يتم التحميل...

عمل المداحين : تربية النفوس بفضائل أهل البيت وهديهم

ثقافة إسلامية

عمل المداحين : تربية النفوس بفضائل أهل البيت وهديهم

عدد الزوار: 84

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مدّاحي أهل البيت (ع) في ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. الزمان: 12/5/2012م.
عمل المداحين : تربية النفوس بفضائل أهل البيت وهديهم

العناوين الرئيسية
• معرفة أهل البيت (ع) ومحبتهم نعمة
• مدح أهل البيت (ع) أيضا نعمة
• نشر فضائل أهل البيت بين الناس تربية لهم
• ليكن مضمون المدائح سبيلا للهداية
• لاختيار الأشعار الجميلة المليئة بالمضامين
• لمحاكاة المضامين لإيمان الناس وتطلعاتهم

معرفة أهل البيت (ع) ومحبتهم نعمة
معرفة أهل البيت عليهم السلام ومحبّتهم نعمة كبيرة. لو أنفقنا أعمارنا كلها لشكر هذه النعمة الكبرى بأن لم يجعل الله تعالى أعيننا كليلة عاجزة عن إدراك الحقيقة، واستطعنا أن نبصر هذه الأنوار الطالعة المضيئة بقدر استعداداتنا، وندركها ونعشقها ونحبّها ولا نغفل عنها، لكان ذلك قليلاً، والحقّ يقال.

رحمة الله على الآباء والأمهات والماضين والروّاد والقادة الذين فتحوا لنا هذه النافذة المضيئة نحوالشموس المعنوية، ورتّلوا في أسماعنا ترانيم محبة أهل البيت عليهم السلام منذ بداية حياتنا، وفي فترة طفولتنا، وحين كنا في المهد، وجعلوا أفئدتنا ترتوي من محبة هؤلاء العظماء. اللهم اجعل هذه الشموس المعنوية، المحبّة والمعرفة أعمق وأرسخ في قلوبنا وأرواحنا يوماً بعد يوم، ولا تسلبنا هذه النعمة حتى لحظة واحدة.

العمل في مدح أهل البيت (ع) أيضا نعمة
وإنها لنعمة أخرى أن يصبح المرء من مدّاحيهم والصادحين بالثناء عليهم. أحياناً يرى المرء حقيقة ويعرفها، لكنه أحياناً يعبّر عن هذه المعرفة، وهذه المحبة بقوالب الشعر والنثر وينشرها. هذه نعمة أخرى منّ بها الله على المدّاحين والخطباء في هذا السبيل. عليكم أن تعرفوا قدر هذا. نفس هذا المدح العلني هو مدح للمادح نفسه. يقول الشاعر:

مدّاح الشمس مدّاح لنفسه، فهو يقول إنّ عينيه بصيرتان وليستا كليلتين1.

حينما يمدح المرء نوراً وجمالاً ويثني عليه، فإنه في الحقيقة يمدح نفسه، لأنه يثبت بأنه عارف بالجمال، وأن له عينين تريان، وأنه يفهم ويدرك.

نشر فضائل أهل البيت بين الناس تربية لهم
أضف إلى ذلك أن نشر هذه الفضائل والمعنويات بين الناس يساعد على تربيتهم. يمكن للناس - بمعرفة النماذج وبالاستمداد من تبعية هذه النماذج - الارتقاء في المدارج العليا والمقامات السامية. إذا سرتم في هذا الدرب فقد أنجزتم عملاً كبيراً.

اجعلوا النوايا إلهية
هذا هو أساس القضية، إذا كانت نوايانا في هذا المدح والثناء نوايا إلهية وبقصد تنوير القلوب وجلاء الأذهان، وإذا عبّر الإنسان عن هذا وقاله، عندئذ سيكون واحداً من جنود الله. (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)2. أحد جنود الله هو الشخص الذي ينشر هذه الحقائق بلسانه وبيانه وقريحته وذوقه. سيكون جندياً من جنود الله. أما إذا كانت النية شيئاً آخر فلا. أي عمل أرفع من الجهاد؟ يقول: إذا سار المرء للجهاد من أجل هدف مادي، فلا هو مجاهد ولا يكون شهيداً إذا قتل. مع أنه سار إلى ساحة الحرب. إذا خضنا هذه الميادين لأجل أهداف مادية - ناهيك عن أن تكون أهدافنا لا سمح الله وضيعة - فإنها لن تسبب لنا الرفعة والسمو. وليس هذا وحسب بل ستؤدي إلى تسافلنا وسقوطنا. وهذا أمر لا يختص بالمدح. بل كذلك الأمر بالنسبة للتفقه في الدين، وصيرورة الانسان عالماً أو مجتهدا أو مفكراً. النية هي الروح التي في جسد أعمالنا، "إنّما الأعمال بالنيات"3، النوايا هي التي تضفي القيمة على الأعمال.

