الشباب هم فتح فتوح الثورة والرصيد الوطني لمستقبل الشعب والبلاد
الشباب
الشباب هم فتح فتوح الثورة والرصيد الوطني لمستقبل الشعب والبلاد
عدد الزوار: 108
كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في المؤتمر الوطني السادس للنخب الشباب
ــ الزمان: 3/10/2012م.
الشباب هم فتح فتوح الثورة والرصيد الوطني لمستقبل الشعب والبلاد
العناوين الرئيسية
• الشباب شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين
• شبابنا ناضجون ويتحلون بروح المسؤولية
• الشباب هم فتح فتوح الثورة ومستقبل البلاد
• لا تدعوا مسيرة البلاد العلمية تتوقف
• إحذروا الشعور بالإنهزام أمام التقدم الغربي
• للتجديد والإبداع في العلوم الإنسانيّة
• مسؤوليّات النخبة
أولاً: المحافظة على التطوّر المستمر
ثانياً: موائمة الجهود العلمية لاحتياجات الوطن
ثالثا : المراقبة المنعوية
رابعاً: الوعي السياسيّ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بداية، يجب عليّ أن أبارك لكم جميعاً
أيّها الأعزاء، أنتم أبناء هذا الشعب، ونور عيوننا، لوجودكم ضمن مجموعة النخبة في
البلاد.
بالطبع، إنّ هذا التبريك يشبه تبريك أعياد الميلاد، حيث يقال في عيد ميلاد المرء
"مبارك لكم"، رغم أنه لا دور له أبداً في تعيين زمان ولادته وأصل ولادته وتاريخها.
ومعنى هذا أنّ الله تعالى منحكم فرصة، وقد كان التوفيق حليفكم إلى الآن في
الاستفادة من هذه الفرصة، فصرتم جزءاً من جماعة النخبة في البلاد، فمبارك لكم هذا.
الشباب شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين
بيد أن هذه الموهبة والمقدرة والفعل الذي كان لكم لحدّ اليوم، إنما هو
بداية السير على الطريق. هذا ما ينبغي لكل النّخب الشباب الأعزاء أن يأخذوه بنظر
الاعتبار.
إننا لسنا قانعين، ولا تكونوا أنتم أيضاً قانعين، بأن استطاع شبابنا الموهوب
والمميّز إثبات نخبويّته في مجال معيّن أو في اختبار كبير من الاختبارات. لستُ
قانعاً بهذا المقدار، ولا تكونوا أنتم أيضاً قانعين.
يجب أن يكون توقّعي وتوقّعكم تبديل هذه البذرة إلى ثمرة يانعة وإلى غرسة باسقة، ومن
ثمّ إلى شجرة طيبة (تُؤْتِي
أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)1.
كونوا أشجاراً مثمرة تستطيع أن تؤتي ثمارها الحلوة الطيبة في كلّ الأزمنة، والظروف
لهذا البلد، ولهذا الشعب وللتاريخ، وبالتالي لكل البشرية. ينبغي أن يكون هذا هدفكم.
شبابنا ناضجون ويتحلون بروح المسؤولية
أمّا بخصوص جلسة اليوم، فقد استمعت بدقّة للآراء والكلمات التي ألقاها
الأعزاء هنا. واعتقد أنها آراءٌ مدروسة وجيدة، لا بمعنى أنّ بوسع المرء تأييد
وتصديق كلّ هذه الاقتراحات من ناحية خبروية علمية - فهذا بحاجة إلى دراسة وتمحيص -
ولكن من حيث إنّ هذا الآراء والاقتراحات طرحت عن دراسة وتفكير وتدقيق، فهذا شيء مهم
وقيّم جداً بالنسبة لي.
المسؤولون المحترمون حاضرون في الجلسة - عدد من الوزراء المحترمين ورئيسة مؤسسة
النخبة المحترمة2 - وما أتوقّعه هو أن تؤخذ الآراء والنظرات التي أعرب
عنها هؤلاء الشباب الأعزاء بعين الاهتمام، ويجري العمل عليها ودراستها.
فكم من شرارات تفضي إلى أنوار كبيرة، ومشاعل وضّاءة تنير الأجواء. وليكن هناك تنبّه
إلى أنّ هذه الآراء صادرة عن قلوب صادقة. فهذا الأمر على جانب كبير من الأهميّة.
يلاحظ المرء هذه النقطة في كلّ الآراء والأفكار التي طرحها الأصدقاء الأعزاء هنا.
