كلمة
الإمام الخامنئي في المشاركين بملتقى الصلاة السابع عشر 19/11/2008
الصلاة علاج لأمراض الروح والجسد
أهمية العمل في إقامة الصلاة و إشاعتها نابع من أهمية الصلاة ذاتها.
حينما نرى كل هذا الترغيب و التشجيع والاهتمام بالصلاة في الشرع الإسلامي المقدس -
سواء في القرآن، أو في كلمات النبي المكرم، أو في أحاديث المعصومين - نكتشف أن
الصلاة العنصر الرئيس أو أحد العناصر الرئيسية بين مجموعة الأدوية المعالجة لأمراض
الإنسان الجسمية، والروحية، والفردية، و الاجتماعية. تشكل جميع الواجبات الشرعية و
اجتناب المحرمات مجموعة من الأدوية الموصوفة من قبل الله لتقوية البنية الروحية
للإنسان وإصلاح أمور دنياه و آخرته ــ إصلاح المجتمع و إصلاح الفرد ــ و لكن ثمة في
هذه المجموعة عناصر مفتاحية ربما أمكن القول إن الصلاة أبرزها وأكثرها مفتاحية.
" الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة ".1
هكذا هم المؤمنون، والمجاهدون في سبيل الله، و المضحون من أجل تعزيز المعارف
الإلهية ".إن مكناهم في الأرض " ؛إذا جعلناهم
متمكنين قادرين في الأرض و سلمناهم السلطة فعليهم القيام بكثير من الأمور: تكريس
العدالة، وإفشاء كثير من الظواهر، و لكن أول هذه الأمور:
" أقاموا الصلاة ".. ما هو السرّ في الصلاة و الذي يجعل إقامتها مهمة
إلى هذا الحد؟
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
قيل الكثير حول الصلاة. لكل إنسان في داخله نفس متمردة؛ فِيلٌ ثَمِل إذا
راقبتموه وطرقتم على رأسه بالمطرقة دوماً فسوف لن يوقعكم في الهلاك، وسوف تتم
السيطرة علی سلوكه وستكون هذه النفس الإنسانية سبباً لتقدمكم إلى الأمام. النفس هي
مجموعة الغرائز الإنسانية التي إن تمت السيطرة عليها بصورة صحيحة و استخدمت في
الطريق الصواب سترتفع بالإنسان إلى ذروة الكمال. المشكلة هي أن هذه الغرائز تصاب
بالسكر و الثمالة. لا بد من وجود سيطرة. إذا كان ثمة ظلم في العالم فهو نتيجة سكر
الغرائز و النـزعات النفسية لدى شخص أو عدة أشخاص، أو جماعة من الناس. و إذا كان
ثمة فحشاء في العالم فالسبب هو ذاك أيضاً. و كذا الحال إذا كان ثمة إهانة للإنسان و
سحق لكرامته في العالم. و كذا الحال إنْ كان هناك فقر في الدنيا وكان جزء كبير من
المجتمع البشري يعاني الحرمان من النعم الإلهية على الأرض. النـزعات النفسية
للجماعة الظالمة هي التي توجد الظلم، و الجماعة المستكبرة هي التي توجد الاستضعاف.
و الجماعة الشمولية الطامعة التي لا تعرف الرحمة هي التي تصنع الفقر و الجوع.
النـزعات النفسية هي التي أوجدت كل هذه المفاسد في العالم منذ بداية التاريخ و إلى
اليوم، و كلما تمادى الإنسان في استخدام القدرات المتنوعة التي أودعها الله في
داخله، كلما ازدادت هذه الأحوال السلبية و لم تنقص. الظالم الذي يمتلك قنبلة ذرية
يختلف عن الظالم الذي يقاتل بالسيف فقط. هذه النـزعات النفسية أضحت أكثر خطورة على
البشر.
