كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في ذكرى ولادة الإمام علي (ع) المكان: طهران. الزمان:
15/6/2011م.
المناسبة: ذكرى ولادة الإمام علي عليه السلام.
الحضور: جمع من شعراء ومدّاحي أهل البيت(ع)
الشعر الديني أفضل ميادين الشعر
العناوين الرئيسية
الشعر الديني أفضل ميادين الشعر
للإستفادة من المضامين الدينية للشعراء الكبار
ضرورة اعتماد الشعر الملتزم على المعارف الإلهية
الاهتمام بمختلف القضايا الوطنية
الشعر الجميل مضمونا وشكلا يرفع مستوى فهم الناس
لصياغة مضامين الأدعية والزيارات في قوالب شعرية
إستثمار شعر لسان الحال وبما يوافق الواقع
بسم الله الرحمن الرحيم
أوّلاً، لقد سُررتُ كثيراً بسماع تلك
الأشعار التي أنشدها الأصدقاء، لا سيّما بعض القصائد التي حازت كل معايير بعث
الغبطة والسرور من حيث إسهامها في تطوّر الشعر.
ثانياً، إنّ ما يلاحظه المرء في هذا اللقاء، وأحياناً في بعض اللقاءات الأخرى، هو
وجود طاقاتٍ قويّة جداً وغنيّة ومُبشّرة، حيث أتوقّع أن يكون لنا في المستقبل غير
البعيد تألّق عصرٍ شعريٍّ ذهبيٍّ آخر بفضل هذه الطاقات الشابّة إن شاء الله.
وبالطبع، يجب أن تتطوّر هذه الطاقات وتتكامل فتصبح الأشعار أكثر نُضجاً وعُمقاً،
ولا شكّ بأنّ هذا سيحدث. إن شاء الله سيتحقّق في زماننا بناءٌ شامخٌ يُذكّرنا بعصور
بلوغ الشعر أوجه في بلادنا، حيث كان للشعر عبر الأزمنة التاريخية مدٌّ وجزر، وفي
بعض العصور بلغ ذروته. وسيكون لنا إن شاء الله في المستقبل غير البعيد رجوعٌ إلى
تلك القمّة.
بيد أنّ ما يتناسب مع لقائنا ممّا سأذكره بعنوان توصية إلى الإخوة عبارة عن عدّة
نقاط.
الشعر الديني أفضل ميادين الشعر
أوّلها أنّ هذا الشعر الذي أسميتموه شعراً ملتزماً - وهو ليس بالاسم غير
المناسب. لا بأس بتسمية الشعر الديني بالشعر الملتزم - هو من أفضل ميادين استعمال
قرائح موهبة الشعر العظيم. فهذه القريحة هي نعمة كبرى يمنّ بها الله على الإنسان
ولا يجوز كفرانها. وشكر هذه النعمة هو أن يقوم صاحبها بتقديم ما هو مفيدٌ للناس
والأفكار، ولا يعني ذلك أن يكون جافّاً وجامداً بحيث لا يهتم الشاعر بما في نفسه
ويجتنب إظهار مشاعره ومكامن قلبه بغضّ النظر عن الفائدة التي يجنيها المُستمع وأن
لا يصغي الشاعر لقلبه ولا يذكر أحاسيسه وما يقوله قلبه؛ كلا، فلا إشكال في ذلك.
فنحن لا نُنكر على الشاعر أن يُعبّر عن مكنونات ذاته، لكنّنا نريد أن نقول في مقام
التقييم؛ إذا كان المطلوب أن يكون للشعر مضمون، فأفضل المضامين هي تلك التي يحويها
الشعر الديني مع ما يتّسع له من مجال عريض.
