الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين : "المسؤولون" أشد حاجة للذكر من سواهم
ثقافة إسلامية
الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين : "المسؤولون" أشد حاجة للذكر من سواهم
عدد الزوار: 131
من كلمة
الإمام الخامني في لقائه مسؤولي البلاد في رحاب شهر رمضان. الزمان: 31/6/1386هـ. ش
ـ 10/9/1428هـ.ق ـ 22/9/2007م.
الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين : "المسؤولون" أشد حاجة للذكر من سواهم
ذكر الله يصون القلوب من ظلمات الأهواء والشهوات
ولكنني أحببت أن أغتنم هذه الفرصة إلى حد ما؛ وذلك للحديث عما له
الأولوية دون الاستنتاجات والتوضيحات والقرارات السياسية، وهو حديث القلب الذي ينبع
من إيماننا الصادق, والذي باستطاعته أن يقوم بدور الروح في البدن, أو النور في
الظلمة, أو بثّ الحياة في الأجسام الساكنة.
ولهذا فقد وقع اختياري على هذه الآيات لنتأمّلها معاً حسب الفرصة السانحة.
إنني أجد من اللازم إعادة وتأمّل وتدبّر قوله تعالى {
اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}1
وأشعر بالحاجة الماسّة إلى ذلك فضلاً عن العمل به.
ولأنني أحسست بحاجتي إلى ذلك فقد بدا لي أنكم وأننا جميعاً في أمسّ الحاجة أيضاً
إلى تدبّر هذه الآية الشريفة والعمل بها.
يقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}
ويأتي هذا الخطاب بعد تأسيس المجتمع المؤمن وتعرّضه للابتلاءات وامتحانات عديدة.
إنّ هذه الآيات هي آيات من سورة الأحزاب، وقد نزلت بعد السنة السادسة للهجرة، أي
بعد غزوة بدر وأُحد وسواهما من الغزوات، إلى أن جاءت غزوة الأحزاب. وفي مثل هذه
الظروف نجد أنّ القرآن الكريم يخاطب المسلمين بالقول:
{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} وذلك بدلاً من الغفلة والنسيان.
إنّ الانغماس في الأحداث والنوائب المختلفة والابتعاد عن القضية الأصلية يمثّل
مشكلة عويصة بالنسبة لنا نحن البشر، والله تعالى ينهى عن ذلك، ويأمرنا بذكره
سبحانه، بل بذكره ذكراً كثيراً.
ولعله من المناسب هنا أن أذكّر بهذه الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه، إلا الذكر، فليس له حد
ينتهي إليه). ثم يوضّح عليه السلام قائلاً:
(فرض الله عزَّ وجَلْ الفرائض، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ) ثم يقول: (وشهر رمضان، فمن
صامه فهو حدّه، والحج، فمن حجّ فهو حدّه).
ونلاحظ هنا أنّ تعبير (فهو حدّه) أتى في الفرائض (إلا
الذكر، فإن الله عزَّ وجَلْ لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل له حداً ينتهي إليه)
ثم تلا عليه السلام قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} فهذه هي أهمية
الذكر.
ثم يقول الله تعالى في الآية التالية {هُوَ الَّذِي
يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}.
وفي تفسير هذه الآية يقول المرحوم العلامة الطباطبائي(رضوان الله عليه) في الميزان:
إنّ قول تعالى {هو الذي يصلي} ورد في مقام
التعليل لفعل الأمر{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}.
ولا تقتصر الصلاة على المؤمنين على الله عزَّ وجَلْ وحده، بل إنّ ملائكته أيضاً
يصلّون عليكم أيها المؤمنون{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} والصلاة من الله تعالى بمعنى الرحمة، ومن
الملائكة بمعنى الاستغفار للمؤمنين، وفي هذا يقول القرآن الكريم
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
فما هي العلة إذاً في هذه الصلوات وهذه الرحمة وهذا الاستغفار من الحق جلّ شأنه ومن
الملائكة الإلهيين نزولاً من عالم الغيب ومن الملأ الأعلى عليكم أيها المؤمنون؟
أجاب سبحانه قائلاً{لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى
النُّورِ} وفي هذا كلام يقصر عنه المقام. ولكنها ظلمات الفكر والقلب
والأخلاق، وذلك في مقابل النور.
