يتم التحميل...

لتنمية فكرية وروحية اكبر ؛ ضرورة البدء بحركة جديدة في قضية الكتاب

ثقافة إسلامية

لتنمية فكرية وروحية اكبر ؛ ضرورة البدء بحركة جديدة في قضية الكتاب

عدد الزوار: 75

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله عند لقاء مسؤولي و أمناء المكتبات الزمان: ــ 20/7/2011م.
لتنمية فكرية وروحية اكبر ؛ ضرورة البدء بحركة جديدة في قضية الكتاب

العناوين الرئيسية
لتمتين إرتباطنا بالكتاب
للترويج لعادة المطالعة
ليكن الكتاب أحد محتويات سلة المشتريات
ليكن الكتاب أحد محتويات سلة المشتريات
لعرض الكتب المفيدة واستبعاد سواها
لتطوير عملية إنتاج الكتب
الحذر من المنتوجات المستهدفة لثقافتنا وسياساتنا
للإهتمام بجدية أكبر بقضية الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

نرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء أهل الكتاب. لقاؤنا لقاءٌ ثقافي مئة بالمئة. وأنا العبد الحقير قصدتُ في الأساس من هذا اللقاء معكم إخواني وأخواتي الأعزّاء أن أشكر جهود مسؤولي وأُمناء المكتبات في أطراف وأكناف البلاد على العمل الكبير والمهمّ الذي يُنجز، وقصدي الآخر في الواقع التعبير عن تقدير الكتاب والمطالعة وأهمية الكتاب في المجتمع.

لتمتين إرتباطنا بالكتاب
كلّما تقدّمنا ازداد احتياجنا للكتاب. ومن يتصوّر أنّه بظهور وسائل الاتصال الحديثة سيُعزل الكتاب فهو مخطئٌ؛ فالكتاب، يوماً بعد يوم، يزداد أهمية في المجتمع الإنساني. والوسائل الحديثة مهارتها الأساس هي في نقل مضامين الكتب ومحتوياته والكتب ذاتها بسهولة ويُسر. فلا يمكن لأي شيء آخر أن يحلّ محلّ الكتاب.

نقطة أخرى، هي أنّه لو كنّا بصدد التكامل على صعيدنا الفردي من حيث الفكر والخبرة والذائقة والفن فيجب أن نُعمّق ارتباطنا بالكتاب أكثر. فالكتاب عبارة عن حصيلة نتاج فكر ورؤية وذائقة وفنّ، هو حصيلة نتاجات إنسانٍ أو مجموعة من الناس وعلينا أن نغتنم بقوة فرص الاستفادة من نتاج أفكار البشر. إنّ ما يقدّمه لنا الكتاب عبارة عن هدية؛ هذه هي هدية الكتاب إلينا. لهذا فإنّ الكتاب يُعدّ ظاهرة ووجوداً قيّماً، وهكذا كان دوماً وسيبقى هكذا في المستقبل. لهذا يجب عليكم أن تهتمّوا بالكتاب.

للترويج لعادة المطالعة
والاهتمام بالكتاب في الواقع قوامه الاهتمام بالمطالعة. فيجب ترويج عادة المطالعة في المجتمع. وهذه هي فائدة التعلّم. فالآثار الناجمة عن التحرّك والنهضة التي تجري في البلاد من أجل اقتلاع جذور الأمية هي عبارة عن هذا الأمر: التمكّن من الاستفادة من مجموع ما يعرضه فكر وذائقة وقدرات الآخرين. ومثل هذا لا يمكن أن يتحقّق بدون المطالعة. وأظن أنّ من أسوأ أنواع الكسل وأشدها خسارة هو الكسل في مطالعة الكتاب. وكلّما فسح الإنسان المجال لهذا الكسل فإنّه سيزداد. فيجب ترويج المطالعة في المجتمع؛ وهذا العمل يقع على عاتق جميع الأجهزة المسؤولة في هذا المجال؛ من المدارس الابتدائية حيث ينبغي أن تكون البرامج متوجّهة نحو أبنائنا ابتداءً من مرحلة الطفولة على مطالعة الكتاب؛ المطالعة بالتدبّر والتأمل والتحقيق مروراً بأجهزة التواصل العمومية انتهاءً بالتلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المختلفة.