وقد سجّلت رؤوس نقاطها؛ فهي آراء نابعة عن صدق ونقاء، ومشاعر جميلة تعتمل في أذهان
الشباب وقلوبهم. وهم شباب يشعرون بالمسؤولية ويتحدّثون بأمل وحيوية. هذه من الأمور
التي تلطّف الأجواء وتجعلها محبّبة. حينما يتحدّث الشّباب بمثل هذا التفاؤل والأمل
والحيويّة والمعنويات تصبح الأجواء مفعمة بالنشاط والحيوية. غالباً ما تكون هذه
المقترحات على هذا النحو. وبالطبع، فإنّها أفكار وآراء ومقترحات ناضجة ومدروسة. أي
إنّ ما قاله الأعزاء لا يبدو مجرد اقتراحات أوّلية وبسيطة.
الشباب هم فتح فتوح الثورة ومستقبل البلاد
والمحور الأساس للتقدّم هو هذا. في إحدى وقائع الحرب المهمّة -
والكثيرون منكم ربما لم يكونوا حتّى قد ولدوا في ذلك الحين - أصدر الإمام الخمينيّ
الجليل بياناً بمناسبة إحدى العمليات التي حقّق فيها الجنود انتصاراً. وقد جاء في
ذلك البيان أنّ فتح فتوح الثورة الإسلامية هو تربية وتخريج هؤلاء الشباب. الكلّ
كانوا يتوقّعون أن يقول الإمام إنّ هذا الانتصار الذي حققتموه هو فتح الفتوح، وأن
يمدح هذا الانتصار. لكنه شكر المقاتلين، وقال: إنّ فتح الفتوح في الحقيقة هو إعداد
وتخريج مثل هؤلاء الشباب الذين استطاعوا في تلك الظروف الصّعبة التي وقف فيها
العالم كلّه ضدّنا بوجه عبوس، وبأسلحة جاهزة للإطلاق؛ أن يحقّقوا مثل هذا الانتصار
الكبير. كانت عمليات طريق القدس. وأنا أكرر هذه المقولة: هؤلاء الشباب هم فتح فتوح
الثورة. التقدّم الحقيقيّ هو أن يشعر شبابنا ونخبنا بالمسؤولية تجاه المستقبل،
ويطرحوا تصوراتهم ورؤاهم، ويرسموا مستقبل البلاد ويجسّدوه، ويشعروا به ويعبّروا عن
هذا الشعور، ويكونوا على استعداد للسعي والجهد من أجل الوصول إلى هذا المستقبل. هذا
هو الأمر الموجود اليوم، وينبغي تعزيزه والتقدّم به إلى الأمام. يجب تعزيز هذا
الشعور وهذه الروح الحيوية في مجتمعنا يوماً بعد يوم. فلو حصل هذا، عندئذ يتحوّل ما
لديكم على الصعيد الفرديّ - وهو موهبتكم ونخبويتكم التي تعدّ ملكاً شخصياً لكم -
إلى ذخيرة وطنية، فلاحظوا كم هذا حسن. شخص يحوّل رصيده الشخصيّ إلى ذهب وعملة صعبة
ويخفيه في صندوقه الخاصّ. أين هذا من شخص يحوّل رصيده إلى صناعة ومعمل وعمل إنتاجيّ
له قيمته، ويتقدم بالبلاد إلى الأمام؟ إنكم بسيركم في طريق هذه الأهداف إنّما
تمارسون هذه العملية الثانية، أي تبدّلون رصيدكم الشخصيّ إلى رصيد وطنيّ للشعب
الإيرانيّ كلّه. هذا شيء قيّم جداً.
لإكمال مسيرة البلاد العلمية دون توقف
ولحسن الحظّ، فإنّ المناخ الخطابيّ السائد في البلاد يسير لصالح تقدّم
العلم. هذا ما جري تكريسه وتثبيته والحمد لله. المسيرة العلمية في البلاد مسيرة
متسارعة - وهذا ما تدلّ عليه الإحصائيات والأرقام العالمية -، لكن ما يقلقني هو أن
يعرض علينا الشعور بالرضا لهذه المكانة والوضع الذي حقّقناه ويجعلنا غير مبالين،
ويقلل من عزائمنا وهممنا. وهنا نعود إلى كلامنا الأول وهو، يا أعزائي، اعلموا أنكم
في بداية الطريق، والبلد أيضاً في بداية الطريق. لاحظوا أنّنا بسبب خبث وتقاعس
واستبداد وتبعية الحكومات المختلفة التي حكمتنا طوال العصور الأخيرة3
تأخرنا عن قافلة العلم في العالم. لعلَّه يمكن القول إنّنا متأخرون ثلاثة قرون على
وجه التقريب. لقد أصابتنا الغفلة.
