كلمة
الإمام الخامنئي في أهالي لارستان 08/05/2008
العدو يستعدي الأمة الإسلامية ضد مركز حركتها وقلبها: إيران الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين
المنتجبين وصحبه المصطفين الأخيار. اللهم صل وسلم على وليك وحجتك الحجة بن الحسن
صلواتك عليه وعلى آبائه.
أشكر الله تعالى أن وُفقت لأن ألتقيكم أيتها الجماهير الودودة العزيزة في منطقة
لارستان، في هذه المدينة العريقة القديمة؛ وفي اجتماعكم الحاشد أيها الإخوة
والأخوات الأعزاء. كنت راغباً في زياراتي الماضية لمحافظة فارس أن ألتقي الجماهير
العزيزة في منطقة لارستان وأهالي مدينة لار. لكن هذه الفرصة لم تسنح في الماضي
للأسف. واليوم أشعر بين حشودكم المتحمسة الصميمية المفعمة بالعاطفة والمحبة أن قلب
أي مسلم ومؤمن يطلع على المعارف الإسلامية هكذا، فإن ذلك سيغمر حياته، وبيئته،
ومدينته، ومجتمعه بهذه الصميمية والصفاء الذي يلاحظ عليكم. أشكركم من الصميم على
مودتكم أيها الأهالي الأعزاء، وأعرب بدوري عن مودتي ومحبتي لكم. وأرى من اللازم
والمناسب هنا أن أشكر عموم الجماهير في محافظة فارس. إنه اليوم الأخير من زيارتي
لهذه المحافظة الواسعة الشامخة. خلال هذه الأيام التسعة التي كنتها في محافظتكم بلغ
أهالي مدينة شيراز ومدن المحافظة الأخرى بمودتهم وصميميتهم حد الكمال، ومن الضروري
أن أتقدم بالشكر لهم جميعاً.
اهتم مسؤولو البلاد بقضايا محافظة فارس لحسن الحظ. انعقد أمس اجتماع هيئة الحكومة -
مجلس الوزراء - في مدينة شيراز، وجرت تداولات مفيدة حول شتى قضايا الناس في هذه
المحافظة ومنها قضايا مدينة لار ومنطقة لارستان، واتخذت قرارات جيدة. نتمنى أن يشمل
التوفيق الإلهي مسؤولي البلاد، ليستطيعوا إبداء مودتهم لكم أيها الأهالي الجديرون
حقاً بالمودة، وأن يقدموا لكم الخدمة وينهضوا بواجباتهم أيتها الجماهير القمينة
بالخدمة.
لارستان رائدة في مقاومة الإستبداد والإحتلال
لا يمكن الفصل في تاريخ إيران الأخير بين لار واسم المرحوم آية الله
العظمى السيد عبد الحسين لاري. حيثما ذكرت لار وكانت هناك إطلالة على تاريخ المائة
أو المائة وعشرين سنة الأخيرة للبلاد، تألق اسم هذا الرجل الكبير في هذا التاريخ
القصير.
لا نروم الاكتفاء بالفخر بالماضين، بيد أننا نبغي عن طريق معرفة تاريخنا وماضينا
والبارزين في تاريخنا، معرفة أنفسنا بشكل صحيح، وإدراك حاضرنا بنحو صائب، وتشخيص
الطريق إلى الغد وفتحه.
