مواجهة الغزو الثقافي يتحقق بانتاج البديل المحلي
ثقافة إسلامية
مواجهة الغزو الثقافي يتحقق بانتاج البديل المحلي
عدد الزوار: 140
كلمة الإمام الخامنئي خلال لقائه القائمين على" قوافل النور"_6/3/2017
[الرحلات السیاحة الجهادية إلى مناطق حرب السنوات الثماني على الحدود الإيرانية
العراقية]
مواجهة الغزو الثقافي
يتحقق بانتاج البديل المحلي
الثروة الثقافية إحدى أهم ما لدينا من ثروات
التفتوا أيها الإخوة الأعزاء، وأيتها الأخوات العزيزات: لكل بلدٍ رصيد
وثروة: فبعضٌ يمتلك ثروات إقليمية، وبعضٌ يمتلك ثروات جغرافية، وبعضٌ يمتلك ثروات
جوفية، وبعضٌ يمتلك ثروات إنسانية - شخصيات ذكية وبارزة - وبعضٌ يمتلك النفط، وبعضٌ
يمتلك العقل من دون المال، وبعضٌ آخر يمتلك المال من دون العقل.. لدينا أمثال هذا
بين شعوب العالم. ونقاط القوة في كل بلدٍ لا بد وأن تحظى عنده بالعزة والاحترام،
وأن يتولى صيانتها والحفاظ عليها.
إنّ لدينا الكثير من الثروات ونقاط القوة، بما فيها الثروات الطبيعية الهائلة –وليس هنا الآن مجال الحديث عنها- حيث نمتلك الأرض، والمصادر الجوفية والسطحية، والطاقات البشرية، والذكاء وكل شيء. لكن إحدى أهم ثرواتنا هي ثروتنا الثقافية. ولكن ما هي الثروة الثقافية؟ حب الجهاد والإيمان به على سبيل المثال، هو ثروة ثقافية. فلو سِرتَ وجلتَ في أوساط الشعب الإيراني، لوجدتَ أبناء هذا البلد، باستثناء عدد قليل منهم، يحملون دافعاً ورغبة للحركة في سبيل الدين، مع اختلاف مقداره قلة وكثرة. فبعضٌ يحمل هذا المقدار من الدافع بحيث إنّه لو وقف أمام كاميرا التلفاز، يهتف ويطلق الشعارات لصالح البلد ولصالح مبادئ الثورة والإسلام، وهذا جيّد جداً، حيث يتوافر فيه هذا الإحساس. وبعضٌ يحمل مشاعر وميول أكبر وأعمق، وبعضٌ آخر مستعد لأن يضحي بنفسه ويبذل دمه في هذا السبيل. إنّ روح الجهاد وتقبّل الجهاد والإيمان به، ثروة ثقافية، وهذا ما يوجد فيه بلدنا وهو غير موجود في كثيرٍ من البلدان الأخرى.
"روح الجهاد" ثروةٌ ثقافيّة قيّمة
قبل الثورة، عندما كانت مجموعاتنا المناضلة تلتقي المجموعات الماركسية
المناضلة يومذاك على سبيل المثال - سواء في اللقاءات الجماعية أو الفردية، وسواء في
داخل السجن أو خارجه - كنتُ دوماً أقول لجماعتنا إنّ الفرق بيننا وبينهم هو أنّ
لدينا إيمانًا بالله، وهم لا يشعرون بهذا. كان قلبي يحترق شفقةً عليهم. في زاوية
الزنزانة، وتحت التعذيب، وفي أحلك الظروف وأشدها، كنا نلجأ إلى ملجأ، وهو الله،
ونركن إليه ونستعين به. ولو اقتضت إرادته ألّا يعيننا هناك، فإنّ الذي يسكّن روعتنا
على أقل التقادير هو أنّه سبحانه يرى أنّنا نتجرّع هذا العناء في سبيله، غير أنّ
ذلك الماركسيّ المسكين لا يشعر بهذا الأمر.
وكنتُ أقول إنّ هذا الإنسان الذي ليس لديه الله، ينطلق ويتحمّل ما دام متأثراً بالحماسة والاندفاع والأحاسيس وما إلى ذلك، ولكن بمجرّد أن تُسلب منه هذه الحماسة وهذا الاندفاع، وتُنتزَع منه هذه الأحاسيس لحظة واحدة ويبدأ بالتفكير، يجد أنه يعمل عَبَثاً: أفهل أُقتل من أجل أن يبقى غيري حياً؟ أم هل أُقتل لكي يحصل فلانٌ على المال أو أن يعيش عيشاً رَغَداً؟ لماذا؟
ميزة الإيمان أنّه يُحيي
في الإنسان روح الجهاد والرغبة بالجهاد، وهذه بحدّ ذاتها قيمة ثقافية؛ إنّها قيمة
ثقافية كبرى. هذا أوّلاً.
لدى شعبنا قيم ثقافية حققت إنجازات كبرى
الإيمان بالصمود في وجه المتسلّط قيمة ثقافية أيضاً. الاعتقاد بأننا لو
صمدنا وثبتنا، فإننا في نهاية المطاف سوف ننتصر على العدو لا محالة، قيمة ثقافية
وثروة ثقافية. إذا أردنا إحصاء ثرواتنا الثقافية، لاستخرجنا قائمة طويلة من القيم
والثروات الثقافية التي نتحلّى بها وتمنحنا القوة والطاقة. ولو أحييناها، أو أخرجنا
المنسيّ منها من دائرة النسيان وأنزلناه إلى الساحة - كما حصل ذلك إبان الثورة حيث
أُنزلت الموارد المنسيّة إلى الساحة - لتحقّقت إنجازات كبرى، كما تحقّقت هذه
الإنجازات الكبرى في غضون الأعوام الثلاثين ونيّف التي مرّت على بلادنا.
