العلوم الإنسانية : للإستفادة من الفكر الغربي مع الإجتهاد لا التقليد
ثقافة إسلامية
العلوم الإنسانية : للإستفادة من الفكر الغربي مع الإجتهاد لا التقليد
عدد الزوار: 72
العلوم
الإنسانية : للإستفادة من الفكر الغربي مع الإجتهاد لا التقليد
هناك مسألة بيّنتها هذه السيّدة المحترمة بما يتعلّق بالعلوم الإنسانية
وهي صحيحة تماماً. أولاً، هذا المطلب الذي ذُكر كان مدروساً بدقّة. ما يُقال من أنّ
تطور الفكر يقف خلف تقدّم العلوم, وما يُقال من أنّ مبدأ التغيّر والتحول في الشعوب
قبل العلم والتجربة هو الفكر، هو كلامٌ صحيحٌ تماماً ومُثبت. ولهذا أنا أظهر حساسية
تجاه قضايا العلوم الإنسانية. نحن لم نقل إنّه لا ينبغي أن نستفيد بأيّ شكلٍ من
الأشكال من معارف الغربيين التي كان فيها الكثير من الطفرات وعبر قرون عدة في
مجالات العلوم الإنسانية المختلفة أو أن لا نقرأ كتبهم، لكن ما نقوله هو أن لا
تقلّدوا. وهذه السيّدة في كلمتها أشارت إلى هذه المسألة وهي مسألة صحيحة.
إنّ مباني العلوم الإنسانية في الغرب تنبع من الفكر المادّي. وكلّ من اطّلع على
تاريخ النهضة ولديه معرفة بذلك وتعرّف إلى شخصيّات هذا العصر، فإنّه سيصل إلى هذه
النتيجة قطعاً. حسناً، لقد كانت النهضة مبدأ التغيّرات المختلفة في الغرب, لكنّ
المباني الفكرية الموجودة عندنا تختلف عن مبانيهم. ولا يوجد أي إشكال في أن نستفيد
نحن من علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، وعلوم الاتصالات، وجميع الفروع العلمية
الإنسانية التي ابتُكرت في الغرب أو توسّعت هناك. لقد قلت مراراً إّننا لا نشعر
بالمذلّة من التعلّم بأي شكلٍ من الأشكال. علينا أن نتعلّم، نتعلّم من الشرق ومن
الغرب، "أطلب العلم ولو في الصين"، فهذا أمرٌ واضحٌ. إنّنا نشعر بالمذلّة عندما لا
يكون هذا التعلّم مؤدياً إلى المعرفة والوعي والقدرة على التفكّر عندنا. فلا ينبغي
أن نبقى دائماً تلامذة, نكون تلامذة حتى نصبح أساتذة. والغربيون لا يريدون هذا
الأمر. لقد كانت السياسة الاستعمارية للغرب مبنيّة ومنذ البداية على هذا، حيث
أرادوا أن يكون هناك في العالم تمييز وهويتان، ومستويان في القضايا العلمية.
فالتاريخ، أحد العلوم الإنسانية: التاريخ الذي أوصي مرة أخرى بقراءته، طالعوا
التاريخ في عصر الاستعمار لتروا أيّة انتهاكات ارتكبها الغربيون في هذا المجال،
بالرغم من ظاهرهم الأنيق المعطّر والمنظّم والمرتّب وادّعاءاتهم حول حقوق الإنسان.
لم يكتفوا بقتل البشر، بل سعوا كثيراً لإبعاد الشعوب المستعمَرة عن مجال التقدّم
وسلبها إمكانية التطوّر في جميع المجالات. وما نريده نحن هو أن لا يحصل هذا الأمر.
نحن نقول ادرسوا العلوم الإنسانية لكي تتمكّنوا من إنتاجها بشكلها المحلّي، وبعدها
صدّروها إلى العالم. أجل، عندما يحدث هذا، فإنّ كلّ من يتخرّج من محيطنا سيكون مورد
أملنا واعتمادنا. لهذا نحن نقول أن لا نكون مقلّدين في هذه العلوم. هذا هو كلامنا
في مجال العلوم الإنسانية.
وفي مورد العلوم الإنسانية حيث جرى الحديث عنها أقول هذه المسألة: إنّ ما قلناه
بشأن العلوم الإنسانية وكرّرناه هو ما ذُكر: يجب علينا الاجتهاد في باب العلوم
الإنسانية ولا ينبغي أن نكون مقلّدين. ولكن افرضوا الآن أنّه تم حذف تلك الفروع من
العلوم الإنسانية من الجامعة أو تمّ التقليل منها فإنّني لن أبدي أي رأي بشأن هذه
الأمور، فإنّني لن أنفي ولن أثبت، فالأمر ليس من شأني، إنّه عمل المسؤولين. فمن
الممكن أن يروا المصلحة بحذف بعض الفروع أو لا، ولن أعلّق, إنّ قولي هو أن يتمّ
العمل بعمق في باب العلوم الإنسانية وأن يسعى أصحاب الفكر والمعرفة في هذه
المجالات.