للإستفادة من المضامين الدينية للشعراء الكبار
هناك شعرٌ ديني في بعض قصائد حافظ الغزلية. وبالطبع، لستُ ممّن يعتقد
بأنّ كل شعر حافظ الغزلي على هذا النحو، لكن قسماً مهمّاً منه يُعتبر شعراً دينياً
بالمعنى الذي نرومه. وهو تبيين المعرفة والحقائق الإلهية في قالبٍ خاصّ؛ كما يُمثّل
ديوان مولوي في الشعر المثنوي خزانة من هذه الأفكار والمعارف الإلهية. لهذا، فإنّ
هذه المضامين تُمثّل أفضل موارد استخدام الشعر. بالطبع، عندما ينظر الإنسان أو
المرء إلى تاريخ الشعر يرى أنّ شعراءنا لم يعملوا بهذا الالتزام والاحتياط بالنسبة
لهذا الأمر عبر التاريخ، أي أنّهم نثروا هذا الجوهر الفريد - وبتعبير ناصر خسرو
الدر الدريّ (الفارسي) - تحت أقدام الخنازير، فتشدّقوا بالمدح والكلام الفارغ؛
واستخدمه بعضهم أيضاً في معان ٍ متدنية عاطفية وشهوانية. وقد كانت هذه في الواقع
إسرافاً؛ استخداماً للقريحة الشعرية في غير محلّها وموردها.
وبالطبع، إنّ من بين شعرائنا، وهؤلاء ليسوا بقلّة، من استفاد من هذه القريحة إلى
الحدّ الأقصى ونظم على أساسها أفضل الأشعار، وأمثال هؤلاء موجودون عبر العصور
المختلفة؛ حيث يوجد منهم في زماننا وفي الأزمنة الماضية وعبر العهود الغابرة، وكذلك
من حيث تنوّع السبك، فمن الازمنة القديمة هناك شعراء كالسنائي وناصر خسرو. هؤلاء
استفادوا من هذه القريحة وعملوا بموجبها. وكذلك لدينا أمثال سعدي. والأمر كان على
هذا المنوال في العصور اللاحقة، مثل الشاعر صائب. بالطبع، ما كان من شعر صائب
خارجاً عن القيود والالتزام بالمعاني والمعارف ليس بالقليل، لكن وللإنصاف يوجد لديه
الكثير من الشعر الأخلاقي والشعر المعارفي. فقد نظّم هؤلاء، في الأخلاق والعرفان
وعلى مستويات عالية أفضل ما يمكن أن يُقال بشأن القصائد الغزلية (القصائد الغنائية
العرفانية )،كما يدل كذلك، فكل ديوانه تقريباً شعرٌ معارفي (عرفاني). كنت قد أوصيتُ
ذات يوم وقبل عدّة سنوات الأصدقاء المدّاحين (الذين يقرأون مدائح أهل البيت) أن
ينظروا في ديوان صائب وأن يستخرجوا منه الأشعار الأخلاقية والعرفانية والتي ليست
بالقليلة. فهذه مضامين ناضجة جدّاً تُنير القلوب.
ليس هناك من لحن لا تَسري فيه موسيقاك العالم مليء بك ولكن مكانك خالٍ منك
الكـائــنات وإن كانــت فـقـيرة ببابــك لكن مــا مِـن مـخلوق يـعرف دارك
لاحظوا تلك الثورة التي يُحدثها أيّ مدّاح في قلوب المُستمعين، عندما يقرأ في مجلسٍ
هذه الأشعار بصوته الحسن ولحنه الجميل. يجب الاستفادة من هذه الأشعار. وكذلك
بالنسبة للآخرين من الشعراء.
الشعر الجميل مضمونا وشكلا يرفع مستوى فهم الناس
أُضيف هنا هذه النقطة التي كنت قد دوّنتها بالطبع، ولكن سأذكرها الآن.
بعض السادة المدّاحين يقولون لنا أيّها السيّد إنّنا لو قرأنا هذه الأشعار العجيبة
الغريبة فالناس لن يفهموها. حسناً، أجل، بعضها هو هكذا فإنّها أعلى من مستوى فكر
عامّة الناس، فالأديب والشاعر وصاحب الذوق يجب عليه أن يُدقّق حتى يفهم المعنى.
وهذا ما لا نُوصي به. لكن اعلموا أنّ مستوى فهم المخاطبين وتلقيهم يصبح أفضل مع
إلقائكم للشعر. إنّني أقول هذا للمدّاحين؛ أنتم تستطيعون أن ترفعوا من مستوى أذهان
الناس. عندما تكون الأشعار التي تُقرأ على الناس جيّدة وألفاظها جميلة، ومضامينها
عالية ومعارفها قوية، حسناً، إنّ الناس سيضطرون للإصغاء. عندما تقرأون أنتم بشكل
جيد سوف يستمعون، وبالطبع فإنّ مستواهم الذهني سيرتفع. حتماً علينا أن نعتبر هذا من
مسؤولياتنا وهو أن نرفع من مستوى رؤية الناس وأذواقهم وأنسهم.