ليكن مضمون المدائح سبيلا للهداية
حسن، إذا تقرر أن تكون النوايا إلهية، إذن يجب أن تنظروا وتروا ما هو البيان والمنقبة والفضيلة التي تؤدي إلى هداية متلقيكم. هذه هي النقطة التي كررتها طوال هذه الأعوام المتمادية التي قد تصل إلى نيف وعشرين عاماً، حيث نجتمع في مثل هذا اليوم مع مدّاحي وبلابل عشق هذه الروضةالمغرّدين. أنظروا ماذا تقرأون للناس وما تقولون ليتنوّر مستمعكم بنور فاطمة الزهراء عليها السلام. ثمّة أشياء لا يؤدي ذكرها وقولها إلى أي فتح، أو فائدة في أذهان مستمعيكم، ولا يفضي إلى أي بهجة في أرواحكم. فلا تقولوها.أذكروا الأشياء التي ترقّق القلوب، وتزيدها خشوعاً، وترّغب في اتباع فاطمة الزهراء عليها السلام اذكروا الأشياء التي يمكنها أن تشجع وتحث مستمعيكم على السير في الدرب الذي سارت تلك السيدة العظيمة. وهذا ما يحتاج إلى تفكير وتعليم، وهو ليس بالأمر السهل الهين.

التأثير المضاعف للمداحين في النفوس
يشكل مدّاحو أهل البيت عليهم السلام في الوقت الحاضر - لحسن الحظ - جماعة كبيرة في كل أنحاء البلاد. مهمة المدّاح استخدام الفن للتعبير عن الحقيقة. فهذا الوقوف بحد ذاته، وقراءة أشعار بصوت حسن، ولحن جميل - الشعر فن، واللحن فن، والصوت فن - وأن يعبّر الإنسان بعدة فنون عن حقيقة، فهذا ما يمكنه أن يترك تأثيراً مضاعفاً في أذهان المستمعين، والحضور في المجلس والمخاطبين. هذه نعمة كبيرة جداً وفرصة كبيرة جداً.

لاختيار الأشعار الجميلة المليئة بالمضامين
وجماعة مدّاحي أهل البيت عليهم السلام - والحمد لله - تنمو وتزداد يوماً بعد يوم، و الناس يتقبلونهم ويحبّونهم ويندفعون ويرحبون، هكذا تكون كل الأشياء متوفرة. إذا انقضى وقت الجلسة (جلسة المدح والأشعار) بشيء آخر، وإذا أنفقت عدّة فنون - فن الشعر، وفن الصوت، وفن اللحن - في شيء لا فائدة فيه لمستمعكم إطلاقاً، لكان هذا خسراناً, لذا فمهمّة المدح مهمة صعبة. لا يصحّ أن نقول لأنّ أصواتنا حسنة، ونحفظ بعض الأشعار - والمدّاحون الآن يقرؤن عن الورق والحمد لله، وفي الماضي كان من العيب على المدّاح أن يستخرج من جيبه ورقة ويقرأ عنها، بل كانوا يقرؤون القصائد الطوال من خمسين أو ستين بيتاً عن ظهر قلب، وطبعاً لا ضرورة لهذا اليوم، ولا إشكال في القراءة عن الورقة - ونأخذ شعراً عن أحدهم ونقرؤه بصوت حسن، ليست هذه هي القضية، يجب أن تنظروا وتدققوا وتفحصوا الأمور. هذه مسألة تتعلق بمدّاحي أهل البيت عليهم السلام الأعزاء.

إنكم تعلمون أنّنا نحبّكم يا مدّاحي أهل البيت عليهم السلام وأوفياء لكم، ونعتبر عملكم قيماً، لكنني اشترطت دوماً هذا الشرط الكبير على المدّاحين، وأغلبكم شباب وفي منزلة أبنائنا، وهذه نصيحة أبوية سوف تتابعونها إن شاء الله: عليكم بالأشعار الجيدة والمليئة بالمضامين وطبعاً الجميلة, فن الشعر نفسه يترك تأثيراته. حينما يكون الشعر جيداً وتكون هيكليته وألفاظه جيدة - الشعر الجيد بالمضامين الجيدة - فإنّ تأثيره سيكون أكبر، مضافاً إلى أنّه سيرفع مستوي ذهنيات الناس وتفكيرهم.

لمحاكاة المضامين لإيمان الناس وتطلعاتهم
أنظروا إلى المجتمع، ولاحظوا ما الذي يحتاج إليه، هذه ليست أموراً خافيةً اليوم على أمثالكم من الشباب، وأنتم متعلّمون ومثقّفون وأصحاب فهم وبصيرة، مستوى التفكير في مجتمعنا حالياً هو مستوى عالٍ - والحمد لله - وشعبنا صاحب بلوغ ونضج فكري، وأنتم جماعة مدّاحي أهل البيت عليهم السلام أيضاً، أنتم تعلمون ما الذي يحتاجه الناس. تحتاج الناس اليوم إلى الدين والأخلاق والإيمان الراسخ والبصيرة، ومعرفة الدنيا ومعرفة الآخرة... كلنا بحاجة لهذا. أن تقولوا إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام تدخل المحشر وينبهر المحشر كله بعظمة ابنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيجب أن نعرف المحشر، ونعرف القيامة، ونعلم هيبة الجلال الإلهي في المحشر، وهذه أمور تحتاج إلى معرفة ووعي. والقرآن الكريم زاخر بالبيانات التي تدلنا على هذه المعاني، وكذا الحال بالنسبة للروايات والأحاديث. عبرّوا عن هذه الأمور بلغة الشعر، وبالفن الذي تحملونه.