من الأعمال الكبرى والمهمة على صعيد المجتمع أن تتسع رقعة الدعاية والترويج المتعلّقة بالمطالعة. نحن نرى اليوم كيف أنّ أصحاب البضائع القليلة الأهمية التي لا تأثير لها في حياة البشر يروّجون لبضائعهم بطريقة مبهرجة عجيبة ومدهشة؛ فأجهزة الاتصال العام والمطبوعات والتلفزيون والإذاعة تبثّ تلك الدعايات في حين أنّ تلك المنتجات ليست ضرورية إطلاقاً ولا لزوم لها، بل هي إضافة على حياة الإنسان. فأحياناً، وجودها يكون مفيداً وأحياناً لا يكون مفيداً البتّة؛ بل لعلّه يكون مضراً. ونتاجٌ بعظمة الكتاب وقيمته جديرٌ بأن يروّج له ويرغَّب به من يمكنه مطالعته؛ هذا ما ينبغي أن نحوّله إلى عادة.

ليكن الكتاب أحد محتويات سلة المشتريات
وأنا أقول نحن في بلدنا ومجتمعنا لسنا راضين عن هذه الحالة الموجودة في هذه المجال. صحيحٌ أنّ مقدار ما يُنتج من كتبٍ في هذه الأيام يفوق بكثير ما كان في السابق ولعلّه يزيد بأضعاف، سواء من حيث العناوين أم النُسخ ولكن هذا ليس كافياً، فمثل هذه الأمور لا تتناسب مع بلدنا. ويجب العمل بحيث يصبح الكتاب شريكاً مقبولاً في سلّة مشتريات العائلة، وذلك لكي يُقرأ، لا لأجل تزيين غرفة المكتبة وعرضها على هذا وذاك. وهذه نقطة ترتبط بقضية المطالعة في المجتمع.

قضية أخرى ترتبط بالمكتبات. حسناً، أمناء المكتبات المحترمون يبذلون جهوداً أساساً في هذا المجال ويتصدّون للأمر ويباشرونه. وأنا العبد، ومنذ حداثتي، شاهدتُ عن قرب دور أمناء المكتبات عند مراجعتي للمكتبات. كنتُ أذهب إلى مكتبة العتبة الرضوية المقدّسة وأشاهد ما يقوم به أمناء المكتبات وما يبذلونه من جهود وما يصدر عنهم من حرص واهتمام. فأمانة المكتبات تُعدّ عملاً إنسانياً ثقافياً ممتازاً؛ غاية الأمر أنّ أمين المكتبة ليس مجرّد من يقدّم الكتاب ويسترجعه؛ فأمين المكتبة يمكنه أن يكون مصدراً ومنشأً ومرجعاً مُرشداً للمُراجِعين.

ليكن الكتاب أحد محتويات سلة المشتريات
ومن الأعمال المهمّة تعويد أذهاننا على التنظيم في المطالعة. فأحياناً، لو كان الرجوع إلى كتابٍ ما بشكل صحيح؛ بمعنى أن يتم قبل الشروع بقراءته مطالعة كتب أخرى متناسبة مع موضوعه، ومن بعدها نشرع بمطالعته، فإنّ التأثير سيكون أعلى بكثير وأعمق مما لو اكتفينا بهذا الكتاب دون ملاحظة ما يرتبط به. حسناً، هذا ما يتطلّب إرشاداً.

بعض الذهنيات هي من أهل الكتاب؛ أي الكتاب السهل، الكتاب الذي لا يحتاج إلى إعمال الفكر. لا عيب في ذلك، فهذه مطالعة ونحن لا نرفضها؛ لكنّ ما هو أفضل من هذا الأسلوب في المطالعة هو أن يمزج الإنسان في مجموع مطالعاته بين الكتاب السهل على سبيل المثال رواية أو مذكّرات أو كتب تاريخية سهلة والكتب التي تحتاج إلى التفكير والمطالعة؛ فمثل هذا النوع من الكتب يجب إدراجه ضمن عملية المطالعة؛ فنعوّد الذهن على أن يصبح مُتأمّلاً ومُدقّقاً؛ وحينها ينشط عند تعامله مع الكتاب؛ وهذا ما يحتاج إلى إرشاد.

من الأشياء التي نحتاج إليها كثيراً في هذه الأيام: برامج المطالعة للشرائح المختلفة.