لصياغة مضامين الأدعية والزيارات في قوالب شعرية
النقطة الأخرى هي أنّ المناجاة تُعدّ من الشعر الملتزم. الشعر الملتزم
ليس مجرّد مدح ورثاء، فالمناجاة تُعدّ منه. ومن أفضل المصادر لاكتشاف مضمون
المناجاة جيداً هي الأدعية. فليأنس الأصدقاء بالصحيفة السجادية. يُمكنكم أن
تستفيدوا من هذه القريحة التي أراها فيكم بشكل ممتاز من أجل وضع مضامين الصحيفة
السجادية في القوالب الشعرية وبشكل فائق الجمال. المرحوم البهجتي الأردكاني صديقنا
القديم وقبل أربعين سنة تقريباً نظم قسماً من دعاء أبي حمزة شعراً وقرأه عليّ. وكان
هناك مقاطع صعبة من الدعاء من حيث الألفاظ والمضمون وفي نفس الوقت تمكّن من تبديل
هذا الدعاء إلى شعر. إنّني الآن أرى من بين هؤلاء الشباب قرائح وأذواقاً هي أفضل من
ذائقة المرحوم البهجتي. إنّني أرى في هذا اللقاء طاقات شعرية هي أقوى وأحدّ وأقدر
من قدمائنا وأسلافنا. يُمكنكم أن تصوغوا مضامين دعاء عرفة لسيد الشهداء سلام الله
عليه بصورة شعرية، فدعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام هو دعاء عشقي. وكذلك
الإمام السجاد عليه السلام له دعاء في هذا اليوم وهو الدعاء الـ 47 من الصحيفة
السجادية وهو دعاء عالي المضامين وغني بالمحتوى؛ لكنّ دعاء الإمام الحسين عليه
السلام هو دعاء العشق، هو شيءٌ آخر. فلو أنّكم حصلتم على هذه المعرفة والأُنس
والدقّة يمكنكم أن تُنشِدوا من فقرة واحدة من هذا الدعاء قصيدة أو مجموعة شعرية أو
غزلاً شديد العذوبة. لهذا ننهل من الصحيفة السجادية والأدعية معاني المناجاة
والتوحيد.
بما يتعلّق بمناقب الأئمّة ارجعوا إلى الزيارات وخصوصاً الزيارة الجامعة الكبيرة.
فلن تحتاجوا بعدها إلى إجهاد أذهانكم بالمبالغة والإفراط. فما ينبغي أن يُقال في
باب الأئمة عليهم السلام هو موجودٌ في الزيارة الجامعة، ويُمكنكم باختيار فقرة
واحدة من الزيارة الجامعة - حيث تعد فقراتها قرابة الـ 100فقرة - ومن خلال القريحة
الشعرية والقوة الخيالية الموجودة في أذهانكم، أن تَنظِموا غزلاً جميلاً وأصيلاً.
فسعة هذه المعارف عالية الى هذا الحد.
ضرورة اعتماد الشعر الملتزم على المعارف الإلهية
خذوا المعارف الإسلامية والقرآنية السامية من القرآن نفسه ومن نهج
البلاغة ومن بعض روايات أهل البيت عليهم السلام ، روايات أصول الكافي في بعض
الأبواب، واسعوا للأُنس بهذه المصادر. فللشعر الملتزم نطاق واسع جداً، ويمكنكم أن
تؤثّروا في الوعي العام للمجتمع. هناك رواية في تحف العقول وهي وصية الإمام الصادق
عليه السلام لعبد الله بن جندب، تبتدئ مقاطعها بـ "يا ابن جندب يا ابن جندب..."،
وهذه الرواية مُفعمة بالحكمة..وفي الواقع إنّ كل ما نحتاجه لأخلاقنا الفردية
وعلاقاتنا الاجتماعية وأنشطتنا العامّة وبناء حضارتنا الإسلامية يمكن أن نجده في
هذه الرواية وأمثالها، وما ذكرته هنا يُعدّ نموذجاً، حيث يوجد الكثير من نظائره
ويُمكنكم الرجوع إليه. لهذا استندوا في شعركم الملتزم إلى هذه المعارف الإلهية
الحقَّة من خلال هذه المصادر التي ذُكرت.