إنّ العمل أيضاً يمكن أن يكون ظلمانياً، ويمكن أن يكون نورانياً، وكذلك فكر الإنسان
وعقله وعقائده، وأيضاً أخلاقه وصفاته، وكذلك في نفس السياق تكون حركة الشعوب، فهي
إما أنْ تتجه نحو الظلمة، وإما نحو النور.
إنّ الشهوات والعنف الحيواني والجشع وحب الدنيا إذا ما تمكّنت من الفرد أو المجتمع
أو السلطان فإنها تكون ظلمة، وحركة ظلمانية، واتجاهاً ظلمانياً، وهدفاً ظلمانياً.
وأما إذا ما غلبت عليه المُثُل والقيم المعنوية والعقيدة الدينية والصفات الإنسانية
والفضائل الأخلاقية وحب الخير والصدق والإخلاص، فإن هذه هي النورانية، وهو ما
يدعونا إليه القرآن.
إنّ الله تعالى وملائكته يجهّزوننا للخلاص من تلك الظلمات والدخول بنا إلى ساحات
النور، وكل هذا بفضل ذكر الله تعالى ذكراً كثيراً.
على أنّ الذكر الإلهي لا يقف عند حد، بل له مراحل متعالية، ولكل منّا نحن البشر
مرتبتهُ ومنزلته، فلسنا جميعاً على وِزَانٍ واحد.
إنّ البعض يتمتع بمرتبة ساحقة من الناحية الروحية كالأولياء والأنبياء والصالحين
وأصحاب القلوب الوالهة والقرب الإلهي.
وأما البعض الآخر، كأمثالنا، فلا حظَّ لهم في تلك الدرجات العُلَى، بل إنّ بعضنا لا
يدري حتى ما تحفل به تلك المنازل، ومع ذلك فالذكر لنا ولهم أيضاً، ولكن الذكر لهم
فهو كما جاء في رواية عن أمير المؤمنين(عليه الصلاة والسلام) حيث قال: (الذكر
مُجالسة المحبوب) فلذّةُ الذكر بالنسبة للأولياء تتمثل بالمجالسة.
ثم يقول عليه السلام في رواية أخرى (الذكر لذّة المحبين) وهذا هو حال المحبّين
والعشّاق الإلهيين.
هنيئاً لكم إذا ما انطلقت شرارة أو أضاء قبس من هذا الشعاع في حياتكم، ولاسيّما في
مثل هذه الأيام والليالي، وهو ما قد يحدث أحياناً، ولكنه دائم الوقوع لأولئك
المقرّبين (طوبى لأولئك الذين هم دائماً في صلاة) فهذا من نصيب هؤلاء، ومع ذلك فقد
تقدح شرارة لمن دونهم في الدرجة والمنزلة، وهو بحدّ ذاته فضل عظيم.
إنّ هذه إحدى مراحل الذكر، وهي خاصة بالمحبّين وأصحاب العشق الإلهي، ولكن هناك
فوائد جمّة للذكر تعود علينا نحن الذين لم نبلغ تلك المرتبة الشامخة، وقد دوّنت
ملاحظات حولها، ومنها: (التغلب على الرغبات المادية والأهواء المضلة).
إنّ الذكر يحمي نفوسنا ويدفع عنّا هجمات تلك النزوات الطائشة، ولاسيّما تلك التي
تستهدف القلب، فهو سريع الاستجابة لها.
إنّ قلوبنا وأرواحنا سرعان ما تصاب بسهام الأهواء.
إنّ الأشياء التي تؤثر فينا عادةً ما تجذب القلوب بمختلف أنواع الجاذبية.
إنّ القلب منزل الذات الإلهية المقدسة، وفيه يتجلى المولى سبحانه، وإنّ قلب الإنسان
يحتل أرفع منزلة في الكيان والوجود الإنساني، أي عمق وحقيقة الوجود الإنساني، فلابد
له من حامٍ إذا ما أردنا الإبقاء عليه سليماً معافى، وهذا الحامي والحارس هو الذكر.