سجلت منطقة لارستان في المائة ونيف عام الماضية بهمة هذا الرجل الكبير ومساعدة
أهاليها - أهالي المدن والعشائر - حركة إسلامية حافلة في التاريخ. لو كان مناط
تقييمنا للشعوب هو رصدنا لمستوى وعيهم وعزيمتهم وإرادتهم الوطنية، وبصيرتهم
وشجاعتهم في المبادرات - إذا كان هذا هو معيار تقييم الجماعات والشعوب ومعرفة قدرهم
- فينبغي القول إن أهالي لار ومنطقة لارستان الكبرى حسب هذه المقاسات والمعايير من
أبرز أهالي بلادنا الكبيرة. يوم لم تكن قضية التحرر ومكافحة الاستبداد مطروحة إلا
في النادر من نقاط البلاد، أثيرت هذه القضية للجماهير في هذه المنطقة بفضل هذا
المجتهد الكبير الواعي. يوم لم يكن للمقاومة حيال المحتلين الأجانب معنى واضح لكثير
من شعوب منطقتنا وشعبنا، وقف أهالي لارستان بقيادة هذا السيد الجليل بوجه احتلال
الإنجليز، ووضعوا أرواحهم على الأكف مقابل غطرسة الإنجليز. يكتب المرحوم آية الله
السيد عبد الحسين لاري في رسالة لأبنه أن الضغوط كثيرة، لكنني صامد حتى القطرة
الأخيرة من دمي. حينما يكون القائد هكذا؛ حينما يقف زعيم الجماهير بصدق هكذا، فمن
الطبيعي أن تتوجه العزيمة والإرادة الوطنية بالاتجاه الصحيح وتهدي الشعوب. ومن بعد
ذلك الإنسان الجليل كان لنجله المرحوم آية الله السيد عبد المحمد - وهو شخصية
علمائية بارزة - كفاحه ونضاله.
الشعب الإيراني رفع راية الإسلام في وقت بهت فيه الدين في
حياة الناس
ينبغي أن نستفيد من ماضي لار هذا درساً وعبرةً لوضعنا الراهن ومستقبل
شعبنا العزيز القوي، وهو أن هذا النموذج أثبت أن الشعب إذا خاض أعتى الميادين
بقيادة سليمة لا تأبه للدنيا ومطامعها لكان بوسعه الانتصار على أكبر الأعداء
وأكثرهم لجاجة وعناداً. وظف الشعب الإيراني هذه التجربة التي تعلمها من تاريخه في
هذه المنطقة ومناطق البلاد الأخرى في الثورة الإسلامية. تحرك الشعب الإيراني بشعار
رفع راية الإسلام واتباع القوانين المحمدية في عصر كانت فيه نوايا وظنون المتغطرسين
العالميين منصبة على محو كل ما يمت للدين والتدين بصلة في حياة البشر. إنها نقطة
مهمة جداً أن استطاعت ثورة الشعب الإيراني لفت الأنظار إليها باسم الدين والإسلام
في عصر ظن فيه جبابرة العالم - السياسات الاستكبارية - أنهم استأصلوا جذور الدين
والتدين في العالم كله بما في ذلك البلدان الإسلامية. اطمأن بالهم إلى عدم بقاء اسم
واضح للدين، وأن آثار الدين أخذت تبهت وتزول لدى الناس. كانوا مغتبطين بهذا. في مثل
هذا العصر رفع الشعب الإيراني راية الإسلام معيداً التدين إلى مناخ حياة الناس في
كل العالم؛ هذه حقيقة. لقد نهضنا من أجل الإسلام ورفعنا راية الإسلام؛ ولكن حتى في
البلدان التي لا تدين بدين الإسلام أثَّرت ثورتنا وشعبنا ودفعت الشعوب إلى التدين
والمعنوية والدين بمعناه المطلق. هذه معجزة صنعها الشعب الإيراني، واستطاعت هذه
الثورة باسم الإسلام وباسم القرآن المبارك أن تكون نموذجاً لمعظم شعوب العالم.
اليوم تعلو راية الإسلام معظم حركات الشعوب النهضوية
إذا سافرتم للبلدان الإسلامية اليوم ترون أن الأجواء تختلف عما كانت
عليه قبل ثلاثين عاماً أي قبل انتصار هذه الثورة. يومذاك، حتى لو كان هناك من يتحدث
ويتحرك ويثور من أجل الحرية والاستقلال، فقد كان يفعل ذلك تحت راية وشعارات المدارس
الإلحادية غير الإلهية؛ أما اليوم فحين يتحدث المستنير، والطالب الجامعي، والأفراد
الملتزمون المسؤولون في العالم الإسلامي عن الاستقلال، والحرية، فإنهم يرفعون هذه
الشعارات ويقومون بهذه النهضة تحت راية الإسلام. هذا بفضل نهضتكم أيها الشعب
الإيراني والثورة الإسلامية التي لاحظتم جذورها في التاريخ القريب من التاريخ
المعاصر: ثورة التنباك، ثورة الدستور على يد العلماء الكبار، ومن أبرز النماذج ثورة
أهالي لارستان بقيادة ذلك الرجل الجليل. حين ننظر إلى الماضي فإننا ننظر من هذه
الزاوية. الماضي بالنسبة لنا وسيلة ومرآة. إنه مصدر عبر نعبّد به طريق المستقبل.
