يتم التحميل...

سفينة الثورة الإسلامية حافظت على استقرارها بفضل ذكر الله

ثقافة إسلامية

سفينة الثورة الإسلامية حافظت على استقرارها بفضل ذكر الله

عدد الزوار: 78

من خطبتا صلاة الجمعة - طهران  19/06/2009
سفينة الثورة الإسلامية حافظت على استقرارها بفضل ذكر الله

التقوى تستدر الرحمة والبركات الإلهية
قال الحكيم في كتابه: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، ولله جنود السماوات والأرض، وكان الله عليمًا حكيمًا}1.

أوصي جميع الإخوة والأخوات الأعزّاء وأدعوهم لمراعاة تقوى الله والتوجّه إليه تعالى وعقد آمال القلوب على الرحمة والفضل الإلهيّين في كلّ الأحوال. إذا انتهجنا تقوى الله، وإذا وجّهنا قلوبنا نحو الله في كلّ حال، ولم ننس وجودنا ووقوفنا أمام الذات الربوبيّة المقدّسة- وهذا هو المعنى الحقيقي للتقوى- فلا مراء أنّ البركات والرحمة والعون الإلهي ستشملنا. في صلاة الجمعة من كلّ أسبوع، يجب على قلوب المصلّين المتجّهة نحو الله تعالى مراجعة هذه الحقيقة وهذا المعنى المدهش، وتلقين أنفسها التقوى.

السكينة الروحية تيسر الطريق وتقرب السائرون نحو الأهداف
اقترنت هذه الأيام، من ناحية، بذكرى الولادة السعيدة للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وارتبطت من ناحية أخرى بأيّام شهر رجب المباركة الثمينة؛ أوقات الذكر، والدعاء والتوجه.

تبشّر الآية التي تلوتها المؤمنين وتذكّرهم بنـزول السكينة الإلهيّة. السكينة هي الهدوء حيال العواصف الروحيّة والاجتماعيّة المختلفة. ترتبط هذه الآية بحادثة الحديبيّة. في حادثة الحديبيّة تحرّك الرسول الأكرم (ص) من المدينة إلى مكّة بعدّة مئات من أصحابه بقصد العمرة - في السنة السادسة من الهجرة - ووقعت أحداثٌ أدّت من عدّة جهات إلى تزلزل واضطراب في قلوب المؤمنين. فمن جهة حاصرهم الأعداء بقوّات ذات عددٍ وعدّة، وقد كانوا بعيدين عن المدينة، فالحديبيّة قريبة من مكّة، وكانت قوّات الأعداء تستند على إمداداتها في مكة فهي قويّة ومدجّجة بالسلاح وعديدها كبير. وكان هذا الجانب يبعث على الاضطراب والقلق في قلوب كثيرٍ من المؤمنين. من جانبٍ آخر وطبقًا للسياسة الإلهيّة العظيمة المكتومة التي تجلّت بعد ذلك للجميع تنازل النبي في بعض الأمور أمام الكفار الذين جاءوا لمواجهته. قال الكفّار يجب حذف كلمة الرحمن والرحيم وبسم الله من نصّ المعاهدة، فوافق النبيّ؛ ووقعت عدّة مسائل أخرى من هذا القبيل، فشوّشت القلوب وأوقعت الشكّ والاضطراب فيها.

في مثل هذه الحالات حيث ينتاب الاضطراب المؤمنين بالإسلام؛ سواء من حيث القضايا الشخصيّة أو من حيث القضايا الاجتماعيّة، هنا يجب انتظار السكينة الإلهيّة. يقول عزَّ وجلَّ: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين}. ربط الله على القلوب ومنحها السكون وأنقذها من الطوفان الروحي فركن المسلمون إلى الهدوء من الناحية النفسيّة بفضل هذه السكينة التي أنزلها الله عليهم. حينئذ ستكون نتيجة هذه السكينة الإلهيّة والاستقرار الروحي: {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم}. سوف تتعمّق بذور الإيمان في قلوبهم، ويزداد نور الإيمان سطوعًا في أفئدتهم، وبالنتيجة- يقوى إيمانهم ويتعمّق أكثر. من هنا كان مهمًّا جدًّا لدى الجماعة المسلمة المؤمنة أن تُحسن الظنّ بالله وتعلم أنّ الله يعينها ويعين السائرين في طريق الحق. إذا قويت القلوب ترسّخت الخطوات أيضًا، وحين تترسّخ الخطوات يسهل طيّ الطريق ويقترب السائرون من الهدف.