كان زعماء البلاد وحكّامه غارقين في حياة اللهو والعبث واحتياجاتهم الشخصية،
والتكبّر والاستكبار على الشعب، وغافلين عن أوضاع العالم وأحواله، فتضرّرنا من
الناحية السياسية، وكانت الخسارة الأكبر على صعيد التقدّم العلميّ. في مضمار السباق
هذا الذي كنّا فيه خلال القرون السابقة متقدّمين على الآخرين، وبعد أن كان العالم
كلّه تقريباً يسير بوتيرة واحدة، استطاعت بعض الشعوب حيازة واسطة نقل أسرع فتقدّمت
علينا، لذلك ازدادت المسافة بيننا وبينهم بنحو كبير. لأنّهم كانوا متقدّمين علينا،
وحصلوا على واسطة نقل أسرع، لذلك ازدادت المسافة الفاصلة بيننا وبينهم - وهذا مجرّد
تشبيه - بل لقد كنا متوقّفين، وفي أحسن الأحوال، كنا نكتفي بمخلّفات أعمال الآخرين
ومصنوعاتهم، وهكذا ازداد البون أكثر فأكثر بيننا وبين العالم الذي راح يكتشف كلّ
يوم ساحات ومجالات جديدة. وجاءت الثورة الإسلامية فأيقظتنا جميعاً، وأثارت الهمم،
وأنزلت المواهب والطاقات إلى الساحة. والتسارع الذي حصلنا عليه اليوم يزيد بعشرة أو
ثلاثة عشر ضعفاً عن معدّل التسارع العامّ في المجال العلميّ في العالم.
وهذا أمرٌ ممتاز. لكنّ المسافة التي تفصلنا عنهم ما زالت كبيرة. فلو أنّنا أكملنا
هذا التسارع الذي حصلنا عليه اليوم لمدّة عشرين سنة ـ وأنا عندما أقول عشرين سنة لا
أقول ذلك على أساس حسابات دقيقة، وإنّما من باب التخمين ـ فإنّنا سنصل إلى تلك
الموقعيّة التي تتناسب مع شعب إيران وتاريخه وماضينا، وتراثنا العلميّ، وأهميّتنا.
وعليه يجب أن لا نسمح لهذه الحركة والمسيرة بالتوقّف، إذ لو توقّفت هذه المسيرة فإن
استئنافها وإعادة تشكيلها سيكون صعباً. وهذه مهمتكم أيّها الشباب. على الشباب أن
يضاعفوا هممهم. أُشعروا أنكم في بداية طريق طويل ومهمّ، وبلادكم أيضاً في بداية
طريق طويل ومهمّ.
لعدم الشعور بالإنهزام أمام التقدم الغربي
بالطبع، لا أوصي أبداً بأن تشعروا بالانهزام والخوف من التقدّم الغربيّ
إطلاقاً . فذلك التقدّم مردّه إلى أنهم سبقوا (الآخرين) في مرحلة معينة، وإلى الظلم
والاستكبار والاستعمار. لو لم يستعمر البريطانيون الهند وبورما والمنطقة الثرية في
آسيا، ولم يغتصبوها، ولم ينهبوا ثرواتها - وقد استطاع الهنود أنفسهم أن يصوّروا هذا
الحال تصويراً ممتازاً في مرحلة تاريخية معيّنة - فمن المسلَّم به أنّه لما
استطاعوا الوصول إلى ما وصلوا إليه. كانوا يمتصّون دماء الآخرين ويسمنون وينتفخون4،
ونحن لا نريد أن نفعل هذا. إنّنا لا نسعى إطلاقاً لامتصاص الآخرين، إنّما نؤمن
بالتفتّق والإبداع الداخليّ، والتدفق الذاتي، ونعزّز هذا المنحى، وسوف نتقدّم إن
شاء الله. هذه هي النقطة الأولى: لا تسمحوا بتوقّف هذه الحركة.
الهمّة العالية وتحمّل المسؤوليّة
النقطة الثانية هي أن المسؤولين ومديري الأجهزة ذات الصلة بالمسيرة
العلمية تقع عليهم مسؤوليات، كما تقع على عاتق النّخب أنفسهم مسؤوليات. لقد
سُرِرتُ, لأنّ عدداً من شبابنا الأعزّاء صرّحوا هنا بأنّ النّخب لا يجدون أنفسهم
دائنين للنظام وللشعب ــ هذا مضمون ما قيل - إنما يرون أنفسهم أشخاصاً يستطيعون
تقديم الخدمة للشعب، ومن واجبهم النهوض بهذه الخدمة. هذه معنويات وروح جيدة جداً.