القضية الأهم بالنسبة للشعب الإيراني اليوم هي بالدرجة الأولى التمسك بالإسلام. كل
الخيرات والبركات التي يتمنى أي شعب التوفر عليها تتأتى له ببركة الإسلام. من أجل
أن نتمتع بالحرية، والاستقلال، والرفاه العام، والتقدم العلمي، والريادة في
الميادين الإنسانية المختلفة، وبذروة العزة لأنفسنا، فإن السبيل الوحيد لكل ذلك
حالياً هو الاعتصام بالإسلام. الإسلام يتوفر في تعاليمه وداخله على كل هذه الأمور
التي يمكن أن يقدمها هدية للشعب. الاعتصام بالإسلام هو اليوم أكبر طريق أمام الشعب
الإيراني.
الجمهورية الإسلامي تمد يد الأخوة لجيرانها ولجميع
المسلمين
القضية الثانية هي قضية الاتحاد التي شددت عليها في زيارتي هذه - في
المدن المختلفة - وفي كل خطاباتي لشعبنا العزيز. والسبب هو أن من السبل التي وجدها
أعداء الشعب الإيراني لتوجيه الضربة إليه هو بث الخلاف بين أبناء الشعب المسلم. وقد
انتهجوا هذه السياسة أيضاً في العالم الإسلامي وبين أبناء الأمة الإسلامية. منذ
بداية انتصار الثورة حاولوا إخافة البلدان المسلمة الجارة - ومنها البلدان الجارة
في الخليج الفارسي - من الجمهورية الإسلامية ومن الثورة الإسلامية؛ وقد أفلحوا في
بعض الأحيان للأسف، والحال أن الجمهورية الإسلامية كانت ولا تزال تمد يد الأخوة
لكافة الشعوب والحكومات المسلمة.
الجمهورية الإسلامية تؤمن بالاتحاد الإسلامي إيماناً عميقاً. الاتحاد الإسلامي
معناه تعاطف الشعوب وتعاون الحكومات. الشعوب متعاطفة والحمد لله. التباينات
الطائفية والفئوية والمذهبية لا تستطيع التفريق بين الشعوب، إلا بواسطة وساوس
الأعداء. بيد أن الحكومات وللأسف يمكن أن تجرها أيدي السياسة ذات اليمين وذات
الشمال. إننا نعلن اليوم أيضاً: البلدان الجارة إخواننا، وأيدي صداقتنا وأخوتنا
ممدودة نحوهم. نحن لا نحتاج إليهم إطلاقاً. ليست هذه الأخوة بدافع الحاجة. لقد أثبت
الشعب الإيراني قدرته على الانتصار على المشكلات بالتوكل على الله والثقة بالذات،
لكننا نرى الخلاف بخلاف مصلحة العالم الإسلامي، لذلك نمد أيدي الصداقة لكل البلدان.
من حسن الحظ أن علاقات حكومة الجمهورية الإسلامية اليوم سليمة وجيدة وأخوية مع
بلدان المنطقة - البلدان العربية وغير العربية - على الرغم من مساعي أعداء العالم
الإسلامي وجهود أجهزة التجسس الأمريكية والصهيونية التي تنشط لإثارة الفتن دون
انقطاع، وعلى الرغم من أنوفهم، ويجب أن تتعزز يوماً بعد يوم.
حذار من التفرقة بين السنة والشيعة
ونظير هذا يصدق بتأكيد أكبر على الوضع داخل البلاد. حاولوا منذ بداية
الثورة بث الخلافات والفرقة بين أبناء الشعب الإيراني العظيم في الداخل بذريعة
القوميات، والمذاهب، والاختلافات السياسية. وقد تغلبنا على مؤامرة الأعداء هذه،
لكننا في الوقت ذاته نشعر بحاجتنا وحاجة جميع الإخوة والأخوات الأعزاء للدقة في هذا
المضمار. حذار من أن يستطيع العدو تطبيق كيده. الشيعة والسنة، والناس في قطاعات
البلد المختلفة، وأنصار السلائق السياسية المتنوعة يجب أن يعلموا جميعاً أن شعب
إيران رغم هذا التنوع في المذاهب والقوميات والأذواق والسلائق شعب واحد متلاحم؛ إنه
يد واحدة. وبهذه اليد الواحدة يستطيع الدفاع عن مصالحه وهويته ومكانته مقابل أعنف
الأعداء وسيُركعهم بحول الله وقوته.
