية

التطور الذي نصبو إليه
وعلى أية حال فإن حديثنا حول نموذج التطور لا يعني أننا لم نبدأ حركة التغيير, بل إنّ ركب التقدم انطلق مع انطلاقة الثورة.

ولكن ما نهدف إليه هو أن نتعامل مع مصطلح التغيير بدقّة وشفافية مطلقة؛ حتى يقف الجميع من الصفوة، إلى الأطياف الشعبية الأخرى على حقيقة ما نصبوا إليه, وحتى تعرف الأجهزة المختلفة في الحكومة ما ينبغي عليها القيام به.

إنّ هذا هو ما نبحث عنه ومع ذلك فإنني لا أريد أن أقدّم ـ هنا ـ الآن نموذج التقدم المطلوب, بل إنني أودّ الإشارة إلى ضرورة ذلك.

أ ــ ضرورة البحث في النموذج المطلوب
إنّ ابتكار النموذج والشكل هو من شأنكم أنتم, أي من شأن النخبة, فعليكم البحث عنه في الدراسات الجامعية, ثم عليكم أن تحددوه لنا بما يتناسب مع هذا البلد الإسلامي بجغرافيته وتاريخه وسكانه وإمكانياته وطموحاته, وعلى أساس ذلك تمضي النهضة الشعبية قُدُماً نحو التغيير والتطوير في شتى المجالات.

ولكن.. ما هو السبب في توضيح ضرورة القيام بهذا العمل؟ إنّ الأمر في غاية البساطة. فالسبب هو أنّ نموذج التطور الآن في نظر الكثير من رجال النخبة ومن المسؤولين في بلادنا هو النموذج الغربي البحت, فالتنمية والتقدم لابد وأن يكونا طِبقاً للنماذج التي رسمها لنا الغرب دون التزحزح عنها قِيد أنملة.

إنّ هذا هو ما يراه المسؤولين اليوم, وهو تصوّر خطير وخاطئ في الوقت ذاته.

إنّ الغربيين يمتازون بالحنكة في الدعاية والإعلام, حيث اكتسبوا خبرة ومهارة فائقة في هذا المجال على طول نحو مئتي عام مارسوا فيها مهنة الدعاية حتى احترفوها وأتقنوها, وبهذا تمكّنوا من إقناع الكثيرين أنّ التنمية تعني الغرب والتغريب. فأي بلد يرغب أن يُحسب في عِداد البلدان النامية لابد وأن يلتزم بالنموذج الغربي! فهذه هي دعاياتهم. وأي بلد يبتعد عن النموذج الغربي فليس بلداً نامياً! وكلما اتّسعت المسافة كلما زاد بُعداً عن مقولة التنمية.

إنّ هذا هو ما يرمون إليه وهو ما ترسّخ في العقول بكل أسف.

لقد مارس الغربيون هذا النوع من الدعاية, وجعلوا الميزان والمعيار نماذجهم الخاصة, ومع ذلك فإنهم لم يُقدّموا العون المنشود للبلدان التي اتجهت نحو التغريب, أي أنهم في الحقيقة لم يكونوا أوفياء على الصعيد العملي.
إنني أقول لكم: إنّ الغربيين ليسوا ولم يكونوا راغبين أبداً أن يلتحق سواهم بالنادي العلمي الغربي.

إنّ الغرب لم يقدّم أية مساعدة للدول الآسيوية المتقدمة ـ كاليابان والصين والهند إلى حدّ ما ـ فالصين كانت تتلقّى الدعم الهائل من الاتحاد السوفييتي أثناء الصراعات المستفحلة بين الكتلتين الشرقية والغربية, أي صراع الشيوعية والرأسمالية, حتى أنّ الروس هم الذين كانوا خلف الصين في امتلاك الطاقة النووية.

إنّ الصين كانت عارية عن كل شيء, فقام الاتحاد السوفييتي بدعمها في إطار مشروعه الطامح إلى تكوين جبهة آسيوية كبرى في مقابل أمريكا وأوروبا, ولأن الصين كانت قد أصبحت شيوعية. وأما الهند فتأتي في الدرجة التالية, أي أنّ الهند كانت تميل إلى اليسار على نطاق التكتلات الشرقية والغربية. ومن هنا أقدم السوفييت ـ أي جبهة اليسار ـ على مساندتها. وأما الأمريكيون فقد قاموا بدعم باكستان على الجهة الأخرى. ويجدر القول: إنّ الباكستانيين لم يكونوا هم المخترعين لمشروعهم النووي, بل إنهم حصلوا عليه من الصين, فغضّت أمريكا البصر وتجاهلت هذه الحقيقة في المعادلات السياسية الإقليمية. وأما اليابان فلم تحقق تقدّمها العلمي بدعم من أمريكا أو الغرب, بل إنّ اليابانيين كانوا ماهرين في النفوذ العلمي ـ فليس من اللائق هنا استخدام مصطلح السرقة ـ وبهذا تمكّنوا من اقتناص العلم دون رضا الغرب. ولأن الشعب الياباني شعب مجتهد ويعمل بجد ودأب فقد استطاع المُضيّ قُدُماً على طريق التطور العلمي دونما مساعدة غربية.

وأما نحن الآن فينبغي لنا أن نفكّ هذا الطلسم. فأيّ طلسم هذا؟ إنه الاعتقاد بأن التطور في بلدنا لابد وأن يكون منوطاً بالنماذج الغربية على وجه الإلزام, وهو ما يمثّل خطراً داهماً على بلادنا.