وفي الوقت نفسه هناك مسؤوليات.
بالطبع، المسؤولون قاموا بعمل جيد. لقد درستُ المسألة وتلقّيتُ تقارير عن قرب.
تعلمون أنني لا أكتفي عادة بالتقارير التي يقدّمها لي الأعزّاء والمديرون.
التقارير التي تعلن بشكل رسميّ غالباً ما تكون إيجابية وجميلة ومصطبغة بالحسن،
وبوسع المرء أن يكتشف الأمور من خلال قنوات أخرى. مضافاً إلى أنّ التقارير التي
رفعها المديرون كانت جيدة، وكذلك ما قالته السيدة رئيسة المؤسسة اليوم، فقد حققتُ
من طرق أخرى ووجدتُ أن العمل في مؤسسة النخبة يجري بطريقة جيدة للإنصاف، والجهود
المبذولة هناك جهود جيدة جداً.
للتجديد ولإبداع في العلوم الإنسانيّة
هناك نقطة أيضاً، أنّ المعايير ليست واحدة في مجالي العلوم التقنية
والعلوم الإنسانية. وهنا بالطبع قد ميَّز أحد الشباب الأعزاء حتّى داخل العلوم
التقنية نفسها، بين العلوم المحضة والعلوم الصناعية والتقنية، وهذه بدورها نقطة
جديرة بالعناية والملاحظة. وعلى كلّ حال ثمّة مائز بين معايير النخبوية في العلوم
التقنية والعلوم الإنسانية. ليست المقاييس والمعايير في هذين الحيّزين واحدة، هذه
نقطة ينبغي ملاحظتها.
إنّنا بحاجة إلى التجديد والإبداع والابتكار في مجال العلوم الإنسانية والتي تُعتبر
اليوم حاجة أساسيّة جدّاً في بلدنا. فهذا هو المفتاح الأساسيّ للتطوّر النهائيّ
والبنيويّ والجذريّ في البلد. لهذا، ينبغي اختيار المعايير بشكل صحيح.
لتوفير الأجواء العلميّة المناسبة
لنقطة الأخرى، هي أنّ دعم النّخب يعني بالدرجة الأولى توفير فرص البحث
والدراسة والتحصيل العلميّ والتطوّر لهم. وأنا بالطبع لا أعارض أبداً الدعم الماليّ
والماديّ وما إلى ذلك، بل هو ضروري ولازم، لكنّ الأهم منه أن تشعر النّخب أنّهم
يتنفسون، في أجواء علمية. الشيء الذي يُنقل لنا دوماً هو أنّ النّخب والمتفوقين
يرغبون في وجود ساحات واسعة يمكنهم التحرّك فيها حسب مقتضيات نخبويتهم وموهبتهم.
هذا ما ينبغي توفيره. ولهذا الشيء طبعاً طرق وأساليب متعددة. وليس من اختصاصنا
تشخيص السبل وتقديم الاقتراحات والتأشير إلى المسالك، إنّما هو من اختصاص الخبراء
ذوي الشأن.
وبالطبع، فإنّ للشباب أنفسهم اليوم آراءهم في هذا المجال. ينبغي تأمين وتوفير هذه
الأجواء لتشعر النّخب أنّ هناك ساحات وميادين متوفرة أمامهم.
لاكتشاف وإعداد وتنمية المواهب
تطوير النخب وحفظها النقطة الأخرى هي أن نحوّل رعاية النّخب والنظر
إليهم إلى منظومة متشابكة. نتعرّف إلى النّخب ونشخّصهم وننتخبهم ونساعدهم، ونوفر
لهم الثبات والاستقرار في مسيرتهم النّخبوية, ولكنّ هذا لا يكفي.