ثمة في البشر مثل هذا الشيء. كل البشر مبتلون بهذا الفيل الثمل في داخلهم و يجب
عليهم احتواءه. يتأتى هذا الاحتواء بذكر الله، و باللجوء إلى الله، وبالشعور
بالحاجة إلى الله، و الإحساس بالتفاهة أمام عظمة الله، و الشعور بقبح الذات مقابل
الجمال المطلق لله تعالى. كل هذه الأمور ناجمة عن الذكر. الإنسان المتقي يعني
الإنسان الذي يراقب ذاته و يتذكر ولا يكون مصدر شرور و ظلم و فساد و طغيان و سوء
على هذا و ذاك من الناس. الذكر الإلهي ينهاه و يصدّه دوماً: " الصلاة تنهى "، تنهى
هنا ليست بمعنى أنها تكبل يديه و رجليه و تعطل فيه غرائزه. يخال البعض أن معنى
" الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر " 2
هو أنك إذا صليت فسوف تزول الفحشاء والمنكر. لا، معناها أنك حين تصلي فإن واعظك
الداخلي الذي أحيته الصلاة سيتحول صوتاً يذكرك دوماً بسيئات الفحشاء و المنكر. و
التذكير والتكرار يؤثران على القلب طبعاً و يجعلانه خاضعاً خاشعاً. لذلك ترون أن
الصلاة يجب أن تتكرر. الصيام مرة واحدة في السنة، و الحج مرة واحدة في العمر، أما
الصلاة فعدة مرات في اليوم الواحد. هنا تكمن أهمية الصلاة.
العمل على إشاعة الصلاة إشاعة لذكر الله
إذا صلينا فسيعم الأمن داخل الإنسان و في قلبه و كذلك في المجتمع و علی
حكّام المجتمع مهما كبر ذلك المجتمع. سيشعر قلب الإنسان بالأمن.. و يشعر جسمه
بالأمن.. و يشعر المجتمع الإنساني بالأمن. هذه هي ميزة الصلاة، و هذه هي خصوصية
إقامة الصلاة في المجتمع. لذلك يجري كل هذا التأكيد على مهمتكم في لجان إقامة
الصلاة و لجان إشاعة الصلاة في كل ناحية من نواحي البلاد، و بين كل شريحة من شرائح
المجتمع و أهمها شريحة الشباب النخبة و طلبة الجامعات. معنى ذلك الأخذ بيد المجتمع
إلى حالة الذكر العامة، فيتذكر الجميع صغاراً، و كباراً و نساءً، و رجالاً، و
مسؤولين حكوميين، وسواهم، و الشخص الذي يعمل لنفسه، و الشخص الذي يعمل لجماعة
معينة، إذا تذكروا الله فستنتظم أمورهم. معظم معاصينا تنتج عن الغفلة. لذلك تتكرر
الصلاة دوماً.
التنبة لقضية روح الصلاة في عملية إشاعة الصلاة
قيل الكثير في هذا المجال، و تحدثنا نحن مرات عديدة. للصلاة جسم وروح.
ينبغي التفطن لهذه النقطة. أي إن كل واحد منا ــ أنا نفسي والآخرون ــ يجب أن نتفطن
لهذه النقطة. للصلاة قالب و مضمون. لها جسم و روح. لنحذر من أن يكون جسم الصلاة
خالياً من روح الصلاة. لا نقول إن جسم الصلاة الخالي من الروح لا تأثير له إطلاقاً.