إنّ الذكر لا يدع القلب هدفاً سائغاً تنال منه هجمات الأهواء النفسية الضارية.
ذكر الله أحد ركني النصر في سوح القتال
وإنّ الذكر يحول بين القلب والانغماس في الفساد والغوص إلى مستنقع
الشهوات المدمرة. لقد صادفتُ رواية رائعة في هذا الصدد تقول:
(الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارّين).
ففي ميدان الحروب نجد مقاتلاً يستميت في الدفاع، ويُفرغ كل طاقاته لتوجيه ضربة
قاصمة للعدو وصدّ هجماته، كما نجد جندياً آخر قد يلوذ بالفرار، ولا يحتمل ضراوة
المعركة، فيتخلى عن ساحة القتال للعدو.
إنه لتشبيه بليغ ذلك الذي أوردته هذه الرواية، حيث جاء تشبيه الذكر بالمقاتل،
فالمقاتل يصد هجوم الأعداء، والذكر يدرأ الأخطار عن الثغور، ويحمي حدود القلوب في
مواجهة أعتى المُضلاّت.
ولذلك يقول الله تعالى في الآية الشريفة، وهي من آيات الجهاد:
{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ
اللّهَ كَثِيرًا}2 ثم يقول
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} حيث رتّب النصر والفلاح على الثبات وذكر الله
تعالى.
فلماذا ذكر الله؟ لأن الذكر يقوّي القلوب، فإذا قويت القلوب رسخت وثبتت الأقدام.
إنّ القلوب الهزيلة تفرّ في معارك القتال قبل أن تفرّ الأقدام وتنسحب الجيوش،
فالأفئدة هي التي تدفع الأبدان إلى التقهقر، فإذا ما ثبتت القلوب ثبتت الأبدان.
إنّ عليكم بذكر الله في ساحات الحروب، عسكرية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو
إعلامية، فذلك يؤدي إلى التوفيق والفلاح.
إنّ ذكر الله هو ضمانة ثبوت الأقدام.
وعلى هذا، فإن الذكر يساعدنا على السير في ذكر الصراط المستقيم وتحقيق السّبْق
والتقدم.
نحن "المسؤولون" أشد حاجة للذكر من سائر الناس
إنّ الهدف الذي رسمناه لأنفسنا كمسلمين ومؤمنين وأتباع لدين كامل نتوق
لتشييد ذلك الصرح الشامخ الذي يُنبئ عن ازدهار الحضارة الإسلامية في غد الأيام،
لابد لنا فيه من ذكر الله؛ حتى يتسنّى لنا المضيّ قُدُماً على هذا الطريق.
إنني وأنتم أشدّ حاجة للذكر من سائر الناس، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ ثمة فرقاً
كبيراً بينكم وبين الآخرين، وهذا ما دعاني إلى القول في البداية بأن علينا اغتنام
فرصة هذا اللقاء، ويتجسّد هذا الفرق في تحمّلكم المسؤولية للدفاع عن سواكم من
المواطنين والحفاظ على حقوقهم، وهي مسؤولية مؤثرة.
فإذا ما أحكمتم قبضتكم على الأخذ بزمام هذه المسؤولية، أو ضعفتم في الحفاظ عليها،
أو تخلّيتم عنها بصورة نهائية، فإن الظروف والأوضاع ستختلف عن أولئك الذين لا تقع
على كاهلهم مسؤوليات كبرى وأساسية.
إذاً فأنتم أحوج ما تكونون للذكر قبل الآخرين.
إنّ ذكر الله الذي يتحكّم في قلوبنا سيترك أثره بلا ريب على سلوكنا وأخلاقنا,
والقيام بواجباتنا, وتحمّل مسؤولياتنا, والاجتناب عن الخطايا والذنوب, وكل ما يأتي
بالوزر والوبال ويستوجب الغضب الإلهي.
الذكر أن تذكر الله عندما تهم بالمعصية
حسناً، فما هو الذكر إذاً..؟
هناك روايتان، إحداهما عن أبي عبد الله الإمام الصادق(عليه السلام)، والثانية عن
أبي جعفر الإمام الباقر(عليه السلام) وهي ما لفتت انتباهي. يقول الإمام الباقر(عليه
السلام): (ثلاث من أشدّ ما عمل العباد).