أُسس نظم الشعر الديني
1- حسن صياغة المضمون:
عندما يشاهد الإنسان هذه القرائح، وهذه الأذواق الجيّاشة، فإنه يشعر
واقعاً بالحرقة والحماس، فالتفتوا جيدا إلى بعض الأصول: أوّلها صياغة المضمون.
فعندما تُريدون أن تُبيّنوا مطلباً ما فإنّه يمكن بيانه بمضامين متنوّعة. إنّ صياغة
المضمون لبيان حقيقة ما يُعدّ فنّاً كبيراً في الشعر؛ وإنّ مركزه ومنبعه الرئيس هو
الشعر ذو السبك الهندي، كأشعار صائب وبيدل والعرفي وكليم. فعندما تُراجعون تلك
الأشعار تجدون أنّ مستوى صياغة المضمون واستحداثه فيها واسع واستثنائي لحسن الحظّ،
فإنّ المضامين الجديدة والجميلة في تعبيرات الأصدقاء هنا ليست قليلة، وهذا ما أراه،
فأيّ مطلبٍ يمكن إلباسه عدّة أثواب ونحن نسمّي كلّ لباسٍ مضموناً وهذا معنى احتواء
المضمون، وعلى هذا الأساس، إنّ إحدى المسائل هي إيجاد المضمون.
2- الإتيان بتراكيب وألفاظ جديدة
الأمر الآخر هو التراكيب الجديدة، الآن وفي مرحلة الثورة، فإنّ اللغة
الرائجة المتداولة في الحوار قد دخلت إلى الشعر وبأشكالٍ مختلفة، الأمر الذي لم يكن
مألوفاً قبل الثورة، فبعضها قوي ويستفيد من هذه اللغة بصورة جميلة جدّاً، وبعضها
مستواه أدنى، فلا إشكال في استعمال لغة محاوراتنا العرفية والرائجة من أجل بيان تلك
المعاني والمعارف؛ غاية الأمر أن يكون بتراكيب جديدة وأشكالٍ حديثة واختيارٍ جديد
للألفاظ.
3 ــ سلامة التعبير وفقا لموازين اللغة
القضية الأخرى، هي قضية النطق الصحيح، فعلى الأصدقاء أن يلتفتوا إلى
ضرورة أن يكون الشعر صحيحاً بلحاظ موازين اللغة، فتُستخدم الأفعال بالشكل الصحيح
وفي محلّها، وأن يكون الترابط بين أجزاء الجملة منطقياً وموافقاً للقواعد.
4 ــ الحذر من تأثير البيئات الأدبية ذات التوجهات
المغايرة
النقطة الأخرى التي هي مهمّة بنظري بالنسبة للأحبة الذين ينظمون الشعر
الديني هي قضية تأثير البيئة والمحيط، وبالطبع لا أقصد بذلك البيئة الاجتماعية
العامة. من البديهي أنّ هذه البيئة الاجتماعية تؤثّر في الإنسان، فالأوضاع
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تترك أثرها على كلّ إنسان وعلى الشاعر أيضاً، في
شعره بالطبع، وهذا ما لا أريد ذكره هنا، فالبيئات الخاصّة والجماعات الثقافية
الخاصّة تترك أثرها في الأذهان. وأنا أريد أن أقول لكم أيّها الشباب المؤمن الملتزم
والمحبّ لأهل البيت، يا من تتحدّثون حول أهل البيت بعشقٍ وحماس وتنظمون الشعر،
وتنطقون بجميل الحديث والشعر المُفعم بالحبّ حول المعارف الإلهية والتوحيد، انتبهوا
أن لا يجرّكم محيطكم إلى توجّهات مغايرة، أي عليكم أن تنتبهوا لأنفسكم بأنفسكم.