بلى، له تأثير بسيط على كل حال. بيد أن الصلاة التي شدد عليها الإسلام، و القرآن، و
الشرع، و الرسول، و الأئمة ( عليهم السلام ) كل ذلك التشديد هي الصلاة التي اكتمل
جسمها وروحها على السواء. لهذا الجسم قراءته، و ركوعه، و سجوده، و هبوطه إلى الأرض،
و قنوته، و ارتفاع صوته وانخفاضه بما يتناسب و تلك الروح. هذا التنوع من أجل تغطية
جميع الحاجات التي ينبغي أن تُشبع بواسطة الصلاة، و لكل منها سرّه الخاص، و مجموعها
يشكل قالب الصلاة وظاهرها، هذا الشكل مهم جداً، لكن روح الصلاة هي التوجه؛ لنعلم ما
الذي نفعله. الصلاة من دون توجه قليلة التأثير كما قلنا. بوسعكم الانتفاع بطريقتين
اثنتين من قطعة ألماس ثمينة تزن عدة قيراطات. طريقة منهما هي أن تستخدموها كألماسة
أي كحجر كريم ثمين. و الطريقة الأخری أن تستخدموها كحجر ميزان فتضعوها في كفّة
الميزان بدل عيار ذي عدة غرامات وتضعون في الكفّة الثانية مقابلها " فلفلاً " أو "
كركماً " على سبيل المثال. هذا أيضاً استخدام للألماس، و لكن أي استخدام هو؟ إنه
أشبه بتضييع الألماس. طبعاً هو استخدام يختلف عن تحطيم الألماس الذي يعد أسوء على
كل حال من ذلك الاستخدام. لكن الانتفاع من الألماس ليس في أن يستعمله الإنسان كحجر
ميزان و يزن به " الفلفل" و
" الكركم ". ينبغي عدم التعامل مع الصلاة
كألماسة نستخدمها حجراً للميزان.. للصلاة قيمة كبيرة جداً.
تارة يصلي الإنسان كما يمارس سائر عاداته اليومية من قبيل تفريش الأسنان أو
الرياضة.. و كذلك نصلي. و تارةً يصلي و هو يشعر أنه يريد الحضور بين يدي الله.. هذه
حالة مختلفة. نحن في محضر الله دوماً، سواء كنا نياماً أو صاحين، أو غافلين، أو
ذاكرين. لكن تارة تبادرون للتوضّؤ و لتطهر و الاستعداد بطهارة جسم و طهارة ملبس و
طهارة معنوية ناتجة عن الوضوء و الغسل لتذهبوا عند إله العالم. علينا في الصلاة أن
نشعر بمثل هذا الشعور. يجب الدخول إلى الصلاة بمشاعر الحضور أمام الله و التحدث
معه. يجب أن نشعر أنفسنا أمام الله و نخاطبه. و إلا مجرد أن نبث في الجو أمواجاً
بكلماتنا و حروفنا فهذا ليس الشيء الذي طولبنا به. يمكن القول: " الحمد لله رب
العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين"، و بث أمواج هذه الكلمات. ويمكن قراءتها
قراءة حسنة و لكن من دون توجه و سيكون الأمر هنا أيضاً بثاً للأمواج الصوتية في
الهواء. هذا ليس الشيء الذي أُريد منا. طُلب منا أن نحمل قلوبنا في الصلاة إلى
الباري، و نتحدث حديث القلوب، نتحدث بقلوبنا. هذا هو المهم. علينا التنبه إلى قضية
روح الصلاة في عملية إشاعة الصلاة، و في الصلاة التي نؤديها، و الصلاة التي نعلمها
للآخرين.
طبعاً هذه الروح لا تتحقق بدورها من دون جسم حتى يتصور الإنسان أنه لو كان الأمر
كذلك إذن استطيع أن اكتفي بذكر الله مائة مرة و لا أصلي. لا، فكما قلنا تم تصميم
ذلك الجسم في ضوء الحاجات التي تشبعها هذه الروح. لذلك لاحظوا وجود خصوصيات معينة
لحالات الصلاة المختلفة.. غير واجبة.. مستحبة.. أين ينظر المرء عند الوقوف.. و أين
ينظر عند السجود.. توصي بعض الروايات بإغلاق العينين عند الركوع، و توصي بعضها
بالنظر إلى الأمام. كل هذه الخصائص تساعد على تحقيق حالة الحضور و التواجه اللازم
للإنسان.