مع أن الإخوة من أهل السنة يسكنون منطقة لارستان - في بعض النواحي والمدن - لكن
الأخوة بين الشيعة والسنة نموذجية باهرة والحمد لله. هذا ما طالعناه في التقارير
أيضاً، وقد كنت على اطلاع بنفسي، ومؤشرات ذلك بادية اليوم أيضاً على هذه الحشود.
يجب أن نبذل جهودنا جميعاً من أجل الإسلام؛ شيعة وسنة يجب أن نبذل كل مساعينا
لإعلاء كلمة التوحيد، وإعلاء القيم الإسلامية الأصيلة، وتطبيق القوانين المحمدية؛
ينبغي أن لا نسمح لاختلاف الآراء، والاجتهادات، والأذواق، وحتى الضغائن الشخصية
والنـزعات المغرضة أحياناً أن تسود حياتنا ومنهجنا فيفرح العدو لذلك.
العدو اليوم يستعدي الأمة الإسلامية لمركز حركتها وقلبها:
إيران الإسلامية
يركز العدو مساعيه اليوم على إسقاط مركز الحركة الإسلامية العظيمة؛ مركز
الإمة الإسلامية وقلبها؛ أي الشعب الإيراني الذي يبث روح التحرك في العالم
الإسلامي. همم الأعداء والاستكبار منصبة على إبعاد هذا النموذج العملي عن أنظار
المسلمين في العالم. إيران الإسلامية نموذج عملي. إيران الإسلامية بوجودها
واقتدارها وتطورها واتحادها تثبت للعالم الإسلامي أن بالإمكان تشكيل نظام إسلامي
لمواجهة مؤامرات الأعداء المتتالية في هذا العالم المتلاطم؛ وبالإمكان طرح السيادة
الإسلامية في الساحة. إيران الإسلامية تضع هذه التجربة مقابل أنظار الشعوب المسلمة.
تفكير العدو وإرادته وآماله القذرة هي إزاحة هذا النموذج من أمام أنظار الشعوب
المسلمة. إما بالهجمات السياسية، أو العسكرية، أو الأمنية، أو الاقتصادية، أو
بالهجمات الدعائية وبث التهم والافتراءات. ينظر الإنسان فيرى أن بعض الكتاب
والصحفيين المأجورين في المنطقة المجاورة لنا - المنطقة العربية - يكتبون حول الشعب
الإيراني والجمهورية الإسلامية بدرجة من الوقاحة تثير الدهشة. يوجهون اتهامات للشعب
الإيراني، والمجتمع الإسلامي، ونظام الجمهورية الإسلامية تجعل المرء يتعجب حقاً من
مدى قدرة الإنسان، والكاتب المرتزق، والشخص الوضيع على الانحطاط بحيث ينخرط هكذا في
خدمة العدو لمواجهة الإسلام والقرآن من أجل مطامعه الدنيوية التافهة!
سبيلنا في مواجهة الإستكبار: الإتحاد وتطوير بلدنا
سبيل المواجهة الوحيد هو في أيدينا أنا وأنتم أيها الإخوة والأخوات
الأعزاء. المواجهة تكمن في أن نضاعف من اتحادنا يوماً بعد يوم، ونقرب بين قلوبنا،
ونزيد من جهودنا لتقدم هذا البلد. نبذل راهناً والحمد لله جهوداً كبرى. أرى لزاماً
عليّ أن أشير إلى أن الكثير من الخيّرين ينهضون هنا في منطقة لار ولارستان بأعمال
جيدة نحن على علم بها؛ يأتوننا بتقاريرها: تقديم الخدمة للناس، مساعدة الناس،
مساعدة المحرومين، مساعدة العلم، بناء المساجد وما إلى ذلك. هذه أعمال يقوم بها
أهالي هذه المنطقة طوعاً ورغبة وحباً. ومثل هذه الخدمات يتم تقديمها على المستوى
العام من قبل حكومة الجمهورية الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية في كل أنحاء
البلاد، وينبغي أن نتقدم في هذا الاتجاه أكثر فأكثر إن شاء الله، فنطوّر علوم
البلد، واقتصاده، وكل جهوده السياسية والاجتماعية والمعنوية والأخلاقية. هذا هو
السبيل الوحيد الذي يستطيع عبره البلد أن يقف في وجه مؤامرة الاستكبار.