عليكم أن تثبّتوا أقدامكم على هذا الطريق، وأن تُحكِموا هذا الثبات يوماً بعد يوم؛
لأنّ البيئات الشعرية والفنية والأدبية تؤثّر في الإنسان.
هناك مثال يخطر دائماً ببالي. الشاعر الذي أقصده، والذي سأذكر اسمه، هو شاعر عظيم؛
محمد جان قدسي مشهدي. فقد كان من الشعراء البارزين في السبك الهندي في عصر الصفويين
في القرن الحادي عشر وأشعاره من أمتن الأشعار. أنا أعتقد أنّه يأتي بعد صائب في هذا
الأسلوب. حقاً، قد لا يكون هناك مثل محمد جان واحد أو اثنان. عندما كان في مشهد،
كان من خدّام حرم الإمام الرضا ومادحيه، وكانت أشعاره دينية، وديوانه مليء بهذا
النوع من الأشعار. اطّلعوا على ديوان حاج محمد جان؛ إنّه يحوي الكثير من هذه
القصائد. بعدها سافر إلى الهند. إنّ معاشرة أمراء الهند وسلاطينها - تلك الأنظمة
الحاكمة المتفلّتة التي كانت موجودة حينها -
كأنّها كشفت وجهاً آخر لهذا الرجل. يمكن للإنسان أن يلاحظ هذا في قصائده الغزلية.
كثيراً ما أُفكِّر في هذا الأمر. هذا من شعر محمد جان قدسي:
لا يليق بالتقيّ الجلوس في مجلس اللهاة
من لم يشرب الخمرة الليلة فليس منّا
في فصل البلبل السكران وحدائق الورد الجم
خلوّ كاس العمر اجمع ما كان خيراً
وهذا يعني أنّه دخل البيئة الشعرية سكرانَ لاهياً متحلّلاً شارباً للخمر؛ ومن كان؟
كان ذلك الإنسان التقيّ الطاهر المُتعبّد الذي كان يمدح الإمام الرضا في مشهد!
حسناً، هذه هي التربية الناتجة عن محيط كهذا. لذا عليكم أن تحذروا من المحيط؛ وهذا
يحصل بتواصلكم الدائم مع بعضكم البعض. أعتقد أنّه ينبغي أن يكون هناك لقاءات مستمرة
بين الشعراء من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام ، سواء الشباب أم المتمرّسون
والقدامى. هذا طبعاً لا يعني بالضرورة لقاءً واحداً؛ كلا، يجب أن تكون هناك لقاءات
لكي تنمو فيها القدرات الوقّادة التي يمتلكها الشباب.
5- الاهتمام بمختلف القضايا الوطنية
النقطة الأخيرة هي أن هناك بعض الموضوعات في الشعر الملتزم التي قلّما
يحصل التعرّض لها؛ ومن جملتها الموضوعات المرتبطة بقضايا الثورة، وقضايا الحرب
والدفاع المقدّس. طبعاً، كان الوضع جيداً جداً في مرحلة من المراحل. فعندما كانوا
يُحضِرون جنازات الشهداء إلى مشهد أيام الحرب، كان السيد مؤيّد مثلاً، يلقي كل يومٍ
أو عدّة أيام قصيدة غزلية، وكان المنشدون (الرواديد) يردِّدونها. وكان هناك آخرون.
نحن نفتقد هذه الأشعار اليوم. لقد كانت السنوات الثماني للدفاع المقدّس من حيث
الزمان ثماني سنوات، أمّا بلحاظ الاستمرارية المعنوية والفكرية والثقافية، فقد تطول
إلى عدّة قرون. إنّ الملحمة التي شهدها الدفاع المقدّس، والدافع الذي أدّى إلى
حصولها، والأحداث التفصيلية التي جرت خلال هذه الفترة، هي أمور لا يمكن أن تنتهي
خلال عشر أو خمس عشرة أو عشرين سنة. أنتم إحدى المجموعات المؤتمنة؛ يجب أن تحفظوا
هذه الأمانة ويجب أن تنقلوها. هناك بالطبع أحداث جديدة تشهدها هذه الثورة يوماً بعد
يوم، ويجب أن تُعطى حقّها جميعاً، لكن يجب أن لا تنسوا تلك. إنّ أحد الأمور ذات
العلاقة بالحرب والتي تشغل ذهني، هي هؤلاء الجرحى الذين يُستشهدون بعد فترة من
الزمن؛ هذا بحدّ ذاته موضوع نوعي؛ هذا يختلف عن الشهيد الذي استشهد في الجبهة ونُظم
الشعر فيه؛ هذا إنسان عاش تجربة وتحمّل ألماً، ووصل في النهاية إلى الشهادة. ابحثوا
عن موضوعات كهذه. وهكذا بالنسبة للموضوعات المرتبطة بالمراثي، مراثي سيّد الشهداء
عليه السلام وقضايا كربلاء.