ضرورة ألإهتمام بالصلاة وعدم الإستخفاف بها؛ لا سيما بين
الشباب
أما أهمية الصلاة فهو ما قد لا نقدر فعلاً عن وصفه. يقول الإمام الصادق
( عليه السلام ) لوصيه في مرض رحيله: " ليس منيّ من
استخفّ بالصلاة ".3 و الاستخفاف هو عدم الاهتمام. هذه الصلاة
بكل هذه السمات والفضائل كم تأخذ من وقت الإنسان؟ صلاتنا الواجبة - هذه الركعات
السبع عشرة - إذا صلاها الإنسان بدقة و رويّة قد تأخذ من وقته أربعاً وثلاثين
دقيقة، و إلا فستأخذ من وقته أقل من هذا. يحدث أحياناً أن نجلس أمام التلفاز
بانتظار البرنامج الذي يستهوينا و نشاهد قبله الدعايات و الدعايات والدعايات لمدة
عشرين دقيقة أو خمس عشرة دقيقة، و لا ينفعنا أيٌّ منها و تأخذ من وقتنا عشرين
دقيقة، من أجل البرنامج الذي نريده. هكذا تنقضي دقائق عمرنا. ننتظر التاكسي، و
ننتظر الباص، و ننتظر صديقنا ليأتي و نذهب لمكان ما، ننتظر الأستاذ الذي تأخر في
القدوم إلى الصف، ننتظر خطيب المنبر الذي وافى المجلس متأخراً، كل هذه تهدر من
وقتنا عشر دقائق، و خمس عشرة دقيقة، و عشرين دقيقة. فكم سيكون من المهم إنفاق هذه
العشرين دقيقة أو الخمسة و عشرين دقيقة أو الثلاثين دقيقة على الصلاة.. هذه
الممارسة الراقية الكبيرة.
ينبغي الاهتمام بالصلاة بين شباب البلاد أكثر من سائر الشرائح. الشاب يتنوّر قلبه
بالصلاة، و يتحلّى بالأمل، و تبتهج نفسه و تغتبط. هذه الأحوال تختص بالشباب غالباً.
الشاب يستطيع أصابة اللذة. و إذا وفقنا الله أنا و أنتم وصلينا صلاةً بحضور قلب
فسنرى أن الإنسان لا يشبع من الصلاة المصحوبة بالتوجه لله. حينما يتوجه الإنسان
للصلاة سيصيب لذةً لا توجد في أي من الملذات المادية. هذا نتيجة التوجه. عدم
الاهتمام للصلاة، و الخمول أثناء الصلاة من سمات المنافقين. لا أن كل من أصابه
الخمول و الكسل عند الصلاة فهو منافق. لا؛ يعرِّف الله المنافقين في القرآن و يقول:
اعرفهم بهذا. كان في زمن النبي منافقون يصلون لأجل فلان و فلان ولا يؤمنون بالصلاة
في قلوبهم. «و إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى
يرائون الناس» .4 نعم حينما لا يكون للشخص طرف آخر يخاطبه
ولا يتحدث مع الله فسوف يتعب و يمل و تبدو الصلاة بالنسبة له عملاً طويلاً. و الحال
ما هي الأربع دقائق؟ إذا خاطب الإنسانُ اللهَ في هذه الحال فسترون أن الصلاة تخطف
كما يخطف البرق، و سيتحسّر الإنسان و يودّ لو طالت أكثر.
أشيعوا هذا المعنى بين الشباب. إذا تعوّد الشباب منذ الآن على الصلاة الحسنة فلن
تكون الصلاة صعبة عليهم حين يبلغون أعمارنا. إذا لم يتعود الإنسان على الصلاة
الحسنة وبلغ أمثال أعمارنا، فستكون هذه الصلاة الحسنة صعبةً عليه لكنها ليست
مستحيلة. ذلك أنه تعود على الصلاة الحسنة منذ شبابه. و أعني بها الصلاة المصحوبة
بالتوجه - ليس معنى الصلاة الحسنة تلك التي تقام بصوت حسن و قراءة جيدة، إنما تعني
الصلاة بتوجه و حضور قلب؛ أن يكون قلب المصلي حاضراً بين يدي الله فيتحدث معه من
قلبه و بقلبه - و عندئذ تصبح سجيته و لن يجد مشقّة فيها، فيبقى يصلي صلاةً حسنة حتى
آخر عمره.
1 - سورة الحج، الآية 41.
2 - سورة العنكبوت، الآية 45.
3 - علل الشرايع، ج 2، ص 356.
4 - سورة النساء، الآية 142.