إنها همّة الشعب التي تستطيع إغناء البلد. الاستثمارات التي يقوم بها الناس في
القطاعات المختلفة قيمة جداً؛ لاسيما في القطاعات الإنتاجية، وأنا أعتبر أعمال
الإنتاج والاستثمار أفضل عمل وأفضل حسنة وخير صدقة يمكن أن يجترحها من يرغبون
بتقديم الخدمة للجماهير؛ فهي توجد الأعمال والمشاغل، وتساعد على تقدم البلاد، وتزيل
الفقر والحرمان عن جزء مهم من البلد. هذه هي السياسة العامة لنظام الجمهورية
الإسلامية: الاستعانة بالأرصدة المالية، والفكرية، والسواعد القديرة الكفوءة
للجماهير العزيزة التي هي مالكة البلد ومستقبله.
السياسات الاميركية المعادية للشعوب باتت اليوم مفضحوحة
السياسات الاستكبارية المعادية للشعوب في هذه المنطقة باتت اليوم مفضوحة
تماماً. تعلم الشعوب ماذا تروم السياسات الاستكبارية في هذه المنطقة؛ ولماذا جاءوا.
تواجد الأمريكان في الخليج الفارسي عامل لزعزعة الأمن؛ لقد فهمت الشعوب هذا. لقد
ولى الزمن الذي كانت تستطيع فيه الدول الأجنبية والقوى المتغطرسة في العالم السيطرة
على البلدان والطرق البحرية والمنافذ العالمية الحساسة بذريعة توفير الأمن. لقد صحت
الشعوب اليوم. يعلم الشعب العراقي لماذا جاءت أمريكا إلى العراق وخلقت لهم أعتى
المشكلات. هجموا على الشعب العراقي كالذئاب، لكنهم يزعمون أنهم يريدون الأمن لشعب
العراق؛ هذا كذب. العامل الأهم في زعزعة أمن الشعب العراقي هو التواجد السافر
للمحتلين الذين لا يأبهون أبداً لأرواح الناس، ولا أموالهم، ولا أعراضهم، ولا
كبريائهم الوطني.
في بدايات احتلال العراق خاطبت المحتلين في صلاة الجمعة بالقول: الطريقة التي تذلون
بها الشعب العراقي، فتطرحون الشاب العراقي على وجهه على الأرض، ويضع جنديكم
المتغطرس حذاءه على ظهره، إعلموا أن الشعب العراقي لن يسكت على تصرفاتكم هذه. الشعب
العراقي شعب غيور ذو نخوة. أنتم تثيرون الشعب العراقي على أنفسكم بأيديكم. وقد حدث
هذا اليوم. يبحثون عن العامل الرئيسي لإثارة شعب العراق ضد القوات الغازية، ويخطئون
في حساباتهم كعادتهم. يتهمون إيران، يتهمون سورية، يتهمون هذا الطرف وذاك. اتهموا
أنفسكم. تواجد القوات الأمريكية كاف لاستفزاز غيرة الشعب العراقي. لا حاجة لأن
يحضّهم أحد من خارج حدود العراق حتى تتهمون هذا وذاك اعتباطاً. أنتم المتهم والمجرم
الرئيس. الأمريكان هم المجرم الأول في قضية العراق. وكذا الحال في أي مكان آخر.
تواجد أمريكا في الخليج الفارسي ــ هذه المنطقة الحساسة من العالم ــ سبب في انعدام
الأمن. أمن المنطقة يجب أن يوفر من قبل حكوماتها. كما أن تدخل أمريكا في قضية
فلسطين يؤدي إلى تعقيدها أكثر.