فالأولى (إنصاف المؤمن من نفسه). بمعنى أنّ
الأمر يدور بين غمط الحق من أجل المصلحة الذاتية، أو تجاهل المصلحة الذاتية من أجل
إحقاق الحق، فيختار الثاني. أي إنصاف الخصم من أنفسنا وإحقاق حقوقه إذا كان الحق في
جانبه، حتى ولو استوجب ذلك الحقارة والإحراج، وهذا سلوك شاق، ولكنه مهم.
ولهذا وصفه الإمام الباقر(عليه السلام) بأنه من أشدّ ما عمل العباد. وبالطبع فإن
الانجازات الكبرى لا تتحقق إلا بالجهد الشديد.
والثانية(ومواساة المرء أخاه). وهناك فرق بين
المواساة والمساواة، فلا تشابه بينهما.
إنّ المواساة تعني مساندة المؤمن للمؤمن في كل شؤونه، ومدّ العون له في جميع
الأحوال من فكرية أو مالية أو بدنية أو اعتبارية. فهذه هي المواساة.
وأما الثالثة، فقوله(عليه السلام): (وذكر الله على كل
حال) ويوضّح الإمام(عليه السلام) ذلك بقوله:
(وهو أن يذكر الله عزَّ وجَلْ عند المعصية يهمّ بها) فيحول الذكر بينه
وبين ارتكاب المعاصي بأنواعها من الكذب والغيبة والجحود والظلم والإهانة وأكل مال
الناس وبيت المال والضعفاء وغمط حقوق الآخرين.
فالذكر هنا يقوم بدور المانع والحاجب له عن اقتراف هذه الآثام أو الاقتراب من تلك
الخطايا.
يقول الإمام الباقر(عليه السلام): (فيحول ذكر الله بينه
وبين تلك المعصية، وهو قول الله عزَّ وجَلْ إنّ الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من
الشيطان تذكروا) وعندئذ، وهم لم يرتكبوا المعصية بعد
{ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} وهذا هو معنى
(ذكر الله على كل حال).
وأما الرواية الثانية، والتي جذبت انتباهي أيضاً، فعباراتها تكاد تكون مشابهة
لعبارات الرواية السابقة.
فالإمام الباقر يقول في الرواية السابقة(وذكر الله على كل
حال).
ويقول الإمام الصادق في هذه الرواية الثانية (وذكر الله في كل المواطن)
إلا أنّ المثير للانتباه في هذه الرواية فهو توضيح الإمام لذكر الله بالقول:
{أَمَّا إنَّي لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك) فما المراد إذاً...؟ يقول عليه
السلام: (ولكن ذكره في كل موطن إذا هجمت على طاعته أو
معصيته) فالتعبير بالقول (هجمت) ورد في الرواية التي طالعتها، وإن كنت
أظن أنه تصحيف عن (هممت) وهو الأرجح باعتقادي.
إنّ الأذكار والأدعية والأوراد الواردة في رواياتنا، وكذلك تسبيحات الزهراء (عليها
السلام) تعتبر جميعاً من وسائل وأدوات ذكر الله، وأيضاً ما سوى ذلك من أذكار، فعلى
الإنسان أن يجريها على لسانه عارفاً بحقائقها في أعماق قلبه ومدركاً لمعانيها حتى
يتحقق المراد.
مثال القيم المعنوية في أجلى صورها شباب "الدفاع المقدس"
إنّ المقولات في هذا المجال لا تكاد تنتهي، حتى وإن تحدّثنا حولها ساعات
وساعات فإن ذلك لن يكون كثيراً على تلك المفاهيم المعنوية الرفيعة.
إنني أقول لكم بصدق: إننا متخلّفون كثيراً، وإننا لم نُعطِ التربية الإسلامية بقدر
ما يقتضيه النظام الإسلامي.
إنّ البعض يقولون: بأنه كان باستطاعتنا إحراز المزيد من التقدم في مقولات البناء
والتكنولوجيا وسواهما من مشاريع التطور العلمي والتقني، ولكننا لم نفعل.