تعلمون أن البدء بأيّ عمل أمر صعب جداً، ولكن بعد أن يبدأ العمل ويسير على سكّته، فإنه سوف يسهل. أن يستخرج الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من مجتمع جاهلٍ متعصّبٍ بعيدٍ عن الأخلاق، أسير لشتى صنوف الفساد، أمثال عمار وأبي ذر، فهل هذه عملية سهلة؟ ما الذي فعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ ما هي القطعة التي استطاعت تحريك هذه الماكنة؟ أنظروا في الآيات المكية، فيها بالدرجة الأولى ذكر القيامة والعذاب الإلهي، والتخويف من النقمة الإلهية للكافرين والمعرضين والعمي، هذا هو الشيء الذي حرّك الناس الحركة الأولى. يجب أن لا نغفل عن هذه النقطة. الشفاعة محفوظة في محلّها، والمحبّة محفوظة في محلّها، والولاية محفوظة في محلّها، لكن الله تعالى له رحمته وله سخطه. يجب أن نتذكر السخط الإلهي أيضاً. يجب أن نذكر به أنفسنا أولاً ومن ثمّ نذكر به الناس. هذا ما يهزّ قلوبنا وينتشلنا من أعماق الجهل والماديات والمشكلات، هذا مما نحتاجه, لنعرف الدنيا ولنعرف الآخرة ولنعرف واجباتنا ولنعرف الجهاد.

شعبنا اليوم شعب حديث الولادة في عالم غارق في المصاعب، بخلقة أخرى وهيئة أخرى وشاكلة أخرى وأبعاد وجودية جديدة. في عالم تتضافر فيه كل العوامل وتسعى وتواصل العمل من أجل إبعاد القلوب و الناس عن المعنويات، ولد شعب يتخذ من الإيمان بنية تحتية له، فهل هذا بالشيء القليل؟ إن هذا يتلألأ كالماس، ولا ضرورة لأن نزيد من الزخارف والحلي، فهو شيء يسطع كالشمس. إن لنا مثل هذا الشعب. المعنويات وكذلك المعارف الدنيوية، وجواهر العلم، والمساعي السياسية والعمل الإعلامي الصحيح، والبناء والإعمار وبناء المجتمع، والوصول إلى البنية الاقتصادية المتينة، والوصول إلى البنية الأخلاقية الرصينة... هذه كلها من أعمالنا ومهماتنا. انظروا ما الذي تستطيعون فعله في هذه القطاعات والجوانب المختلفة، وكم تستطيعون أن تعملوا على توعية الآخرين. لينتبه شعراؤنا إلى هذه النقاط، ولينتبه خطباؤنا إليها، وكذلك مدّاحو أهل البيت عليهم السلام، وانظروا عندئذ ماذا سيحدث.

إذا كان لنا ذخائر وعرفناها جيداً واستخدمناها، فسوف يكون شعبنا والمسلمون أغنى خلق الله. هذه الصلاة بحدّ ذاتها من هذه الذخائر. نؤدّي الصلاة ونتجاوزها بغفلة، كإنسان مصاب بفقر الدم، ونقص في الفيتامينات والبروتينات، ويحتاج إلى المواد الضرورية، وتتوفر له علبة مليئة بكل هذه المواد التي يحتاجها، فيشمّها ويضعها جانباً! عليه طبعاً أن يفتحها ويتناول منها، ويرسل الطاقة إلى جسمه، لكنّه يشمّ العلبة ويضعها جانباً! أما الذين لا يأبهون أصلاً فلا كلام عنهم. إنّنا نشمّ الصلاة هكذا، ونضعها جانباً! كلّ كلمة في الصلاة إنّما هي درس، وكلّ كلمة في الصلاة إنّما هي لذّة معنوية لو عرفنا قدرها. وكذا الحال بالنسبة للصيام، وكذا الحال بالنسبة للزكاة، وكذا الحال بالنسبة للجهاد. هكذا هو الأمر بالنسبة لتعاليم الدين. وهكذا هو الحال في ما يخص مدح أهل البيت عليهم السلام.كل كلمة في المدح الذي تقومون به يمكنه أن تشكل غذاء وبوسعها أن تنمّي المستمع وتعمل على تكامله.كان هذا كلاماً حول مدح أهل البيت عليهم السلام.
 


1- المولوي جلال الدين الرومي، مثنوي معنوي، الدفتر الخامس.
2- الفتح، 4.
3- التهذيب، ج1، ص83.

2017-03-16