أراد أعداء الإسلام دومًا تشويش قلوب المسلمين وزلزلتها. وقعت أحداثٌ عديدة طوال تاريخ الإسلام. وكذلك قبل الإسلام وفي الحركات الجهاديّة العظيمة للأنبياء الذين سبقوا نبيّ الإسلام الكريم. استطاع بعض المؤمنين الحفاظ على متانة إيمانهم وسكونهم الروحي فثبَّت هذا السكونُ الروحيّ حركاتهم ومسيرهم في الاتّجاه الإيمانيّ، فلم يتزلزلوا ولم يضطربوا ولم يضيّعوا الطريق، فتشخيص الطريق الصواب في حال التشويش والاضطراب عمليّة صعبة. وإنّ الإنسان المتمتّع بالسكينة الروحيّة- النفسيّة يفكّر بطريقةٍ صحيحة ويتّخذ قراره بنحوٍ صائب، ويتحرّك بصورةٍ صحيحة؛ هذه علامات الرحمة الإلهيّة.

سفينة الثورة الإسلامية حافظت على استقرارها بفضل ذكر الله
يحتاج مجتمعنا الثوريّ اليوم وشعبنا المؤمن إلى أن يوجد في نفسه هذا الهدوء وهذه السكينة وهذه الطمأنينة والوقار أكثر فأكثر. {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}2. فذكر الله هو الذي يحفظ القلوب في الحوادث العاصفة في الحياة. اغتنموا ذكر الله.

اقتربت أيّام شهر رجب كما ذكرنا، وأدعية شهر رجب بحارٌ من المعرفة. حينما يدعو الإنسان فإنّه لا يقرِّب قلبه من الله وحسب. فهذا موجود، وهناك أيضًا التعليم. ثمّة تعليم في الدعاء، وفيه أيضًا تزكية. الدعاء ينير الذهن ــ هذه الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام- ويعلّمنا حقائق ومعارف نحتاج إليها في حياتنا، ويوجّه القلوب أيضًا نحو الله. ينبغي اغتنام ذكر الله إلى أقصى حدّ. صلاة جمعتكم هذه هي ذكر لله: {فاسعوا إلى ذكر الله}2. ما يجب أن يغلب على قلوبكم وألسنتكم وحركاتكم هنا هو ذكر الله. القلب يذكر الله، واللسان يذكر اسم الرب المقدس، وحركات الأيدي والأرجل والأجسام تتّجه كلّها إلى ذكر الرب وطاعة أوامره. هذا ما يحتاجه كلّ فرد منّا.

أقول لكم إنّه منذ بداية الثورة وإلى اليوم - حيث مضت ثلاثون سنة - وقعت لهذا البلد أحداث كثيرة بعضها كان يمكن أن يستأصل شعبًا أو نظامًا أو يعرّض بلدًا لبحار مضطربة عاصفة لا يدري كيف يقابلها. وهذا ما نراه في بعض بلداننا الجارة. لكن هذه السفينة المتينة المستندة إلى إيمانكم، وإرادتكم، وقلوبكم المنيرة، وذكر الله، لم يعترها أدنى اضطراب في هذه العواصف المختلفة. هذا دليل الرحمة الإلهيّة ومؤشّر فضل الله المتواتر عليكم أيّها الشعب العزيز.

حذار من الإغترار والغفلة عن ذكر الله
التمتّع بالفضل الإلهيّ شيء والحفاظ على الفضل والرحمة الإلهيّة شيء آخر. حذار من أن نغترّ بأنفسنا، حذار من أن نقول حين نشاهد يد العون الإلهي: "إنّنا محظيّون عند الله والله ينظر إلينا"؛ فنغفل بذلك عن واجباتنا، وعن ذكر الله في قلوبنا. وأقول لكم خصوصًا أيّها الشباب الأعزّاء في كلّ أرجاء البلد وأينما كنتم: أيّها الشباب، اغتنموا هذه القلوب الطاهرة المنيرة الليّنة واجعلوها تنتهل وترتوي من ذكر الله. اجعلوها طافحة بذكر الله وعندئذ سيُديم الله تعالى عنايته وفضله ورحمته على هذا الشعب. واعلموا -أقولها اليوم- حسب ما أرى من هذا الشعب وحسب اطّلاعي على تاريخ الماضين في بلدنا وفي سائر البلدان، فإنّني واثق وعلى يقين من أنّ هذا الشعب سيبلغ جميع أهدافه العليا بتوفيقٍ من الله وحول منه وقوة.

