يتم التحميل...

" المهدوية " مسيرة البشرية على خطى الأنبياء نحو العدالة التامة

ثقافة إسلامية

" المهدوية " مسيرة البشرية على خطى الأنبياء نحو العدالة التامة

عدد الزوار: 88

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في جمع من أساتذة و خريجي فرع المهدوية الزمان: 9/7 /2011م.
" المهدوية " مسيرة البشرية على خطى الأنبياء نحو العدالة التامة

العناوين الرئيسية

· قضية المهدويّة تقترن أهميتها بأهمية النبوة
· زمن الظهور : بداية مسيرة البشرية نحو العدالة
· قضية المهدوية مقولة جميع الأديان الإلهية
· المهدوية بين الشيعة والمذاهب الإسلامية
· الحذر من " الأبحاث المهدوية" غير العلمية
· ضرورة التوجه والتوسل بالإمام المهدي ولو عن بعد

قضية المهدويّة تقترن أهميتها بأهمية النبوة
أمّا قضية المهدويّة التي تتناسب في هذه الأيام مع اقتراب ذكرى النصف من شعبان وهذا العيد الإسلامي الكبير بل الإنساني، فاللازم أن أعرض لهذا المقدار وهو: إنّ قضية المهدويّة هي في عِداد المسائل الأصلية التي تدور في سلسلة المعارف الدينية العليا كقضية النبوّة مثلاً، حيث إنّ أهمّيتها ينبغي أن تُقارن بأهمية النبوّة. لماذا؟ لأنّ ذاك الشيء الذي تبشّر به المهدويّة هو نفس الأمر الذي جاء من أجله جميع الأنبياء وانطلقت من أجله جميع البَعَثات، وهو عبارة عن إيجاد عالمٍ توحيدي مبني وقائم على أساس العدالة وبالاستفادة من جميع الاستعدادات التي أودعها الله تعالى في الإنسان؛ ومثل هذا العصر هو عصر ظهور الإمام المهدي سلام الله عليه وعجّل الله تعالى فرجه، هو عصر المجتمع التوحيدي، عصر حاكمية التوحيد، عصر الحاكمية الحقيقية للروحانية والدين على كلّ مجالات حياة البشر، وعصر استقرار العدل بمعناه الكامل والجامع. حسناً، لقد جاء الأنبياء من أجل هذا.

زمن الظهور : بداية مسيرة البشرية نحو العدالة
لقد ذكرنا مراراً أنّ جميع التحرّكات التي قام بها البشر في ظلّ تعاليم الأنبياء وطيلة هذه القرون المتمادية هي حركة نحو الجادّة العريضة المُعبّدة التي ستكون في عصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف متّجهة نحو الأهداف السامية حيث يسير الناس عليها. مثله مثل جماعة من الناس يتحرّكون في الجبال والأودية والطرق الشاقّة والصعبة والمُنعطفات الخطرة تبعاً لإرشاد أشخاصٍ معيّنين من أجل أن يصلوا إلى تلك الجادّة الأساس. فعندما يصلون إلى الجادّة الأساس يُفتح الطريق أمامهم ويتبيّن الصراط المستقيم وتصبح الحركة عليه سهلة، ويمكن السير عليه بِيُسر. فإذا وصلوا إلى تلك الجادّة الأساس لن تُبتلى هذه الحركة بالتوقّف؛ كلا، بل سيبدأون سعياً جديداً نحو الأهداف الإلهية السامية؛ وذلك لأنّ استعدادات البشر لا منتهى لها. وطوال هذه القرون المتمادية كان البشر يسيرون على هذه الطرق وعلى المنعطفات والطرق الصعبة والشاقّة وهم يواجهون الموانع المتعدّدة بأبدانٍ متعبة وأقدامٍ مثخنة بالجراح من أجل أن يُوصلوا أنفسهم إلى هذه الجادّة الأصلية. وهذه الجادّة الأصلية هي جادّة زمان الظهور؛ إنّه عالم الظهور الذي ستبدأ البشرية فيه حركتها.

قضية المهدوية مقولة جميع الأديان الإلهية
فلو لم تكن المهدوية لكان معنى ذلك أنّ جميع مساعي الأنبياء وكلّ هذه الدعوات والبعثات وهذه التضحيات والجهود المضنية ستكون بلا فائدة وتبقى بلا أثر. لهذا إنّ قضية المهدوية هي قضية أساس وتُعدّ من المعارف الإلهية الأساس. لهذا فإنّ جميع الأديان الإلهية تقريباً إلى الحدّ الذي وصلت إليه مطالعاتنا لديها ما يُمثّل اللبّ والمعنى الحقيقي للمهدوية، لكن بأشكالٍ تمّ تحريفها وأشكالٍ مُبهمة دون أن يتّضح المراد منها بالدقّة.