إنجاز الثورة الإٍسلامية نموذجا
أنتم الشباب لم تشهدوا فترة ما قبل الثورة وعهد الطاغوت، ونحن قد
شهدناها. فلو قام أحد في ذلك اليوم قائلاً: قد تنطلق في إيران حركة تؤدّي إلى
حاكمية الدين، ويتسلّم رجلٌ كالإمام الخميني العظيم مقاليد الأمور، لا شك أنّ أيّ
إنسان متوسط عادي عاقل، سيقول: "لا يمكن ذلك، هذا أمرٌ مستحيل"، دون أن يتردّد فيما
يقول. وذلك بسبب الظروف التي كانت سائدة، ولكن هذا ما تحقق بالفعل.
الدفاع المقدس أحد منابع القوة الثقافية
عندما نقوم في مجال الدفاع المقدس بالعمل الثقافي، والإنتاج الثقافي،
سيصبح البلد غنياً بهذه الإنتاجات، وتغدو طاقاتنا الإنسانية غنية قوية في مواجهة
حملات الأعداء ومؤامراتهم. فلا بد أن تتحلّى قواتنا بالاقتدار والغنى والقوة، سواء
كانت في الساحة الاقتصادية أو الثقافية أو الإدارية. هذه هي الثقافة التي تقوّي
الناس وتصنع الأقوياء. إنّ أحد منابع القوة الثقافية، هذا النبع الفياض لطاقات
الدفاع المقدس. إذا استطعنا استثماره، ستقوى ثقافة البلد، وبهذا يتحقق الإنتاج
الثقافي.
ففي الحقل الثقافي، كما هو الأمر في المجال الاقتصادي، إذا لم ننتج حاجاتنا بأنفسنا
سنضطر إلى الاستيراد من الخارج. كما هو حال الاقتصاد، إن لم يكن لكم إنتاج داخلي،
ستحلّ البضائع المستوردة محله، ولو حدث ذلك ستكون النتيجة أنّ الإنتاج المحلي لن
تقوم له قائمة بعدها. هذه واحدة من مشاكلنا اليوم، حيث كثرت الواردات في مختلف
الأقسام، ولعل الكثير منها يأتي اعتباطاً من دون حساب وتخطيط وتدبير، وفي قبال ذلك
إنتاجٌ ناقص. الثقافة هكذا أيضًا، إن لم تنتجوا المحصولات الثقافية، ستدخل الواردات
الثقافية إلى داخل البلد، سواء بشكل رسمي أو عن طريق التهريب! اليوم نجد الواردات
الثقافية كثيرة. أنا العبد لدي معلومات واسعة في هذا المجال، وأحياناً نحذّر
المسؤولين، عسى أن يلتفتوا إن شاء الله. بعضٌ منهم ينتبه.
لمواجهة الغزو الثقافي بإنتاج البديل المحلي
الأعداء يفكّرون ويخطّطون؛ يجتمعون في خلاياهم التي يُطلقون عليها اسم
غرف الفكر، يلتقون للتفكر والتخطيط كيف يستطيعون التسلل والنفوذ إلى ثقافة الشعب
الإيراني، وكيف يتمكنون من تغيير الشباب. هذه هي أمنيتهم، حيث يحلمون بإفراغكم ـ
أنتم الشباب الذين تحيون اليوم بنفس عشق الإمام الخميني والثورة والقيم الدينية
والإسلامية والثورية السامية ـ من كل هذه المبادئ والقيم، وتحويلكم إلى عناصر تابعة
للثقافة الغربية والفكر الغربي، وأشخاص عديمي الفائدة والجدوى لبلادهم وأنفسهم
ولمستقبلهم. هذا ما يهدفون إليه، بل يخطّطون له ويبذلون الجهود والمساعي لتحقيقه.
هذا فضلاً عن التحركات والمؤامرات الأمنية، والتهديد بالحروب العسكرية. بالطبع فإن
الهجوم الثقافي برأيي أخطر منها جميعًا. لأنّ التحركات العسكرية إذا قام بها العدو،
ستدفع الشعب إلى التحلي بمزيد من الحماسة والهمة والاندفاع، وتقوّي قبضته في
مواجهتهم. هذه هي ميزة الحركة العسكرية، على خلاف الغزو الثقافي، فلو استطاع العدو
أن يشنّ هجوماً ثقافياً، سيدفع بالناس إلى التراخي، ويسلب منهم عزيمتهم، ويضعف
إرادتهم، ويحرم البلاد من جيلها الشاب، ويجعل القوى النافعة عديمة الجدوى.
هذه هي ميزة الغزو الثقافي. السبيل لمواجهته هو الإنتاج الثقافي، وإن من النتاجات
الثقافية، هذا الذي يرتبط بكم وبقوافل النور التي كانت حقاً إبداعاً وسنة حسنة
أرساها وأطلقها إخواننا الأعزاء في الحرس الثوري وفي مختلف القطاعات، وهي عملٌ
رائع. وآمل أن يتحقق هذا العمل على أحسن وجه.