ينبغي وجود مسيرة شبكية بنّاءة ودورة تبدأ من تربية النّخب وإعدادهم. وجذور ذلك
موجودة في مؤسسة التربية والتعليم، كما قال أحد الشباب. علينا تشخيص مواهب النّخب
وإعدادهم وتربيتهم، ثمّ نقوم بالانتخاب والانتقاء من بين هؤلاء، أي انتخاب الأفضل
فالأفضل لأنّ بعض النّخب أكثر نخبوية وبعض المواهب أشدّ. أي اختيار الأفضل. ثم تأتي
مرحلة الحفظ والرعاية ورفع المستوى. وهنا لسنا أمام الحفظ فقط بل الحفظ المصحوب
بالارتقاء ورفع المستوي والتقدم. فإذا كان هذا الفرد "النخبة" اليوم في المرتبة
العاشرة، فساعدوه على أن يرتقي في المستقبل غير البعيد إلى المرتبة الأولى. ثمّ
يدخل هذا الفرد نفسه في دورة صناعة النّخبة - أي الحالة الشبكية - فيتحوّل إلى صانع
مميّزين ومخرّج للنُّخَب. وفي هذه الحالة تتحقّق ظاهرة الإنتاج، ووضعية التوليد
الذاتيّ، وتتضاعف الحركة. لو انتهجنا مثل هذا الأسلوب فيبدو أنّ العمل والأمور سوف
تتقدّم إلى الأمام.
الميثاق الاستراتيجيّ للنخب
ونقطة أخرى تتعلّق بالمسؤولين المحترمين والميثاق الاستراتيجي للنّخب،
وقد عُرض كمقترح. ولحسن الحظّ، فقد تمّ إعداد شيء جيد، لم أطّلع بنفسي عليه لكن
الأصدقاء درسوه ونظروا فيه، وكان تقييمهم أنّ هذا الميثاق الاستراتيجيّ تمّ إعداده
بصورة جيدة وشاملة. وقد تمّت المصادقة عليه في المجلس الأعلى للثورة الثقافية5
كمرحلة من المراحل، ولكن ينبغي أن يصادق عليه بصورة نهائية ويجري إبلاغه بسرعة.
حينما يجري إبلاغه فسوف تتعاون وتتكامل كلّ الأجهزة والمؤسسات في تنفيذه. إذا تمّت
المصادقة على الميثاق الاستراتيجيّ للنخبة - بشكله الذي وصفوه لي - وتمّ إبلاغه
فسوف يرتفع الكثير من هذه الأسئلة والنقاط الغامضة تلقائياً.
مسؤوليّات النخبة
أولاً: المحافظة على التطوّر المستمر
أمّا بخصوص مسؤولياتكم أيّها النّخب الأعزّاء، فقد قلنا إنكم يجب أن
تعتبروا أنفسكم في بداية الطريق. حاولوا أن تبقوا في مستوى النّخبة. إنّكم اليوم
نخبة لكنّكم في سباق، وقد يرتفع المستوي العلميّ للبلاد إلى حدّ لا يكون معه هذا
المستوي نصاباً كافياً للنّخبوية. وقد تستدعي الضرورة أن يرتقي المرء لمستويات
أعلى. لقد أدرجنا في ميثاق الأفق العشريني6 أنّنا سنصل في سنة 1404هـ
.ش. (2025م) إلى المرتبة الأولى في المنطقة من الناحية العلمية. ويقول بعض
المسؤولين إنكم قلتم نصل لهذا المستوى في سنة 1404هـ .ش.، لكننا الآن ونحن في سنة
1391هـ.ش. (2021م) نحتلّ المرتبة العلمية الأولى في المنطقة. هذا كلام صحيح، لكنه
ليس ذلك الكلام نفسه. لسنا الآن في نهاية الطريق، بل في وسط الطريق، وفي بداية
المسير.
ينبغي لكم أن تحافظوا على هذه المرتبة الأولى من الآن - ونحن في سنة 1391 - إلى سنة
1404، وتكتشفوا أدوات ومقتضيات المحافظة على هذه المرتبة. وهذا يحتاج إلى الكثير من
العمل. عقدتم العزم وانطلقتم في قفزة نوعية، وهذا جيد، ووصلتم إلى المرتبة الأولى،
لكن الآخرين لن يبقوا عاطلين، مكتوفي الأيدي. ثمة آخرون يريدون الوصول للمرتبة
الأولى في المنطقة ويكونوا متفوقين، وهم أيضاً يبذلون جهودهم. إذن، يتوجّب أن
تحافظوا على هذه النّخبوية. وهذا ما يصدق تماماً عليكم كأشخاص. ينبغي أن تكونوا
مؤثّرين. كما ذكرنا، يتعيّن عليكم في شبكة النّخبة هذه أن تستطيعوا دفع الأجواء
المحيطة بكم نحو النّخبوية. هذه عملية مهمّة جداً، وهي من واجبات النّخبة.