إنّ الحقل الذي كان يجب علينا التقدم فيه أكثر من سواه ولكننا لم نفعل هو حقل القيم
المعنوية وبناء الذات وتطهير القلوب وتهذيب الأخلاق.
إننا متأخرون جداً في مثل هذه الميادين.
إننا إذا ما بحثنا عن النموذج المطلوب في هذا المجال، لتجلّى لنا واضحاً في مرحلة
الدفاع المقدس.
إنّ أولئك الشباب الذين كانوا يقاتلون في الجبهات، وأولئك الآباء والأمهات الذين
بعثوا بهم إلى الجبهات، وتلك العوائل التي كانت تساند الجبهات بكل حب وشوق، كانت
تتفجّر في صدورهم أنبل المشاعر والأحاسيس.
إنها نماذج جيدة وممتازة، ولكننا لا نقول بأنها مثالية. لقد كان يجب علينا أن نسير
على ذلك المنوال، فلم نفعل.
إنّ بعضنا يكاد ينسى ذلك أحياناً، بل وينكره بعضنا للأسف الشديد!
والأسوء من ذلك أنّ البعض يعتبره نوعاً من الخطأ! وهو ما يتجاهرون به في بعض
التصريحات.
إنّ بعض تلك التصريحات الهوجاء والبعيدة عن الرصانة التي تتردد هنا وهناك أحياناً،
تقوم حتى بتخطئة تلك السلوكيات الرائعة والمقدسة التي كان يتحلى بها مقاتلونا
وشبابنا في أيام الدفاع المقدس.
إننا غالباً ما نجهل تفاصيل وجزئيات ما كان يحدث لمقاتلينا من حالات روحية في جبهات
الحرب، حتى القادة، وحتى إنّا لا نستطيع الادّعاء بأننا نعلم بكل ما كان يحدث لهم.
لقد تغيّر ميزان التحوّل والارتقاء في مدارج الصفات السامية والفضائل الإنسانية
بصورة لا يمكن تصديقها.
لقد طالعت أخيراً كتاباً يشرح وقائع بضعة أيام لإحدى هجماتنا على العدو، وذلك على
لسان أفراد قلائل كتب لهم البقاء من بين العديد من أفراد فرقة أو كتيبة أو لواء أو
فيلق، فقاموا بتقديم جانب من تلك الأحداث.
إنّ مؤلف هذا الكتاب، والذي يتمتع حقيقة بقلم جذّاب وذوق رفيع، قام بتسجيل تفاصيل
تلك الوقائع التي سمعها من لسان أولئك الأشخاص، فأخرج لنا كتاباً جذّاباً بلغ
ستمائة أو سبعمائة صفحة تقريباً.
ولنأخذ مثلاً عمليات الفاو. إننا لا نعرف إلاّ أنّ مقاتلينا عَبَروا نهر أروند،
وحرروا الفاو، واستولوا على مصنع الملح، وهكذا، أي أننا لا نعرف سوى المشهد
الإجمالي لتحرير جزيرة الفاو، وأما التفاصيل فلا علم لنا بها.
إنه لمشهد فنّي رائع أبدعته أصابع فنان ماهر، فوقفنا نتطلع إليه من بعيد بدهشة
وإعجاب دون أن نقترب منه قليلاً لنقف على حقيقة هذا الإبداع العظيم.
لقد قدّم البعض هذه الروائع، وما شاهدته ليس سوى واحد منها، وكلنا أمل أن تعود تلك
المشاهد الرائعة إلى آفاق حياتنا من جديد.
لقد كان ذلك تقدّماً على نطاق الأخلاق، وهنا يدرك المرء مدى تأثير التعاليم الإلهية
والإسلامية والإيمان بالغيب على حياة الإنسان.
لقد كان من اللازم تكريس تلك الأخلاقيات، وهو ما لم يحدث كما ينبغي، فلابد أن نعمل
على تهذيب أنفسنا أكثر من ذلك.
1- سورة الأحزاب: الآيات 41 ـ
42.
2- سورة الأنفال: الآية 45.