المهدوية بين الشيعة والمذاهب الإسلامية
إنّ قضية المهدوية في الإسلام من المسلّمات وهي لا تختصّ بالشيعة. فإنّ جميع المذاهب الإسلامية تقبل بأنّ غاية العالم عبارة عن إقامة حكومة الحقّ والعدل على يد المهدي عليه الصلاة والسلام وعجّل الله فرجه. فقد تمّ نقل رواياتٍ معتبرة بطرقٍ مختلفة في المذاهب المتعدّدة عن النبي الأكرم والأجلاّء. لهذا، لا يوجد في ذلك أيّ شكٍّ. غاية الأمر أن امتياز الشيعة في هذا الأمر أنّ قضية المهدوية عندهم لا يعتريها الإبهام، وليست مسألة معقّدة يصعب على الناس فهمهما، بل هي مسألة واضحة ولها مصداقٌ واضح نعرفه، ونعرف خصائصه ونعرف آباءه وأُسرته وولادته وتفاصيل أخباره. وفي مثل هذه المعرفة لا ينحصر الأمر بروايات الشيعة، فهناك رواياتٌ جاءت عن طرقٍ غير شيعية توضّح لنا مثل هذه المعرفة، ويجب على أتباع المذاهب الأخرى أن يلتفتوا ويدقّقوا حتى تتضح لهم هذه الحقيقة. لهذا إنّ أهمية المسألة هي بهذا المستوى ونحن أولى من الآخرين أن ننهض لمعالجتها، ويجب القيام بالأعمال العلمية والدقيقة والمتقنة على هذا الصعيد.

انتظار أالمهدي : ترقب واستعداد للإلتحاق بالحرة المهدوية
وقضية الانتظار قضية لا تنفكّ عن قضية المهدوية. فالانتظار من المصطلحات المفتاحية الأساس لفهم الدين والحركة الأساس والعامّة والاجتماعية للأُمّة الإسلامية نحو الأهداف الإسلامية السامية؛ الانتظار يعني الترقُّب، يعني ترصّد حقيقة قطعية؛ الانتظار يعني ذاك المستقبل الحتمي والقطعي، وخاصّة انتظار موجود حيّ وحاضر، فهذه مسألة في غاية الأهمية. فلا يُكتفى بالقول إنّ هناك من وُلِد ووُجِد؛ كلا، فهذا الموجود له حضور بين الناس. وفي الروايات أنّ الناس يرونه وهو يرى الناس ولكن لا يعرفونه. وفي بعض الروايات شُبّه بالنبي يوسف الذي كان يراه إخوته وكان بينهم وجلس مجلسهم ولكنّهم لم يعرفوه. فهو حقيقة بارزة واضحة ومستنهضة؛ هذا ما يعين على فهم معنى الانتظار. فهذا الانتظار ممّا تحتاجه البشرية والأُمّة الإسلامية بطريقٍ أولى. هذا الانتظار يضع على عاتق الإنسان تكليفاً. فعندما يكون الإنسان على يقين من مثل هذا المستقبل كما جاء أيضاً في الآية القرآنية (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)1 ،(إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)2 ، فمن كان من أهل العبودية لله يفهم وعليه أن يُهيّئ نفسه ويكون مُنتظراً وُمترصّداً. لأنّ من لوازم الانتظار الإعداد الذاتي؛ أن نعلم أنّ هناك واقعة كبرى ستَحدُث ونكون منتظرين دوماً. فلا يصحّ أبداً أن يُقال إنّه قد بقي سنواتٌ أو فترات محدّدة لوقوع الأمر، ولا يصحّ أبداً أن يُقال إنّ هذه الحادثة قريبة وسوف تقع في هذه الأيام المقبلة. وعلينا أن نكون مترصّدين دائماً ومنتظرين دوماً. الانتظار يوجب على الإنسان أن يُعدّ نفسه بطريقة وهيئة وخُلُقٍ يُقارب الشاكلة والهيئة والخُلُق المتوقّع في الزمان الذي ينتظره. فهذا من لوازم الانتظار. فعندما يكون ذلك العصر المُنتظَر هو عصر الحقّ والتوحيد والإخلاص والعبودية لله وهو منتظَرٌ فعلينا أن نُقرّب أنفسنا من مثل هذه الأمور ونُعرّف أنفسنا إلى العدل ونُهيّئها للعدل ولقبول الحقّ. إنّ الانتظار يُوجد مثل هذه الحالة. ومن الخصائص المُودعة في حقيقة الانتظار أن لا يقنع الإنسان بمقدار التقدّم الحاصل في وضعه الحالي؛ بل يسعى للإكثار منه يوماً بعد يوم، وأن يزيد من تحقّق الحقائق ومن الخصال المعنوية والإلهية في نفسه وفي المجتمع. إنّ هذه من لوازم الانتظار.

الحذر من " الأبحاث المهدوية" غير العلمية
البحث في القضايا المهدويّة محصورٌ بأهل الاختصاص فقط .
حسناً، بحمد الله هناك اليوم من يقوم بأعمالٍ علمية كما جاء في التقارير التي قدّمها الأستاذ قراءتي وقد اطّلعتُ عليها سابقاً. وهو قد أشار الآن إلى هذا الأمر وذكره. فلا ينبغي الغفلة عن هذه الأعمال العلمية المتلازمة مع الدقّة بما يتعلّق بقضية الانتظار وقضية عصر الظهور.