ثانياً: موائمة الجهود العلمية لاحتياجات الوطن
وهناك مسؤولية أخرى من المسؤوليات التي دوّنتها، وهي أن تصبّوا جهودكم
واهتماماتكم على احتياجات البلد. وطبعاً هذه نقطة موجودة في كلمات الأعزاء، ويتكرّر
ذكرها في كلماتهم خلال اللقاءات التي تجمعني بالجامعيين والطلبة الجامعيين في شهر
رمضان وغير شهر رمضان.
لكن هذا شيء يجب أن يتحقّق ويجد طريقه إلى التنفيذ العملي. تفيد بعض التقارير التي
تصلني إلى أنّ 70% من البحوث والدراسات العلمية الآن لا تُعنى باحتياجات البلاد. لا
أدري كم هذه الإحصائيات دقيقة، لكنها تقارير تصلني. تبذلون كلّ هذه الجهود وتنتجون
البحوث العلمية فيكون 30% منها فقط مختصاً باحتياجات البلاد و70% لا صلة له
باحتياجات بلادنا! يشعر المرء بالخسارة طبعاً. ينبغي أن يكون العمل العلمي والجهود
العلمية وإنتاج الدراسات العلمية منصبّاً على احتياجاتكم 100%. تعاونوا مع الـ
7 ISI على هذا الأساس. حين يكون البحث المقبول لدى الـ ISI ممّا يمكن
الاستفادة منه في داخل البلاد، تابعوا هذا البحث وطوّروه. لدينا معيار أساسيّ.
ومعيارنا هو أنّ بلادنا فيها مئات الثغرات والنواقص والمشاكل، ونريد ردم هذه
الثغرات. هذه بدورها نقطة أساسية مهمة جداً. وطبعاً هذا ما يحتاج أكثر من أي شيء
آخر إلى ذلك المنهج المنظّم الذي أشار له الأعزاء، وإلى المساعي التي ينبغي لمؤسسة
النخبة أن تبذلها.
ثالثا : المراقبة المعوية
1 ــ تهذيب النفس
وصيّتي الأخرى لكم أيّها الأعزّاء هو أن تراقبوا أنفسكم وتهتمّوا بها.
وليس المراد من المراقبة هنا المراقبة (المادية) الفيزيائية، إنّما المراقبة
المعنوية وتهذيب النفس، فهذا ما يساعدكم. ينبغي أن نوفّر لأنفسنا وجهاً مقبولاً عند
الله. أنتم شباب، وقلوبكم طاهرة وأرواحكم شفافة. ربما أمكن القول إنّ الارتقاء إلى
المراتب والمقامات المعنوية والروحية في أعماركم أسهل بعشر مرات منه بالنسبة للذين
هم في أعمارنا. يمكنكم أن تتوجّهوا إلى الله وتتوسّلوا به وتستأنسوا به، وتبعدوا
أنفسكم عن الذنوب. هذه من خصوصيات الشابّ. لاحظوا مثلاً جسم لاعب (الجمباز): شابّ
في حركاته المتنوّعة، كم هو مرن، وقارنوا ذلك بإنسان كبير السنّ مثلي ممّن لا
يستطيع أن يحقّق لنفسه من تلك المرونة البدنية حتّى 1%. ومثل هذا الشيء بالضبط يحصل
في روحه وفي قلبه. بوسعكم أن تتوجّهوا نحو المعاني الراقية العالية. فلا تهملوا هذا
الجانب واهتموا به.
2 ــ الاهتمام بالصلاة والأنس بالقرآن
الاهتمام بالصلاة والاعتناء بها له أثر كبير. فأداء الصلاة بتوجّه وفي
أوّل الوقت ومع حضور القلب وتركيز أمرٌ مؤثّر جداً جداً. والأنس بالقرآن جيّد جداً.
اقرأوا شيئاً من القرآن الكريم كلّ يوم ــ وإن كان نصف صفحة ــ ودقّقوا أن لا
تتركوا هذا الشيء. افتحوا القرآن واقرأوا نصف صفحة أو آيتين بتوجّه وتركيز. وواظبوا
على ذلك.