فغالباً ما يحصل أن نرغّب الشباب والأحداث بالمطالعة فيراجعوننا ويقولون: "أيّها السيّد ماذا نقرأ؟" وهذا السؤال ليس له جواب واحد، فمن المحتمل أن تكون له أجوبة متعدّدة. والمتصدّون لأمر الكتاب سواء في وزارة الإرشاد أم في عالم المكتبات عليهم أن ينهضوا بجدّية للعمل على هذه القضية في القطاعات المختلفة ولأجل الشرائح المختلفة بأنواعٍ مختلفة وأشكالٍ مناسبة ليعرضوا مساراً للمطالعة، فهذا الكتاب في البداية وذاك الكتاب يليه وهكذا. فعندما يأتي هذا الشاب أو ذاك الحدث أو من لم يأنس بالكتاب حتى الآن، ويتحرّك ويسير، ففي الأغلب سيكتشف مسيره. فهذه مسألة.

لعرض الكتب المفيدة واستبعاد سواها
ومسألة أخرى تتعلّق باختيار الكتاب وانتقائه. إنّ الكتاب هو نتاج فكرٍ ودماغ وتجربة وفن شخصٍ ما أو عدّة أشخاص قاموا بإعداده وإنتاجه. فليس من الضروري أن يكون كل كتاب مفيداً أو أن يكون كل كتاب غير مضّر. فبعض الكتب غير مفيدة. فالذين يتصدّون لشأن الكتاب لا يمكنهم بالاعتماد على فكرة "ترك الآخرين يختارون بحريتهم" أن ينزلوا كلّ كتاب مُضرّ إلى سوق المطالعة مثلما أنّ المهتمّين بالأدوية لا يسمحون بجعل الأدوية المُسمّة والخطرة والمُخدّرة في متناول الجميع، بل يُبعدونها عنهم وأحياناً يُحذّرون منها وهذا غذاءٌ معنوي لو فسد وأصبح مُسمّاً أو مُضراً، فنحن كناشرين وأمناء وأصحاب المكتبات تحت أيّ عنوانٍ يرتبط بالكتاب ليس لنا الحق فيّ أن نضعه في متناول من ليس لديه اطلاعٌ أو التفات؛ حيث إنّ لهذا الأمر في فقه الإسلام فصلاً مختصّاً به. فيجب مراقبة الأمور. ويجب وضع الكتاب الجيّد والسليم في متناول الأيدي. والأكثر أهمية هو الالتفات إلى كون الكتاب عاملاً في التنمية الفكرية وسبباً لإضاءة الطريق الصحيح. لهذا يجب الالتفات إلى هذه المسألة إلى جانب برنامج المطالعة.

لتطوير عملية إنتاج الكتب
نحن كشعبٍ إيراني وأمّة مُسلمة ارتباطنا بالكتاب ارتباطٌ بنيوي وعميق وقديم. فمعرفتنا بالكتاب ليست وليدة اليوم والأمس. في بلدنا، وخصوصاً بعد انتشار الإسلام، وُجدت مكتبات عظيمة ومجاميع علمية ومصنّفات قيّمة ذات سوابق تاريخية عريقة. نحن شعبٌ لدينا سوابق كثيرة مع الكتاب، فطيلة القرون المتمادية كان لدينا استئناسٌ بالكتاب. وبالطبع لم يكن الوصول إلى الكتاب في تلك الأيام سهلاً. كان استنساخ الكتب الخطّية صعباً، ولكن في نفس الوقت كم كان أهل الكتاب واللائقون للاستفادة من الكتاب يبذلون من جهودٍ ومجاهدات. لقد قرأنا وسمعنا مرّات عن الذين كانوا يحتاجون إلى كتاب معيّن كيف كانوا يتعاملون مع من كان يملكه ويبخل به ولا يعطيه؛ وبعدها بالالتماس والتعب يستعيرون الكتاب لليلة أو ليلتين فلا ينامون طوال الوقت ولا يستريحون من أجل استنساخ هذا الكتاب والحصول على نسخة خاصة بهم. فمثل هذا الأمر كثيراً ما كان يحدث. واليوم ارتفعت هذه الموانع. فإنّ تطوّر العلم جعل إنتاج الكتاب ونسخه وانتشاره سهلاً، وعلينا اليوم وبالالتفات إلى هذه السابقة العريقة أن نرفع مستوانا في نشر الكتاب والاستفادة منه.