ويجب اجتناب عمل العوام والجهلة بشدّة؛ فمن الأشياء التي يمكن أن تُشكّل خطراً كبيراً مثل هذه الأعمال التي هي بعيدة عن المعرفة ولا ترجع إلى سندٍ ومدركٍ بما يتعلّق بقضية إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف،وهو ما سيُشكّل فرصة مناسبة للأدعياء الكاذبين. فالأعمال غير العلمية وغير الموثّقة والتي لا تعتمد على المصادر والمدارك المعتبرة هي أوهامٌ وخيالاتٌ صرفة، ومثل هذه الأمور تُبعد الناس عن حالة الانتظار الحقيقية، وتُهيّئ الأرضية للأدعياء الكاذبين والدجّالين؛ فيجب اجتناب هذه الأمور بشدّة.

على مرّ التاريخ ظهر أدعياءٌ؛ بعض المُدّعين قاموا بتطبيق إحدى العلامات على أنفسهم أو على أحد الأشخاص كما أُشير إليه الآن، وكلّ هذه أخطاء. إنّ بعض الأشياء التي ترجع إلى علامات الظهور ليست قطعية وهي أمورٌ لم ترد في الروايات المعتبرة التي يمكن الاعتماد عليها، وهناك روايات ضعيفة لا يصحّ الاستناد إليها، وتلك الموارد التي يمكن الاستناد إليها لا يُمكن تطبيقها بسهولة. لقد وُجد دوماً من كان يُطبّق هذه الأشعار الصادرة عن شاه نعمة الله ولي على مرّ السنين وفي موارد عديدة على أشخاصٍ مختلفين على مرّ القرون وهذا ما شاهدته بنفسي؛ قد يأتي شخص ويقول لقد رأيتُ رجلاً بطريقة ما؛ وما قد رآه في الواقع هو شخص ما. ثم يأتي زمان آخر -لنفرض بعد مئة سنة- فيجد شخصاً آخر ينطبق عليه نفس الأمر. هذا خطأٌ وهذه أعمالٌ مُضلّة وتُوقع في الأخطاء. فعندما يقع الانحراف والخطأ فسوف تُهجر الحقيقة ويُشتبه الأمر فيها، وتتهيّأ الوسيلة لإضلال أذهان الناس. لهذا ينبغي اجتناب عمل العوام والاستسلام للشائعات العامّية بشدّة، وليكن العمل علمياً قويّاً موثّقا بالمدارك والأسانيد، وهو بالطبع عمل أهل هذا الفنّ، وليس عمل أي إنسان، بل ينبغي أن يكون من أهله ومن أهل الحديث والرجال والأسانيد، ومن أهل الفكر الفلسفي؛ فليعلم ويتعرّف إلى الحقائق وعندها يمكن أن يدخل في هذا الميدان ويقوم بالأعمال التحقيقية. ويجب الاعتناء بجدّية في هذا القسم من العمل مهما أمكن لكي يُفتح الطريق بمشيئة الله أمام الناس، وكلّما استأنست القلوب بمقولة المهدوية وتعرّفت إليها وأضحى حضور هذا العظيم بالنسبة لنا نحن الذين نعيش في عصر الغيبة محسوساً أكثر ونشعر به أكثر ويتعمّق ارتباطنا به فسيكون أفضل بالنسبة لعالمنا ولتقدّمنا نحو تلك الأهداف.

ضرورة التوجه والتوسل بالإمام المهدي ولو عن بعد
إنّ لهذه التوسّلات الموجودة في الزيارات المختلفة – والتي لبعضها أسانيد جيّدة – قيمة عالية. فالتوسّل والتوجّه والأُنس بهذا الإنسان العظيم عن بُعد لا يعني أن يدّعي أحدٌ أنّني سأصل إلى محضره أو أسمع صوته؛ أبداً ليس الأمر كذلك، فأغلب ما يُقال في هذا المجال ادّعاءاتٌ: إمّا أن تكون كذباً، أو أنّ من يقولها لا يكذب ولكن يتخيّل. لقد شاهدنا أشخاصاً لم يكونوا كاذبين ولكن كانوا يتخيّلون وقد نُقلت تخيّلاتهم لهذا وذاك كوقائع. فلا ينبغي الإذعان لمثل هذه الأمور. إنّ الطريق الصحيح هو الطريق المنطقي. وذاك التوسّل توسّلٌ عن بُعد. والتوسّل الذي يسمعه الإمام منّا سيقبله إن شاء الله ولو كنّا نتحدّث مع مخاطبنا عن بُعد، فلا إشكال في ذلك. والله تعالى يوصل سلام المسلّمين ونداء المنادين إلى هذا الجليل. فهذه التوسّلات وهذا الأُنس المعنوي جيدٌ جداً وضروري.


1- سورة الأنبياء، الآية 105.
2- سورة الأنبياء، الآية 106.


 

2017-03-16