النفوس المهذبة تجعل العلم في خدمة البشرية لا وبالا
عليها
هذه هي المراقبة المعنوية وتهذيب النفس. اجعلوا النّخب العلمية - التي
ستبلغ يوماً ما ذروة القمم العلمية إن شاء الله - تغرق في المعنوية بحيث تستطيع أن
تعمل بإخلاص ولصالح الإنسانية مئة بالمئة. حينما تكون قلوبكم مع الله، فلن تستخدم
علومكم لصالح القنابل الذرية أو الأسلحة السامّة أو الأساليب الاقتصادية المدمّرة
لثروات الشعوب. فعلماء الاقتصاد في العالم، وعلماء الذّرة في العالم، وعلماء
الأحياء في العالم، يستخدم الكثير من منتجات علومهم لإهلاك البشرية وتدمير أجسام
البشر أو أرواحهم. العلم هو الذي يستطيع أن يوجد المخدّرات القاتلة من قبيل ما يوجد
في العالم اليوم. هذه أيضاً أنتجت بالعلم، وهي خيانات كبيرة قام بها أصحاب العلم،
بسبب القلوب الغافلة، والأعين الحريصة على المال والمادّيات والحياة الدّنيا، والتي
أنستهم الروحانيّات تمام النسيان. حينما تكونوا مهذّبين تنتهي علومكم لصالح البشرية
مئة بالمئة. هذه هي المراقبة الأولى.
3 ــ تطوير الأفكار بالتوازي مع التطور العلمي
المراقبة الثانية، هي المراقبة في التفكير (الفكر). قالوا إنّ التفكّر
هو أكبر عبادة. التفكّر في الخلقة والتفكّر في وظائف الإنسان وواجباته، والتفكّر في
الحياة الدّنيا، والتفكّر في الآخرة، والتفكّر في الأوضاع السياسية في العالم،
والتفكّر في القضايا الأساسية والأصولية في حياة الإنسان. لدينا تطوّر في العلوم،
ويجب أن يوازيه تطوّر في التفكير أيضاً. الفكر هو الذي يرسم خطوط واتجاهات المساعي
العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات. هذه هي المراقبة الثانية.
رابعاً: الوعي السياسيّ
ثمّ هناك المراقبة الخاصة بوضع بلادكم، والنظرة الصائبة الدقيقة لقضايا
بلادكم وتحليلها. بوسع النخب الإيرانيين في الوقت الراهن، القيام بأعمال جيّدة
وكثيرة في هذه المجالات. نقف اليوم في ساحة واسعة مقابل جبهة الأعداء. وتلك الجبهة
ليست بالجبهة الضعيفة أو الفقيرة، فلها أموالها وإعلامها وعلومها وسياستها وقدراتها
السياسية، لكن الشعب الإيرانيّ ونظام الجمهورية الإسلامية يقف مقابل كلّ هذه
الضغوط, وهم يمارسون الضغوط بكلّ أشكالها، من الضغوط الأمنية والعسكرية والاغتيالات
وافتعال الاضطرابات، وغير ذلك إلى الضغوط السياسية والاقتصادية،
وفرض الحظر، وممارسات من هذا القبيل. والشعب واقف مقابل كلّ هذا ويتقدّم إلى
الأمام. هذه الضغوط تمارس منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، والشعب الإيرانيّ والثورة
الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية يقف أمامها بكل شجاعة، وقد أحبط الضغوط،
وازداد قوّة وصلابة.
يجب أن لا نفقد موقعيتنا وموقع الشعب الإيرانيّ ونظام الجمهورية الإسلامية في
الخارطة العالمية الحالية التي ترسم مواقف ومواقع القوى السياسية في العالم،
والجغرافيا السياسية العالمية. أين نقع نحن؟ وما هو وضعنا؟ لاحظوا استعراض القوى
والضغوط وإخفاقات العدوّ. وبالطبع فإنّ الضغوط شديدة جداً ومن أنحاء مختلفة، ولكن
أن نتصوّر أنّنا بقرارنا الفلانيّ وتدبيرنا وعملنا الفلانيّ تسبّبنا في تأجيج
العداء علينا فهذا خطأ وغير صحيح.
إنّ شعب إيران وبسبب موقعيّته المستقلّة، وعدم استسلامه لنظام الهيمنة الدّولي أصبح
في معرض كلّ هذه الهجمات. فلأنّ الشعب لم يستسلم لهذا النظام المهيمن، يضغطون عليه
حتّى يستسلم. فهؤلاء لم يعجزوا عن إخضاعه وحسب، بل أصبح هذا الشعب من موقعيّته أكثر
تصميماً، وازدادت قدرته وإمكاناته. ومثل هذا يستفز الأعداء ويغضبهم, فيتصرّفون
باضطراب، ويجعلهم يرتكبون كلّ هذه الأخطاء، حيث بوسع المرء أن يستفيد أيضاً من هذه
الأخطاء. لهذا، فلتتعرّف نخبنا العزيزة إلى موقعية نظام الجمهورية الإسلامية.