إستثمار شعر لسان الحال بما يوافق الواقع
حسناً، المرء يرى بعض ما يُقال في لسان الحال، وشعر لسان الحال كثير؛
طبعاً هناك قسمٌ منه قد لا يكون مطابقاً للواقع، أي يكون أموراً لا يمكن للمرء أن
يُصادق عليها؛ لكن هناك بعض الظروف ؛ أظنّ مثلاً أنّ من المقاطع المهمّة والجذّابة
التي يمكن أن تُبيّن لنا مصيبة أبي الفضل (عليه الصلاة والسلام)، وهو لسان حال أم
أبي الفضل؛ قصيدة "لا تَدعُوَنِّي وَيكَ أُمَّ البَنِينِ"، أو ذاك الشعر الآخر
المنسوب إليها.
حسناً، هاتان قصيدتان إذاً. طبعاً تمّت ترجمتهما شعراً، ترجمة غير جيّدة، ترجمة
ليست جداً قوية؛ ولكن هذا بحدّ ذاته أحد المجالات: إنّها أمّ، تخطّ قبور شبابها
الأربعة المُستشهدين في كربلاء، على أرض البقيع، وترثي وتخلق ثورة. لا يقتصر الأمر
على ذرف الدموع ولطم الرأس. طبعاً لا مشكلة في البكاء لكن هذا فعل ثورة، وافتخار
بهؤلاء الشباب. هذا مجال جيّد جدّاً، ويجب أن نستفيد من هذه الفضاءات في عرض
المصاب. أو هناك وصف لبعض الحالات النفسية لأبطال كربلاء، من قبيل ما قاله "عمان
ساماني"، حيث يصوّر لحظات نزول سيّد الشهداء إلى ساحة المعركة. لا أدري إلى أي مدى
هذا قريب من الواقع؛ لكن قرّاء العزاء يقرأونه وهو أنّ السيدة زينب عليها السلام
تقدّمت وسدّت الطريق أمامه، وجرى حوار بين هذين العظيمين. وقد استفاد عمان من هذا
الحوار البسيط ليبيّن شخصية السيدة زينب عليها السلام.
يا من تمسكين عنان الفرس، أأنت زينب؟
أم أنّك المتأوّهة وجعاً في عتمة الليل؟
ثمّ يقول بعدها: "لا تقُل إنّها امرأة، إنّها صانعة
الرجال عبر التاريخ". انظروا كيف يستغلّ هذه المناسبة، مناسبة حوار هذا
الأخ مع أخته، لكي يُحلِّل شخصية السيدة زينب (سلام الله عليها). هذه آفاق مهمّة
ينبغي أن لا يكون وصف الحالة ولسان الحال مقتصراً على بيان الحالة التي يعيشها بطل
القصّة في تلك اللحظة؛ بل يُمكن أن يكون بياناً لخصوصياته، شخصيته، لطائف روحه
والخصائص العظيمة التي يتميّز بها وجوده؛ هذه جميعاً آفاق متاحة.
على كلّ حال، أسأل الله تعالى أن يُوفّقكم ويُؤيّدكم، وأن تتمكّنوا من التقدّم
بأقصى ما يمكن في هذا المجال. لقد كان هذا يوماً جيداً بالنسبة لي. لقد سُررتُ
كثيراً بالأشعار التي أنشدها الأصدقاء؛ أنا سأدعو لكم. أسأل الله أن يُنشّط أذهانكم
أكثر يوماً بعد يوم، وأن يُوقّد قرائحكم أكثر، وأن يُطلق ألسنتكم أكثر، وأن يجعل
وجهة عملكم أقوم وأفضل.
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.