اعرفوا قدر هذا الفضاء المعنويّ في المجتمع. وحذارِ أن تغفلنا حالات الهياج السياسي عن الله. حذارِ أن تغفلنا السجالات المتنوّعة4 في البلد -وهي ظاهرة طبيعيّة لدى الشعب الحر- فلا نعلم إلى أين نريد السير ولا ندري كيف نريد أن نسير. قامت هذه الثورة منذ بدايتها على أساس الإيمان النقي الصادق، وستكون مواصلة هذا الطريق على هذا الأساس نفسه.

إستطاع نظامنا بفضل الروح المعنوية الثبات بوج العواصف العاتية
رغم وجود كلّ عوامل الانحراف فإنّ شعبنا والحمد لله مؤمن، محبٌّ لله، عارف بدينه، راغبٌ في المعنويّة. الشباب اليوم في العالم الذي تحكمه النـزعة الماديّة غارقون في الحيرة والاضطراب. وقد جعلهم بُعدهم عن المعنويّة مشتّتين متزلزلين لا يعلمون ماذا يجب أن يفعلوا، ووقع مفكّروهم في الحيرة والعجز. وقد أدرك بعضهم أنّ سبيل صلاح أمورهم هو العودة إلى المعنويّة. ولكن كيف يريدون استعادة المعنويّة المفقودة التي سحقت في البلدان الغربية طوال قرنين بشتّى الوسائل؟ إنّها ليست بالعمليّة السهلة. لكنّ شعبنا هكذا، فقد سار في درب المعنويّة العظيم واستطاع بهذه المعنويّة أن ينتصر في ثورة بهذه العظمة. وتمكّن بفضل المعنويّة تأسيس نظام إسلامي يرتكز إلى المعنويّة في هذا العالم المادي، ويعزّز أركانه ويصونه إزاء الهجمات والعواصف المختلفة. استطاع شعبنا أن يخوض حربًا مفروضة مدّة ثمانية أعوام، ويخرج منها شامخًا منتصرًا، اعتمادًا على هذه المعنوية. ومعظم شبابنا اليوم أيضًا مؤمنون معنويّون. حتى الذين لا تلوح آثار المعنويّة على سيماهم ظاهريًّا، يلاحظ المرء أنّ قلوبهم تتّجه نحو الله في المواقع الحسّاسة. قلتُ مرارًا إنّ ليالي القدر وأيّام الاعتكاف ومراسم صلاة عيد الفطر يحضرها أفراد وأشخاص لم يكن المرء يتصوّر حضورهم، يتوجّهون بقلوبهم نحو الله.

ربّنا نقسم عليك بالقرآن، نقسم عليك بالقرآن وبأئمّة الهدى (عليهم السلام) والنبي المكرم (ص): املأ قلوبنا بالمعنويّة أكثر فأكثر. ربّنا لا تقصّر أيدينا عن القرآن وأهل البيت. اللهم أنزل التقوى والإيمان والسكينة على قلوب هذا الشعب الكبير. اللهم انصر هذا الشعب المقتدر المظلوم أمام أعدائه. ربّنا أبقِ قلوبنا متوجّهةً إليكَ. ربّنا اجعل ما نقوله وما نفعله لك وفي سبيلك، واقبله منا. ربّنا بلّغ سلامنا لوليّكَ وحجّتك وعبدك الصالح سيّدنا بقيّة الله (أرواحنا فداه)، واستجب دعاءه في حقّنا.

{بسم الله الرحمن الرحيم* والعصر* إنّ الإنسان لفي خسر* إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر}5
 


1- سورة الفتح، الآية: 4
2- سورة الرعد، الآية: 4.
3- سورة الجمعة، الآية: 9.
4- الجدل والمنازعة في الحديث والانتقادات.
5- سورة العصر، الآيات1-3

2017-03-16