الحذر من المنتوجات المستهدفة لثقافتنا وسياساتنا
وعلى منتجي الكتاب أن يلتفتوا إلى هذه المسألة. ففي إنتاج الكتاب سواء بمعنى إيجاده أم ترجمته أم بمعنى نشره وعرضه على هذا وذاك يجب النظر إلى الاحتياجات والفراغات الموجودة في المجتمع، تلك الفراغات والاحتياجات الفكرية ينبغي أن تُحدّد ويُختار منها ما ينبغي سدّه وتأمينه. نحن نرى بما يتعلّق بالكتاب وسُوقه أنّه أحياناً يتمّ اتّباع خطوات متلازمة مع الانحراف وخصوصاً بما يتعلّق بالقضايا المضرّة لذهنية المجتمع والبلد سواء من الناحية الأخلاقية أو الدينية والاعتقادية أم السياسية. يشاهد المرء بوضوح في سوق الكتاب وفي عالمه أياديَ ناشطة، تجلب أشياء وترجمات لأغراضٍ سياسية وإن كانت في ظاهرها ثقافية. لكنّها في باطنها سياسية.

أقول لكم إنّ الكثير من الأعمال التي تندرج تحت المقولة الثقافية في بلدنا والتي يروّجها الأجانب والأعداء والمخالفون للإسلام والنظام الإسلامي، هي بالظاهر ثقافية ولكنّها في الباطن سياسية؛ هذا ما يشاهده المرء. فالفئة العاملة على الكتاب سواء أنتم أمناء المكتبات أم مدراؤها وسواء أولئك الذين يعملون في وزارة الإرشاد ويتحمّلون مسؤولية هذا العمل أم الناشرون المحترمون يجب على الجميع الالتفات إلى نشر المواد المفعمة بالمعنوية السليمة والمفيدة والمقوّية على صعيد المجتمع. واليوم، ولحسن الحظ، فإنّ مستوى التعليم وإمكانية الاستفادة من الكتاب أضحت وسيعة وشاملة؛ فيجب الاستفادة من هذه الإمكانية.

للإهتمام بجدية أكبر بقضية الكتاب
إنّني أريد أن أستفيد من هذا اللقاء في يومنا هذا لأجدّد الميثاق بما يتعلّق بقضية الكتاب والمطالعة والكتاب الجيّد والمفيد والسليم من أجل البدء بحركة جديدة من قبل جميع المسؤولين في البلاد، ومن قبل واضعي الخطط والبرامج، ومن قبل المنتجين، وصولاً إلى أولئك الذين يبلّغون ويهتمّون بالكتاب، والمعنيين بعالم الكتاب من الشباب وغيرهم، فليكن لنا نظرة جديدة. إنّ طباعة ألفٍ أو ألفين أو ثلاثة آلاف وأمثالها من النسخ لا تليق بدولة يبلغ تعداد سكانها 75 مليوناً مع كل ما فيها من شباب ودوافع؛ يجب أن تبلغ الطباعة أضعاف ذلك. وهنا، لحسن الحظ يجد المرء في بعض الحالات كتباً تُطبع بأعدادٍ كبيرة؛ لكن في نفس الوقت عندما ننظر إلى المعدل العام لن يكون الأمر مُرضِياً ومُقنعاً؛ يجب البدء بحركة جديدة.

على كلّ حال إنّني أشكر كل من يتحمّل مسؤولية الكتاب وأرجو أيضاً أن يتمّ النظر بصورة أكثر جدّية إلى قضية الكتاب. فلنعمل على أن تصبح المطالعة أمراً رائجاً ولا ينفصل الكتاب عن أيدي شبابنا. إنّ ما يُقال من أنّ معدّل ساعات المطالعة اليومية هو هذا المقدار ليس رقماً مُرضياً، فيجب أن يزيد الأمر كثيراً. فلا يستغني المرء عن الكتاب أبداً. من مرحلة الحداثة، ومن بداية التعليم إلى آخر العمر يحتاج الإنسان إلى الكتاب، يحتاج إلى إدراك القضايا، وجذب المواد المُغذية المعنوية والروحية والفكرية؛ يجب أن يصبح هذا الأمر مفهوماً على مستوى عموم المجتمع، ويجب متابعته واتّخاذ الإجراءات بشأنه.

إن شاء الله يوفّقكم ويؤيّدكم. إنّنا نشكر جهودكم. إنّنا راضون عمّا تحقّق وننتظر أن تزيدوا على ما أنجزتموه بمشيئة الله أضعافاً مضاعفة. أعانكم الله ونأمل أن يشملكم دعاء حضرة بقية الله أرواحنا فداه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2017-03-16