ب ــ النموذج الغربي حقق القوة والثراء لكنه جر الويلات على البشرية
لقد جاءت النماذج الغربية على مقياسهم هم, أي طِبقاً لظروفهم وأساليبهم الفكرية ومبادئهم الحياتية, ومع ذلك فقد كانت فاشلة. لا شك وأنهم حققوا القوة والثراء, سوى أنهم جرّوا الويلات على البشرية.

إنّ التقدم الغربي هو ذلك التقدم الذي تعاني منه الآن البشرية بأسرها, ولكل من الدول المتخلّفة أو المتقدمة حظها من هذا العناء.

إنه ذلك التقدم وتلك التنمية التي أدّت إلى تحقيق عدد معدود من الجماعات والعوائل الغنية لذلك الثراء الفاحش, في حين أنها أدّت بالشعوب الأخرى إلى المعاناة من الأسر والذل والاستعمار الحروب والحكومات المفروضة وانتشار الأخلاق الفاسدة البعيدة عن المُثُل والقِيَم, كما جعلت تلك البلدان تعاني من شيوع الفحشاء والفساد والانحراف الجنسي والتفكّك الأسري. ولهذا فقد فشل النموذج الغربي.

• التقدم الغربي: إنحدار الأخلاقي وفقر مقيم
إنكم لو قرأتم الأعمال الأدبية الغربية ـ الأدب الفرنسي على سبيل المثال ـ وخصوصاً تلك المؤلفات التي تعود إلى القرنين أو الثلاثة الماضية, ثم قارنتم بين الوضع الأخلاقي لتلك الشعوب آنذاك ووضعها في هذا العصر لوجدتم أنّ ثمّة انحطاطاً أخلاقياً يعمّ المجتمعات الحالية في الغرب بدرجة لا تُصدّق.

إنّ الأوضاع هناك باتت مختلفة. إنّ التطور الحضاري في الغرب جعل تلك البلدان تعاني من وطأة المشاكل الأخلاقية وهوى بها في مستنقع الانحدار الأخلاقي. ومع ذلك فإنه لم يقدّم لهم الكثير على المستوى المادي فالفقر ما زال سائداً.

إنّ عجلة العمل هناك تدور بسرعة لكن الفرد لا يكاد يحصل على ما يكفيه من قوت هو وعائلته. ولذلك فإن التقدم الغربي لم يحالفه التوفيق.

ج ــ النموذج الإسلامي للتقدم
1ــ النموذج الإسلامي يفترق عن "الغربي" في النظرة إلى الإنسان
إنّ علينا البحث عن نموذج إسلامي ـ إيراني للتقدم. فهذه مسألة حياتية بالنسبة لنا. فلماذا النموذج الإسلامي ـ الإيراني؟ لأنه لابد وأن يكون قائماً على المُثُل النظرية والفلسفية الإسلامية ومبادئ الإسلام في معرفة الإنسان.
وأما كونه إيرانياً فلأنه عصارة الفكر والإبداع الإيراني.

إنّ الإسلام تحظى به شعوب أخرى, ولكنّ شعبنا هو القادر على إنتاج هذا النموذج. إذاً فلابد وأن يكون النموذج إسلامياً ـ إيرانيا. وبالطبع فإن الفائدة ستعمّ البلدان الأخرى بلا شك, وكما أنّ شعبنا وبلدنا كان قدوة للعديد من البلدان في الكثير من الأمور الأخرى, فإن هذا النموذج سيكون هو الآخر أسوة لتلك البلدان.

إنّ الذي يجعلنا لا نكتفي بالنموذج الغربي في مشروعنا التقدّمي هو بالدرجة الأولى عائد إلى أنّ ثمّة بوناً شاسعاً بين نظرة المجتمع الغربي والفلسفة الغربية للإنسان ـ على اختلاف مشاربها ـ وبين نظرة الإسلام للإنسان, وهذا التفاوت تفاوت جذري وعميق. ولهذا فإن هناك معنىً آخر في المنطق والفلسفة الغربية للتطور الذي يحرزه الإنسان من أجل الإنسان, خلافاً للمعنى في منطق الإسلام.

2 ــ إنّ التقدم عند الغرب هو التقدم المادي, والملاك هو الربح المادي, فكلما كان الربح المادي أكثر كان التقدم أكبر, فالمعيار هو تضاعف السلطة والثروة المادية.
إنّ هذا هو معنى التقدم الذي يسعى إليه الغرب انطلاقاً من منطقه ونموذجه الغربي, وهو ما يحثّ عليه الجميع.

إنّ التقدم عندما يقوم على أساس مادي فهذا يعني التضحية بالأخلاق والقيم المعنوية, فلربما تقدّمت الشعوب ثم صارت فاقدة لأخلاقها وقيمها المعنوية. وأما في نظر الإسلام فهذا ليس تقدماً. إنّ التقدم المادي لا غبار عليه بشرط أن يكون وسيلة لا غاية, فالغاية هي رفعة وسمو الإنسان.

3 ــ النموذج الإسلامي يحقق للإنسان ما ينفعه دون أن يفقده هويته الإنسانية
إنّ التقدم والتغيير الذي يقود إلى التطور لا بد وأن يكون وفقاً لبرنامج دقيق يستطيع من خلاله الإنسان أن يحقق رفعته وتساميه دون أن يفقد هويته الإنسانية.

والهدف هو النفع للبشرية جمعاء لا لطبقة بعينها أو لإنسان بذاته حتى ولو كان إيرانياً.

إنّ التقدم الذي نعنيه ونريده قائماً على أساس الإسلام والفكر الإسلامي لا يأتي بالنفع على الإنسان الإيراني فحسب, ناهيك عن القول بأنه لا يفيد سوى طبقة خاصة.

إنه تقدم لصالح كل البشرية والإنسانية. إنّ الفارق الأساس هو النظرة للإنسان.
 

2017-03-16