الوصول إلى القمّة، تحمّل الصعاب، تجاوز المحن وأقولها لكم: بفضل ثروات الطاقات
البشرية المتوفّرة في بلادنا حالياً - والحمد لله - سنستطيع اجتياز كلّ هذه
المنعطفات الصعبة. لكنّ الوصول إلى القمة دون اجتياز المنعطفات خيال باطل. تارة
تقعدون في بيوتكم - وقد سقت هذا المثل مراراً - وتنظرون من النافذة، فترون جبال
البرز يرتقيها الناس أيام الجمعة أو غير أيام الجمعة. ويتصوّر المرء من داخل غرفته
أنّه مع هؤلاء المتسلقين وفي القمّة، والحال أنّه ليس في القمة. إذا أردتم الوصول
إلى القمة فعليكم أن تذهبوا إلى الجبل، وتبدأوا من أسفله وتتحرّكوا وتتحمّلوا
الصعاب، وتريقوا عرقكم، وتتعبوا وتتحمّلوا مشكلات عديدة في الطريق إلى أن تصلوا
أخيراً إلى القمّة. والوصول إلى القمّة في مثال تسلّق الجبال مجرّد رياضة بدنية،
ووصول إلى الهواء الطلق وشعور بالرضا والبهجة، ولكن في مسيرة الشعب فإنّ الوصول إلى
القمة يعني الوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة، وإلى الهدوء والسكينة، وكلّ مصاديق
السعادة التي يمكن لشعب أن يرسمها لنفسه. بهذه الثروة التي يتمتّع بها شعبنا -
الثروة الإنسانية والثروة الطبيعية - سوف يتجاوز شعب إيران - بتوفيق من الله - كلّ
هذه المعابر الخطرة، والمنعطفات والمرتفعات الصعبة، ويصل إن شاء الله إلى القمة.
أتمنى أن يحفظكم الله تعالي جميعاً، ويوفّق مسؤولينا للقيام بواجباتهم الملقاة على
عواتقهم. وسنراكم إن شاء الله تقطعون مراحل التقدّم والرقيّ باستمرار، وسيُخرج الله
تعالى بلادنا وشعبنا من كلّ هذه الميادين شامخاً مرفوع الرأس إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- إبراهيم، 25.
2- مؤسسة النخبة: تُعنى برعاية المتميّزين وأصحاب الإبداعات والمتفوّقين في مختلف
المؤسسات والهيئات التعليمية والتربوية والرياضية، والمهن والصنائع و...، وهي تعمل
على رصد وتنمية ومتابعة شؤون النخب، واستقطاب كفاءات موهوبة جديدة، وقد تمت
المصادقة (قبل 3 سنوات) على وثيقة النخب الاستراتيجية من قبل الشورى العليا للثورة
الثقافية بناءً لدعوة الإمام القائد، وتتضمن هذه الوثيقة بالإضافة إلى رعاية وحماية
النخب، استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم في مختلف المجالات ذات الصلة.
3- أي العهود التي تلت حكم الصّفويين ما بين (1736 ـ 1979م)، أي حكم سلالات
الأفشاريد والزنديين والقاجار وصولاً إلى الحكم البهلوي الذي أطاحت به الثورة
الإسلامية عام1979م.
4- يشبّه الإمام القائد هؤلاء بالعلقة التي تمتص الآخرين وتسمن نفسها.
5- المجلس الأعلى للثورة الثقافية: من المؤسسات المهمّة والأساسية في إيران، شُكِّل
بعد انتصار الثورة بأمر من الإمام الخميني، يرأسه رئيس البلاد ويضم مسؤولي المؤسسات
والوزارات والهيئات ذات الطابع الثقافي والدينيى والاجتماعي، من مهامه تقوية
البنيان الثقافي والديني لدى مختلف فئات وشرائح الشعب، ومؤسسات الثورة والدولة،
والقضاء على الآثار والترسبات اللادينية التي أدخلها نظام الشاه السابق إلى المجتمع،
ويعتمد على الأصول الإسلامية، أي الإسلام المحمدي الأصيل المتمثّل بمجموع المنظومة
العقائدية والشرعية والعملية التي قدّمها؛ الإسلام لإدارة المجتمع ورعاية شؤون
الناس.
6- وثيقة ترسم آفاق التنمية في إيران في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية، ويتمّ تطبيقها منذ العام 2005م ولمدّة 20 سنة على أربع مراحل.
7- راجع حاشية الصفحة 309.