عقدة القضية الفلسطينية لا تحل بالتدخل الأمريكي، إنما تزداد شدة وإحكاماً. كلما
تدخل الأمريكان في هذه القضية أكثر كلما تعقدت أكثر. الشعب الفلسطيني شعب يقظ؛ شعب
حر؛ شعب مثقف؛ وقد اختار له حكومة. دعوا هذه الحكومة تمارس دورها بدعم الشعب. كلما
مضى الوقت على تدخلهم المتجبر المتحيز لصالح النظام الصهيوني الغاصب، كلما تعقدت
أحداث فلسطين أكثر. طبعاً، سوف تعالج هذه القضايا؛ ستعالج قضية العراق وقضية فلسطين
أيضاً. لكنها ستعالج يوم لا يبقى شيء من مكانة الاستكبار الأمريكي وهويته ووجوده.
أشكر الله لأني شاهدت في زيارتي هذه - سواء لمدينتكم لار ومنطقة لارستان، أو لكل
محافظة فارس- مرة أخرى وبشكل عملي ما كنت أعرفه وأراه وأعلمه عن محافظة فارس
وأهاليها الأعزاء. لدينا الكثير من الخواطر والذكريات مع فضلاء شيراز وشخصياتها
البارزة وعلماء فارس عن عهد الكفاح. وقد أشرت إلى المرحوم آية الله الشهيد السيد
عبد الحسين دستغيب وسائر العلماء في السنة الأخيرة وما قبل الأخيرة قبل انتصار
الثورة؛ والمرحوم آية الله رباني شيرازي الذي كان من العلماء البارزين والفضلاء
المميزين في قم والمجاهدين أصحاب الماضي العريق، وقد كنا معه في المنفى نتحدث حول
مختلف القضايا والأمور. في ذلك الحين تراسلت مع المرحوم آية الله الشهيد دستغيب
وكان بالإمكان إدراك مدى الوعي واليقظة والعزيمة الراسخة التي يتحلى بها الكفاح في
محافظة فارس، وهذا ما أثبته أهاليها في الحقب المختلفة. واليوم أيضاً بعد مضي نحو
ثلاثة عقود على انتصار الثورة الإسلامية يلاحظ الإنسان حينما يدخل هذه المحافظة
حيوية الثورة وتوثبها في المدن المختلفة. وهذا ما حصل بفضل تواجدكم أيها الشباب
الأعزاء على وجه الخصوص. تواجدكم أيها الشباب الأعزاء لافت للنظر سواء هنا في هذا
المضمار العظيم؛ وبين هذه الحشود الهائلة؛ أو في سائر الميادين التي يتواجد فيها
شعب إيران أمام أنظار العالم.
أيها الشباب الأعزاء؛ البلد بلدكم؛ أنتم من يجب أن ينتفع من ثمرة هذه الثورة بنحو
تام خلال عمر طويل وسعيد إن شاء الله. ابذلوا جهودكم ما استطعتم، واعملوا ما
استطعتم، واكسبوا العلم، ولا تكلوا عن العمل والسعي. واغتنموا الأخلاق، والمعنوية،
والتوجه إلى الله، والذكر، والصلاة، والأنس بالقرآن. هذا سوف يساعدكم كي تحققوا
للشعب الإيراني المكانة اللائقة به إن شاء الله.
اللهم، نقسم عليك بمحمد وآل محمد اجعل قلوبنا راغبة في الإسلام عارفة به أكثر يوماً
بعد يوم. اللهم، أنزل رحمتك وبركتك وفضلك على هؤلاء الناس الأعزة. اللهم، في هذا
العام الذي قلّت فيه الأمطار في هذه المنطقة ومناطق أخرى من البلاد عما كانت عليه
في الماضي، عوّض أنت بلطفك وأنواع فضلك هذا النقص. ربنا احفظ شباب هذه البلد واهدهم
واجعل عواقب أمورهم إلى خير. اللهم اجعل مستقبلهم مفعماً بالتألق والمفاخر لهم
ولهذا البلد. احشر أرواح الشهداء الطاهرة وروح إمامهم المطهرة مع أوليائك. اللهم
ألحقنا بالشهداء الأعزاء ، وأرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر.
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.